|
نشرت في مجلة اليمامة العدد 1901 وصحيفة اليوم العدد 12415
قضائيات إتماماً للحديثِ بشأنِ تنقلاتِ القضاة ، وبعد استعراضِ أسبابِ النقلِ والموقفِ النظاميِ منه ، وأنواعِ التجاوزاتِ والعقوباتِ النظاميةِ لكلٍ منها .فإنَّ حديثَنا اليوم سيكونُ عن الآثارِ والحلولِ ، لعل في إدراكها دعوةً إلى الرِّفقِ بالرَّعِيَّة ، والعدلِ في القضيَّة ، والحكمِ بالسويَّة . والله من وراء القصد .
أما الآثارُ السلبيَّةُ لتلك القراراتِ المُخالِفة للنظام فقد تمثَّلت في أمورٍ منها :-
أولاً / أنها أَوْدَتْ بأنظمةٍ أُسريَّة فانهارت بسببها ؛ إذ التنقيلُ الجائرُ يَعسُرُ على عائلة القاضي تصوُّرُه في مثل هذا الجهاز المثالي !!! ، فضلاً عن التعايُشِ معه ؛ وبخاصة : إذا واكب ذلك ارتباط الزوجة أو أيٍ من أولادها بدراسةٍ أو عملٍ يَتَعَذَّرُ معه الانتقالُ إلى حيثُ المكانِ الطارئ .
ثانياً / أَجْحَفَت بمقدَّراتٍ ماديةٍ كبيرةٍ تَمَثَّلت في : اضطرارِ كثيرٍ من القضاة إلى بيعِ منازلهم بأقلَّ مما تستحق ، وفي : إنفاقِ الكثيرِ على إعدادِ منازلَ أخرى ، وفي : نفقاتِ التَّنقُّل من وإلى أماكن العمل الجديد في الإجازات والعطلات ، مع ما في ذلك من الأخطار وإهدار الطاقات .
ثالثاً / غيَّرت نظامَ العملِ في المحاكم إلى الأسوأ في كثيرٍ من الأحوال ؛ خوفاً من إيقاع عقوبةِ النقلِ التأديبيِّ على أحدِهم ؛ فصار عدمُ الإنجاز أحفظَ للقاضي وأسلمَ له من أن يُصلِحَ أو يُنجِز ؛ الأمرُ الذي يكتنفه احتمالاتُ الوقوعِ في الخطأ ؛ لِقِلَّةِ الموارد النظامية ، وشُحِّ المصادر الإرشادية ، وضَعْفِ الجولات التوجيهية ؛ حتى إنَّ بعضَهم : تباهى بأنه بَقِيَ في محكمةٍ ما مُدَّةَ خمسِ سنواتٍ لم يُخرِج خلالها ولا حجةَ استحكامٍ واحدةً على أيٍ من عقاراتِ البلدة ؛ مع أنَّ أكثرَها بُيُوْتَاتٌ من الصفيح والحجارة .
رابعاً / أَنتَجَ الأثرُ السالفُ - عند مَنْ تَخَلَّقَ به مِنَ القضاة - أمراً ذميماً ؛ ألا وهو : الجفاءُ والغلظةُ مع أصحابِ الحاجاتِ الذين يُلِحُّون في طلبِ قضاءِ حوائجهم ؛ لأنَّ الإغلاظَ للمُراجعِ هو الوسيلةُ الأنجعُ في نَظَرِهِم لِصَرفِ أربابِ المعاملات عن نواظرهم .
خامساً / نَفَرَ من القضاء نوادرُ من الرجال ؛لم يَصبِرُوا على مسِّ الضَيمِ ، فغادروا جهازَ القضاء إلى غيره من الأعمال ؛ متمثلين قول الشاعر :
ولا يُقِيمُ على ضَيْمٍ يُـرادُ بِـهِ = إلا الأَذَلاَّنِ عَيْرُ الحيِّ والوتـدُ
هذا على الخَسْفِ مربوطٌ بِرُمَّتِهِ = وذا يُشَجُّ ، فلا يَـبكي له أحدُ
ودليلهم على ما فعلوا : قولُ الفاروقِ عُمَرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنهما : (( يُعجِبُني الرجلُ إذا سِيْمَ خُطَّة ضَيْمٍ أن يقولَ : لا . بِمِلْءِ فِيْهِ )) .
سادساً / تَسَبَّبَت تلك القراراتُ الجائرةُ في ضَعْفِ تنامي أعدادِ القضاةِ طِيلةَ أربعةِ عُقُودٍ مَضَت . وَلَكَ أن تتصوَّرَ نتائجَ ذلك أمام النموِ الهائلِ في أعدادِ القضايا وتنوُّعِها .
هذا غَيْضٌ مِن فَيْضِ آثارِ تلك التجاوزات ، وأمَّا حلولُ هذه المعضلةِ فيَتَمَثَّلُ في أمورٍ منها :
الأول / وجوبُ اعتبارِ أنظمةِ الدولةِ مرجِعاً مَرعِيَّاً لِكُلِّ القرارات ؛ بعد التأكدِ من إلمامِ المعنيين بالأمر بمضامينها ، وما لا نصَّ عليه من تلك القرارات : فالطَّرحُ جانباً هو حَقُّه ، ولذا : لابد من جهةٍ يلجأُ إليها المتضرِّرُ ؛ ريثما يَتِمُّ إصلاحُ الوضعِ القائم .
الثاني / ينبغي أن تُحَدَّدَ مُدَّةٌ لا يجوز للقاضي طلبُ النقلِ قَبْلَهَا ، ومدةٌ أخرى لا يسوغُ للمجلس إهمالُ طلب القاضي النقلَ بعدها . وقد ذكرت تقديراً لهذه المدد عند الحديث عن قرارات المجلس في العدد (1887) .
الثالث / يلزم تحديدُ مسافةٍ معقولةٍ بين المكانين السابقِ واللاحقِ للقاضي المنقول ؛ كي لا يتضاعفَ الضررُ عليه بِغَيْرِ ما يَهْدِفُ إليه نَصُّ النظامِ ومَقصِدُهُ .
الرابع / لابُدَّ من تمكين القاضي من الاطلاعِ على سببِ النقلِ الذي يرى المجلسُ الموقرُ أنه لمصلحته البحتة ؛ كما في بعض أمثلة السبب الرابع من أسباب النقل المذكورة في العدد (1899) ، ولابُدَّ من تمكينه من إبداءِ رأيه حِيَالَه ، ومعرفةِ الخياراتِ الممكنةِ ، وتمكينه - أيضاً - من الاعتراضِ لدى الجهةِ المختصةِ بنظرِ القضايا الإداريةِ ( ديوان المظالم ) عند اللزوم .
الخامس / حتميَّةُ تَفْعِيْلِ المادة (87) من نظام القضاء حول دَوْرِ وزارةِ العدلِ في دراسةِ ما يَرِدُ إليها من مجلس القضاء الأعلى من مقترحاتٍ أو قراراتٍ ؛ ليتعدَّى إلى منح الوزارةِ حَقَّ رفضِ قراراتِ المجلس بنقل القضاة ؛ أياً كان سببُ النقلِ ؛ وإلى حقَّ التعديل عند تعذُّرِ تَطَابُقِ الرأيِ بين المجلس ومقام الوزارة .
إن الزيادة على ما تقدم من الحلول أمرٌ ممكنٌ ؛ غير أنه : يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق . والله الموفق .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4577 | تأريخ النشر : السبت 9 ربيع الأول 1427هـ الموافق 8 أبريل 2006ماضغط هنا للحصول على صورة المقالة
إرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|