نشرت في مجلة اليمامة العدد 1909 وصحيفة اليوم العدد 1259

قضائيات تحدثنا عن شيءٍ من واجبات القضاة في ذواتهم وتجاه الغير خارج المحكمة ، ونتحدث اليوم عن واجبات القضاة تجاه زملائهم وأعوانهم في المحكمة ، تاركين الحديث عن واجباتهم تجاه المراجعين والخصوم في الحلقة القادمة .

أولاً/ واجبات القاضي تجاه زملائه القضاة :-

1- إظهار الاحترام من بعضهم لبعض ، وبخاصة : من الصغير منهم للكبير ؛ الذي إكرامه فرعٌ عن إجلال الله جلت عظمته ، فكيف إذا اجتمع - مع كِبَرِ السِنِّ - العلمُ ، والصُحْبَةُ ! ، ولابد - مع ذلك -من إظهار الاحتفاء والتوقير والتقدير بحيث يراه الجميع .

2- التماس العذر لما قد يبدر من أحدهم من سوء ؛ مما قد يكون سببه عارضاً صحياً أو نفسياً ، أو طارئاً في ماله أو أهله ، أو غفلةً تعتريه ؛ فإنَّ عَدَمَ التَّحَسُّسِ مهمٌ جداً في كل علاقة ، ولابد من التَّخَلُّقِ به .

3- المصارحة والمكاشفة بين الزملاء كفيلةٌ بإزالة ما تنطوي عليه النفوس من عَتَبٍ ، وبتذويب جبال الجليد الناشئة عن برود العلاقات بين الإخوان ، وبتبديد ضباب التوتر الطارئ ، وَحَرِيَّةٌ باستعادة صفاء العلاقة الأصيلة ، أو الحدِّ من تدهورها .

4- المناصحة بين الزملاء في كل ما يرفع من شأن القضاء والقضاة ، وما يؤدي إلى حسن سير العمل وسلاسته وانضباطه ، ونقل الملحوظات أياً كانت من القاضي إلى زميله برفقٍ وأدبٍ لاستدراكها .

5- التعاون وبذل الوسع في الإرشاد فيما يُشكل على أحدهم ، وتشمير السواعد في المشاركة في حمل الهم ؛ لإيجاد الحلول وبذل نتائج الخبرات والتجارب السابقة ؛ فزكاة العلم بَذْلُهُ ، وبه يزكو ويزيد .

6- الانطواء على الخير في علاج العلاقات المتوترة بين الزملاء ؛ لِرَأْبِ صدعِ الجفاءِ الحاصل بين بعضهم ، والابتعاد عن حظوظ النفس الأمَّارة بالسوء ؛ باستغلال الخلافات في شق العصا ، وإذكاء نار الفتنة ، واستلال عيوب أطراف النزاع من كلٍ منهم تجاه الآخر .

7- الحرص على معرفة دوافع وأسباب التوتر بالطرق الودية ؛ قبل اللجوء إلى الوسائل الرسمية ؛ فقد يعيب الرجل شيئاً صحيحاً وآفته في ذلك سوء الفهم وردة الفعل المندفعة في الطريق الخطأ .

8- استبعاد مثيرات القلق أو الكدر أو الحسد بين الأقران ؛ بالبعد عن الانتقاص الإقليمي أو الطبقي ، أو التشهير بخطأ الزميل ، أو التشفي منه ، أو السكوت عند ذكره بسوءٍ من مراجعٍ ونحوه ، أو التحريض على شكايته ، أو الوشاية به .

9- عدم التعرض لما يحرج القاضي الزميل أمام الآخرين ، ويمكن كبحُ جِمَاحِ من يَتَعَرَّضُ منهم لإحراج نفسه بتنبيهه ؛ بالإشارة ، أو الهمس في أذنه ، أو بإرسال رسالة إليه عبر هاتفه ونحو ذلك .

10- سلامة القلب مطلبٌ هامٌ من كل مسلمٍ تجاه أخيه المسلم ، ومن يجد مشقةً في اصطحابها فعليه بالإلحاح في الدعاء ، وإلا فإنَّ حَالَهُ كَحَالِ من يقبضُ على الجمر بيدٍ عاريةٍ لِيَقْذِفَ به الآخرين ، فيحترق هو أولاً ، ويُحْرِقُ غيره ثانياً .

11- إن العرفان من شيم الكرام ، فَحقٌ من له عليك معروفٌ أن تذكرَه به ، وتشكرَه عليه ، وتدعوَ له ، وتكافئَه عليه ، كلٌ على قدر طاقته ، وهذا عامٌ بين المسلم وأخيه ، ويتأكَّدُ بين طلبةِ العلمِ الشريف وَحَمَلَةِ الفقهِ الشرعي وخَدَمِ الشرعِ المطهر .

12- قبول الشفاعة من الزملاء فيما لا حرج فيه ، أو التودُّدُ في الاعتذار بما يحفظ قدر الزميل الشافع عند المشفوع له ، وإظهارُ عظيمِ تقديره له وبالغِ الأسفِ على عدم إنفاذ شفاعته ، والثناءُ عليه بما يستحقه لتخفيف أثر الاعتذار - عن قبول شفاعته - في نفسه .

13- تَجَنُّبُ القاضي الخوضَ في تصويب أو تخطئة ما يقرره زميله عند الآخرين ، وعدمُ التَّعَرُضِ لتوجيه أيٍ من الخصوم لدى أيٍ من الزملاء بما يُظْهِرُ زميلَه بمظهر الجاهل أو الخاطئ أو الظالم ، ومن خَشِيَ على زميله من الوقوع في خطأٍ ما فسبيله الأوحدُ لتدارك ذلك هو مُنَاصَحَتُهُ ، لا تَجْهِيْلُهُ وَتَخْطِئَتُهُ .

ثانياً/ واجبات القاضي تجاه أعوانه من الموظفين :-

1- الاحترام والتقدير لجميعهم ؛ فلا ينادي أحدَهم إلا بأحب الأسماء إليه كنية أو لقباً ، وعليه تَجَنُّبُ التهوين من أمرهم أمام القضاة الآخرين ، أو أمام زملائهم أو المراجعين .

2- إكرامهم بالثناء على من يستحق منهم بالقول ؛ تشجيعاً لهم وتحفيزاً لغيرهم ، وَمَدُّ أثر ذلك إلى إعطاء المحسن منهم ما يستحق من درجات تقارير الكفاية ، أو تأييدِ طلبه علاوةَ الترقية ، أو الانضمامَ إلى دورة تطويرية ، أو بمنحه الإجازة المستحقة في وقت طلبه إياها ، أو بتزكيته عند من يطلبها لما يعود عليه بالنفع ، وأهمُّ مطلبٍ لكل موظف : أن يُذْكَرَ بأحسنِ أحواله عند من سأل عنه .

3- الرفق بهم فلا يكلفهم فوق طاقتهم ، ولا يتعمد إحراجهم أمام الناس ، ولا يُشْمِتُ بهم أحداً متى احتاجوا إلى توجيهٍ أو إرشاد ، والتروي في علاج مشكلاتهم وأخطائهم .

4- التقرب منهم متى حان الوقت المناسب لذلك ؛ بملاطفتهم ، والسؤالِ عن أحوالهم ، وبذلِ ما يقدر عليه من إعانتهم في مثل زواجٍ أو سكنى منزلٍٍ أو مكافأةِ أطفالهم على نجاحاتهم ، وبمشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم ، فلو علم الرئيس المباشر أثر ذلك على مرؤوسه لما انفك عن مشاركته في نوائبه .

5- تفويض بعض الصلاحيات الإدارية للكفء منهم ، ولا يمنع ذلك من المراجعة بين الحين والآخر ؛ للتأكد من سلامة ذلك التفويض وإنتاجه ثماره المقصودة .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 5386 | تأريخ النشر : الأحد 7 جمادى الأولى 1427هـ الموافق 4 يونيو 2006م

اضغط هنا للحصول على صورة المقالة

طباعة المقال

إرسال المقالة
واجبات القضاة 3- 4 تحدثنا عن شيء من واجبات القضاة في ذواتهم وتجاه الغير خارج المحكمة ، ونتحدث اليوم عن واجبات القضاة تجاه زملائهم وأعوانهم في المحكمة ، تاركين الحديث عن واجباتهم تجاه المراجعين والخصوم في الحلقة القادمة . أولا/ واجبات القاضي تجاه زملائه القضاة :- 1- إظهار الاحترام من بعضهم لبعض ، وبخاصة : من الصغير منهم للكبير ؛ الذي إكرامه فرع عن إجلال الله جلت عظمته ، فكيف إذا اجتمع - مع كبر السن - العلم ، والصحبة ! ، ولابد - مع ذلك -من إظهار الاحتفاء والتوقير والتقدير بحيث يراه الجميع . 2- التماس العذر لما قد يبدر من أحدهم من سوء ؛ مما قد يكون سببه عارضا صحيا أو نفسيا ، أو طارئا في ماله أو أهله ، أو غفلة تعتريه ؛ فإن عدم التحسس مهم جدا في كل علاقة ، ولابد من التخلق به . 3- المصارحة والمكاشفة بين الزملاء كفيلة بإزالة ما تنطوي عليه النفوس من عتب ، وبتذويب جبال الجليد الناشئة عن برود العلاقات بين الإخوان ، وبتبديد ضباب التوتر الطارئ ، وحرية باستعادة صفاء العلاقة الأصيلة ، أو الحد من تدهورها . 4- المناصحة بين الزملاء في كل ما يرفع من شأن القضاء والقضاة ، وما يؤدي إلى حسن سير العمل وسلاسته وانضباطه ، ونقل الملحوظات أيا كانت من القاضي إلى زميله برفق وأدب لاستدراكها . 5- التعاون وبذل الوسع في الإرشاد فيما يشكل على أحدهم ، وتشمير السواعد في المشاركة في حمل الهم ؛ لإيجاد الحلول وبذل نتائج الخبرات والتجارب السابقة ؛ فزكاة العلم بذله ، وبه يزكو ويزيد . 6- الانطواء على الخير في علاج العلاقات المتوترة بين الزملاء ؛ لرأب صدع الجفاء الحاصل بين بعضهم ، والابتعاد عن حظوظ النفس الأمارة بالسوء ؛ باستغلال الخلافات في شق العصا ، وإذكاء نار الفتنة ، واستلال عيوب أطراف النزاع من كل منهم تجاه الآخر . 7- الحرص على معرفة دوافع وأسباب التوتر بالطرق الودية ؛ قبل اللجوء إلى الوسائل الرسمية ؛ فقد يعيب الرجل شيئا صحيحا وآفته في ذلك سوء الفهم وردة الفعل المندفعة في الطريق الخطأ . 8- استبعاد مثيرات القلق أو الكدر أو الحسد بين الأقران ؛ بالبعد عن الانتقاص الإقليمي أو الطبقي ، أو التشهير بخطأ الزميل ، أو التشفي منه ، أو السكوت عند ذكره بسوء من مراجع ونحوه ، أو التحريض على شكايته ، أو الوشاية به . 9- عدم التعرض لما يحرج القاضي الزميل أمام الآخرين ، ويمكن كبح جماح من يتعرض منهم لإحراج نفسه بتنبيهه ؛ بالإشارة ، أو الهمس في أذنه ، أو بإرسال رسالة إليه عبر هاتفه ونحو ذلك . 10- سلامة القلب مطلب هام من كل مسلم تجاه أخيه المسلم ، ومن يجد مشقة في اصطحابها فعليه بالإلحاح في الدعاء ، وإلا فإن حاله كحال من يقبض على الجمر بيد عارية ليقذف به الآخرين ، فيحترق هو أولا ، ويحرق غيره ثانيا . 11- إن العرفان من شيم الكرام ، فحق من له عليك معروف أن تذكره به ، وتشكره عليه ، وتدعو له ، وتكافئه عليه ، كل على قدر طاقته ، وهذا عام بين المسلم وأخيه ، ويتأكد بين طلبة العلم الشريف وحملة الفقه الشرعي وخدم الشرع المطهر . 12- قبول الشفاعة من الزملاء فيما لا حرج فيه ، أو التودد في الاعتذار بما يحفظ قدر الزميل الشافع عند المشفوع له ، وإظهار عظيم تقديره له وبالغ الأسف على عدم إنفاذ شفاعته ، والثناء عليه بما يستحقه لتخفيف أثر الاعتذار - عن قبول شفاعته - في نفسه . 13- تجنب القاضي الخوض في تصويب أو تخطئة ما يقرره زميله عند الآخرين ، وعدم التعرض لتوجيه أي من الخصوم لدى أي من الزملاء بما يظهر زميله بمظهر الجاهل أو الخاطئ أو الظالم ، ومن خشي على زميله من الوقوع في خطأ ما فسبيله الأوحد لتدارك ذلك هو مناصحته ، لا تجهيله وتخطئته . ثانيا/ واجبات القاضي تجاه أعوانه من الموظفين :- 1- الاحترام والتقدير لجميعهم ؛ فلا ينادي أحدهم إلا بأحب الأسماء إليه كنية أو لقبا ، وعليه تجنب التهوين من أمرهم أمام القضاة الآخرين ، أو أمام زملائهم أو المراجعين . 2- إكرامهم بالثناء على من يستحق منهم بالقول ؛ تشجيعا لهم وتحفيزا لغيرهم ، ومد أثر ذلك إلى إعطاء المحسن منهم ما يستحق من درجات تقارير الكفاية ، أو تأييد طلبه علاوة الترقية ، أو الانضمام إلى دورة تطويرية ، أو بمنحه الإجازة المستحقة في وقت طلبه إياها ، أو بتزكيته عند من يطلبها لما يعود عليه بالنفع ، وأهم مطلب لكل موظف : أن يذكر بأحسن أحواله عند من سأل عنه . 3- الرفق بهم فلا يكلفهم فوق طاقتهم ، ولا يتعمد إحراجهم أمام الناس ، ولا يشمت بهم أحدا متى احتاجوا إلى توجيه أو إرشاد ، والتروي في علاج مشكلاتهم وأخطائهم . 4- التقرب منهم متى حان الوقت المناسب لذلك ؛ بملاطفتهم ، والسؤال عن أحوالهم ، وبذل ما يقدر عليه من إعانتهم في مثل زواج أو سكنى منزل أو مكافأة أطفالهم على نجاحاتهم ، وبمشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم ، فلو علم الرئيس المباشر أثر ذلك على مرؤوسه لما انفك عن مشاركته في نوائبه . 5- تفويض بعض الصلاحيات الإدارية للكفء منهم ، ولا يمنع ذلك من المراجعة بين الحين والآخر ؛ للتأكد من سلامة ذلك التفويض وإنتاجه ثماره المقصودة .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع