نشرت في مجلة اليمامة العدد 1895

قضائيات حَرِصت حكومةُ خادم الحرمين الشريفين - وفقها الله - في خطواتٍ جادةٍ على تشكيلِ مجالسَ عليا في القطاعات الهامة من الدولة ، وحَرِصَت أكثرَ على التواصُلِ بين المجالس العليا المحليَّة وبين أمثالها الإقليميَّة والعربيَّة والإسلاميَّة والدوليَّة لتحقيق غرضين مُهِمَين هما:-

1/ كَسْرُ الحاجز النفسي بيننا وبين الأمم الأخرى ، بِعَرْضِ ما لدينا عليهم في قوالبَ أصيلةٍ ؛ تُبْرِزُ دّوْرَ الشريعة الإسلامية أولاً في شمولها جميعَ مَنَاحي الحياة ، كما تُبْرِزُ دّوْرَ المملكة العربية السعودية في الأخذ بتراثها الأصيل ؛ مع عرض المساعدة في تقريبِ تلك المعارف ، والتدريبِ عليها في المؤسسات السعودية المتخصصة .

2/ الاستفادة مما سبقت إليه الحكومات الأخرى من تنظيماتٍ في أمور الدنيا وشؤون الحياة المعاصرة ؛ مما يكون غايتُه : مصلحةَ العامة ، ووسيلتُه : سياسةَ مصالحهم بما فيه نفعُهم ؛ مما لا يَخْرُجُ في إطاره العام عن قواعد الشريعة وثوابت الإسلام .

ومن المجالس العليا الهامة في أيِّ دولة : (( المجلس الأعلى للقضاء )) الذي أسعَدَتْنا مشاركتُنا رؤسائَه - في كلٍ من : الكويت ومصر والسودان وتونس والمغرب - في كثيرٍ من المؤتمرات الخارجية ، وأسعدنا أكثر الالتقاءُ بهم خارج فقرات المؤتمرات ؛ سواءٌ : في رَدَهَات ( رِدَاه ) الفنادق ، أو في الرحلات الترفيهية خلال أيام المؤتمر ، فاستفدنا من سَمْتِهِم وتواضُعِهم وعِلمِهم ، وأبحرنا معهم في أمور القضاء في بلادهم ، وفي تطلُّعاتهم نحو توحيد التشريعات العربية والإسلامية قدر الإمكان ؛ بعد قَوْلَبَتِها وسَبْكِها في إطار ما تُجيزه الشريعة الإسلامية الغراء ؛ هذه الشريعة الإلهية الخالدة ، الباقية ما بقيت السماوات والأرض ، لا مُساومَة مع أحد ٍعلى عدم التفريط بثوابتها ، ولا مُزايدة مع آخرين على لزوم الأخذ بها وتحكيمها .

وفي القريب - إن شاء الله تعالى - ستُعلن حكومة خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله - عن إنشاء وتفعيل : المجلس الأعلى للقضاء ؛ بفصل الجانب القضائيِّ البحت عن المجلس الحالي تحت مسمى خاص ؛ هو : المحكمة العليا ، وتفريغ المجلس الأعلى لإدارة وتنظيم شؤون القضاء والقضاة على مدار العام .
ومنها - ولاشك - المشاركة في المؤتمرات القضائية في الداخل والخارج ، وتمثيل الجهاز القضائي فيها بحسب الاختصاص .
إذ لولا ما يقوم به معالي وزير العدل الدكتور / عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ - مشكوراً - من تمثيل مؤسساتنا العدليَّة في المحافل الدوليَّة الرسميَّة اليوم لأضحينا - لدى أمم الدنيا - خلف الأستار ومن وراء الحجب .

كما أن من لطف الله جل جلاله : أن أنعم على المؤسَّسات القضائية وعلى رجال الشريعة برجلٍ آخر ؛ هو : صاحب السمو الأمير الدكتور / بندر بن سلمان بن محمد آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين ورئيس فريق التحكيم السعودي ؛ حيث جمع من حوله كوكبةً قضائيةً اقتِحامَيَّةً ، أو قُلْ إن شِئتَ : (( انتحارية )) ؛ خاض بهم غِمارَ المعارك القانونيَّة ، وجَالَدَ بِهِم فُرسانَ القوانين الأوروبية والأمريكية وأشباهَهَم ، وغزا تلك الحصون ، ودخل هاتِيكَ المعاقِل ، وحَطَّمّ الأسوار .

فقد افتَتح جهاده العلمي باقتحام ( محكمة العدل الدولية ) في مدينة لاهاي بمملكة هولندا ؛ أكبر معاقل القانون في العالم ، المكان الذي شهد محاكمات الزعماء النازيين الألمان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ؛ حيث عقد سمو الأمير بندر - وفقه الله - في هذه المحكمة مؤتمراً عالمياً عن التحكيم التجاري والتجارة الإلكترونية ، فجلجلت قاعاتها بذكر الله جل وعلا وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأمر سموه - ولأول مرة في التاريخ - بإقامة صلاة الجماعة في إحدى قاعات المحاكمة فيها ، واستشهد في محاضرته بآيات الذكر الحكيم ، وبسنة المصطفى الأمين عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم ، وبمقتطفات من التراث الفقهي الإسلامي ؛ مشيداً بها حاثاً المشاركين من جميع الدول على اعتماد الفقه الإسلامي مرجعاً قانونياً أصيلاً عند سنِّ أنظمة المنظومة الدولية ؛ حتى أصبح أولئك القوم - لاحقاً - يُعرِّجُون في مُحاضراتهم ومُداخلاتهم على أحكام الشريعة ، ويستشهدون بالنصوص الفقهية من كتب المذاهب الإسلامية في موضوعات حديثهم .
ومن لا يفعل ذلك منهم لا ينفكُّ عن السؤال عمَّا في الشريعة الإسلامية من أحكامٍ بشأن هذا أو ذاك ؛ من الموضوعات .

والتجربة - وإن كانت لا تزال حديثةً - إلا أنها جريئةٌ ، وقد عادت بالنفع العميم على هذه البلاد ؛ حكومةً ، وثقافة ، ومؤسساتٍ تعليميةً وقضائيةً .

لقد رأينا الفرق واضحاً جلياً بين كُلِّ مُؤتَمَرٍ والذي بعده ؛ فصار القوم يحسبون حساباً لمداخلاتنا وتعليقات بعضنا ، ويُصغون إلى مشاركات إخواننا ؛ ليُبَادروا بالأسئلة والتعليقات ، ثم ما نلبث أن نلتقي بهم في خلوات المؤتمرات ؛ لنتلقى سيول الاستفسارات والاستيضاحات ؛ مقرونةً ببطاقات التعريف بالشخصية المسماة (( الكروت )) من كثيرٍ من المؤتَمِرِين ؛ رغبةً منهم في التواصل المعرِفِيِّ عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف ونحوهما .

شكر الله لسموه ، ورفع بذلك قدره عنده ؛ حيث اضطلع بهذه المسؤولية الهامة ؛ مُمثِلاً فيها حكومة خادم الحرمين الشريفين والسلطة القضائية السعودية خير تمثيل ؛ جعل الله ذلك في ميزان حسناته . والله من وراء القصد .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 3921 | تأريخ النشر : السبت 27 محرم 1427هـ الموافق 25 فبراير 2006م

اضغط هنا للحصول على صورة المقالة

طباعة المقال

إرسال المقالة
تواصل المجالس العليا حرصت حكومة خادم الحرمين الشريفين - وفقها الله - في خطوات جادة على تشكيل مجالس عليا في القطاعات الهامة من الدولة ، وحرصت أكثر على التواصل بين المجالس العليا المحلية وبين أمثالها الإقليمية والعربية والإسلامية والدولية لتحقيق غرضين مهمين هما:- 1/ كسر الحاجز النفسي بيننا وبين الأمم الأخرى ، بعرض ما لدينا عليهم في قوالب أصيلة ؛ تبرز دور الشريعة الإسلامية أولا في شمولها جميع مناحي الحياة ، كما تبرز دور المملكة العربية السعودية في الأخذ بتراثها الأصيل ؛ مع عرض المساعدة في تقريب تلك المعارف ، والتدريب عليها في المؤسسات السعودية المتخصصة . 2/ الاستفادة مما سبقت إليه الحكومات الأخرى من تنظيمات في أمور الدنيا وشؤون الحياة المعاصرة ؛ مما يكون غايته : مصلحة العامة ، ووسيلته : سياسة مصالحهم بما فيه نفعهم ؛ مما لا يخرج في إطاره العام عن قواعد الشريعة وثوابت الإسلام . ومن المجالس العليا الهامة في أي دولة : (( المجلس الأعلى للقضاء )) الذي أسعدتنا مشاركتنا رؤسائه - في كل من : الكويت ومصر والسودان وتونس والمغرب - في كثير من المؤتمرات الخارجية ، وأسعدنا أكثر الالتقاء بهم خارج فقرات المؤتمرات ؛ سواء : في ردهات ( رداه ) الفنادق ، أو في الرحلات الترفيهية خلال أيام المؤتمر ، فاستفدنا من سمتهم وتواضعهم وعلمهم ، وأبحرنا معهم في أمور القضاء في بلادهم ، وفي تطلعاتهم نحو توحيد التشريعات العربية والإسلامية قدر الإمكان ؛ بعد قولبتها وسبكها في إطار ما تجيزه الشريعة الإسلامية الغراء ؛ هذه الشريعة الإلهية الخالدة ، الباقية ما بقيت السماوات والأرض ، لا مساومة مع أحد على عدم التفريط بثوابتها ، ولا مزايدة مع آخرين على لزوم الأخذ بها وتحكيمها . وفي القريب - إن شاء الله تعالى - ستعلن حكومة خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله - عن إنشاء وتفعيل : المجلس الأعلى للقضاء ؛ بفصل الجانب القضائي البحت عن المجلس الحالي تحت مسمى خاص ؛ هو : المحكمة العليا ، وتفريغ المجلس الأعلى لإدارة وتنظيم شؤون القضاء والقضاة على مدار العام . ومنها - ولاشك - المشاركة في المؤتمرات القضائية في الداخل والخارج ، وتمثيل الجهاز القضائي فيها بحسب الاختصاص . إذ لولا ما يقوم به معالي وزير العدل الدكتور / عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ - مشكورا - من تمثيل مؤسساتنا العدلية في المحافل الدولية الرسمية اليوم لأضحينا - لدى أمم الدنيا - خلف الأستار ومن وراء الحجب . كما أن من لطف الله جل جلاله : أن أنعم على المؤسسات القضائية وعلى رجال الشريعة برجل آخر ؛ هو : صاحب السمو الأمير الدكتور / بندر بن سلمان بن محمد آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين ورئيس فريق التحكيم السعودي ؛ حيث جمع من حوله كوكبة قضائية اقتحامية ، أو قل إن شئت : (( انتحارية )) ؛ خاض بهم غمار المعارك القانونية ، وجالد بهم فرسان القوانين الأوروبية والأمريكية وأشباههم ، وغزا تلك الحصون ، ودخل هاتيك المعاقل ، وحطم الأسوار . فقد افتتح جهاده العلمي باقتحام ( محكمة العدل الدولية ) في مدينة لاهاي بمملكة هولندا ؛ أكبر معاقل القانون في العالم ، المكان الذي شهد محاكمات الزعماء النازيين الألمان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ؛ حيث عقد سمو الأمير بندر - وفقه الله - في هذه المحكمة مؤتمرا عالميا عن التحكيم التجاري والتجارة الإلكترونية ، فجلجلت قاعاتها بذكر الله جل وعلا وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأمر سموه - ولأول مرة في التاريخ - بإقامة صلاة الجماعة في إحدى قاعات المحاكمة فيها ، واستشهد في محاضرته بآيات الذكر الحكيم ، وبسنة المصطفى الأمين عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم ، وبمقتطفات من التراث الفقهي الإسلامي ؛ مشيدا بها حاثا المشاركين من جميع الدول على اعتماد الفقه الإسلامي مرجعا قانونيا أصيلا عند سن أنظمة المنظومة الدولية ؛ حتى أصبح أولئك القوم - لاحقا - يعرجون في محاضراتهم ومداخلاتهم على أحكام الشريعة ، ويستشهدون بالنصوص الفقهية من كتب المذاهب الإسلامية في موضوعات حديثهم . ومن لا يفعل ذلك منهم لا ينفك عن السؤال عما في الشريعة الإسلامية من أحكام بشأن هذا أو ذاك ؛ من الموضوعات . والتجربة - وإن كانت لا تزال حديثة - إلا أنها جريئة ، وقد عادت بالنفع العميم على هذه البلاد ؛ حكومة ، وثقافة ، ومؤسسات تعليمية وقضائية . لقد رأينا الفرق واضحا جليا بين كل مؤتمر والذي بعده ؛ فصار القوم يحسبون حسابا لمداخلاتنا وتعليقات بعضنا ، ويصغون إلى مشاركات إخواننا ؛ ليبادروا بالأسئلة والتعليقات ، ثم ما نلبث أن نلتقي بهم في خلوات المؤتمرات ؛ لنتلقى سيول الاستفسارات والاستيضاحات ؛ مقرونة ببطاقات التعريف بالشخصية المسماة (( الكروت )) من كثير من المؤتمرين ؛ رغبة منهم في التواصل المعرفي عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف ونحوهما . شكر الله لسموه ، ورفع بذلك قدره عنده ؛ حيث اضطلع بهذه المسؤولية الهامة ؛ ممثلا فيها حكومة خادم الحرمين الشريفين والسلطة القضائية السعودية خير تمثيل ؛ جعل الله ذلك في ميزان حسناته . والله من وراء القصد .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع