|
فقهيات الفرد منا يعيش خلال منظومة اجتماعية مترابطة لا يمكنه الاستغناء عنها ، ويمكن المنظومة الاستغناء عنه ؛ لأن ذلك واقع لا محالة ؛ عند نومه وسفره وموته . وهذه واقعية مثالية .
فما هي الواقعية ؟ .
وما هي المثالية ؟ .
قد تكون المثالية في الواقعية ، وقد تكون الواقعية مثالية ؛ كما في التعامل الوسط مع مصيبة الموت .
الحزن واقعي .
والصبر مثالي .
الواقعية كسلوك شخصي / إذا انفردت تأتي بعدة معاني : هي في مجملها توازي كلمة ( المجاراة ) من نوعين من الناس ، لكلٍ منهما عذره الذي يسوِّغه لنفسه /
* المجاراة في المكروه والمباح ، من : ضعاف الشخصية ، مسلوبي الإرادة .
* المجاراة في الواجب والمندوب ، من المنافقين المتربصين الدوائر بالمسلمين .
والمجاراة ، أو الواقعية بالمعنى الثاني لن تكون موضع بحثنا في هذه الصفحة ، بل المجاراة بالمعنى الأول هي ما نحن بصدده ؛ لنقد الواقعية سلوكاً شخصياً .
وهذه المجاراة ( الواقعية ) أنواع هي :
1/ الواقعية بمعنى : التبعية ، والانقياد في المحظورات . وبيانها /
ــ إذا اعتاد أمثالك السياحة خارج المملكة ، والتفريط بالواجبات الشرعية المرعية منهم داخل البلاد ؛ من سفور النساء وتبرجهن واختلاطهن بالرجال الأجانب ، ومن ارتياد أماكن اللهو المحرم ، وتعاطي المحرمات ، وما أكثرها ! ، فمن الواقعية : أن تفعل كما يفعلون ، وإلا ماذا يقول عنك الناس ؟!!! .
ــ إذا اعتاد المقاولون دفع الرشاوى إلى بعض المعنيين بترسية المنافسات ( المناقصات ) ، فمن الواقعية : أن تدفع كما يدفعون ، وإلا فلن تدخل مجال المنافسة ، وستبقى مؤطَّراً وبلا عمل من ذات الأعمال المجزية في عائداتها ، والمؤملة من أمثالك للصعود باسمك واسم مؤسستك في السجل الماسيِّ للأنشطة المماثلة .
ــ إذا اعتاد المسؤولون الحضور إلى الدوام بعد التاسعة ؛ ليكتمل عقد الموظفين أولاً ، وحتى ينتهون من جلسات الإفطار الجماعي وما يرافقه من صخب وانتشار روائح الفول والكبدة وخبز التميس ، فمن الواقعية : أن تتأخر أيها المسؤول ؛ لتحفظ هيبتك عند مرؤوسيك ومراجعيك .
ــ إذا اعتاد المشاركون في الحلقات التربوية والمعرفية والدينية التمظهر ، والتصنع في طريقة الكلام ( كرب الحنك ) ، وتقمص طريقة بعض الإذاعيين ( قولاً أو فعلاً ) ، فمن الواقعية : اتباعهم في ما يأتون ، وإلا فلن ترتسم صورتك في أذهان المشاهدين والمستمعين .
ــ إذا اعتاد المتاجرون بمهنهم الحِسبية ( الطب ، التعليم ) اختيار الحسناوات من الفتيات الجميلات ، وجعلهن في استقبال المتعاملين مع تلك المراكز ، فمن الواقعية : المنافسة على التعاقد مع أجملهن ، وصرف بدلات المساحيق لهن ، وتأمين الأزياء الفاتنة ؛ لجلب عملاء أكثر ، وتحقيق عوائد أكبر من بقية المنافسين .
ــ إذا لبس النساء الأزياء الفاضحة ، واتبعوا في وسائل التزين كل أمرٍ وافد ممن لا خلاق لهم من العاهرات والساقطات ؛ ولو خالف أحكام الإسلام الظاهرة ، فمن الواقعية : اتخاذ تلك الأمور ، والذوبان في ذلك المد الانحلالي ؛ حتى لا ترمى المرأة بالرجعية والتقليدية والتخلف .
والأمثلة أكبر من أن تحصر !!!! .
ودليل هذا النوع / ما رواه البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ * لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ ؛ شِبْرًا بِشِبْرٍ ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى . قَالَ : فَمَنْ * .
2/ الواقعية بمعنى : المسايرة ، والاعتياد في المباحات . وبيانها /
ــ إذا اعتاد الناس لبس الثياب بدلاً عن القميص والإزار أو السراويل ( البنطال ) ، فمن الواقعية : مسايرتهم ولبس ما اعتادوه ، وإلا كان لباسك لباس شهرة منهي عنه شرعاً ، وإن كان اللباس الآخر يحقق الغرض بوجهٍ أفضل من لباس الجماعة .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا * .
ــ إذا اعتاد الناس عدم الدخول عليهم ، أو زيارتهم في بعض الأوقات ؛ وإن كانت أوقاتاً مباركة ؛ مثل وقت البكور ، فمن الواقعية : مسايرتهم والالتزام بآدابهم وأعرافهم فيما ليس فيه مخالفة شرعية .
روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : .. .. مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا : فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا : فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ .
ــ إذا اعتاد الناس ــ في مخاطباتهم ــ ألفاظاً يتبادلونها بينهم في تلاطفهم ومجاملاتهم لبعضهم زيادة على المنصوص الشرعي ، فمن الواقعية : مسايرتهم ، وعدم الخروج بهم وإلجائهم إلى ما يستغربونه من فصيح الكلام ؛ والعامية لا تزال تضرب أطنابها فوق رؤوس الجميع .
روى البخاري تعليقاً بصيغة الجزم عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال : حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 3559 | تأريخ النشر : الثلاثاء 17 شوال 1422هـ الموافق 1 يناير 2002مإرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|