تشريعات قضائية لازمة في اليوم التاسع من شهر جمادى الأولى عام 1401هـ باشرت عملي قاضياً في محكمة الجفر بالأحساء ، وكان من أوائل القضايا التي نظرتها هذه القضية .

وملخصها كما يلي :-
= تقدم رجلان بدعوى منتصف العام 1399هـ لدى القاضي السلف - يرحمه الله - يطلبان إلغاء صك المدعى عليه ؛ لأنه ينطبق على مرفقٍ من مرافق القرية ، ولأن جانباً من العقار طريقٌ خاصٌ بهما .
= دفع المدعى عليه بأنه يملك العقار بموجب صكٍ صادرٍ من كتابة العدل مبنيٍ على حجة استحكامٍ صادرةٍ من ناظر القضية في العام 1397هـ ، وذكر : أنَّ البائع اشترى هذا الملك من ورثة مالكه الأول في العام 1369هـ .
= أحضر المدعيان أربعة شهود شهدوا جميعهم : أنَّ العقار موضع النزاع يوجد في جانبه الشرقيِّ غرفةٌ مبنيةٌ على مجرىً مائيٍ ، وأنَّ أهل القرية كانوا يستخدمونها للاغتسال وللوضوء للصلاة ؛ غير أنَّ الشهود الأربعة ذكروا في شهادتهم : أنَّ هذه الغرفةَ ملكٌ للبائع الأول !!!.
= طلب القاضي من هيئة النظر الخروج على العقار والإفادة بما يرونه حيال النزاع ، فقررت الهيئة أنَّ العقارَ أرضٌ بيضاء ، وليس بيتاً كما جاء في الصك ، وظهر لهم : أنها مرفقٌ للقرية بموجب إفاداتٍ أخذتها الهيئة من مجموعةٍ من رجال ونساء القرية حضروا معهم في محل النزاع !!!.
= طلب القاضي من المدعين تعديل الشهود ، واستند على شهادتهم وعلى قرار الهيئة في الحكم بثبوت الدعوى ، وأن تكون الأرضُ المدعى فيها مرفقاً عاماً .
= أعادت محكمة التمييز المعاملة إلى المحكمة باستدراكٍ على القاضي : أنه لم يقم بالإشارة إلى دراسة الوثائق والصكوك المقدمة من المدعى عليه .
= انتهت خدمة القاضي منتصف العام 1400هـ قبل تمكنه من إكمال موجب قرار الاستدراك ، وبقيت المعاملة في المحكمة حتى مباشرتي بعد أكثر من سنة .
= أعدت المعاملة إلى محكمة التمييز للإحاطة بتقاعد القاضي ، ولِطلب الإفادة بشأن الإجابة عن ملحوظات الحكم ، فأعيدت بتكليفي بإكمال النظر في القضية .
= كان بإمكاني الحكم على المدعيين برد دعواهما بالبينة التي أحضراها ؛ لأنها شهدت بملكية البائع الأول للعقار المدعى فيه ، وهذا يُعَدُّ إبطالاً لدعوى كونه مرفقاً عاماً ؛ غير أني لم أشأ إغفال ما نص عليه قرار محكمة التمييز من لزوم دراسة الصكوك والمستندات .

= ابتدأت النظر في القضية باستعراض ما أجراه القاضي السلف على الطرفين فأقراه ، وقرر المدعيان اكتفاءهما بما سبق ضبطه ، وكان من ضمن ما اتخذته الآتي :

أولاً : كتبت إلى اثنين من أهل الخبرة في قرية المتداعين بطلب الإفادة عن العقار ، وهل هو طريق للمدعيين ، وهل عليهما ضرر من عدم استطراقه ، فورد الجواب : بأن العقار ليس طريقاً عاماً ، ولا يوجد أي ضرر على المدعيين من عدم استطراق العقار .

ثانياً : ظهر لي أن المدعى عليه كان أحد شاهدي حجة الاستحكام قبل شرائه العقار ، فطلبت منه إحضار شاهد حجة الاستحكام الثاني ، فأحضره وشهد بالاستفاضة عن كبار السن : أنَّ العقار كان ملكاً لرجلٍ اسمه ( سلمان ) ، ثم اشتراه آخر اسمه ( علي الأول ) ، وبعد وفاته باعه ورثته على ثالثٍ اسمه ( حسين ) ، وشهد بأنه رأى العقار بيد ( حسين ) هذا منذ أوائل العقد السادس من القرن الماضي ، ثم اشتراه ( علي الثاني ) ، وأخرج عليه حجة استحكام ثم باعه على المدعى عليه .

ثالثاً : طلبت إحضار البائع ( حسين ) ، فقرر : أنَّ العقار محاطٌ بسورٍ من جميع جهاته ، وأنه اشتراه عام 1367هـ ، وذكر ستة انتقالاتٍ للعقار قبل وصوله إليه .

رابعاً : طلبت إحضار البائع ( علي الثاني ) ، فقرر : أنَّ شراءه العقار كان قبل ست سنوات ، وأنه هو الذي أخرج حجة الاستحكام ، ثم باعه على المدعى عليه .

خامساً : طلبت من المدعى عليه وثيقة شراء البائع ( حسين ) ، فوجدتها محررةً في 1/ 3/ 1369هـ ، ومصدقةً من أحد قضاة ذلك الوقت ، ومذكوراً فيها حدود المبيع كما هي في حجة الاستحكام .

سادساً : لم أعتد بشهادة البائع الأول ( حسين ) ولا بشهادة البائع الثاني ( علي الثاني ) ، وإنما أوردتهما استئناساً بما لديهما ، فتوافر للمدعى عليه من البينات : وثيقة المبايعة ، وشاهدٌ واحدٌ هو شاهد الحجة الثاني ، مضافاً إلى مدلول شهادة شهود المدعيين الأربعة ، وإلى قرار أهل الخبرة الأخير .

سابعاً : رأيت أنَّ من المناسب تحليف المدعى عليه يمين الاستظهار : بأنه يوم شرائه العقار لا يعلم أنها مرفقٌ من مرافق القرية ، فحلف طبق ما طلبته منه .

ثامناً : شهد المدعيان بعدالة شهودهم الأربعة ، وشهدا بعدالة شاهد الحجة الثاني ؛ غير أنهما قررا عدم قبول شهادته ، فأحضر المدعى عليه من عدَّل شاهد الحجة التعديل الشرعي .

تاسعاً : اشتملت معاملة حجة الاستحكام على إفادتي البلدية والأوقاف بعدم المعارضة على طلب حجة الاستحكام ، فانتفى بذلك كون العقار مرفقاً عاماً أو وقفاً على المسجد .

عاشراً : قررتُ الإعراض عما قَرَّرَته هيئة النظر بجعل العقار مرفقاً عاماً ؛ لاستنادهم على إفادات مجاهيلٍ من النساء والرجال ، ذكرت الهيئة : أنهم رأوهم في مكان النزاع ، ومع أنَّ أخذ الشهادات ليس من اختصاص هيئة النظر ، فهم لا يعلمون إن كان الحاضرون من أقارب المدعيين ، أو ممن يمكنهم استئجارهم ، أو ممن لهم عداواتٌ مع المدعى عليه ، أو ممن يَجلبون بشهادتهم لأنفسهم نفعاً أو يدفعون عنهم بها ضراً ، ومثل هذا لا يمكن لغير القاضي معرفته ، ولو كان للمدعيين مصلحة في ما لدى هؤلاء لأحضروهم إلى المحكمة لأخذ شهادتهم ، بدلاً عن الاكتفاء بالشهود الأربعة الذين أحضروهم لدى القاضي السلف .

= لكل ما تقدم حكمت : باستمرار العمل بموجب حجة الاستحكام ؛ لعدم ما يوجب نقضَها أو إلغاءها ، وصدق الحكم من محكمة التمييز بالقرار ذي الرقم 889/ 1 المؤرخ في 13/ 9/ 1401هـ ، ونُصَّ في قرار التصديق على : إلغاء ما حكم به القاضي السلف .

والتشريع القضائي المطلوب هو التالي :-
1/ لزوم العناية بتطوير وتدريب أعوان القضاة ، وتبصيرهم بواجباتهم وحدودهم .
2/ الإسراع بتطبيق أحكام السجل العقاري للحفاظ على الثروة العقارية وحقوق الملكية .
3/ تكثيف الدورات المتخصصة للقضاة في كل ما من شأنه رفع كفاءتهم وإحاطتهم بطرق معالجة أنواع القضايا الداخلة في اختصاصهم .
4/ وجوب انتقاء مجموعة من الأحكام المتميزة ؛ لتعميم ملخصاتها على القضاة ؛ للاستفادة من طرق معالجة أحداثها .
5/ الاستعجال في استخلاص المبادئ القضائية واعتمادها ؛ درءاً لتفاوت الاجتهادات في المسألة الواحدة .
6/ التصدي للدعاوى الكيدية ، ووضع آلية العمل بها بالتعاون بين القاضي والإدعاء العام .
7/ الاهتمام بأهل الخبرة وبيوتاتها ، وبتطوير الكفاءات لتواكب المتغيرات . والله أعلم وأحكم



-

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4861 | تأريخ النشر : السبت 4 رجب 1430هـ الموافق 27 يونيو 2009م

طباعة المقال

إرسال المقالة
(( إلغاء حكم الغير )) في اليوم التاسع من شهر جمادى الأولى عام 1401هـ باشرت عملي قاضيا في محكمة الجفر بالأحساء ، وكان من أوائل القضايا التي نظرتها هذه القضية . وملخصها كما يلي :- = تقدم رجلان بدعوى منتصف العام 1399هـ لدى القاضي السلف - يرحمه الله - يطلبان إلغاء صك المدعى عليه ؛ لأنه ينطبق على مرفق من مرافق القرية ، ولأن جانبا من العقار طريق خاص بهما . = دفع المدعى عليه بأنه يملك العقار بموجب صك صادر من كتابة العدل مبني على حجة استحكام صادرة من ناظر القضية في العام 1397هـ ، وذكر : أن البائع اشترى هذا الملك من ورثة مالكه الأول في العام 1369هـ . = أحضر المدعيان أربعة شهود شهدوا جميعهم : أن العقار موضع النزاع يوجد في جانبه الشرقي غرفة مبنية على مجرى مائي ، وأن أهل القرية كانوا يستخدمونها للاغتسال وللوضوء للصلاة ؛ غير أن الشهود الأربعة ذكروا في شهادتهم : أن هذه الغرفة ملك للبائع الأول !!!. = طلب القاضي من هيئة النظر الخروج على العقار والإفادة بما يرونه حيال النزاع ، فقررت الهيئة أن العقار أرض بيضاء ، وليس بيتا كما جاء في الصك ، وظهر لهم : أنها مرفق للقرية بموجب إفادات أخذتها الهيئة من مجموعة من رجال ونساء القرية حضروا معهم في محل النزاع !!!. = طلب القاضي من المدعين تعديل الشهود ، واستند على شهادتهم وعلى قرار الهيئة في الحكم بثبوت الدعوى ، وأن تكون الأرض المدعى فيها مرفقا عاما . = أعادت محكمة التمييز المعاملة إلى المحكمة باستدراك على القاضي : أنه لم يقم بالإشارة إلى دراسة الوثائق والصكوك المقدمة من المدعى عليه . = انتهت خدمة القاضي منتصف العام 1400هـ قبل تمكنه من إكمال موجب قرار الاستدراك ، وبقيت المعاملة في المحكمة حتى مباشرتي بعد أكثر من سنة . = أعدت المعاملة إلى محكمة التمييز للإحاطة بتقاعد القاضي ، ولطلب الإفادة بشأن الإجابة عن ملحوظات الحكم ، فأعيدت بتكليفي بإكمال النظر في القضية . = كان بإمكاني الحكم على المدعيين برد دعواهما بالبينة التي أحضراها ؛ لأنها شهدت بملكية البائع الأول للعقار المدعى فيه ، وهذا يعد إبطالا لدعوى كونه مرفقا عاما ؛ غير أني لم أشأ إغفال ما نص عليه قرار محكمة التمييز من لزوم دراسة الصكوك والمستندات . = ابتدأت النظر في القضية باستعراض ما أجراه القاضي السلف على الطرفين فأقراه ، وقرر المدعيان اكتفاءهما بما سبق ضبطه ، وكان من ضمن ما اتخذته الآتي : أولا : كتبت إلى اثنين من أهل الخبرة في قرية المتداعين بطلب الإفادة عن العقار ، وهل هو طريق للمدعيين ، وهل عليهما ضرر من عدم استطراقه ، فورد الجواب : بأن العقار ليس طريقا عاما ، ولا يوجد أي ضرر على المدعيين من عدم استطراق العقار . ثانيا : ظهر لي أن المدعى عليه كان أحد شاهدي حجة الاستحكام قبل شرائه العقار ، فطلبت منه إحضار شاهد حجة الاستحكام الثاني ، فأحضره وشهد بالاستفاضة عن كبار السن : أن العقار كان ملكا لرجل اسمه ( سلمان ) ، ثم اشتراه آخر اسمه ( علي الأول ) ، وبعد وفاته باعه ورثته على ثالث اسمه ( حسين ) ، وشهد بأنه رأى العقار بيد ( حسين ) هذا منذ أوائل العقد السادس من القرن الماضي ، ثم اشتراه ( علي الثاني ) ، وأخرج عليه حجة استحكام ثم باعه على المدعى عليه . ثالثا : طلبت إحضار البائع ( حسين ) ، فقرر : أن العقار محاط بسور من جميع جهاته ، وأنه اشتراه عام 1367هـ ، وذكر ستة انتقالات للعقار قبل وصوله إليه . رابعا : طلبت إحضار البائع ( علي الثاني ) ، فقرر : أن شراءه العقار كان قبل ست سنوات ، وأنه هو الذي أخرج حجة الاستحكام ، ثم باعه على المدعى عليه . خامسا : طلبت من المدعى عليه وثيقة شراء البائع ( حسين ) ، فوجدتها محررة في 1/ 3/ 1369هـ ، ومصدقة من أحد قضاة ذلك الوقت ، ومذكورا فيها حدود المبيع كما هي في حجة الاستحكام . سادسا : لم أعتد بشهادة البائع الأول ( حسين ) ولا بشهادة البائع الثاني ( علي الثاني ) ، وإنما أوردتهما استئناسا بما لديهما ، فتوافر للمدعى عليه من البينات : وثيقة المبايعة ، وشاهد واحد هو شاهد الحجة الثاني ، مضافا إلى مدلول شهادة شهود المدعيين الأربعة ، وإلى قرار أهل الخبرة الأخير . سابعا : رأيت أن من المناسب تحليف المدعى عليه يمين الاستظهار : بأنه يوم شرائه العقار لا يعلم أنها مرفق من مرافق القرية ، فحلف طبق ما طلبته منه . ثامنا : شهد المدعيان بعدالة شهودهم الأربعة ، وشهدا بعدالة شاهد الحجة الثاني ؛ غير أنهما قررا عدم قبول شهادته ، فأحضر المدعى عليه من عدل شاهد الحجة التعديل الشرعي . تاسعا : اشتملت معاملة حجة الاستحكام على إفادتي البلدية والأوقاف بعدم المعارضة على طلب حجة الاستحكام ، فانتفى بذلك كون العقار مرفقا عاما أو وقفا على المسجد . عاشرا : قررت الإعراض عما قررته هيئة النظر بجعل العقار مرفقا عاما ؛ لاستنادهم على إفادات مجاهيل من النساء والرجال ، ذكرت الهيئة : أنهم رأوهم في مكان النزاع ، ومع أن أخذ الشهادات ليس من اختصاص هيئة النظر ، فهم لا يعلمون إن كان الحاضرون من أقارب المدعيين ، أو ممن يمكنهم استئجارهم ، أو ممن لهم عداوات مع المدعى عليه ، أو ممن يجلبون بشهادتهم لأنفسهم نفعا أو يدفعون عنهم بها ضرا ، ومثل هذا لا يمكن لغير القاضي معرفته ، ولو كان للمدعيين مصلحة في ما لدى هؤلاء لأحضروهم إلى المحكمة لأخذ شهادتهم ، بدلا عن الاكتفاء بالشهود الأربعة الذين أحضروهم لدى القاضي السلف . = لكل ما تقدم حكمت : باستمرار العمل بموجب حجة الاستحكام ؛ لعدم ما يوجب نقضها أو إلغاءها ، وصدق الحكم من محكمة التمييز بالقرار ذي الرقم 889/ 1 المؤرخ في 13/ 9/ 1401هـ ، ونص في قرار التصديق على : إلغاء ما حكم به القاضي السلف . والتشريع القضائي المطلوب هو التالي :- 1/ لزوم العناية بتطوير وتدريب أعوان القضاة ، وتبصيرهم بواجباتهم وحدودهم . 2/ الإسراع بتطبيق أحكام السجل العقاري للحفاظ على الثروة العقارية وحقوق الملكية . 3/ تكثيف الدورات المتخصصة للقضاة في كل ما من شأنه رفع كفاءتهم وإحاطتهم بطرق معالجة أنواع القضايا الداخلة في اختصاصهم . 4/ وجوب انتقاء مجموعة من الأحكام المتميزة ؛ لتعميم ملخصاتها على القضاة ؛ للاستفادة من طرق معالجة أحداثها . 5/ الاستعجال في استخلاص المبادئ القضائية واعتمادها ؛ درءا لتفاوت الاجتهادات في المسألة الواحدة . 6/ التصدي للدعاوى الكيدية ، ووضع آلية العمل بها بالتعاون بين القاضي والإدعاء العام . 7/ الاهتمام بأهل الخبرة وبيوتاتها ، وبتطوير الكفاءات لتواكب المتغيرات . والله أعلم وأحكم -
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع