نشرت في مجلة اليمامة العدد 1893 - وصحيفة اليوم العدد 12317

قضائيات كنت أتذاكرُ مع صديقٍ لي وَضْعَ القضاء في المملكة ، وما ينبغي أن يكونَ عليه في ظِلِّ هذه الحكومة المباركة الطموحة إلى تحقيقِ أفضلِ النتائج في أقصرِ الأوقات ؛ عَبْرَ الاستفادةِ من تجارِبِ السالفين من الأمم الناهضة ، ووصلنا في الحديث إلى حال القضاة – بعد احتمالهم الأمانةَ وتصدُّرِهِم للقضاء في أرجاء المملكة ؛ القاصي منها والداني ، والحاضر منها والباد – وهل لهم ما يُسعِفُهُم عند الاستشكال ، أو من يرشدهم عند السؤال ؟

فسَبَرْتُ له المؤسساتِ القضائيةَ الإشرافيةَ ، فإذا بها لا تخرُجُ عن : ثلاثِ جهاتٍ رسمية .
وقُمْتُ باستعراضها لمعرفة نِظاميِّة تلك الجهات للإجابة عن استرشادات القضاة ، كالتالي :-

الجهة الأولى /
مجلس القضاء الأعلى : وهو الآن يُمارس صلاحيةَ استقبالِ استشكالاتِ القضاة والإجابةِ عنها ، كما يتولى استقبالَ الشكاوى والتظلماتِ من أيٍ من أطراف القضايا ضد القضاة ، ويكتب إليهم استفساراً ، وتوجيهاً.
وقد حاولت أن أجدَ فيما بين يديَّ من أنظمةٍ قضائيةٍ ما يسنُدُ ممارساتِ المجلس تلك فلم أعثر إلا على الآتي :-
1/ ما جاء في المادة (7) من نظام القضاء : أن إشرافَ المجلسِ على المحاكم لا يخرُجُ عن الحدود المبيَّنة في هذا النظام .
2/ أن نظر المجلس في المسائل الشرعية ؛ لتقرير المبادئ العامة فيها مشروطٌ بتقدير ضرورة ذلك من معالي وزير العدل ؛ بحسب الفقرة الأولى من المادة (8) والفقرة (هـ) من المادة (89) .
3/ أن إبداء الرأيِ في المسائل المتعلِّقة بالقضاء مبنيٌ أيضاً على طلبٍ من معالي الوزير ؛ بحسب الفقرة الثالثة من المادة (8) .

أمَّا بَقِيَّةُ اختصاصات المجلس الموقر – وعددها ثلاثة وعشرون اختصاصاً موزعةٌ على أربعٍ وعشرين مادةً من مواد نظام القضاء – فليس منها استقبالُ استفسارات القضاة ولا شكاوى المواطنين ؛ وهذه التصرفات – ولاشك – تخدم بعضَ أطراف القضية على حساب الآخرين ؛ بالإيحاء للقاضي أنهم أناسٌ ذوو نفوذٍ ؛ يصِلون به إلى أعلى السُلُطَات ، ويستخرجون به استفساراتٍ وتوجيهاتٍ غيرَ نظاميةٍ ؛ لبعث الرهبة في نفس القاضي ، والضغطِ عليه بما يشوِّش عليه مسيرتَه نحو إحقاق الحق بِتَجَرُُّدٍ وحِيَاديةٍ في الأعمِّ الأغلب .

ولعل في فَصْلِ المحكمة العليا عن المجلس الأعلى للقضاء – قريباً – قضاءٌ على ازدواجية اتخاذ القرار الحاصلة اليوم .

الجهة الثانية /
محكمة التمييز : وهذه الجهة – بحكم اختصاصها النوعي – لا تستقبل تشكيَّاتِ المواطنين بشأن القضايا التي لم يُحكم فيها بعد ، كما أنها لا تُجيبُ عن استرشادات القضاة التي تعرِضُ لهم أثناء نظر القضية وقبل الحكم فيها ؛ لأنَّ اختصاصَ محاكم التمييز يبدأ من حين الاعتراض على الحكم وحتى نقضِه أو تصديقِه ، ويظهر لي : أنَّ هذه الجهة ملتزمةٌ بحدودها النظامية .
ومع ذلك : فلا ينبغي للقاضي أن يتوجَّه إلى أيٍّ من هاتين الجهتين – بصفةٍ رسميَّة – في استرشاداته السابقة للحكم ؛ لعدم الاختصاص من كلٍ منهما ، كما لا ينبغي لهاتين الجهتين الإجابة على استفسارات القضاة ؛ حتى لا يقعوا في محيط ما تضمنته لوائح المادة ( 90 – 91 ) من نظام المرافعات الشرعية ؛ التي لو طُبِّقَت حقيقةً لكان بعض قرارات تلك الجهة في دائرة الردِّ . ويكفيهما إحالةُ القاضي المُسترشِدِ إلى الجهة المختصة الآتية .

الجهة الثالثة /
وزارة العدل : وهي الجهة الأوحد المخوَّلة نظاماً – بحسب المادة (89) من نظام القضاء – للإجابة على استرشادات القضاة ، وكذا المواد (71، 72 ،87 ) من ذات النظام .

لكن السؤالَ الأهَمَّ : هل هذه الجهة تُؤدِّي الدَّورَ المنوطَ بها ؛ بإرشاد القاضي حقيقةً إلى أقصر طريقٍ وأصوبِه نحو الحكم ؟ .

والجواب :
إن المادة (89) من نظام القضاء قَضَت بتشكيل إدارةٍ فنيةٍ للبحوث من مؤهلين في الشريعة أو من قضاةٍ مندوبين ؛ لتحقيق الغرض المنصوص عليه في المادة ، ومنه : إرشاد القضاة ؛ إلا أن الباحثين في تلك الإدارة يخفى عليهم – ولاشك – الكثيرُ من أمور القضاء ؛ لعدم مباشرتهم تلك الوظيفة ، كما أن القضاة المندوبين إلى تلك الإدارة ؛ يكون ندبهم إليها – في الغالب – رعايةً لظروفهم الخاصة التي تضطرُّهم للبقاء في مدينة الرياض للعلاج ، أو غيره من الأعذار ؛ التي يعودُ تقديرُها إلى صاحب القرار فيها بحسب المادة (55) من نظام القضاء .
ومثل هؤلاء القضاة – ذوي الظروف الخاصة ، وبحسب سَبْرِ أحوالِهِم – لم تكتمل تجارِبُهم بعد ، وتأهيلُهم للإجابة عن (( جميع )) استرشادات القضاة في أرجاء البلاد أمرٌ فيه نظر .
الحديث – في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى – سيكون عما تقوم به – الآن - تلك الإدارة ، وعن الحل الذي يلجأ إليه القاضي عادة عند الحاجة ، وعن موقفه تجاه ما يتلقاه من إرشاد ، وعن الحل الأمثل لسد حاجة القضاة في هذا المجال .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4056 | تأريخ النشر : السبت 13 محرم 1427هـ الموافق 11 فبراير 2006م

اضغط هنا للحصول على صورة المقالة

طباعة المقال

إرسال المقالة
دائرة الإرشاد القضائي 1-2 كنت أتذاكر مع صديق لي وضع القضاء في المملكة ، وما ينبغي أن يكون عليه في ظل هذه الحكومة المباركة الطموحة إلى تحقيق أفضل النتائج في أقصر الأوقات ؛ عبر الاستفادة من تجارب السالفين من الأمم الناهضة ، ووصلنا في الحديث إلى حال القضاة – بعد احتمالهم الأمانة وتصدرهم للقضاء في أرجاء المملكة ؛ القاصي منها والداني ، والحاضر منها والباد – وهل لهم ما يسعفهم عند الاستشكال ، أو من يرشدهم عند السؤال ؟ فسبرت له المؤسسات القضائية الإشرافية ، فإذا بها لا تخرج عن : ثلاث جهات رسمية . وقمت باستعراضها لمعرفة نظامية تلك الجهات للإجابة عن استرشادات القضاة ، كالتالي :- الجهة الأولى / مجلس القضاء الأعلى : وهو الآن يمارس صلاحية استقبال استشكالات القضاة والإجابة عنها ، كما يتولى استقبال الشكاوى والتظلمات من أي من أطراف القضايا ضد القضاة ، ويكتب إليهم استفسارا ، وتوجيها. وقد حاولت أن أجد فيما بين يدي من أنظمة قضائية ما يسند ممارسات المجلس تلك فلم أعثر إلا على الآتي :- 1/ ما جاء في المادة (7) من نظام القضاء : أن إشراف المجلس على المحاكم لا يخرج عن الحدود المبينة في هذا النظام . 2/ أن نظر المجلس في المسائل الشرعية ؛ لتقرير المبادئ العامة فيها مشروط بتقدير ضرورة ذلك من معالي وزير العدل ؛ بحسب الفقرة الأولى من المادة (8) والفقرة (هـ) من المادة (89) . 3/ أن إبداء الرأي في المسائل المتعلقة بالقضاء مبني أيضا على طلب من معالي الوزير ؛ بحسب الفقرة الثالثة من المادة (8) . أما بقية اختصاصات المجلس الموقر – وعددها ثلاثة وعشرون اختصاصا موزعة على أربع وعشرين مادة من مواد نظام القضاء – فليس منها استقبال استفسارات القضاة ولا شكاوى المواطنين ؛ وهذه التصرفات – ولاشك – تخدم بعض أطراف القضية على حساب الآخرين ؛ بالإيحاء للقاضي أنهم أناس ذوو نفوذ ؛ يصلون به إلى أعلى السلطات ، ويستخرجون به استفسارات وتوجيهات غير نظامية ؛ لبعث الرهبة في نفس القاضي ، والضغط عليه بما يشوش عليه مسيرته نحو إحقاق الحق بتجرد وحيادية في الأعم الأغلب . ولعل في فصل المحكمة العليا عن المجلس الأعلى للقضاء – قريبا – قضاء على ازدواجية اتخاذ القرار الحاصلة اليوم . الجهة الثانية / محكمة التمييز : وهذه الجهة – بحكم اختصاصها النوعي – لا تستقبل تشكيات المواطنين بشأن القضايا التي لم يحكم فيها بعد ، كما أنها لا تجيب عن استرشادات القضاة التي تعرض لهم أثناء نظر القضية وقبل الحكم فيها ؛ لأن اختصاص محاكم التمييز يبدأ من حين الاعتراض على الحكم وحتى نقضه أو تصديقه ، ويظهر لي : أن هذه الجهة ملتزمة بحدودها النظامية . ومع ذلك : فلا ينبغي للقاضي أن يتوجه إلى أي من هاتين الجهتين – بصفة رسمية – في استرشاداته السابقة للحكم ؛ لعدم الاختصاص من كل منهما ، كما لا ينبغي لهاتين الجهتين الإجابة على استفسارات القضاة ؛ حتى لا يقعوا في محيط ما تضمنته لوائح المادة ( 90 – 91 ) من نظام المرافعات الشرعية ؛ التي لو طبقت حقيقة لكان بعض قرارات تلك الجهة في دائرة الرد . ويكفيهما إحالة القاضي المسترشد إلى الجهة المختصة الآتية . الجهة الثالثة / وزارة العدل : وهي الجهة الأوحد المخولة نظاما – بحسب المادة (89) من نظام القضاء – للإجابة على استرشادات القضاة ، وكذا المواد (71، 72 ،87 ) من ذات النظام . لكن السؤال الأهم : هل هذه الجهة تؤدي الدور المنوط بها ؛ بإرشاد القاضي حقيقة إلى أقصر طريق وأصوبه نحو الحكم ؟ . والجواب : إن المادة (89) من نظام القضاء قضت بتشكيل إدارة فنية للبحوث من مؤهلين في الشريعة أو من قضاة مندوبين ؛ لتحقيق الغرض المنصوص عليه في المادة ، ومنه : إرشاد القضاة ؛ إلا أن الباحثين في تلك الإدارة يخفى عليهم – ولاشك – الكثير من أمور القضاء ؛ لعدم مباشرتهم تلك الوظيفة ، كما أن القضاة المندوبين إلى تلك الإدارة ؛ يكون ندبهم إليها – في الغالب – رعاية لظروفهم الخاصة التي تضطرهم للبقاء في مدينة الرياض للعلاج ، أو غيره من الأعذار ؛ التي يعود تقديرها إلى صاحب القرار فيها بحسب المادة (55) من نظام القضاء . ومثل هؤلاء القضاة – ذوي الظروف الخاصة ، وبحسب سبر أحوالهم – لم تكتمل تجاربهم بعد ، وتأهيلهم للإجابة عن (( جميع )) استرشادات القضاة في أرجاء البلاد أمر فيه نظر . الحديث – في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى – سيكون عما تقوم به – الآن - تلك الإدارة ، وعن الحل الذي يلجأ إليه القاضي عادة عند الحاجة ، وعن موقفه تجاه ما يتلقاه من إرشاد ، وعن الحل الأمثل لسد حاجة القضاة في هذا المجال .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع