|
قضائيات في مقالة بعنوان : اللجنة المصرفية .. الخصم والحكم . كتبها فضيلة الشيخ : محمد بن سعود الجذلاني . جاء ما نصه :-
[ منذ تشكيل لجنة تسوية المنازعات المصرفية ومباشرتها لأعمالها والشكوى مستمرة من افتقار تلك اللجنة إلى أبسط مقومات القضاء العادل النزيه المستقل ] . انتهى
هذه الجملة الافتتاحية حوت نفياً جذرياً للعدالة والنزاهة والاستقلال !!!، وتصدير المقالة بها يبين مقدار الضغط والشحن النفسٍي عند قائلها .
وهذا الكلام لم يصدر من جاهلٍ ليعذر ، بل صدر من طالب علم تولى القضاء حقبة من الزمن ، ويعمل في مهنة المحاماة التي يُشَرِّفها كثير من العقلاء وذووا الإنصاف .
- اللجنة أنشئت منذ أربع وعشرين سنة ، كان فضيلة الزميل وقتها لا يزال في مراحل الدراسة الأولى .
- اللجنة تعاقب على عضويتها الكثير من رجالات الدولة ، منهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، منهم ثلاثة وزراء تقلبوا في مناصب عدة وخدم كل واحد منهم الدولة أكثر من أربعين سنة .
- احتمل أولئك الرجال هذه المهمة التي نأى عنها رجال المؤسسة القضائية في وقتٍ كان الوضع الاقتصادي - في جميع دول الخليج - على وشك الإنهيار بسبب أعباء حرب الخليج الأولى .
= كان إنشاء اللجنة أمراً إستثنائياً ، أقره ثلاثة من أقطاب العمل القضائي والإداري في الدولة - منهم : معالي الشيخ محمد بن جبير يرحمه الله - واستطاعوا بهذا القرار تجاوز محنة ما كان يعلم مداها غير الله .
= نهجت اللجنة في ترسيخ مبادئها إلى تغليب رعاية حق الجانب الأضعف قدر الإمكان ، وهو جانب العميل ؛ لعدة أمور ليس هذا مكان بسطها ، ومن يطلع على الكتاب الصادر عن أمانة اللجنة يجد ذلك متجلياً في المبادئ التي قررتها اللجنة منذ إنشائها وحتى العام 1428هـ .
= إن تورط كثير من العملاء في الاقتراض من المصارف واكبه ضعف كثيرٍ منهم في الثقافة الحقوقية ( الشرعية منها والنظامية ) ، وكان الناس والمصارف على وفاق تام في أغلب أحوالهم ، ولم تكن أمورهم لتسوء لولا الاهتزازات المالية التي تجوب دول العالم بين الحين والحين ، حينها يفقد العميل جزءاً من مكاسبه ، ويعود المصرف على العميل بطلب ما أعطاه من تمويل ؛ ليجد العميل نفسه وقد أحاطت به أسباب الخسارة من كل جانب .
= يعيب الكثير على اللجنة أن جملة من أحكامها في جانب المصارف ، وهي كذلك بالنسبة لقضايا التورق والتمويل ، لكن اللجنة لا تنفك عن التماس أيسر الطرق للتخفيف على المدين ، أما الدين فليس ثمة عاقل يطالب اللجنة بحرمان الدائن من حقه الذي له على مدينه ، لا فرق بين دائن فرد أو مصرف .
- لم يقل أحد أن المحاكم الجزائية تفتقر إلى أبسط مقومات القضاء العادل النزيه المستقل ، مع أنها تحكم في جميع أو غالب قضاياها على المتهمين المدعى عليهم من الإدعاء العام ، وما ذلك إلا لأنهم قد ورطوا أنفسهم فيما يوجب الحكم عليهم بالسجن والجلد والغرامة ونحوها ، وكذلك من ورط نفسه في ديون أساء توظيفها أو شاء الله له خسارتها .
= إن مما يؤذي القارئ أن يرى تحاملاً حاداً على جهة قضائية في كتابة من يظن بهم الصدق والإنصاف ، مما يجعل القارئ مضطراً للجزم بأن المتحامل إما : أنه ينفس عن غضبٍ اعتراه من حكمٍ صدر ضده ، أو : أنه يُجَهِّزُ لموقفٍ قد جزم بصدوره ضده ، وهذا ما يعمد إليه بعض من يمارسون الضغط على القضاء بسلاح الصحافة ؛ فإما : أدركوا اهتزاز موقف القاضي ، أو : نالوا تخفيفاً ما كان ليحصل لهم لولا ذلك التصعيد ، أو : برروا بكتاباتهم المتحاملة لمن وراءهم سبب إخفاقهم في كسب القضايا .
= وتأتي ثانية الأثافي في مقولة الزميل حيث قال ما نصه :-
[ ومن المؤلم والمؤسف أن تستمر هذه اللجنة في مزاولة أعمالها بأسلوب تعسفي لا يجد المتضرر أو المتظلم منه أي طريقة لتحقيق تظلمه أو رفع الضرر عنه من أي جهة كانت ] انتهى .
- وهذا يذكرني بقصة رجل عاب آخر في خِلقته . فقال المشتوم : أتعيب الخلق ؟، أم تعيب الخالق؟.
ولعل فضيلة المحامي يجيب عن هذا السؤال بصيغة أخرى : أتعيب الأمر السامي بتشكيل اللجنة ؟، أم تعيب .... ؟.
- لا أظن الزميل بحاجة إلى إكمال السؤال ؛ حتى لا يخطر في باله الاستعداء عليه ( حاشا لله ) ، ولكن أقول : هلا ترويت في مقالتك قليلاً ، واستشرت من تثق به قبل نشرها !.
= أما ثالثة الأثافي : فهي في نظرته لقرارات الجنة وما تتمتع به من قوة وفورية في التنفيذ ، وهذا كما قال الشاعر :
كضرائر الحسناء قلن لوجهها = حسداً وبغياً : إنه لدميم
= فهل مثل هذا عيب تعاب به اللجنة ؟، أم : أن خلافه هو العيب الذي يعاب على ذويه ؟.
ألا ينتقض هذا الملحظ عند النظر إلى الأحكام التي تصدر لصالح الأفراد ضد المصارف ، فما هو عيب هناك عند فضيلته لن يكون عيباً هنا عند جميع العقلاء .
= أما الضرر اللاحق بالمحكوم عليه من التنفيذ فليس أمره إلى الجهة الحاكمة أياً كانت ؛ سواء : اللجنة المصرفية ، أو المحاكم العدلية ، أو الإدارية ، والقضاء لا يمكنه إرضاء طرفي النزاع في غير الصلح ، وإلا فإن المتضررين من أحكام اللجنة المصرفية من أفراد المجتمع لا يبلغون عشر معشار من تضرروا من تنفيذ أحكام المحاكم العدلية والإدارية بحسب كثافة القضايا لدى كل جهة .
= أما الانتقادات الحادة التي تتعرض لها اللجنة من القانونيين : فلعلها من محامين خسروا قضايا موكليهم ، وفاتهم من أجل ذلك ما وعدوا به من أجور ، ومن المعلوم :
إن نصف الناس أعداء لمن = ولي الأحكام ؛ هذا إن عدل
= ويظهر أن فضيلة الزميل أعجب برمي تلك التهمة الجائرة ، فكررها بعبارة أخرى يؤكد فيها :-
[ افتقاد الناس لحقهم الشرعي في القضاء العادل النزيه المستقل في نزاعاتهم المصرفية ] .
وهنا أقول لفضيلته :
- هل يجوز للمحامي أن يتوكل عن رجل أمام قضاء غير عادل ولا نزيه ولا مستقل ؟.
- أليس في قبوله التوكيل لدى هذه الجهة تغرير بالموكل ومخاطرة أمام قضاء ظالم فاسد متحيز ؟.
- وهل من العدالة والنزاهة والاستقلال قبض الأتعاب المقدمة واشتراط الأجر المتأخر في قضاء يفتقد أبسط تلك المقومات ؟، أم أن هذا أولى بالوصف الآخر الذي وصم به فضيلة الزميل اللجنة :
[ من أبشع صور الظلم الذي لا يجوز أن يستمر ] .
أخي الفاضل :
- ليتك ناديت بتحسين وضع اللجنة ودعمها بالكفاءات وتعميمها على مناطق المملكة الكبرى .
- وليتك دعوت إلى تبسيط إجراءاتها بمقترحات ملموسة يمكن النظر فيها وتطبيقها ؛ ولو بعد حين .
- وليتك نقدت ما اطلعت عليه من أحكام جائرة صدرت من اللجنة ؛ حتى تسلم من الجور والفساد والتحيز الذي رميتها به منذ إنشائها .
- وليتك أوضحت محاسن ما تدعو إليه من إحداث دائرة استئناف لتضع يدك في أيدي أعضاء اللجنة الذين ما فتئوا يثيرون هذه المسألة بين الحين والآخر .
أخي الكريم :
ما جاء في مقالتك كان مجحفاً وقاسياً وغير لائق في حق زملاء لك في مهنة يراد منها إحقاق الحق ، فلو قال لك خصم في مجلس قضٍائك مثل ما وصمت به اللجنة : لكنت مشغولاً بكتابة المحاضر واستدعاء الشرط ومتابعة ما بعد ذلك .
= تأكد أخي الفاضل أن تلك المقالة - كما أنها لن تجعل اللجنة تحيد عن مبادئها اتقاء فحش لسان قائلها - فهي لن تبادل أحداً سوءاً بسوء ، ولا شراً بشر ، ولا فحش قولٍ بمثله ، فلكل أمرٍ من الأمور ذووه . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
عدد التعليقات : 1 | عدد القراء : 5029 | تأريخ النشر : الخميس 15 جمادى الأولى 1431هـ الموافق 29 أبريل 2010مإرسال المقالة
إرسال المقالة والتعليقات إلى صديق
|
|||
|
|
|||
|
|
|||
|
تأريخ النشر: السبت 20 جمادى الأولى 1432هـ الموافق 23 أبريل 2011مسيحية
طباعة التعليق