|
نشرت في مجلة اليمامة العدد 1910
قضائيات إنَّ موضوعَ العلاقةِ بين القاضي والمراجعِ حساسٌ جداً ، وبخاصةٍ : مع أصحابِ الدعاوى ، والكُلُّ يَعلَمُ يقيناً : أنَّ رضا الناسِ غايةٌ لا تُدْرَكْ ، وأنَّ من يكونُ الحكمُ ضِدَّهُ لابُدَّ وأنَّ يتخذ موقِفَاً عدائياً من القاضي ؛ إلا من رحم الله ، ولا يعني هذا : أنَّ الحقَّ مع القاضي في كُلِّ الأحوال ، وبالتالي : لن يكونَ الحقُّ غالباً مع الطرفِ الآخر ، وبعد سؤالي الله : العافيةَ لي وللجميعِ من قولِ الزورِ ، والبهتانِ ، والذِِّكْرِ بالمكروهِ أقول : إنَّ ما يُخَفِّفُ رَدَّ الفعلِ من الموتورين بالأحكامِ الصادرةِ ضِدَّهُم ، وَيُحَسِّنُ الصورةَ المُشَوَّشةَ لدى بعض المراجعين هو : تَخَلُّقُ القضاة بالواجبات التالية ، وقديماً قيل : (( درهمُ وقايةٍ خيرٌ من قنطار علاج )) .1- البشاشةُ وطلاقةُ الوجه مطلبٌ هامٌ يُجْمِعُ الناقدون على افتقادِهم إياه لدى كثيرٍ من القضاة ؛ مع أنه خلقٌ نبويٌ كريم ووصيةٌ محمديةٌ جليلة ، وَخَيرُ من يتخلَّقُ بها هم طلبةُ العلمِ الشرعيِّ ، وبخاصةٍ : القضاة .
2- استقلالُ القاضي بفعل ما ( يَقْدِرُ عليه ) من تصرفاتٍ خاصةٍ به ؛ مثل : فتحِ باب سيارته أو إغلاقِه ، أو إبقافِ سيارته في موقفها ، أو حَمْلِ حقيبته وأوراقه ، أو خلعِ عباءته ، فلا يليق بالقاضي - أبداً - أن يَكِلَ ذلك لأيٍ من المراجعين ؛ بل ولا من موظفيِّ دائرته ، فإنَّ ذلك أنفى لِلْكِبْرِ وأبعدُ عن العُجْبِ .
3- البُدَاءةُ بالسلامِ على جميعِ من يدخل عليهم القاضي في بَهْوِ المحكمة ، أو في أيِّ مكتبٍ من مكاتبها ، وَرَدُّ السلامِ وتشميتُ العاطسِ ؛ دون تفريقٍ بين أصحابِ الدعاوى والموظفين ، أو السجناء والمراجعين ، وكذا : سؤالُ المريضِ والغائبِ عن حالهما ونحو ذلك ؛ فَكُلُّ ذلك من وسائلِ التَّحبيب والتَّقريب .
4- اختيارُ أحسن الألفاظ - في الحديث مع المراجعين والخصوم - مما يليقُ بالقاضي قَوْلُهُ ، مع التَّنَبُّهِ لخفض الصوت أثناءَه ؛ ولا نَنْسَ أنَّ الخصومَ محتاجون لمن يَسْمَعُهُم أولاً ، لا لمن يُسْمِعُهُم أو يَعْجَلُ عليهم .
5- تَجَنُّبُ تعنيفِ المراجعين ؛ حتى عند التأنيبِ على ما يستدعي ذلك من أَحَدِهِم ، فالألفاظُ النَّابِيَةُ والمُقْذِعَةُ ليس طالبُ العلم مصدراً لها فضلاً عن القاضي ، ومن اللازمِ : إلحاقُ القاضي كُلَّ زَجْرٍ يضطرُّ إليه في حقِّ من يلتوي من الخصومِ بالدعاءِ له بنحو : هداكَ الله ، أصلحكَ الله ، باركَ الله فيك ، ونحو ذلك ؛ فهو أدعى لمن زُجِرَ أن ينطويَ على الخيرِ في علاقته بالقاضي ، لا على إضمارِ الشَّرِّ والظَّنِّ السَّـيِّئ به .
6- لا يسوغُ للقاضي - أبداً - استخدامُ أيٍ من مُراجعيه في مثل : مُناولةِ ورقةٍ ، أو جَلْبِ معاملةٍ ، أو تشغيلِ المكيفِ أو إغلاقِهِ ، أو إضاءةِ الأنوارِ ، ونحوها ، وَلِيَقُمْ القاضي بذلك الأمر ، أو أحدُ أعوانه .
7- ينبغي على القاضي منعُ الزياراتِ الخاصةِ وقتَ انعقادِ الجلسات ، وأثناءَ ازدحامِ المراجعين ، وَيَتَعَدَّى ذلك إلى منعِ استقبالِ المكالماتِ الهاتفيةِ في غيرِ مجالِ العمل ، والتقليلُ جداً من مُدَّةِ ذلك عند الاضطرار .
9- يُفَضَّلُ أن لا يبحثَ القاضي أيَّ مسألةٍ مع أيِّ مُراجعٍ أثناءَ دُخوُلِهِ المحكمةَ أو خروجِهِ منها ، بل يجعلُ ذلك في مكتبه ؛ إلا أن يُؤَكِّدَ على أمرٍ سَبَقَ بَحْثُهُ ، أو يُكَرِّرَ إيضاحَهُ لَهُ بإيجازٍ .
10- يجب على القاضي أن لا يُسَارَّ - في مكتبه - أحداً من المراجعين ، ولا أن يأخذَ منه مالاً ؛ كَأَن يكونَ قرضاَ حَلَّ أداؤه له ، ولا أن يقبضَ من أحدٍ غرضاً كان قد اشتراه منه مثلاً ؛ وَلِيَكُنْ ذلك ( كُلُّهُ ) في غيرِ المكتبِ ، أو بغيرِ حضرةِ الآخرين ؛ حتى لا يَفتحَ على نفسه قالةَ السُّوءِ ؛ من بابِ قولِ المصطفى صلى الله عليه وسلم لصاحبيه ( عَلَىْ رِسْلِكُمَاْ ، إِنَّهَاْ صَفِيَّةُ ) .
11- على القاضي أن لا يعتادَ تناولَ طعامِ إفطارِهِ في مكتبه ، وليجعل احتساءَهُ القهوةَ مع زملائِهِ في الفترةِ ( قُبيل أو بُعيد صلاة الظهر ) وقتَ هَدْأَةِ المراجعة ؛ على أن لا يزيد ذلك عن عشر دقائق .
12- من المُحَتَّمِ على القاضي عند شعوره بالإرهاقِ أن لا يسترخيَ في مكتبه والخصومُ خارجَهُ ، وإذا اضطُرَّ للخلوةِ - لتجديدِ نشاطِهِ - فلا يزيد ذلك عن ربع ساعة ؛ يجعلها في مختصره ، لا في مكتبه .
13- تصحيحُ العلاقةِ مع جميعِ المحامين ؛ فإنَّهم أقدرُ على تقريبِ الدعوى وتصويرِها وأفضلُ من الأصيلِ ، وما يبدرُ من بعضهم من إساءةٍ لا وجه لِتَعْمِيْمِهِ على جميعهم ؛ فَهُمْ من أعوانِ القاضي ولاشَكَّ لمن يَتَدَبَّر .
14- إكرامُ الشهودِ والخبراءِ وممثليِّ الدوائرِ الحكوميةِ عند حضورهم جلساتِ الدعاوى ، والتَّلَطُّفُ معهم وقتَ رَصْدِ ما لديهم ؛ فَبِهِمْ مقاطعُ الحقوق ، وعدمُ تأخيرِهم عن الموعدِ المحدَّدِ في مذكراتِ تبليغهم ، ومن لا يستطيعُ الحضورَ منهم إلا بورقةِ جَلْبٍ من المحكمةِ فَيُجَابُ طلبه حتماً ؛ إذ : ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ ، ويُعطى من حَضَرَ منهم شهادةً بحضوره مُحَدَّدَةً بزمنِ بدايةِ حضوره حتى انتهاءِ الحاجةِ منه على وَجْهِ الدِّقَّة ، مع التَّـنَبُّهِ لما قد يحصلُ من بعضهم من احتيالٍ ، القصدُ منه تبريرُ غيابِ الشاهدِ عن عمله .
15- الحرصُ على تطبيقِ مبدأ عَلَنِيَّةِ الجلساتِ ؛ بإبقاءِ بابِ المكتبِ مفتوحاً ، وعدمُ إخراجِ الوكيلِ عند حضورِ موكله أو العكس ؛ إلا أن يكونَ في اجتماعِهما إزعاجٌ وتشويشٌ يُؤَدِّي إلى تعطيلِ مسارِ الجلسة .
16- الاحتياطُ بحفظِ الأمنِ في المكتبِ عند نَظَرِ بعضِ القضايا الحسَّاسةِ ؛ وبخاصةٍ : القضايا الزوجيةِ والجنائيةِ ، مع عدمِ إهمالِ التهديداتِ الصادرةِ من بعضِ الخصومِ تِجَاهَ بعضٍ أمامَ القاضي ، ولزومِ رصدِ ذلك في محاضِرَ جانبيةٍ ؛ لأنها تعملُ على إيقافِ عجلةِ التَّهَوُّرِ ، وعلى إعادةِ حساباتِ الرغبةِ في الانتقام .
17- الاستجابةُ لما يطلبه أيٌ من أطرافِ النزاعِ من القاضي حيالَ رَصْدِ ما قد يَنْطِقُ به خصمُهُ - ولو كان القاضي يرى عدمَ الحاجةِ إلى ذلك - ، ثم إن كان المطلوبُ رَصْدُهُ ذا صلةٍ بموضوعِ الدعوى رَصَدَهُ القاضي في ضبطِ القضية ، وإلا ففي محضرٍ خارجيٍ ، مع ذِكْرِ أنَّ سببَ رَصْدِهِ هو طَلَبُ المستفيدِ منه ، ولا يسوغُ للقاضي إغفالُ تلك الطلبات ؛ لأنَّ ذلك سببٌ في إحباطِ النفوسِ والشعورِ بالخذلان .
18- التَّلّطُّفُ مع المحكومِ عليه - أياً كان نوعُ قَضِيَّتِهِ - والصبرُ على ما يَبْدُرُ منه بعد سماعِ الحُكْمِ عليه ، وبذلُ الوِسْعِ في بيان أسبابِ الحُكْم ، ولزومُ التَّنْصِيْصِ على حَقِّهِ في طلب التمييز أو الاستئناف وإفهامُهُ بذلكَ كُلِّهِ ؛ للتَّخْفِيْفِ من وَقْعِ الحُكْمِ عليه .
ولنا حديثٌ في العددِ القادمِ عن الواجباتِ النظاميةِ المنصوصِ عليها في النظامِ مفصلةً . والله الموفق .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4036 | تأريخ النشر : الأحد 14 جمادى الأولى 1427هـ الموافق 11 يونيو 2006ماضغط هنا للحصول على صورة المقالة
إرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|