نشرت في مجلة اليمامة العدد 1879

قضائيات يقع ضعاف النفوس في الأخطاء والتجاوزات في غفلة من ضحاياهم ، فينبري لهم أجهزة الدولة الأمنية بحثاً وتحرياً ومتابعة ورصداً حتى يقع المجرمون في أيديهم ، وبعد التحقيق وجمع الأدلة يعرضون على قضاة المحاكم (( الجزئية أو الجزائية )) وما هي إلا أيام فيصدر حكم القاضي التعزيري في حق أولئك الجناة والمجرمين .

ولك أن تتخيل تفاوت تلك الأحكام بحسب الخلفية الثقافية والتربية المنزلية والبيئة الاجتماعية والحالة النفسية لذلك القاضي ؛ فمن متساهل ومن متشدد وقليل ما بينهما .

والسبب في ذلك :
عدم المرجعية المحددة التي يستطيع القاضي الاستعانة بها في تحديد حكمه الاجتهادي .
فلو وجد القاضي موسوعة تحدد لـه المجال الذي يجتهد فيه بتحديد العقوبة من كذا إلى كذا لما ظهر التفاوت بين الأحكام في الجرائم المتشابهة والذي قد يحصل في المحكمة الواحدة ؛ حتى أن الجناة يبارك بعضهم لبعض متى أحيلت قضاياهم إلى معروفٍ بتساهله ، ويعزي بعضهم الآخر إذا لم يوفق في قاضٍ متساهل .

وأدرى الناس بذلك الخفراء والمدعون العامون الذين يعانون هذه الازدواجية ، ويعايشون أحداثها يومياً ، ولا يمكن لأحد أن ينكر هذه الحقيقة إلا متعاطفٍ لا يعي أبعاد ما يقرره أو يخبر عنه ؛ وهو يعلم في قرارة نفسه خطأ ما يفعل أو أنه يجهل حقيقة ما يجري .

والحجة في الأمرين معاً للمنكرين وجود التفاوت في الأحكام هو : الخوف من التسبب في دخول القوانين ، والتي يمكن أن تكون مخالفة للشرع !!!.
ظنون خاطئة مبنية على أوهام متخيلة !!! ؛ ظلمات بعضها فوق بعض ، والنتيجة كسابقها ، وهي : تولي جهات أخرى سنَّ تلك النظم ، وبعد اعتمادها من المراجع العليا تطيب نفوس القوم بتطبيقها ـ وكأن شيئاً لم يكن ـ كما فعل بأشياعهم .

ولو ابتدأوا الأمر لوكل إليهم تقرير اللازم بشأنه ، ومن ثم اطمأنوا إلى ما يصدر بصدده ، وعملوا به واثقين من صحته وسلامة تشريعه ، ولم يعطوا ـ عن أنفسهم وأمثالهم ـ انطباعاً يحيد بكل جديدٍ عنهم إلى غيرهم ، ويجعل الفرصة في محيط من لا يفقه الأمر من غيرهم .

وهؤلاء هم الذين يمكن الولوج عبر ثغراتهم إلى حياض الشرع الحنيف وإلى الأحكام الشرعية التي تفخر دولتنا المباركة بكونها الدولة الأوحد في هذا العالم التي كما شرفت بخدمة الحرمين الشريفين شرفت كذلك بتطبيق الشرع المطهر ، وجعلت ذلك في نظامها الأساسي للحكم وسام شرف واعتزاز أمام كل الأمم والحكومات .

فهل يعي المختصون ذلك ؟، ويفيقوا من غفوتهم ، وينتبهوا من غفلتهم ، ويمدوا أيديهم نحو من يقصدهم أولاً ، ويقوموا بواجبهم نحو دينهم ومجتمعهم ودولتهم ؛ نافضين عنهم غبار الورع المزيف ، مشمرين عن سواعد الجد والاجتهاد في مواجهة المستقبل بتحدياته التي قد أطلت برؤوسها وأوشكت المصادمة مع كل مخالف لها.

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4037 | تأريخ النشر : السبت 19 رمضان 1426هـ الموافق 22 أكتوبر 2005م

اضغط هنا للحصول على صورة المقالة

طباعة المقال

إرسال المقالة
تقنين الأحكام الجزائية يقع ضعاف النفوس في الأخطاء والتجاوزات في غفلة من ضحاياهم ، فينبري لهم أجهزة الدولة الأمنية بحثا وتحريا ومتابعة ورصدا حتى يقع المجرمون في أيديهم ، وبعد التحقيق وجمع الأدلة يعرضون على قضاة المحاكم (( الجزئية أو الجزائية )) وما هي إلا أيام فيصدر حكم القاضي التعزيري في حق أولئك الجناة والمجرمين . ولك أن تتخيل تفاوت تلك الأحكام بحسب الخلفية الثقافية والتربية المنزلية والبيئة الاجتماعية والحالة النفسية لذلك القاضي ؛ فمن متساهل ومن متشدد وقليل ما بينهما . والسبب في ذلك : عدم المرجعية المحددة التي يستطيع القاضي الاستعانة بها في تحديد حكمه الاجتهادي . فلو وجد القاضي موسوعة تحدد لـه المجال الذي يجتهد فيه بتحديد العقوبة من كذا إلى كذا لما ظهر التفاوت بين الأحكام في الجرائم المتشابهة والذي قد يحصل في المحكمة الواحدة ؛ حتى أن الجناة يبارك بعضهم لبعض متى أحيلت قضاياهم إلى معروف بتساهله ، ويعزي بعضهم الآخر إذا لم يوفق في قاض متساهل . وأدرى الناس بذلك الخفراء والمدعون العامون الذين يعانون هذه الازدواجية ، ويعايشون أحداثها يوميا ، ولا يمكن لأحد أن ينكر هذه الحقيقة إلا متعاطف لا يعي أبعاد ما يقرره أو يخبر عنه ؛ وهو يعلم في قرارة نفسه خطأ ما يفعل أو أنه يجهل حقيقة ما يجري . والحجة في الأمرين معا للمنكرين وجود التفاوت في الأحكام هو : الخوف من التسبب في دخول القوانين ، والتي يمكن أن تكون مخالفة للشرع !!!. ظنون خاطئة مبنية على أوهام متخيلة !!! ؛ ظلمات بعضها فوق بعض ، والنتيجة كسابقها ، وهي : تولي جهات أخرى سن تلك النظم ، وبعد اعتمادها من المراجع العليا تطيب نفوس القوم بتطبيقها ـ وكأن شيئا لم يكن ـ كما فعل بأشياعهم . ولو ابتدأوا الأمر لوكل إليهم تقرير اللازم بشأنه ، ومن ثم اطمأنوا إلى ما يصدر بصدده ، وعملوا به واثقين من صحته وسلامة تشريعه ، ولم يعطوا ـ عن أنفسهم وأمثالهم ـ انطباعا يحيد بكل جديد عنهم إلى غيرهم ، ويجعل الفرصة في محيط من لا يفقه الأمر من غيرهم . وهؤلاء هم الذين يمكن الولوج عبر ثغراتهم إلى حياض الشرع الحنيف وإلى الأحكام الشرعية التي تفخر دولتنا المباركة بكونها الدولة الأوحد في هذا العالم التي كما شرفت بخدمة الحرمين الشريفين شرفت كذلك بتطبيق الشرع المطهر ، وجعلت ذلك في نظامها الأساسي للحكم وسام شرف واعتزاز أمام كل الأمم والحكومات . فهل يعي المختصون ذلك ؟، ويفيقوا من غفوتهم ، وينتبهوا من غفلتهم ، ويمدوا أيديهم نحو من يقصدهم أولا ، ويقوموا بواجبهم نحو دينهم ومجتمعهم ودولتهم ؛ نافضين عنهم غبار الورع المزيف ، مشمرين عن سواعد الجد والاجتهاد في مواجهة المستقبل بتحدياته التي قد أطلت برؤوسها وأوشكت المصادمة مع كل مخالف لها.
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع