قضائيات للشعر والنثر في اللغة العربية أغراض كثيرة ؛ منها المدح والوصف والغزل وغير ذلك من الأغراض التي لا يجهلها كل من له عنايةٌ بعلوم اللغة العربية وآدابها.
= والمدح - من حيث عوده على المادح - نوعان: نوعٌ يرفع صاحبه، ونوعٌ يزري بفاعله، والمدح الذي يرفع المادح هو مدح الله جل ثناؤه، ومدح رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، أمَّا مدح ما سوى الله ورسوله فيُزري بالمادح ولاشك.
فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ؛ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ )، كما ثبت: أنه عليه الصلاة والسلام قَد مُدِحَ، وأجاز من مدحه؛ بأن خلع عليه بُرْدَتَه، وأقل أحوال ذلك: أنَّ حُكْمَ مَدْحِهِ صلى الله عليه وسلم مُستحبٌ يُثَابُ فَاعِلُهُ ولا يُعَاقَبُ تاركه.
= والمدح - من حيث أثره على الممدوح - قسمان:
الأول/ ينفع الممدوح حساً لا معنى؛ وهذا يستلزم أن يكون الممدوح خاملاً في الأصل (لا وضيعاً)، وأن يكون المادح نابهاً ذائع الصيت؛ لأن المدح لا يرفع خاملَ الذِّكرِ إلا أن يكون المادح فوقه؛ ففاقد الشيء لا يعطيه.
والدليل: قصة الأعشى مع بنات المحلَّق الكلابي، وكانوا خمساً عوانس، فلما أكرمه أبوهن، مدحه بقصيدته المشهورة ومطلعها:
أَرِقتُ وما هذا السُّهاد المُؤرقُ = وما بِيَ من سُقْم وما بي مَعشَقُ
فما غابت شمس ذلك اليوم حتى تزوجن من أشراف العرب.
- ومثلها: قصيدة الحطيئة في بني أنف الناقة، وكانوا يستحيون من أن ينتسبوا لجدهم، فقلب المدح حالهم، ومنها:
قَوْمٌ هُمُ الأنْفُ والأذْنابُ غَيرُهم = ومن يُسَوِّي بأنْفِ النَّاقةِ الذَّنبَا
القسم الثاني/ لا ينفع الممدوح.
وهذا يكون مع نوعين متضادين من الناس:
النوع الأول/ الشريف الذي لا يحتاج إلى مادحٍ يرفعه، كما لا يَقْدِرُ على خَفْضِهِ مَن يَذُمُّهُ؛ ومنه قول الفرزدق في زين العابدين رضي الله عنه:
وَلَيْسَ قَوْلُكَ مَنْ هَذَا بِضَائِرِهِ = العُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أَنْكَرْتَ والعَجَمُ
النوع الثاني/ الحقير الوضيع الذي لا يرتفع مهما قيل فيه، وقد قُلْتُ في مثله:
كَهُدْبَةِ الثَّوْبِ إِنْ تَرفَعْهُ خَرَّ عَلَى = وَجْهِ البَسِيطَةِ لا ظِلٌ وَلا أَثَرُ
= والمدح يزيد المادحَ إزراءً متى كان لغير مستحق، أو كان بشيءٍ ليس في الممدوح، بل إنه ينقلب ذماً؛ فيُصبح تعريضاً بنقص الممدوح عن بلوغ وصف المادح.
- ومدح الأشخاص يغلب عليه الاستجداء وطلب الرِّفْدِ، ولا ضير على من سَمِعَهُ أن يُهْمِلَهُ؛ لأن ضرره مقصورٌ على صاحبه، كما لا عيب عليه إن أنكره؛ فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام قوله ( إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ؛ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ ).
= أما المدح المتعدي ضرره إلى غير الممدوح فهو أعظم إثماً، وكلما زاد عدد المتضررين منه كلما اشتد إثمه وازداد قبحه، حتى يكون الضرر مما يلحق بالعامة، أو يكون سبباً في تغطية أخطاء المسؤولين والتعمية على أولياء الأمور، وأياً كان هدف المادح من مدحه فلا عذر له فيما ضرره لا يشمله، ونفعه لا يتعداه، فكيف به !، إذا جاء من عالم بالحال كما أطلعتنا عليه إحدى الصحف عن أحد الزملاء القضاة يمتدح جميع منجزات المجلس الأعلى للقضاء منذ تشكيله الحالي وحتى الأسبوع الماضي، وهو الذي يعلم أحوال الكثير من القرارات وما فيها من العيوب، ولو أن ذاك المدح لما يستحق الثناء من منجزات المجلس لشكرناه، ولو كان المدح قاصراً على أشخاصٍ انتقاهم المادح لتركناه، غير أننا لا نحتاج لمدحٍ يُغري الخاطئَ بخطئه، ويصرف أعين المراقبين عن إدراكه، ولسنا في حاجةٍ لثناءٍ يُوهم المعنيَّ بالأمر بسلامة الحال وحسن المآل وهو بضد ذلك.
= ومدح الأخ الزميل لمنجزات المجلس المعيبة مدحٌ للمجلس بما ليس فيه، وفعلٌ يعود بالضرر على المؤسسة القضائية بتصويب أخطائها، وهي لا تحتاج لمن يُزَيِّنُ لها الخطأ بقدر ما تحتاج لمن ينبهها للصواب، كما يعود بالضرر على أفراد القضاة الذين ستعود عليهم تلك الأخطاء بالضرر البالغ؛ بسبب تناقضها، وسوء تقديرها، وثبوت تحيزها.
- فهل يُعد تميزاً ندب المجلس لمفتشين قضائيين لا يجوز اختيارهم بموجب الضوابط التي وضعها المجلس نفسه.
- هل يجوز ندب قضاة لعمل إداري بحت دون اعتماد الندب من المقام السامي الكريم بحسب التعليمات.
- هل يجوز إقرار قضاة في أماكنهم بعد ترقيتهم إلى قضاء الاستئناف دون موافقة سامية على ذلك الإقرار.
- هل يجوز التعبير عن الندب بالاستمرار في العمل دون التقيد بمصطلحات النظام.
- هل يليق بالمجلس أن يضع قواعد معيبة للترشيح للقضاء المتخصص.
- هل يُتصور من المجلس أن ينقل خمسة قضاة إلى محكمة الرياض العامة، ثم يندبهم للعمل في المجلس في جلسةٍ واحدة.
- هل يُقبل من المجلس أن يتبارى مع الوزارة في تبليغ الأوامر الملكية الخاصة بقرارات تعيين القضاة وترقياتهم، فيصدر بتعيين القاضي الواحد قراران وكذا في ترقيته، وكأننا لا نقرأ النظام، أو لا نفهمه، أو لا نريد أن نفعل ذلك.
- هل نرضى للمجلس أن يكون في منأىً عن المناشط القضائية التي تعقدها الوزارة، والمجلس أول من يُحاط بها.
- كل ذلك: سبق أن أوضحته في تلك الصحيفة في مقالة بعنوان: حتى لا تختلط الأوراق وتساء بنا الظنون. وكان فضيلة المادح ممن أيَّدَ تلك المقالة وما احتوته من نقدٍ لتلك التجاوزات التي بدا له الثناء عليها لاحقاً!!!، مع أن المجلس الموقر قد تدارك بعضاً منها بعد نشر تلك المقالة، غير أنه لا يزال يُصر على بعضها.
= إنَّ المدح الزائف لا ينفع صاحبه ما لم يكن قد شُورط عليه، ولن يسلم من ضرره غيره إلا أن يُنَبَّهَ إليه، والأيام حبالى بما ينتج عنه الثناء المعيب؛ والمصلحة العامة مقدمة على الخاصة إذا تعارضتا، والمفسدة العظمى أولى بالدرء من الصغرى إذا تلازمتا، والمصلحة الوطنية فوق كل اعتبارٍ لشخصٍ أو جهة. والله الموفق
http://www.cojss.com/vb/showthread.php?p=25209
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
عدد التعليقات : 1 | عدد القراء : 5074 | تأريخ النشر : الأحد 18 رجب 1432هـ الموافق 19 يونيو 2011م
طباعة المقال
إرسال المقالة
(( من مدحك بما ليس فيك فقد ذمك ))
للشعر والنثر في اللغة العربية أغراض كثيرة ؛ منها المدح والوصف والغزل وغير ذلك من الأغراض التي لا يجهلها كل من له عناية بعلوم اللغة العربية وآدابها.
= والمدح - من حيث عوده على المادح - نوعان: نوع يرفع صاحبه، ونوع يزري بفاعله، والمدح الذي يرفع المادح هو مدح الله جل ثناؤه، ومدح رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، أما مدح ما سوى الله ورسوله فيزري بالمادح ولاشك.
فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ليس أحد أحب إليه المدح من الله؛ من أجل ذلك مدح نفسه )، كما ثبت: أنه عليه الصلاة والسلام قد مدح، وأجاز من مدحه؛ بأن خلع عليه بردته، وأقل أحوال ذلك: أن حكم مدحه صلى الله عليه وسلم مستحب يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
= والمدح - من حيث أثره على الممدوح - قسمان:
الأول/ ينفع الممدوح حسا لا معنى؛ وهذا يستلزم أن يكون الممدوح خاملا في الأصل (لا وضيعا)، وأن يكون المادح نابها ذائع الصيت؛ لأن المدح لا يرفع خامل الذكر إلا أن يكون المادح فوقه؛ ففاقد الشيء لا يعطيه.
والدليل: قصة الأعشى مع بنات المحلق الكلابي، وكانوا خمسا عوانس، فلما أكرمه أبوهن، مدحه بقصيدته المشهورة ومطلعها:
أرقت وما هذا السهاد المؤرق = وما بي من سقم وما بي معشق
doPoem(0,'font="Arial,1em,black,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="double,3,green" type=0 line=1 align=center use=sp num="0,red" star="***,green" style="display:none"',1)
فما غابت شمس ذلك اليوم حتى تزوجن من أشراف العرب.
- ومثلها: قصيدة الحطيئة في بني أنف الناقة، وكانوا يستحيون من أن ينتسبوا لجدهم، فقلب المدح حالهم، ومنها:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم = ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
doPoem(0,'font="Arial,1em,black,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="double,3,green" type=0 line=1 align=center use=sp num="0,red" star="***,green" style="display:none"',2)
القسم الثاني/ لا ينفع الممدوح.
وهذا يكون مع نوعين متضادين من الناس:
النوع الأول/ الشريف الذي لا يحتاج إلى مادح يرفعه، كما لا يقدر على خفضه من يذمه؛ ومنه قول الفرزدق في زين العابدين رضي الله عنه:
وليس قولك من هذا بضائره = العرب تعرف من أنكرت والعجم
doPoem(0,'font="Arial,1em,black,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="double,3,green" type=0 line=1 align=center use=sp num="0,red" star="***,green" style="display:none"',3)
النوع الثاني/ الحقير الوضيع الذي لا يرتفع مهما قيل فيه، وقد قلت في مثله:
كهدبة الثوب إن ترفعه خر على = وجه البسيطة لا ظل ولا أثر
doPoem(0,'font="Arial,1em,black,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="double,3,green" type=0 line=1 align=center use=sp num="0,red" star="***,green" style="display:none"',4)
= والمدح يزيد المادح إزراء متى كان لغير مستحق، أو كان بشيء ليس في الممدوح، بل إنه ينقلب ذما؛ فيصبح تعريضا بنقص الممدوح عن بلوغ وصف المادح.
- ومدح الأشخاص يغلب عليه الاستجداء وطلب الرفد، ولا ضير على من سمعه أن يهمله؛ لأن ضرره مقصور على صاحبه، كما لا عيب عليه إن أنكره؛ فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام قوله ( إياكم والتمادح؛ فإنه الذبح ).
= أما المدح المتعدي ضرره إلى غير الممدوح فهو أعظم إثما، وكلما زاد عدد المتضررين منه كلما اشتد إثمه وازداد قبحه، حتى يكون الضرر مما يلحق بالعامة، أو يكون سببا في تغطية أخطاء المسؤولين والتعمية على أولياء الأمور، وأيا كان هدف المادح من مدحه فلا عذر له فيما ضرره لا يشمله، ونفعه لا يتعداه، فكيف به !، إذا جاء من عالم بالحال كما أطلعتنا عليه إحدى الصحف عن أحد الزملاء القضاة يمتدح جميع منجزات المجلس الأعلى للقضاء منذ تشكيله الحالي وحتى الأسبوع الماضي، وهو الذي يعلم أحوال الكثير من القرارات وما فيها من العيوب، ولو أن ذاك المدح لما يستحق الثناء من منجزات المجلس لشكرناه، ولو كان المدح قاصرا على أشخاص انتقاهم المادح لتركناه، غير أننا لا نحتاج لمدح يغري الخاطئ بخطئه، ويصرف أعين المراقبين عن إدراكه، ولسنا في حاجة لثناء يوهم المعني بالأمر بسلامة الحال وحسن المآل وهو بضد ذلك.
= ومدح الأخ الزميل لمنجزات المجلس المعيبة مدح للمجلس بما ليس فيه، وفعل يعود بالضرر على المؤسسة القضائية بتصويب أخطائها، وهي لا تحتاج لمن يزين لها الخطأ بقدر ما تحتاج لمن ينبهها للصواب، كما يعود بالضرر على أفراد القضاة الذين ستعود عليهم تلك الأخطاء بالضرر البالغ؛ بسبب تناقضها، وسوء تقديرها، وثبوت تحيزها.
- فهل يعد تميزا ندب المجلس لمفتشين قضائيين لا يجوز اختيارهم بموجب الضوابط التي وضعها المجلس نفسه.
- هل يجوز ندب قضاة لعمل إداري بحت دون اعتماد الندب من المقام السامي الكريم بحسب التعليمات.
- هل يجوز إقرار قضاة في أماكنهم بعد ترقيتهم إلى قضاء الاستئناف دون موافقة سامية على ذلك الإقرار.
- هل يجوز التعبير عن الندب بالاستمرار في العمل دون التقيد بمصطلحات النظام.
- هل يليق بالمجلس أن يضع قواعد معيبة للترشيح للقضاء المتخصص.
- هل يتصور من المجلس أن ينقل خمسة قضاة إلى محكمة الرياض العامة، ثم يندبهم للعمل في المجلس في جلسة واحدة.
- هل يقبل من المجلس أن يتبارى مع الوزارة في تبليغ الأوامر الملكية الخاصة بقرارات تعيين القضاة وترقياتهم، فيصدر بتعيين القاضي الواحد قراران وكذا في ترقيته، وكأننا لا نقرأ النظام، أو لا نفهمه، أو لا نريد أن نفعل ذلك.
- هل نرضى للمجلس أن يكون في منأى عن المناشط القضائية التي تعقدها الوزارة، والمجلس أول من يحاط بها.
- كل ذلك: سبق أن أوضحته في تلك الصحيفة في مقالة بعنوان: حتى لا تختلط الأوراق وتساء بنا الظنون. وكان فضيلة المادح ممن أيد تلك المقالة وما احتوته من نقد لتلك التجاوزات التي بدا له الثناء عليها لاحقا!!!، مع أن المجلس الموقر قد تدارك بعضا منها بعد نشر تلك المقالة، غير أنه لا يزال يصر على بعضها.
= إن المدح الزائف لا ينفع صاحبه ما لم يكن قد شورط عليه، ولن يسلم من ضرره غيره إلا أن ينبه إليه، والأيام حبالى بما ينتج عنه الثناء المعيب؛ والمصلحة العامة مقدمة على الخاصة إذا تعارضتا، والمفسدة العظمى أولى بالدرء من الصغرى إذا تلازمتا، والمصلحة الوطنية فوق كل اعتبار لشخص أو جهة. والله الموفق
http://www.cojss.com/vb/showthread.php?p=25209
تأريخ النشر: الأحد 18 رجب 1432هـ الموافق 19 يونيو 2011مسيحية
طباعة التعليق