|
نشرت في صحيفة الوطن العدد 29603
قضائيات منذ خمس سنوات وفي هذه الصحيفة المباركة نشرت مقالة بعنوان: "اللجان القضائية تحقيق الدمج أم ترسيخ التفتيت؟".وكان الدافع لتلك المقالة استحداث ما يسمى بـ: اللجنة الإعلامية؛ أو كما تسميها وزارة الإعلام: لجان النظر في القضايا الإعلامية ومخالفات النشر الصحفي والإلكتروني. أو كما أراد لها النظام أن تسمى بـ: لجنة النظر في مخالفات نظام المطبوعات والنشر.
وقبل تلك المقالة بخمس سنين أيضاً كنت نشرت مقالة في جزأين بعنوان: جمع الشمل القضائي.
وما هي إلا سنة واحدة حتى صدر نظاما القضاء وديوان المظالم، ومعهما آلية العمل التنفيذية لهذين النظامين، وفي الفقرة التاسعة من القسم الأول من الآلية ما نصه (تنقل إلى القضاء العام.. اختصاصات اللجان شبه القضائية؛ التي تنظر في قضايا جزائية، أو منازعات تجارية، أو مدنية).
ولم تكتف الآلية بهذا الحكم العام، بل نظَّمت وضع أعضاء هذه اللجان بعد نقلهم إلى القضاء العدلي؛ بما نصه (تسلخ الوظائف المتمثلة باللجان شبه القضائية التي تنقل اختصاصها إلى القضاء العام "من وظائف الأعضاء، ووظائف مساعدة" ويعين العاملون في هذه اللجان ممن تنطبق عليهم شروط القضاء على وظائف قضائية أو استشارية بحسب الحاجة).
ولم تستثن الآلية من اللجان القضائية - التي يربو عددها على المئة لجنة وهيئة - إلا ثلاث لجانٍ فقط؛ هي (اللجنة المصرفية، وهيئة السوق المالية، واللجان الجمركية)، فقد تم تأجيل دمجها انتظاراً لنجاح تجربة دمج باقي اللجان، وليس رغبة في بقاء هذه اللجان خارج البيت القضائي؛ بدليل ما جاء في الفقرة الثانية من القسم الثالث من الآلية ونصه (يقوم المجلس الأعلى للقضاء بعد مباشرة مهماته بإجراء دراسة شاملة لوضع اللجان المستثناة "البنوك، والسوق المالية، والقضايا الجمركية".. ورفع ما يتم التوصل إليه خلال مدة لا تتجاوز سنة لاستكمال الإجراءات النظامية).
وخلال تسع سنين من صدور الأنظمة القضائية وآلية العمل التنفيذية لكل أحدٍ أن يتساءل: ماذا تم بشأن تلك الأوامر الملكية الكريمة؟.
والجواب: أن الجهات القضائية لم تُظهر أي تفاعلٍ مع تلك الأوامر الملكية، بل تسببت بعض الممارسات القضائية المتشنجة في ترسيخ التفتيت القضائي؛ بإنشاء اللجان المسماة بـ: الإعلامية، وتبعها ترسيخ اللجان التأمينية، وما كان لها أن ترسِّخ أقدامها في أرض القضاء لولا استشعار القيادة - وفقها الله - أن المؤسسة القضائية غير جاهزة ولا قادرة على احتمال أمانة القضاء في تلك التخصصات؛ كما أرادت لها الحكومة أن تتحقق وفق المصالح المرسلة الموكولة لولي الأمر.
بل اتضح لأصحاب القرار: أن منطلقات المؤسسة القضائية لا تزال تعيش هاجس الوجل من كل جديد؛ وإن استندت الحكومة في اعتمادها إلى مبدأ السياسة الشرعية.
ومع أن هذا الوجل غير مبرر، إلا أنه يُحسب لولاة الأمر تمهلهم في المساءلة حتى الآن تسع سنين، والله وحده من يعلم حتى متى؟.
لقد ألفنا في بلادنا أن القيادات القضائية والدينية تتوجس من كل تطوير، في كل أمر من أمور العامة، وما إن يعزم القائد على شيءٍ حتى يطأطئ الجميع له؛ احتراماً واستجابة لمراد ولي الأمر، ولو قبل استبانتهم وجه المصلحة في ما اعتمده وفقه الله.
لا أظن حكومتنا الرشيدة إلا عازمة على ضم اللجان القضائية أو شبه القضائية تحت لواء واحد، إلا أن التحرك الجاد لتطبيق ذلك إن لم يتحقق باستجابةٍ صادقة من المؤسسة القضائية فليس له إلا القرار السياسي الحازم مع الوعيد الجازم بالمحاسبة والمساءلة والمجازاة لكل متسببٍ في التعطيل من داخل أو من خارج المؤسسة القضائية.
إننا لا نحتاج - في قضائنا - للجنة الإعلامية ولا للتأمينية ولا للجان المستثناة، أياً كانت، والحل: لا يعدو أن تسلخ كل اللجان من جهاتها، وتناط بالقضاء العام بجميع كوادرها الابتدائية والاستئنافية والإدارية؛ على ألا يخضع أعضاؤها لسلطة النقل إلى أي تخصص قضائي آخر مدة لا تقل عن خمس سنين.
فإن قال قائل: إن أعضاء تلك اللجان لا تنطبق عليهم شروط التعيين في القضاء، فكيف ينقلون على وظائف قضائية؟.
فالجواب: أن نظام القضاء لا يمنع من تعيين رجال القانون في القضاء السعودي لأمرين:
أولاً: بحسب المادة الحادية والثلاثين من نظام القضاء؛ التي نصت في الفقرة/ج على أن يكون المراد تعيينه في القضاء (متمتعاً بالأهلية الكاملة للقضاء بحسب ما نص عليه شرعاً).
وهذا متحقق في أعضاء اللجان؛ تشهد لهم خدمتهم في مجالهم القضائي قبل الدمج.
ثانياً: بما نصت عليه الفقرة/د (أن يكون حاصلاً على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة أو شهادة أخرى معادلة لها، بشرط أن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان خاص يعده المجلس الأعلى للقضاء).
وشهادة القانون - في بلادنا - معادلة لشهادة الشريعة من عدة وجوه:
1/ اشتراك خريج الشريعة والقانون في مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وهي المراحل التأسيسية لفكر الطالب السعودي المحافظ.
2/ اشتراكهما في التربية في بيئة واحدة؛ لا تختلف في عاداتها وتقاليدها وانتماءاتها السياسية والاجتماعية والعرقية والدينية.
3/ اتفاق مقررات القانون مع القواعد العامة للشريعة من حيث تطلُّب العدالة، والوصول للحق، ونصرة المظلوم، وكل هذا موجود في الفطر السليمة قبل أن يدوَّن في الكتب الشرعية أو القانونية.
4/ أن الأنظمة التي سيقضي بها رجال القانون في بلادنا هي والتي يقضي بها رجال الشريعة سواء؛ من حيث مصدر اعتمادها ومواطن استنباطها المؤسسة لها.
5/ أن المطلوب من كلٍ منهما هو الحرفية في إدارة دفة القضية، من تلقي الدعوى، وحتى صدور الحكم؛ وفق المعتمد قضاءً لكل تخصص، وهذا ما قضت به الفقرة/ج سالفة الذكر.
6/ أن ما يمكن أن يفوت على رجال القانون من أساسيات شرعية قضائية لها تأثير في تخصصاتهم يمكن تداركه بما جاء في آخر الفقرة/د السابق ذكرها.
والخلاصة: إننا ما إن نرى القرار السياسي الحازم العازم والجازم بفرض الدمج كاملاً غير منقوص إلا وسنرى حتماً ترحيب الجميع به؛ سواء المؤيدين له قبل ذلك أو الرافضين. والله الموفق.
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4656 | تأريخ النشر : الأحد 6 جمادى الأولى 1437هـ الموافق 14 فبراير 2016مإرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|