نشرت في صحيفة الوطن

قضائيات تلقيت الكثير من الاتصالات من الزملاء ومن غيرهم بعد نشر مقالة الأسبوع الماضي بعنوان (( الكيل بمكيالين )) ، وكانت آخر تلك الاتصالات تعرض وساطة بين الكاتب وتلك الجهة المنتقَدة ، وكأن الأمر خلافٌ على شيءٍ يريد كل من الطرفين أن يحظى به أو بأكثره .

= وللبيان أقول لهؤلاء الوسطاء :
قبل نحو سنتين فوجئنا بخبرٍ في إحدى الصحف المحلية من مصدرٍ مسؤولٍ يذكر فيه : أن المجلس الأعلى للقضاء قد كَفَّ يد أحد قضاة الشمال عن العمل ، وأنه رهن التحقيق في مؤاخذةٍ علم بها المجلس عن ذلكم القاضي ، ولم يفصح عنها لتلك الصحيفة .

- وبعد اكتمال التحقيقات أجرى المجلس المحاكمة التأديبية لذلك القاضي ، وانتهت بالاكتفاء بأخف العقوبات القضائية ، وهي توجيه ( عقوبة اللوم ) للقاضي بخطابٍ من رئيس المجلس .

= عندها تساءلت كثيراً :-
- إن كان المجلس قد أصاب في إجراءاته التي اتخذها ابتداءً ضد هذا القاضي : فلماذا لم تكن العقوبة متناسبةً مع تلك الإجراءات الصارمة ؟، والتي لا يُرمى تحت وقع سياطها إلا مَن فَقَدَ الثقة والاعتبار المطلوبين من مثله .

- هل تعجَّل المجلس في أمر القاضي ؛ بالتحقيق معه ، ثم كف يده ، ثم محاكمته . والأمر لا يحتمل كل هذه التظاهرة المتشنِّجة ؛ ما دامت العقوبة لم تتعدَّ اللوم .

- هل من المقبول عقلاً التشهيرُ من ذلك المسؤول بالقاضي المستضعف في الصحافة المحلية بكفِّ يده ؟، والحق لم يتضح بعد إن كان معه أو ضده .

- هل ساوى صاحبُ التصريح في تشهيره الصحفي بين هذا القاضي وبين قاضيين آخرين في الوسط والغرب - أمرهما مشتهرٌ ومعلوم لدى المجلس - ؟، مع أن المؤاخذة التي على قاضي الشمال ( لم ، ولن ، ولا ) يُمكن أن تصل إلى درجة ما صدر من القاضيين الآخرَين .

- هل هذا الخلل في تصور القضايا ودراستها - من قِبل المجلس - عامٌ في كل القضايا المعروضة عليه ؟، أم أنه يطرأ أحياناً بحسب شخص القاضي وانتماءاته ؟.

- هل اختلال موازين النظر إلى مخالفات القضاة يكون بالأخذ بجانب التشديد فقط دون التخفيف ؟، أم هو كلسان الميزان يميل يميناً ويميل يساراً بحسب قوة الجذب للكفة الأرجح ؟.

- ما هو معيار انتقاء جانب التخفيف والإعراض والتغاضي عن المخالفات ؟؛ حتى يُمكن تطبيقه على حالات التخفيف ، وتقييم التوجُّه للأخذ به حال حصوله .

- هل مخالفة قاضي الشمال أكبر من مخالفة قاضي الجنوب الذي لم يشأ المجلس أن يبحث أمره من أصله ؟، فكيف بالتحقيق معه !، أو محاكمته ، ثم تأديبه !!. فضلاً عن أن يُشهِّر به في الصحافة المحلية !!!.

= بعد كل هذا أعود للوسطاء الكرام ، فأقول لهم ولغيرهم :
- ما الذي سيستفيده القضاء والقضاة من التوسُّط بيني وبين الجهة المنتقَدة ؟، ما دام الحال سيبقى على ما هو عليه مع سائر القضاة ، أو مع السواد الأعظم منهم بعد نجاح الوساطة المخترعة .

- إن ما بيني وبين الجهة المنتقَدة لا يحتاج لتوسُّطٍ من أحد ، فأنا سأوقف الكتابة عن الممارسات الخاطئة - دون وساطة من أحدٍ - حالما تشرع تلك الجهة صادقةً في إصلاح ما أفسدته من سياساتٍ قضائيةٍ عادلة ، وفي رتق ما انتهكته من تطبيقاتٍ لأنظمة القضاء وغيرها من الأنظمة ذات العلاقة .

- لماذا يُسيطر على عقول وألباب العقلاء شعورٌ خاطئٌ ؟؛ مفاده : أن كلَّ ناقدٍ لابد وأن له طلباً شخصياً ، وأنه متى تحقَّق له ما يُريده في خاصة نفسه : فسيتوقف لا محالة عما كان يزعم أنه داعيةٌ لإصلاحه .

- هل هذا الشعور موجودٌ لدى هؤلاء المنتقَدين ؟، ولذلك : هم يرون الآخرين بذات المنظار .

- هل وصل الحال بأولئك المنتقَدين إلى أن يُسيئوا الظنَّ بكل من ليس معهم ؟؛ من باب : إذا لم تكن معي فأنت ضدي .

- هل توهم المنتقَدون : أنهم مالكون متصرفون فيما قلَّدهم إياه إمام المسلمين من أمانة ؟، فهم يتحكَّمون بها كما يشاؤون ، بلا رقيبٍ ولا حسيب .

- هل يعلم هؤلاء المنتقَدون : أنه ما لم يكن العرضُ المقدَّمُ منهم محصوراً في : تراجعهم عن كل مخالفةٍ نظامية ، وفي تطبيقهم أحكام النظام على الجميع دون محاباةٍ ولا استهدافٍ ، فإنَّ أمرهم بالتوسُّط فيما بينهم وبين منتقِديهم بابٌ من أبواب الرشوة المنصوص عليها في المواد (4-8 ) من مواد نظام مكافحة الرشوة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/36 وتاريخ 29/12/1412هـ ، ومثلهم لا يجهل عقوبتها في الدنيا والآخرة ؟.

- هل أشغل هؤلاء ما يُلاقونه من نقدٍ عن تصريف أمورهم ؟، فهم يريدون بذلك التوسُّطِ إخلاءَ الأجواءِ عن كل ما يُكَدِّرُ عليهم صفوَ أوقاتهم ، وما يحسبون أنهم يُحسنون صُنعه من أعمالهم .

= إن أمتنا في مرحلةٍ حرجةٍ يُعايشها العالم كله في واقعيه السياسي والأمني ، ولا نريد أيَّ مُنَغِّصَاتٍ تُنَغِّصُ علينا أمننا واستقرارنا ، وما هذه الممارسات المتحيِّزة إلا وقودٌ سريعُ الاشتعال ، وما تلك الالتواءات إلا قِداحُها ، فإلى متى ؟!!.

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4267 | تأريخ النشر : السبت 28 محرم 1433هـ الموافق 24 ديسمبر 2011م

طباعة المقال

إرسال المقالة
(( طريف ، أم عسير ؟. )) تلقيت الكثير من الاتصالات من الزملاء ومن غيرهم بعد نشر مقالة الأسبوع الماضي بعنوان (( الكيل بمكيالين )) ، وكانت آخر تلك الاتصالات تعرض وساطة بين الكاتب وتلك الجهة المنتقدة ، وكأن الأمر خلاف على شيء يريد كل من الطرفين أن يحظى به أو بأكثره . = وللبيان أقول لهؤلاء الوسطاء : قبل نحو سنتين فوجئنا بخبر في إحدى الصحف المحلية من مصدر مسؤول يذكر فيه : أن المجلس الأعلى للقضاء قد كف يد أحد قضاة الشمال عن العمل ، وأنه رهن التحقيق في مؤاخذة علم بها المجلس عن ذلكم القاضي ، ولم يفصح عنها لتلك الصحيفة . - وبعد اكتمال التحقيقات أجرى المجلس المحاكمة التأديبية لذلك القاضي ، وانتهت بالاكتفاء بأخف العقوبات القضائية ، وهي توجيه ( عقوبة اللوم ) للقاضي بخطاب من رئيس المجلس . = عندها تساءلت كثيرا :- - إن كان المجلس قد أصاب في إجراءاته التي اتخذها ابتداء ضد هذا القاضي : فلماذا لم تكن العقوبة متناسبة مع تلك الإجراءات الصارمة ؟، والتي لا يرمى تحت وقع سياطها إلا من فقد الثقة والاعتبار المطلوبين من مثله . - هل تعجل المجلس في أمر القاضي ؛ بالتحقيق معه ، ثم كف يده ، ثم محاكمته . والأمر لا يحتمل كل هذه التظاهرة المتشنجة ؛ ما دامت العقوبة لم تتعد اللوم . - هل من المقبول عقلا التشهير من ذلك المسؤول بالقاضي المستضعف في الصحافة المحلية بكف يده ؟، والحق لم يتضح بعد إن كان معه أو ضده . - هل ساوى صاحب التصريح في تشهيره الصحفي بين هذا القاضي وبين قاضيين آخرين في الوسط والغرب - أمرهما مشتهر ومعلوم لدى المجلس - ؟، مع أن المؤاخذة التي على قاضي الشمال ( لم ، ولن ، ولا ) يمكن أن تصل إلى درجة ما صدر من القاضيين الآخرين . - هل هذا الخلل في تصور القضايا ودراستها - من قبل المجلس - عام في كل القضايا المعروضة عليه ؟، أم أنه يطرأ أحيانا بحسب شخص القاضي وانتماءاته ؟. - هل اختلال موازين النظر إلى مخالفات القضاة يكون بالأخذ بجانب التشديد فقط دون التخفيف ؟، أم هو كلسان الميزان يميل يمينا ويميل يسارا بحسب قوة الجذب للكفة الأرجح ؟. - ما هو معيار انتقاء جانب التخفيف والإعراض والتغاضي عن المخالفات ؟؛ حتى يمكن تطبيقه على حالات التخفيف ، وتقييم التوجه للأخذ به حال حصوله . - هل مخالفة قاضي الشمال أكبر من مخالفة قاضي الجنوب الذي لم يشأ المجلس أن يبحث أمره من أصله ؟، فكيف بالتحقيق معه !، أو محاكمته ، ثم تأديبه !!. فضلا عن أن يشهر به في الصحافة المحلية !!!. = بعد كل هذا أعود للوسطاء الكرام ، فأقول لهم ولغيرهم : - ما الذي سيستفيده القضاء والقضاة من التوسط بيني وبين الجهة المنتقدة ؟، ما دام الحال سيبقى على ما هو عليه مع سائر القضاة ، أو مع السواد الأعظم منهم بعد نجاح الوساطة المخترعة . - إن ما بيني وبين الجهة المنتقدة لا يحتاج لتوسط من أحد ، فأنا سأوقف الكتابة عن الممارسات الخاطئة - دون وساطة من أحد - حالما تشرع تلك الجهة صادقة في إصلاح ما أفسدته من سياسات قضائية عادلة ، وفي رتق ما انتهكته من تطبيقات لأنظمة القضاء وغيرها من الأنظمة ذات العلاقة . - لماذا يسيطر على عقول وألباب العقلاء شعور خاطئ ؟؛ مفاده : أن كل ناقد لابد وأن له طلبا شخصيا ، وأنه متى تحقق له ما يريده في خاصة نفسه : فسيتوقف لا محالة عما كان يزعم أنه داعية لإصلاحه . - هل هذا الشعور موجود لدى هؤلاء المنتقدين ؟، ولذلك : هم يرون الآخرين بذات المنظار . - هل وصل الحال بأولئك المنتقدين إلى أن يسيئوا الظن بكل من ليس معهم ؟؛ من باب : إذا لم تكن معي فأنت ضدي . - هل توهم المنتقدون : أنهم مالكون متصرفون فيما قلدهم إياه إمام المسلمين من أمانة ؟، فهم يتحكمون بها كما يشاؤون ، بلا رقيب ولا حسيب . - هل يعلم هؤلاء المنتقدون : أنه ما لم يكن العرض المقدم منهم محصورا في : تراجعهم عن كل مخالفة نظامية ، وفي تطبيقهم أحكام النظام على الجميع دون محاباة ولا استهداف ، فإن أمرهم بالتوسط فيما بينهم وبين منتقديهم باب من أبواب الرشوة المنصوص عليها في المواد (4-8 ) من مواد نظام مكافحة الرشوة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/36 وتاريخ 29/12/1412هـ ، ومثلهم لا يجهل عقوبتها في الدنيا والآخرة ؟. - هل أشغل هؤلاء ما يلاقونه من نقد عن تصريف أمورهم ؟، فهم يريدون بذلك التوسط إخلاء الأجواء عن كل ما يكدر عليهم صفو أوقاتهم ، وما يحسبون أنهم يحسنون صنعه من أعمالهم . = إن أمتنا في مرحلة حرجة يعايشها العالم كله في واقعيه السياسي والأمني ، ولا نريد أي منغصات تنغص علينا أمننا واستقرارنا ، وما هذه الممارسات المتحيزة إلا وقود سريع الاشتعال ، وما تلك الالتواءات إلا قداحها ، فإلى متى ؟!!.
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع