|
تشريعات قضائية لازمة استهدفت بلاد الحرمين وشبابها بتهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة ، وتجنيد الكثير من ضعاف النفوس من المواطنين والمقيمين فيها لترويجها ، من بلاد كثيرة ؛ قريبة منها وأخرى بعيدة عنها ، لا تزال هذه الدول الحاقدة تحسد الدولة على ولاء مواطنيها لها ، وتحسد المواطنين على نعمتي الأمن والرخاء .
وحتى يستحوذ أباطرة المال وأساطين الفساد في العالم على مقدرات الشباب المالية والعقلية ، وليحكموا السيطرة على أكبر عدد منهم ؛ حتى يفرغوا البلاد من قدراتهم وخدماتهم : فإن لهم في ذلك وسائل عدة :
منها : الترويج الدعائي الخادع لمنتجاتهم المدمرة أوقات الأزمات ؛ مثل : مواسم الامتحانات ، المغالبات الرياضية ، علاج العوارض النفسية ، زيادة القدرة الجنسية ، ونحو ذلك .
منها : الإهداء الاستدراجي ، حتى إذا وقع المتعاطي فريسة الإدمان : غابت الهدايا ، وبدأت المساومات والمزايدات المالية .
ومنها : البيع بأسعار مغرية ، ثم بأسعار عادية ، ثم بأسعار مرتفعة ؛ بحجة : قلة البضاعة ، أو مصادرة كميات كبيرة منها من رجال الجمارك ، أو وقوع العصابة في أيدي رجال الأمن . وغيرها من التعليلات .
والهدف من ذلك كله استنزاف المتعاطي من هذه الأشياء على الترتيب :-
- ماله الخاص كله .
- الأموال التي يقدر على تأمينها للمروج بالطرق المشروعة .
- الأموال التي يورط نفسه بتحصيلها بالسرقة أو الاحتيال .
ليأتي بعد ذلك دور المقايضة بالعرض ، وهنا يصل المتعاطي إلى حدٍ لا يمكن معه الفكاك من أسر المروج ، فيصبح ألعوبةً في يده يصرفه كيف يشاء ، حتى يودعه السجن ، أو مصحة الأمراض العقلية ، أو يموت .
هذه أحوال المروجين مع ضحاياهم ، يتلقونها ممن هم أعظم خطراً منهم ، وهم : المصدرون ، والمهربون ، والمستوردون . وكل هؤلاء ابتليت بهم البلاد ، كما ابتليت بهم سائر البلدان في العالم ، فوضعت القوانين لعقوبة كلٍ من هؤلاء متى أدين بما قام به من جرم .
والقضية التي بين أيدينا حملت معها شراً مستطيراً لم يسبق لأحدٍ فعله في هذه البلاد ، ألا وهي : زراعة وترويج الحشيش . وتتلخص في الآتي :-
= أحد الأشقياء احترف سرقة بعض الدكاكين والبيوت القديمة ، وقبض عليه وسجن تعزيراً عام 1392هـ .
= لم يرعوِ هذا الشقي عن غيِّه ، فتورط في استعمال وبيع وإهداء الحشيش المخدر ، وعُزِّر لأجل ذلك عام 1400هـ .
= بعد خروجه من السجن أظهر التوبة ، والتحق بالخدمة المدنية في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ، فعمل مؤذناً لأحد المساجد في بلده ، وكان ذا صوتٍ نديٍّ ، آل به إلى إمامة الناس في صلاتي التراويح والقيام لحسن تلاوته .
= وقت حرب الخليج الثانية ( تحرير الكويت ) وجد طريقاً للعمل مع القوات الأجنبية طباخاً ، وهناك خرج قطاره عن مساره ، فعاد إلى ما كان قد تاب منه .
= استمر يعمل مؤذناً بعد جلاء القوات الأجنبية ؛ ليتستر بهذا العمل على جريمته الشنعاء التي يُحَضِّر لها مع وافدٍ هندي .
= أحضر له الوافد بذور نبات الحشيش ، وأعد العدة للزراعة في بيتٍ مهجورٍ لوالده ملاصقٍ للمسجد الذي يؤذن فيه .
= قام بتجهيز حوضٍ خشبيٍ كبير ، وملأه بالتراب ، ووضع بذور القنب الهندي ، وجعل بين كل نبتتين منها شجيرةً من نبات الريحان ( المشموم ) ؛ للقضاء على الرائحة المميزة لهذه النبتة الخبيثة .
= بعدما أينعت الشجرات الأربع ، قلعها الشقيُّ ، وقطف أوراقها ، وأخذ في استعمالها وترويجها بيعاً وإهداءً .
= كان نجاح هذه التجربة مغرياً لصاحبها بإعادتها وتكبيرها ، فزاد من عدد الشجيرات ؛ لتصبح خمس عشرة شجرة .
= شاء الله أن يُقبض عليه قبل نضوج هذه الشجيرات ، واعترف بتفاصيل القضية .
= من الثابت علمياً : أن استخدام أوراق شجرة القنب الهندي في التدخين يسمى : ماريوانا ، أما المادة الراتنجية التي تغطي الأوراق وتستخدم في التدخين أيضاً فهي المسماة : الحشيش .
= نظرت إلى القضية من عدة جوانب فوجدت ما يلي :
أولاً : لم يرد في قرار هيئة كبار العلماء رقم 138 - الخاص بعقوبة مهربي ومروجي المخدرات - أيُّ ذِكرٍ لزراعتها .
ثانياً : كان لابد لقضاة المحكمة من تكييف الفعل الذي قام به المدعى عليه ، وهل هو أقرب إلى التهريب ، أم إلى الحيازة والاستعمال .
ثالثاً : كتبتُ إلى كلية الزراعة بجامعة الملك فيصل ، ثم إلى كلية الصيدلة بجامعة الملك سعود خمسة استفساراتٍ لتحديد هوية الجريمة ، وكان جواب الأسئلة - من الأخيرة - على النحو التالي :-
1/ تعطي الشجرةُ الواحدة ما بين 60 - 240 ورقةً كاملةً صالحةً للاستعمال ، كل واحدةٍ منها مكونةٌ في العادة من سبع وريقات .
2/ مدةُ زراعة الشجرة من 4 - 5 أشهر ، ويمكن زراعة الشجرة على مدار العام .
3/ العددُ التقريبي لحاجة الشخص الواحد طيلة عامٍ كاملٍ ما بين 3 -5 شجرات .
4/ زراعةُ تسع عشرة شجرةً أكثرُ من الحاجة الشخصية لرجلٍ واحد .
اتضح من جواب الخبراء الصيادلة الأفاضل : أن زراعةَ المدعى عليه لتسع عشرة شجرةً في أقل من عامٍ واحدٍ على دفعتين - أكبرُ من الاستعمال المجرد ، مما يعني : أن المقصودَ من الزراعة كان هو الترويج بالبيع والإهداء ، وهذا أقرب ما يكون للتهريب ، الذي هو جلب الممنوع من مصدره لترويجه ، بل هو أشد خطراً وأعظم فساداً منه ؛ لتعذر التحرز منه .
عند ذلك صدر الحكم بقتل المدعى عليه تعزيراً ، وصدق الحكم من محكمة التمييز بالأكثرية بعد الاستدراك على الحكم مرتين ، ثم اكتسب الحكم القطعية من مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة بالقرار ذي الرقم 433/ 6 المؤرخ في 14/ 8/ 1417هـ ، وجاء في قرار المجلس ما نصه : ونظراً إلى أن عمل المدعى عليه .. .. عملٌ خطيرٌ وبادرةُ شرٍ وفساد ؛ لأن زراعة الحشيش المخدر في البلاد أعظمُ من تهريبه ، لذا فإن مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة يقرر الموافقة على الحكم بقتل المذكور تعزيراً .. الخ .
والتشريع القضائي المطلوب هو التالي :-
1/ ضرورة إنجاز نظام العقوبات ، بتحديد أنواع الجرائم ، ومقادير العقوبات التعزيرية بحديها الأعلى والأدنى .
2/ لزوم استخلاص المبادئ القضائية من الأحكام المؤيدة من المحكمة العليا ، وتوزيعها على قضاة المحاكم ، والتنبيه إلى عدم مخالفتها ؛ إلا بمسوغٍ شرعيٍ مسبب .
3/ تحديد أسماء الجهات والدوائر الممكن الاستفادة من خبرة منسوبيها وتبليغ جميع المحاكم بها ، وتوجيه تلك الجهات بالتعاون مع المحاكم ، كل فيما يخصه .
4/ تنبيه الجهات التي يظهر من سير القضية أنها كانت سبباً في تأخير الحكم فيها ، أو تعطيل سيره الصحيح .
5/ المسارعة إلى تعميم السوابق القضائية على جميع القضاة بعد تأييدها من مرجعها . والله أعلم وأحكم
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
عدد التعليقات : 1 | عدد القراء : 5739 | تأريخ النشر : الثلاثاء 2 جمادى الآخرة 1430هـ الموافق 26 مايو 2009مإرسال المقالة
إرسال المقالة والتعليقات إلى صديق
|
|||
|
|
|||
|
|
|||
|
تأريخ النشر: الجمعة 5 جمادى الآخرة 1430هـ الموافق 29 مايو 2009مسيحية
طباعة التعليق