|
نشرت في مجلة اليمامة العدد 1906
قضائيات تحدثنا سابقاً عن حقوقِ القضاةِ الماديةِ والمعنويةِ لا على سبيلِ الحصرِ ؛ تمهيداً للحديثِ عن واجباتهم وطرقِ محاسبتهم ، إلا إنه من اللازمِ أولاً : الحديثُ عن التجهيزاتِ القضائيةِ اللازمةِ لهم لأداءِ أعمالهم على الوجهِ المطلوبِ ؛ منعاً لِتَعلِيقِ القُصُورِ في الإنجازِ على النَّقصِ في التَّجهِيزِ ؛ إذ لا عَمَلَ بلا عُدَّةٍ ، ولا عُدَّةَ بلا تكميل ، وأَهَمُّ التجهيزاتِ المطلوبةِ والتي هي من حقِّ العملِ في أيِّ قطاعٍ الآتي :أولاً/ المباني :
وقبل الحديثِ عن هذا الأمرِ لابد من الإشارةِ إلى خبرٍ سَبَقَ نَشْرُهُ عن تَعَاقُدِ وزارةِ التربيةِ والتعليمِ مع إحدى الشركاتِ الوطنيةِ لبناءِ ألفِ مدرسةٍ كُلَّ عامٍ بنظامِ التأجيرِ المنتهي بالتمليك .
وللعلم : فإنَّ المدرسةَ بِفِنَائِهَا ومَلاعِبِهَا ومَرَافِقِهَا لا يُمكِنُ أن تَقِلَّ مساحتُها عن عشرين ألفَ مترٍ مربعٍ (20.000م) ، كما لا يُمكِنُ أن تَقِلَّ تكلفةُ البناءِ لمثل هذه المساحةِ عن العشرة ملايين ريال (10.000.000ريال) ، لِتُصبِحَ التكلفةُ السنويةُ لبناءِ المدارسِ الحكوميةِ في حدودِ العشرة مليارات ريال تقريباً ، وهنا : أَقِفُ تحيةَ إجلالٍ للحكومةِ التي أَقَرَّت تلك المشاريعَ التربويةَ البَنَّاءَة .
ولو تَأمَّلنا واقعَ المحاكمِ اليومَ نَجِدُ : أنَّ عَدَدَ جَمِيعِهَا لا يزيدُ عن المائتينِ وسبعينَ محكمةً ، أي : إنَّ مجموعَ محاكمِ المملكةِ قريبٌ من رُبُعِ (0.25) ما جاءَ في خَبَرِ تَعَاقُدِ وزارة التربيةِ والتعليمِ على بِنَائِهِ سَنَوِيَّاً ، كما أنَّ مساحةَ المُجَمَّعِ القضائيِّ الواحدِ ونفقاتِ بِنَائِهِ لا يَصِلُ قطعاً إلى مساحةِ وتكلفةِ بناءِ نِصْفِ مدرسةٍ ، بمعنى : أنَّ مُعَدَّلَ إنفاقِ الدولةِ على ما يُنجَزُ من مشاريعِ تِلْكَ المدارسِ الحكوميةِ في شهرٍ واحدٍ فقط يكفي لبناء جميعِ مشاريعِ وزارةِ العدلِ في الوقتِ الحاضرِ وحتى عقودٍ قادمةٍ .
أمَّا واقعُ الكثيرِ من المباني الحَالِيَّةِ للمحاكمِ فَهو سَيِّءٌ جداً ؛ لِكَونِ غَالِبِهَا مُؤجَّرَاً ومُعَدَّاً في الأصلِ للسكنِ العائليِّ ، لا لاتخاذها دائرةً حكوميةً ، فغرفة الاستقبال منها مكتبٌ لرئيسِ المحكمة ، وغرفةُ الطعامِ للاجتماعات ، وغُرَفُ النومِ مكاتبُ قضائيةٌ ، والصالةُ لانتظار المراجعين ، وهكذا !!! ، حتى إنك لترى مبنى مجلسَ القضاءِ الأعلى - وهو أعلى سلطةٍ قضائيةٍ - بهذه الصورةِ أيضاً ، فلم يُرَاعَ فيه منذ إِنشَائِهِ لا مَوقِعَهُ ، ولا هَيئَتَهُ ، ولا تَأثِيثَهُ ، أشبهَ الحالَ في محكمةِ ظَهْرَانِ الجَنُوبِ أو محكمة تَيْمَاءَ الشَّمَال مثلاً .
والحلُّ يَتَمَثَّلُ : في إعدادِ مُخَطَّطَاتٍ لجميعِ الدوائرِ القضائيةِ على اختلاف أحجامها ، بعد التشاورِ مع المختصين ، وبعد الاطلاعِ على نماذجَ من المحاكمِ العريقةِ عبر العالمِ ، ثم اعتمادِ بنائها دفعةً واحدةً ؛ فإنَّا إنْ فَرَّطنا بتحصيلِ هذا المطلبِ في هذه الأيامِ الرغيدةِ كما سبق التفريطُ في فتراتِ ما يُسَمَّى ( الطفرة ) فإني أخشى أن تَمُرَّ عقودٌ أخرى قبل اقتناصِ فترةِ رخاءٍ على مستوى الدولة تكون مماثلةً لهذه الفترة .
ثانياً/ الأثاث :
يَعِزُّ على القاضي والموظفِ العَدْلِيِّ ما يرونه من رَدَاءَةِ فرشِ الدوائرِ القضائيةِ ، واهتراءِ مقاعدها ، وضَعفِ مكاتبها ، وقِلَّةِ مُدَّخَرَاتِهَا من الورق والمظاريف والأقلام ونحوها ، وأعلم يقيناً : أن بعض الموظفين يضطر إلى تجهيزِ مكتبه من حسابه الخاصِ حتى يظهرَ بالمظهرِ اللائقِ به ، بل وصل الحدُّ ببعض الموظفين إلى الإسهامِ فيما بينهم لتأمينِ نواقصِ دوائرهم من الأدوات المكتبية ، وبعضهم أحضر معه مكاتبَ كاملةً ، وعندما أُحِيلَ على التقاعدِ نَقَلَهَا إلى منزله في منظرٍ لا يخلو من عِبْرَةٍ لِمُعتَبِرٍ .
ثالثاً/ الأجهزة المكتبية :
حيث لا يزال الكثيرُ من المحاكمِ تفتقر إمَّا : إلى تأمينِ ، أو صيانةِ الأجهزةِ المكتبيةِ مثل : الفاكس ( الناسوخ ) ، والكمبيوتر ( الحاسوب ) ، والسنترال ( البدَّالة ) ، والأرشيف الآلي ( السجلات ) ، وآلات التصوير ، والطابعات ، عدا عن الأجهزة الكهربائية الأخرى مثل : الثلاجات ، والبرادات ، والمكيفات ، ونحوها ، ولابد من تكميلِ وتجويد جميعِ تلك الاحتياجات .
رابعاً/ الشبكة الإلكترونية :
تفتقر الدائرةُ القضائيةُ الواحدةُ إلى شبكةٍ إلكترونيةٍ خاصةٍ بها ؛ يَسْهُلُ بها متابعةُ المعاملاتِ وتمريرُ الأوامرِ لإنجاز قضايا الناسِ على وجهٍ أفضل ، وليس هذا مَطلَبَنَا فقط ، بل إن المطلبَ الأهمَّ هو : سرعةُ إنفاذِ الشبكةِ العامةِ لجميع المحاكم وكتابات العدل وفروع الوزارة بربطها مع مقام الوزارة ؛ إذ بتلك الشبكةِ العامَّةِ يَتِمُّ توفير أكثر من ستين بالمائة (60%) من وقتِ إنجازِ المعاملاتِ ، كما يُمكِنُ بها السيطرةُ على مراقبةِ سيرِ العملِ في جميعِ أطرافِ الشبكةِ ، وتدقيقُ أداءِ منسوبي الوزارة في جميع التخصصات ، ومتابعةُ حضورِ وانصرافِ الموظفين في وِحْدَةِ تَحَكُّمٍ رئيسةٍ في مقر الوزارة ، مما يجعلنا نَضمَنُ - بِتَحَقُّقِ ذلك كُلِّهِ - اكتمالَ الأداءِ بنسبٍ عاليةٍ ولائقةٍ بوزارةٍ خِدْمِيَّةٍ كوزارة العدل .
خامساً/ الدورات المتخصصة :
فمن اللازم إقامةُ مركزٍ دائمٍ للتطوير الإداري في كل فرعٍ من فروع الوزارة ؛ لتطويرِ قدراتِ القضاةِ أولاً ، وكذا الكُتَّابِ بالعدلِ ، وموظفي الدوائرِ القضائيةِ في كلٍ من علوم : الإدارة والحاسب الآلي بصفةٍ دائمةٍ ومتجددةٍ وإلزاميةٍ ، سواءٌ : في أوقاتِ الدوام الرسميِّ أو خارجَه ، ومن لا يتمكنُ من مواصلةِ الحضورِ لِبُعْدِ المسافة يُنْدَبُ مُدَّةً كافيةً لذلك الغرض .
سادساً/ الأعوان :
يحتاج القاضي - لإنجازِ ما يُوكلُ إليه - إلى أعوانٍ في تخصصاتٍ شتى ، والحاجة لهؤلاءِ الأعوانِ متفاوتةٌ ؛ فمنهم : ما يلزم أن يكونَ متواجداً في كل محكمةٍ عامةٍ دون استثناء ؛ مثل : هيئاتِ النظرِ المختصةِ بتحديدِ أعرافِ البلدةِ في العقاراتِ والأنكحةِ والنفقاتِ ونحوِها ، وكذا : المسَّاحين الذين يُعِدُّونَ الكشوف المساحية للعقارات ، ويُطَبِّقون الوثائقَ والصكوكَ على الطبيعةِ .
ومنهم : ما يلزم أن يكونَ في المحاكمِ الجزائيةِ ؛ مثل : مُقّدِّرِيِّ الشِّجَاجِ لتحديدِ أنواعِ الجِرَاحِ ودِيَاتِهَا .
ومنهم : ما يلزم أن يكون في رئاساتِ محاكمِ المناطقِ ؛ مثل : الطبيبِ الشرعيِّ ، وخُبَرَاءِ الأدلةِ الجنائيةِ ، وخُبَرَاءِ الخُطُوطِ ؛ الذين يَلزَمُ إسنادُ عَمَلِهِم إلى وزارة العدل - من الآن فصاعداً - بحسب الاختصاص .
ومنهم : ما لا يكون إلا في العاصمة ( الرياض ) ؛ لكونه عزيزاً نادراً ؛ أشبه : فَنِّيِّيِ المختبراتِ المتقدمة لتحديدِ الجيناتِ ، والحمضِ النوويِّ ، وغيرها ؛ اللازمةِ لقضايا النَسَبِ والاغتصابِ وكثيرٍ من الجرائم .
فالقضاء المُقتَرِنُ بهذه التجهيزات هو ما نُؤَمِّلُ حُدُوثَهُ ، ونرجو تَطبِيقَهُ ؛ لِيُؤتِي ثِمَارَهُ بعد أن يُلْقِيَ أَطمَارَهُ ، وبه يُمكِنُ المحاسبةُ على الواجباتِ الآتي بَيَانُهَا إن شاءَ اللهُ تعالى . واللهُ المستعانُ .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 3916 | تأريخ النشر : الأحد 16 ربيع الثاني 1427هـ الموافق 14 مايو 2006ماضغط هنا للحصول على صورة المقالة
إرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|