نشرت في مجلة اليمامة العدد 1908

قضائيات يجب على القاضي أن يتحلَّى بواجباتٍ ذاتيةٍ ومتعديةٍ ، وأن يلتزمَ بالمداومة عليها . قد لا يكون بعضُها واجباً في حق غيره ؛ إلا أنها في حقه لازمةٌ ، لا ينبغي له الفِكَاك منها ،

والواجبات الذاتية //

أولاً/ يتحتم على القاضي العنايةَ بمظهره ؛ لكونه دليلاً على مخبره ، ويمكن تصويره بالآتي :-

1- أن يُدِيْمَ القاضي لبسَ خير الثياب البياض ؛ فهو رمز النقاء والطهر والطيب ، وأحرى أن يمتدَّ تأثيره إلى نفسه فتسمو ، وإلى نفس صاحب الحق فيرجوه ، وإلى من عليه الحق فييأس من التأثير عليه .

2- أن يتزينَ بأجملِ اللباسِ وأنظفِهِ ( ثوبه وعباءته وما يَنْـتَعِلُهُ ) ؛ ليعلوَ في أعين الخصوم ، فلا يطمع فيه منهم أحد ، وأن يُظهرَ آثارَ نعمة الله عليه ، فلا يلبس الباليَ ولا المُبتَذَلَ فيكون هدفاً لكل طامع ، أو موضع ازدراءٍ يُخِلُّ بوقاره ، وأن يجتنبَ ما يُدَنِّسُ ثيابه قدر طاقته .

3- أن يتعاهد لباسه ( كُلَّهُ ) بين الحين والآخر ؛ مثل : أن لا تميل غترته ميلاً يُزري بمظهره ، ونحو ذلك من لباسه الظاهر والباطن ، ولتكن طريقةُ لبسه العباءةَ متقنةً ووقورة ، مجتنباً الزَّهْوَ والعجبَ بنفسه .

4- أن يحرصَ على التخلُّصِ مما يَشِيْنُهُ ، فيداوم الاستياك لإزالة قلح الأسنان ، والادِّهان في وجهه لإظهار نظارته ، وفي بدنه لإزالة الخشونة من يديه وقدميه ، وبخاصة : عَقِبَيْهِ ، وفي شعره لتسكينه وترتيبه ، وأن يقطعَ رائحةَ عَرَقِهِ بما يناسبه من مزيلات الرائحة ، وأن يلازم الطيبَ في بدنه وثيابه .

5- أن يضبطَ جِلْسَتَهُ ، فلا يخل بآداب الجلوس ؛ مثل : الاستلقاء الحادِّ بظهر الكرسي ، أو الدوران العابث به ، أو رفع الأقدام إلى مستوى الجالسين عنده ، أو مَدِّ القدمين بحضور الناس لغير عذر .

6- أن يتجنب المساسَ بما يخل بوقاره أمام الناس ؛ مثل : تحريك داخلة أنفه ، أو تخليل أسنانه بيده ، أو مسح قذى عينيه بأصابعه ، وكذا : ريق شِدْقَيْهِ ، مع لزوم تعاهده ذلك كله بمنديلٍ ونحوه .

7- اجتناب كثرة الضحك ، أو رفع الصوت بالكلام والقهقهة فوق المعتاد ، أو الاشتهار بكثرة المزاح والهزل ، أو تَعَمُّدِ إحراج الآخرين ، وبخاصة : زملائه أو مراجعيه .

8- أن لا يُكثِرَ الالتفات في مِشْيَتِهِ ، ولا يَتَخَشَّعَ فيها ، ولا يُلْقِيَنَّ بالاً لما تقع عينه عليه في الطريق ؛ إلا أن يكون أذىً فَيُمِيْطُهُ عنه ، أو طعاماً فَيُنَحِّيْهِ .

9- أن يتفقدَّ نفسه - ولو بواسطة رفيقٍ به - لرصد الحركات العفوية الدائمة ، ليجتنبها أو يقللها قدر طاقته ؛ حتى لا يُعْرَفَ بها فيتندر به الغوغاء ، وكذا حال تكراره كلماتٍ بعينها في كل حديث .

ثانياً/ يلزم القاضي الحرصَ على صحته ؛ لكون حُسنَ إدراكه وصوابِ قراره فرعاً عنها .

ثالثاً/ ينبغي على القاضي الالتزام بقيود علاقته بأفراد مجتمعه فلا يتساهل في تخطيها كالتالي :-

1- على القاضي أن لا يستغرقَ في علاقاته بغير زملاء العمل الحكومي ؛ مثل الجيران والأعيان حتى يعتاد مؤاكلتهم ، كما لا يجوز له قبول الهدايا ممن لم يكن يتهادى وإياه قبل القضاء ؛ لأن كُلَّ ذلك يُوْجِبُ رَدَّهُ عن نظر قضاياهم ، وأن لا يُكثر من طلب العطايا والهبات من الولاة فيُزري به ذلك عندهم .

2- يليق بالقاضي أن يكون هادئاً في قيادته السيارة ، وأن يتجنب المضايقاتِ أثناء القيادة ، والإزعاجَ بالمنبه ، والوقوفَ المزدوجَ في انتظارِ قادمٍ ، أو إنزالِ راكبٍ ، أو لأداءِ الصلاةِ في المسجدِ ، أو لجلبِ غرضٍ من متجرٍ ونحوه ، وأن يكون وقوراً في مشيته وحديثه ومعاملاته مع الآخرين .

3- إذا كان الصيامُ مما يرهق القاضي ويضعفُ تركيزه فلا ينبغي له صومُ النافلةِ في أيام الدوام ، كما لا ينبغي له الزيادةُ في نوافلِ العبادةِ وقت الدوام الرسمي ، ولا الوعظُ بعد صلاة الظهر ؛ فهو في خيرٍ من ذلك كله ، ولا أن يعتاد الخروج من المحكمة قبل نهاية الدوام أو أثناءه لغرضٍ خاصٍ به أو بعائلته .

4- على القاضي أن لا يبالغ في المماكسة مع الباعة إلى حَدِّ الإلجاءِ بالبيع له حياءً منه ؛ فتلك صفة ذميمة لا تليق بمثله ، ولا يليق به إعلامُ البائع بكونه القاضي ؛ لِيَخُصَّه بتخفيضٍ أو زيادةِ كيلٍ ونحوهما .

5- لا يسوغ للقاضي استغلالُ صاحبٍ أو جارٍ في مثل تعليم أولاده ، أو لإيصاله إلى مكانٍ بغير أجرةٍ معتادةٍ أو مكافأةٍ مجزيةٍ ؛ فمثله يُعْطِي ولا يَأخُذ ، واليد العليا خير من اليد السفلى .

6- من اللازم على القاضي أن لا يزاحمَ الناسَ في أرزاقهم ، فلا ينافسَ أحداً على إمامةِ مسجدٍ ، أو خطابةٍ في جامعٍ ، أو رئاسةِ جمعيةٍ ، أو عضويةِ لجنةٍ خيريةٍ ؛ إلا أن يجبَ عليه ذلك وقتَ شغور الوظيفة أو لعدم البديل ، وأن لا يشاركَ العامة في التأليب على إمامٍ أو رئيس دائرةٍ ونحوهما .

7- يجمل بالقاضي أن لا يُكْثِرَ من الكلام في المجلس بغير العلم ، وأن يسمعَ لمن معه أكثرَ مما يتكلم ، وأن لا يقاطعَ حديثَ جليسه ، وأن يجتنبَ الجدلَ والمِرَاءَ ، وأن لا يجزمَ بخطأ قولٍ أو عالمٍ فيما يسعه الخلاف من فروع الشريعة ، وأن لا يُكثِرَ الوقوفَ بأبواب العِلْيَةِ والأعيان .

8- أن لا يَتَصَدَّرَ في المجالسِ على كبارِ السِنِّ ، ولا ينسبَ لنفسه من الرأي ما أخذه من غيره ، ولا يسمحَ لأحدٍ بمدحه على ما ليس من فِعْلِهِ ، وأن لا يُحِيْطَ نفسه بمظهرٍ زائفٍ يَقْبُحُ من مثله .

9- أن لا يتدخلَ بصفته الرسمية فيما هو خارج اختصاصه من أمور العامة ؛ إلا أن يكون ناصحاً ، أو آمراً بمعروفٍ ، أو ناهياً عن منكرٍ ، وأن لا يتورطَ مع من يجهلُ حَالَهم في مثلِ ضمانٍ أو كفالة .

سنرى - إن شاء الله تعالى - في العدد القادم واجبات القضاة المتعلقة بعملهم القضائي مع الموظفين والمراجعين والجهات الحكومية ذات العلاقة بأعمال المحاكم .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 3627 | تأريخ النشر : الأحد 30 ربيع الثاني 1427هـ الموافق 28 مايو 2006م

اضغط هنا للحصول على صورة المقالة

طباعة المقال

إرسال المقالة
واجبات القضاة 2 - 4 يجب على القاضي أن يتحلى بواجبات ذاتية ومتعدية ، وأن يلتزم بالمداومة عليها . قد لا يكون بعضها واجبا في حق غيره ؛ إلا أنها في حقه لازمة ، لا ينبغي له الفكاك منها ، والواجبات الذاتية // أولا/ يتحتم على القاضي العناية بمظهره ؛ لكونه دليلا على مخبره ، ويمكن تصويره بالآتي :- 1- أن يديم القاضي لبس خير الثياب البياض ؛ فهو رمز النقاء والطهر والطيب ، وأحرى أن يمتد تأثيره إلى نفسه فتسمو ، وإلى نفس صاحب الحق فيرجوه ، وإلى من عليه الحق فييأس من التأثير عليه . 2- أن يتزين بأجمل اللباس وأنظفه ( ثوبه وعباءته وما ينـتعله ) ؛ ليعلو في أعين الخصوم ، فلا يطمع فيه منهم أحد ، وأن يظهر آثار نعمة الله عليه ، فلا يلبس البالي ولا المبتذل فيكون هدفا لكل طامع ، أو موضع ازدراء يخل بوقاره ، وأن يجتنب ما يدنس ثيابه قدر طاقته . 3- أن يتعاهد لباسه ( كله ) بين الحين والآخر ؛ مثل : أن لا تميل غترته ميلا يزري بمظهره ، ونحو ذلك من لباسه الظاهر والباطن ، ولتكن طريقة لبسه العباءة متقنة ووقورة ، مجتنبا الزهو والعجب بنفسه . 4- أن يحرص على التخلص مما يشينه ، فيداوم الاستياك لإزالة قلح الأسنان ، والادهان في وجهه لإظهار نظارته ، وفي بدنه لإزالة الخشونة من يديه وقدميه ، وبخاصة : عقبيه ، وفي شعره لتسكينه وترتيبه ، وأن يقطع رائحة عرقه بما يناسبه من مزيلات الرائحة ، وأن يلازم الطيب في بدنه وثيابه . 5- أن يضبط جلسته ، فلا يخل بآداب الجلوس ؛ مثل : الاستلقاء الحاد بظهر الكرسي ، أو الدوران العابث به ، أو رفع الأقدام إلى مستوى الجالسين عنده ، أو مد القدمين بحضور الناس لغير عذر . 6- أن يتجنب المساس بما يخل بوقاره أمام الناس ؛ مثل : تحريك داخلة أنفه ، أو تخليل أسنانه بيده ، أو مسح قذى عينيه بأصابعه ، وكذا : ريق شدقيه ، مع لزوم تعاهده ذلك كله بمنديل ونحوه . 7- اجتناب كثرة الضحك ، أو رفع الصوت بالكلام والقهقهة فوق المعتاد ، أو الاشتهار بكثرة المزاح والهزل ، أو تعمد إحراج الآخرين ، وبخاصة : زملائه أو مراجعيه . 8- أن لا يكثر الالتفات في مشيته ، ولا يتخشع فيها ، ولا يلقين بالا لما تقع عينه عليه في الطريق ؛ إلا أن يكون أذى فيميطه عنه ، أو طعاما فينحيه . 9- أن يتفقد نفسه - ولو بواسطة رفيق به - لرصد الحركات العفوية الدائمة ، ليجتنبها أو يقللها قدر طاقته ؛ حتى لا يعرف بها فيتندر به الغوغاء ، وكذا حال تكراره كلمات بعينها في كل حديث . ثانيا/ يلزم القاضي الحرص على صحته ؛ لكون حسن إدراكه وصواب قراره فرعا عنها . ثالثا/ ينبغي على القاضي الالتزام بقيود علاقته بأفراد مجتمعه فلا يتساهل في تخطيها كالتالي :- 1- على القاضي أن لا يستغرق في علاقاته بغير زملاء العمل الحكومي ؛ مثل الجيران والأعيان حتى يعتاد مؤاكلتهم ، كما لا يجوز له قبول الهدايا ممن لم يكن يتهادى وإياه قبل القضاء ؛ لأن كل ذلك يوجب رده عن نظر قضاياهم ، وأن لا يكثر من طلب العطايا والهبات من الولاة فيزري به ذلك عندهم . 2- يليق بالقاضي أن يكون هادئا في قيادته السيارة ، وأن يتجنب المضايقات أثناء القيادة ، والإزعاج بالمنبه ، والوقوف المزدوج في انتظار قادم ، أو إنزال راكب ، أو لأداء الصلاة في المسجد ، أو لجلب غرض من متجر ونحوه ، وأن يكون وقورا في مشيته وحديثه ومعاملاته مع الآخرين . 3- إذا كان الصيام مما يرهق القاضي ويضعف تركيزه فلا ينبغي له صوم النافلة في أيام الدوام ، كما لا ينبغي له الزيادة في نوافل العبادة وقت الدوام الرسمي ، ولا الوعظ بعد صلاة الظهر ؛ فهو في خير من ذلك كله ، ولا أن يعتاد الخروج من المحكمة قبل نهاية الدوام أو أثناءه لغرض خاص به أو بعائلته . 4- على القاضي أن لا يبالغ في المماكسة مع الباعة إلى حد الإلجاء بالبيع له حياء منه ؛ فتلك صفة ذميمة لا تليق بمثله ، ولا يليق به إعلام البائع بكونه القاضي ؛ ليخصه بتخفيض أو زيادة كيل ونحوهما . 5- لا يسوغ للقاضي استغلال صاحب أو جار في مثل تعليم أولاده ، أو لإيصاله إلى مكان بغير أجرة معتادة أو مكافأة مجزية ؛ فمثله يعطي ولا يأخذ ، واليد العليا خير من اليد السفلى . 6- من اللازم على القاضي أن لا يزاحم الناس في أرزاقهم ، فلا ينافس أحدا على إمامة مسجد ، أو خطابة في جامع ، أو رئاسة جمعية ، أو عضوية لجنة خيرية ؛ إلا أن يجب عليه ذلك وقت شغور الوظيفة أو لعدم البديل ، وأن لا يشارك العامة في التأليب على إمام أو رئيس دائرة ونحوهما . 7- يجمل بالقاضي أن لا يكثر من الكلام في المجلس بغير العلم ، وأن يسمع لمن معه أكثر مما يتكلم ، وأن لا يقاطع حديث جليسه ، وأن يجتنب الجدل والمراء ، وأن لا يجزم بخطأ قول أو عالم فيما يسعه الخلاف من فروع الشريعة ، وأن لا يكثر الوقوف بأبواب العلية والأعيان . 8- أن لا يتصدر في المجالس على كبار السن ، ولا ينسب لنفسه من الرأي ما أخذه من غيره ، ولا يسمح لأحد بمدحه على ما ليس من فعله ، وأن لا يحيط نفسه بمظهر زائف يقبح من مثله . 9- أن لا يتدخل بصفته الرسمية فيما هو خارج اختصاصه من أمور العامة ؛ إلا أن يكون ناصحا ، أو آمرا بمعروف ، أو ناهيا عن منكر ، وأن لا يتورط مع من يجهل حالهم في مثل ضمان أو كفالة . سنرى - إن شاء الله تعالى - في العدد القادم واجبات القضاة المتعلقة بعملهم القضائي مع الموظفين والمراجعين والجهات الحكومية ذات العلاقة بأعمال المحاكم .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع