|
فقهيات لازم اللباسُ البشرَ منذ كان أبونا آدم عليه السلام في الجنة ، ولم يفارق أبوانا اللباس حتى طاوعا إبليس وأكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عن الأكل منها .
عند ذلك نُزِعَ اللباس ، وبدت العورات ، واحتاج الوالدان - عليهما السلام - إلى بذل الجهد في عمل لباس آخر يستر تلك العورات ، فعمدا إلى ورق الجنة يصلانه ببعضه على هيئة لباس ليستترا . جمعنا الله بهما في الفردوس من الجنة . إنه سميع مجيب .
ومنذ هبط أبوانا إلى الأرض واللباس يلازم ذريتهما حاجة وتعبداً .
أما نوع اللباس فبحسب عادات الشعوب ؛ يلبسون ما يسترون به عوراتهم ، ويتجملون به فيما بينهم ، ويختلف شكله وهيئته ولونه بحسب الأعراق والمجتمعات .
ولكل جزءٍ من البدن لباسه :
= فالرأس لباسه : العمامة ، والغترة ، والطاقية ، والقلنسوة ، والطربوش ، والخوذة ، والقبعة ، والكوفية . ونحو ذلك .
= والوجه لباسه : اللثام ( للرجل ) ، والبرقع ، والخمار ، والنقاب ( للمرأة ) .
= وللعنق لباسٌ هو : الرَّبطة ( الكرافتة ) .
= وأعلى البدن لباسه : القميص ، والثوب ، والقَبَاء ، والرداء ، والكساء ، والعباءة ( البشت ) ، والجبة ، والمعطف ، ونحوها .
= وأسفل البدن لباسه : الإزار ، والسراويل ، والتُبَّان ، وما في حكمها .
= والكفَّان لباسهما : القفازان .
= والقدمان لباسهما : الخفَّان ، والجوربان ، واللفائف ، والنعلان ، ونحوها .
ولا حجر على مسلم في لبس ما شاء من هذه الألبسة بشرطه الآتي بيانه .
روى البخاري : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ ، وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ ؛ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الأَرْدِيَةِ وَالأُزُرِ تُلْبَسُ ؛ إِلا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ .. .. * الحديث .
وروى أيضاً : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَسَأَلَهُ : عَنْ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ؟ . فَقَالَ : أَوَ كُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ ؟ .
ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ ؟ . فَقَالَ : إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ : فَأَوْسِعُوا ؛ جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ ، صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ ، فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ ، فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ ، فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ ، فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ ، فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ . قَالَ : وَأَحْسِبُهُ قَالَ : فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ * .
= وبعض المجتمعات قد تتفق على بعض الملبوسات ، وقد تختلف في بعضها اختلافاً يُعرَفُ به أحدهم بمجرد النظر للباسه ؛ كما في الزيِّ الخليجي ، أو السوداني ، أو المغربي ، أو الباكستاني .
= ويكاد يعم سائر البقاع - غير جزيرة العرب - لباسٌ ؛ لا يخرج في أصله عن اللباس الشرعي الذي اعتاده العرب قبل الإسلام وبعده ؛ وهو القميص ، والسراويل ( البنطال ) .
روى الترمذي : عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ * كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقَمِيصُ *
وروى الإمام أحمد : عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه أنه قال : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنْ الأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ! حَمِّرُوا ، وَصَفِّرُوا ، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ . قَالَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلا يَأْتَزِرُونَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : تَسَرْوَلُوا ، وَائْتَزِرُوا ، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ .. .. * الحديث .
= ولا يلزم المسلم لباسٌ بعينه دون غيره ؛ فالأصل في اللباس : الجواز . غير أن لكل لِباس ضوابط في الشرع ؛ منها :
1/ أن يكون فضفاضاً ؛ فلا يكون ضيقاً ؛ يتبين منه حجمُ ما تحته .
2/ أن يكون صفيقاً ، فلا يكون رقيقاً ؛ يَبِينُ منه لونُ ما يستره .
3/ أن يكون ساتراً ؛ فلا تنكشف العورة من خلال شقوقٍ فيه ، أو بسبب انحساره عن أدنى العورة .
4/ أن يكون معتاداً ؛ فلا يكون مخالفاً ما عليه الناس مخالفة يشتهر بها لابسه من بينهم .
5/ أن لا يكون زائداً عن المحدد شرعاً ؛ فلا يتعدى لباس الرجل الكعبين نزولاً .
6/ أن لا يكون من لباس أهل الملل ؛ الذي يُعرفون به ، ويتميزون به عن غيرهم .
7/ أن يكون مباحاً ؛ فلا يكون حراماً على لابسه ؛ كالحرير والمذهَّب للرجال .
= روى البخاري : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ * مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ *
وللإمام أحمد : عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم * مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ *
= وروى أبو داود : عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ * الإِسْبَالُ فِي الإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ ؛ مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا خُيَلاءَ : لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ *
وللبخاري : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ * لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ *
وروى الترمذي : عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ * حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي وَأُحِلَّ لإِنَاثِهِمْ *
= وكان غالب أحوال قميصه صلى الله عليه وسلم : أن تكون أكمامه إلى ملتقى الكف بالذراع ؛ ويسمى ذلك : الرُّسْغ . وقد يقصُر عن ذلك .. .. .
= أما جيب القميص : فقد يكون مفتوح الأزرار .
= وقد يكون القميص طويلاً ، وقد يقصُر إلى حدِّ الحزام .
= ولم يكن لثيابه صلى الله عليه وسلم لوناً واحداً ؛ وإن كان صلى الله عليه وسلم يحب الأبيض ، غير أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس الأخضر ، والأحمر ، والأصفر ، والأسود .
= وكان يتعمَّم صلى الله عليه وسلم بالسواد . وكل ذلك ثابت في السنة الصحيحة .
= والثوب السعودي : وما أشبهه من الثياب ما هو إلا قميصٌ طويل تحته سراويل ، وحكمه في الإسبال حكم الإزار ؛ كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما السالف .
= والغترة العربية : لا تكون عمامة حتى تدار على الرأس أكثر من مرة ؛ وإلا فهي غطاء يسدل من فوق الرأس . ولعلها صُحِّفت عن : القُتْرَة . بالقاف ؛ بمعنى : السترة .
= ولَكَمْ رأيت من لا يُحسن لبسة الغترة ؛ إلا بعقال .
= وكم رأيت من يتمنى التخلُّص من أعباء وعناء لبس الغترة ؛ للزوم معاهدتها بالتعديل يمنة ويسرة ، ومن الأمام ، وإلى الخلف .
= وكذا : الثوب ؛ لبعض العيوب الملازمة لَه ؛ من : سرعة اتساخه ، وتثنِّيه وتعطُّفه وتقبُّضِه ، والتصاقه ببعض أجزاء البدن في كلِّ نَهْضَةٍ .
= وما أن يغادر أحدهم البلاد حتى يُلقي بتلك الأحمال من الأقمشة ، ويقتصر على لبس القميص والبنطال .
= ولو علم الناس مشروعية كل لباسٍ مستوفٍ للشروط السبعة السالفة ؛ أياً كان نوع هذا اللباس : لاستساغوا أنواع الألبسة ، وتحرروا من الالتزام بالألبسة التي لا تُوفِّر مالاً ، ولا جهداً ، ولا حركة أرحب مما يُوفِّرُه غيرها .
= ومتى تنوعت الألبسة في المجتمع ، وتعوَّد الناس على عددٍ منها : لم يُنكر منها شيءٌ ؛ لا في هيئته ، ولا في لونه ؛ كما هو حال الصحابة رضي الله عنهم .
= وقد أحسنت الدولة - وفقها الله - إذ ميَّزت كل قطاعٍ عسكريٍ بلباسٍ يخصُّه ، ويُعرف به صاحبه حال رؤيته ؛ فيعينه ذلك على أداء مهمته في حدود اختصاصه .
= كما تعارف الأطباء والممرضون على لبس زيٍ خاصٍ بهم ، وكذلك : الصناعيون ، بل زاد الأمر ببعض القطاعات الخاصة ، فخصَّصت زياً خاصاً بمنسوبيها ؛ لما يُوفِّره هذا التميُّز من فوائد علموها ، فسعوا لتحصيلها .
والدعوة في هذه الوقفة : إلى وزارة العدل ؛ لتخصيص زيٍ : للقضاة ، وآخر : لكتاب العدل ، وإلى الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لتخصيص زيٍ : لأعضاء الهيئة الميدانيين ، وإلى الجامعات : لتخصيص زيٍ : للأساتذة ، وكذا : سائر قطاعات التعليم الأخرى . وفق الله الجميع لكل ما يحبه الله ويرضاه .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 5195 | تأريخ النشر : الخميس 11 رمضان 1421هـ الموافق 7 ديسمبر 2000مإرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|