|
نشرت في جريدة الحياة العدد 17406
قضائيات الدكتور المستشار القضائي ناصر الداود المحترمالسلام عليكم ورحمة الله
بناء على المكالمة الهاتفية بسعادتكم، حول تحقيق عن التعزير والعقوبات البديلة:
1) هل تؤيد العقوبات البديلة للعقوبات التعزيرية من وجهة نظر القضاء؟
2) كيف تكون العقوبات البديلة(أنواعها)؟
3) هل من شروط معينة للحكم بعقوبة بديلة للتعزير( كالعمر مثلا، اول سابقة، نوع الجريمة) أم تطبق على الجميع؟
4) هل تؤثر فعلا العقوبات البديلة على نفسية الجاني؟ وكيف يكون تاثيرها؟
5) هل ممكن أن يرتدع الجاني بعقوبة مثل حفظ القرآن أو العمل التطوعي؟
ولك منا جزيل الشكر
يسرى الكثيري
محررة صحفية
جريدة الحياة
=======
=======
=======
=======
الأخت الفاضلة المحررة الصحفية بجريدة الحياة : يسرى الكثيري .
السلام عليك ورحمة الله وبركاته . وبعد :-
بالنسبة للتحقيق الصحفي حول بدائل السجن والجلد يسعدني المشاركة معكم بالإجابة على الأسئلة الخمسة على النحو التالي :-
================================ =====
1) هل تؤيد العقوبات البديلة للعقوبات التعزيرية من وجهة نظر القضاء؟
ج/ العقوبات التعزيرية ليس فيها ما هو أصلي وما هو بديل ، بل كل ما حقق الهدف المنشود منه في سبيل تخفيف الجريمة ، أو ردع المجرم ، أو تهيئته لتغيير حاله من الإجرام إلى الاستقامة : فهو مطلوب ومرغوب .
أما العقوبات المعمول بها اليوم والمقتصرة على ( السجن والجلد ) فلاشك أنها قد تحقق نسبةً ضئيلة من الردع في نسبةٍ قليلة من المجرمين والجناة ، ولكنها لا تنفك عن نتائج عكسية :-
منها : تمرد المجرم على مجتمعه لقاء حبس حريته مدة طويلة من الزمن ، الأمر الذي يجعله يعود إلى جريمته فور خروجه من السجن في حالات ليست بالقليلة .
ومنها : أنه يتعلم الكثير من فنون الإجرام في السجن ويرتقب يوم خروجه ليبدأ في انتهاج مجالٍ إجرامي لم يكن يعلمه من قبل .
ومنها : حرمان أسرته من إشرافه ورعايته ومن العمل الشريف في سبيل تأمين احتياجاتهم .
ومنها : أن المجتمع لا يستفيد من المجرم في سجنه ، فيخسر الوطن أحد أفراده طيلة مدة سجنه .
ومنها : أن سجنه يكلف الدولة المبالغ الطائلة لقاء حراسته وإعاشته ، دون مردود يعود منه على الدولة ، وكأن العقوبة إنما حلت بأسرته ومجتمعه وبالدولة التي تخصص جزءاً من ميزانيتها لمصلحة السجون ونزلائها .
ولذلك : فإن التوجه لابتداع عقوبات غير السجن والجلد أولى من الاستمرار في عقوبات أثبتت فشلها أو خطرها على كثير من السجناء .
=====================================
2) كيف تكون العقوبات البديلة(أنواعها)؟
ج/ العقوبات البديلة لا حصر لها ، وهي تختلف باختلاف الأشخاص والجرائم والمجتمعات .
فمن أهمها : الغرامات المالية التي يمكن أن تكون ناجعة مع المنحرفين من العمال الوافدين ، والذين - ولاشك - سيحسبون حسابات لدفع الغرامة قبل إقدامهم على ارتكاب المخالفات ، فهم جاءوا لجمع المال وتحويله إلى بلادهم لا لتفريقه وهدره .
ومنها : الأعمال الخدمية بحسب المهنة التي يتقنها المجرم ، فمن كان متقناً لعلم من العلوم أو مهارة من المهارات توجه في حقه إلزامه بتدريس عدد من الساعات مجاناً .
ومن كان يتقن حرفةً - كالسباكة والحدادة والميكنة والبناء - ألزم بتنفيذ أعمال تتناسب مع جرمه لمصالح عامة كالمدارس والمستشفيات ، أو دور المستحقين من الفقراء والمساكين .
ومنها : الأعمال اليدوية البحتة ؛ من تنظيف المقرات والطرقات ، وغسيل الممرات والسيارات ، وحفر الأساسات والآبار ، ونقل البضائع والمعدات وتحميلها وتنزيلها ، وفك الأثاث وتركيبه ، وزراعة الحدائق والأرصفة وسقايتها ، وفرش المساجد وكنسها وتطييبها ، وترتيب فصول الدراسة وصيانتها ، ونحو ذلك مما فيه خدمةٌ للمجتمع وإرغامٌ للمذنب بما يمنعه من العودة لجرائمه ، ويزجر الآخرين عن مثل فعله .
ومنها : المصادرة وإتلاف الممتلكات بالحرق أو بالتكسير ؛ كما في إتلاف المواد المحظورة من أشرطة وأطعمة مخالفة أمام صاحبها مبالغةً في التعزير .
=====================================
3) هل من شروط معينة للحكم بعقوبة بديلة للتعزير ( كالعمر مثلا، اول سابقة، نوع الجريمة) أم تطبق على الجميع؟
ج/ إن العقوبات الحديثة تتناسب مع كل الجرائم التعزيرية ، ومع كل الفئات العمرية للمجرمين ، ومع التاريخ الإجرامي للمجرم .
بخلاف السجن والجلد الذي لا يناسب الأحداث ، ولا حديثي العهد بالإجرام وإن كانوا كبار السن ، ولا يتناسب مع كثير من المخالفات البسيطة والمتوسطة .
=====================================
4) هل تؤثر فعلا العقوبات البديلة على نفسية الجاني؟ وكيف يكون تاثيرها؟
ج/ إن تطبيق الغرامات على المخالفين يزيد من حذر المتهاون والمستهتر تجاه تلك المخالفات ، فيحسب لتجنبها قدر طاقته ، ولو وقع في ما يلزمه بغرامة ما فإنه يكون أشد حذراً من تجدد الوقوع مرة أخرى ، بل إن إعلان أحكام التغريم كافٍ في التحذير والزجر عن التعرض لأسبابها .
ويكفي في ذلك تناقل الناس أخبار تلك الأحكام وآثارها السلبية على المخالفين ؛ ليهاب الجميع من التعرض لمثلها ؛ وذلك هو السبب الذي جعل الانضباط تجاه القوانين والأنظمة يتجلى في دول العالم الأول أكثر منه في دول العالم النامي ؛ لفارق جدية تلك الدول في تطبيق العقوبات وشمولية القوانين لجميع احتياجات المجتمع .
=====================================
5) هل ممكن أن يرتدع الجاني بعقوبة مثل حفظ القرآن أو العمل التطوعي؟
ج/ ليس الهدف الوحيد من فرض العمل الخدمي على الجاني أن يرتدع عن مخالفته حتى لا يجبر عليه مرة أخرى ، بل الهدف منه - مع ذلك - أن يتواصل مع أفرادٍ من المجتمع ، ويتعايش معهم أثناء أداء الأعمال الخدمية ، والتي هي ليست تطوعية في حقه بل إلزامية .
وخلال العمل الجماعي ، وأثناء العمل الاجتماعي ، وطوال فترة الحفظ والتسميع على قراء الحلقات يضطر الجاني للاحتكاك بأناسٍ هم خيرٌ من أصدقاء السوء الدافعين له نحو الإجرام ، فيتحسن سلوكه شيئاً فشيئاً ، وينشئ هو بتلك العقوبات علاقاتٍ جديدةً على نحوٍ أفضل من ذي قبل ، فتذبل دوافعه الإجرامية وتموت لهذه الأسباب .
وبعض الأعمال الخدمية الهدف منها إرغام الجاني على القيام بأعمال لا يقبلها قبل ارتكاب الجريمة ، فتكون سبباً في اجتنابه تلك المخالفات ؛ حتى لا يوصم ولا يعير بعمل تلك الأعمال التي يحتقرها .
=====================================
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
-
-
-
-
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
عدد التعليقات : 1 | عدد القراء : 6537 | تأريخ النشر : الخميس 17 صفر 1430هـ الموافق 12 فبراير 2009مإرسال المقالة
إرسال المقالة والتعليقات إلى صديق
|
|||
|
|
|||
|
|
|||
|
تأريخ النشر: السبت 15 جمادى الأولى 1433هـ الموافق 7 أبريل 2012مسيحية
طباعة التعليق