|
نشرت في صحيفة الوطن
قضائيات خلال الفصل الثاني من العام الدراسي السالف كُلِّفت بتدارس مادة (ضوابط المحاكمة العادلة) مع الإخوة الدارسين والدارسات في قسم القانون من (كلية الفيصل للدراسات العليا بالرياض) فكان لي معهم لقاء أسبوعي طيلة أربعة أشهر تقريباً.كانت المادة تهدف إلى الإحاطة بكل ما يحقق عدالة المحاكمات الجزائية؛ منذ توجيه الاتهام - قبل القبض - حتى اكتمال تنفيذ الحكم، وقد أحصيت ضوابط المحاكمة العادلة فوجدتها خمسة وعشرين ضابطاً رئيساً، كل واحدٍ منها يوجب للمتهم حقوقاً على الجهات المسؤولة عن القبض، والتحقيق، والاحتجاز، ونظر الدعوى، وتنفيذ الأحكام.
وبعض تلك الضوابط لا يمكن الالتزام بها نحو المتهم في كل الدول، غير أن تحقيقها واقعاً مشاهداً لا يمكن بغير معرفتها وتدريسها، الأمر الذي يعزز نشر ثقافة حقوقية مثالية، تؤدي إلى استجرار تطبيق تلك الضوابط ورعاية الحقوق المنبثقة عنها شيئاً فشيئاً، وقديماً قيل: أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً.
لقد خططتُ في تدارس تلك المادة لسلوك مسالك عدة، أمكنني تحقيق أكثرها، وحال بيني وبين بعضها حوائل خرجت عن إرادتي.
وكان من بين الأنشطة الفصلية زيارتان لكلٍ من: هيئة حقوق الإنسان، ولجمعية حقوق الإنسان الوطنية، وقد تحقق ذلك بفضل الله ثم بتعاون المسؤولين في إدارتي الهيئة والجمعية؛ خصوصاً: القسم النسوي في الجمعية.
وكان على كل دارسٍ ودارسةٍ إعدادُ تقريرٍ عن زيارته، فأتت التقارير متفاوتةً تفاوتاً ملحوظاً قَلَبَ موازين التميُّز في الأنشطة السائدة؛ كالاختبارات وإعداد البحوث.
كما كان من بين الأنشطة الفصلية إجراء محاكمات افتراضية يقوم بها الدارسون، وقد اخترت لهم قضايا سبق لي نشر أحداثها في موقع (مركز الدراسات القضائية التخصصي) في سلسلة بعنوان (تشريعات قضائية لازمة) فقام الدارسون بأدوار القاضي والمدعي والمدعى عليه بموجب تنظيم خاص، واقتصرت أدوار الدارسات على نقد الأداء التمثيلي، فتفاوتت القدرات في القيام بتلك الأدوار، وفي التحضير والإعداد لها.
كان النشاط الأبرز هو ورش العمل التي وضعتُ لها عشرة أسئلة استنباطية، وقسمت الدارسين والدارسات إلى مجموعاتٍ رباعية، يتدارسون الأسئلة ويتطارحون الحلول؛ ليتفقوا على أقربها، أو يختلفوا، فيقرر كلٌ منهم رأيه المخالف لأصحابه، فاستغرق إنجاز أعمال تلك الورش أكثر من أربع ساعات، ومع أن الرقابة لم تكن صارمة عمداً، وأن الحوار بين أفراد كل مجموعة مما يمكن سماعه من المجموعات الأخرى، إلا إن المجموعة لم تكن لتصغي لغير أفرادها، فظهرت روح الفريق فيما بينهم، وظهر التمايز بين المجموعات على نحوٍ غير متوقع.
وكان من بين الأنشطة امتحانُ غير تحريريٍ، واستضافة شخصيتين حقوقيتين من الجنسين، ولم يتحقق لنا منهما غير استضافة المتحدث الرسمي في وزارة العدل د. عبد الله السعدان. فطلبت من فضيلته الحديث في موضوع المحاكمة العادلة في حدود ثلث ساعة، وأوجبت على كل دارسٍ ودارسة المشاركة بسؤالٍ واحدٍ فقط، وجعلت التقييم على صياغة نص السؤال ومدى ارتباطه بحديث الضيف وطريقة عرضه، فظهر لي تفاوتٌ من نوعٍ آخر كان له أثرٌ في تحديد درجات ذلك النشاط.
كانت المفاجأة في تلك الأنشطة أن المتميزين في الأدوار الجماعية (التمثيل، ورش العمل) هم من الأقل تميزاً في الأنشطة الفردية؛ مما زادني قناعة بأن تنويع الأنشطة فيه فرصة للجميع لإظهار قدراتهم الكامنة.
لم يبق من الأنشطة المخطط لها غيرُ نشاطٍ حرصت على تحقيقه أكثر من غيره، بأن طلبت من عمادة الكلية الموقرة الكتابة لمعالي وزير العدل بتمكين الدارسين والدارسات من حضور جلسةٍ من جلسات المحاكمة في المحكمة الجزائية المتخصصة، فصدر توجيه معالي الوزير بالموافقة على طلب العمادة، غير أن سفر الدائرة المعنية إلى مدينة جدة حال دون تنفيذ هذا النشاط.
كان الهدف من الزيارة أمرين:-
1/ كسر حواجز الجمود الموروث بين المحاكم والجمهور؛ خصوصاً: من أهل الاختصاص الحقوقي.
2/ تحقيق السبق إلى تطبيق مبدأ علنية الجلسات في محاكمنا الجزائية، كما هو مقرر ومعمول به في جميع الدساتير القضائية العالمية.
لم يتحقق لي ولزملائي الطلبة تحصيل ذلك السبق، ومع ذلك فقد سرني كثيراً ما نشرته الصحافة المحلية - وأخص بالذكر: صحيفة الوطن - حول تمكين رجال الإعلام من حضور جلسات المحاكمات الجزائية المتخصصة، ونقلهم أحداث المرافعة والحوار بين القضاة والمتهمين، على نحوٍ فيه تطبيق دقيق للضوابط الشرعية للمحاكمة العادلة في مرحلة نظر الدعوى.
والضوابط المتحققة في الجلسة المعلنة يمكن إيجازها في الآتي:-
1/ حق المتهم في الدفاع عن نفسه بنفسه، وقد تحقق ذلك بمشهد من رجال الصحافة.
2/ حق المتهم في توكيل محامٍ عنه من اختياره، وقد نقل رجال الإعلام طلب بعض المتهمين تمكينهم من توكيل محامين عنهم بمعرفتهم.
3/ حق المتهم العاجز عن اختيار الوكيل في انتداب محامٍ عنه على نفقة وزارة العدل، وهذا ما نقلته الصحافة عن بعض المتهمين الذين قرروا رغبتهم في التوكيل وعجزهم عن دفع نفقاته.
4/ حق المتهم في إمهاله المدة اللازمة لإعداد دفاعه، وقد أعطى القضاة أحد المتهمين مهلة كافية لإعداد دفاعه بنفسه.
5/ حق المتهم في التحقيق في دعاوى انتزاع الاعتراف منه بالقوة، وظهر هذا في حوار القضاة مع المتهمين بعد إنكار بعضهم اعترافاتهم السابقة.
6/ حق المتهم في إهمال كل اعتراف يثبت انتزاعه منه بالإكراه، وهذه نتيجة حتمية لأمر القاضي بالتثبت من دعوى الإكراه.
7/ حق المتهم في نظامية المحكمة؛ والمتمثل في أن القضاة المندوبين لتلك المحاكمات من رجال القضاء قبل حصول الاتهام وما نشأ عنه.
8/ حق المتهم في علانية المحاكمة؛ بإطلاع المجتمع عبر نافذة الإعلام على تلك المحاكمات؛ مما يزيد من طمأنة المتهمين على مصائرهم.
9/ حق المتهم في سرعة المحاكمة، والمتمثل في تقارب مواعيد الجلسات؛ حتى لا تطول مدة احتجاز المتهم بعد اكتمال التحقيق معه.
10/ حق المتهم في استئناف الحكم، حيث صدر الأمر الملكي الكريم بتشكيل المحكمة الجزائية المتخصصة بما في ذلك دوائر استئنافها.
11/ إن الأمر الذي يحق لنا ولدولتنا المباركة أن نفخر به هو صدور الأوامر الملكية الكريمة بتفويض المحكمة الجزائية المتخصصة بنظر دعاوى التعويض عن الاحتجاز لمن تثبت براءته من المتهمين؛ توفيراً لوقت المتهم البريء وجهده وماله؛ لو أنه سلك في تحصيل حقه الطرق المعتادة.
http://www.cojss.com/vb/showthread.php?p=26495
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 6054 | تأريخ النشر : الأحد 2 شعبان 1432هـ الموافق 3 يوليو 2011مإرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|