|
نشرت في صحيفة الوطن
قضائيات على القضاة أن يتقوا الله، وألا ينخدعوا لأحد، لا للمحامين ولا لغيرهم؛ وليكن لهم قدوة في الخليفة الراشد عمر بن الخطاب القائل: لست بالخب ولا الخب يخدعنيالقضاء وظيفة حكومية عامة، واجباتها أكبر وأخطر من حقوق منسوبيها، ومن لا يدرك ذلك يقع في المحظور شاء أم أبى، والوقائع أكثر من أن يسعها مثل هذا الحيز الأسبوعي.
والمحاماة مهنة خاصة، لها حقوقها وواجباتها التي لا ترقى إلى تعقيدات وظيفة القضاء، ولذلك: منع النظام القاضي من النظر في القضايا التي لأقاربه حتى الدرجة الرابعة. "م94 مرافعات"، وأبطل النظام قضاءه المخالف لهذه المادة ولو اتفق الخصوم عليه.
في الوقت الذي فيه المحامي على النقيض من القاضي؛ إذ لا يمنع النظام المحامي من مباشرة قضايا أقاربه، بل أتاح النظام لكل أحد أن يحامي عن أقاربه حتى الدرجة الرابعة؛ ولو لم يكن مقيدا في جدول المحامين الممارسين. "م/18 محاماة"
وأجاز النظام للخصوم رد القاضي عن نظر دعاواهم وفق إجراءات محددة في حالات خاصة لا تنطبق على المحامي في مجملها.
والغرض من إعطاء الخصوم هذه الحقوق هو: طمأنتهم على مصير قضاياهم، وأنها في يد من لا يلحقه أدنى شك نظامي.
ومن هذه الحالات: اعتياد القاضي مؤاكلة أحد الخصوم أو مساكنته. "م96 مرافعات"
وهذه الحالة بحد ذاتها توجب فصلا وتفريقا بين القاضي والمحامي؛ حتى لا يؤاكل بعضهم بعضا على وجه الاعتياد، ولا يساكنه في نحو بيتٍ أو غرفة في فندق. وألا يعتادا الاجتماع في المحافل والمجامع؛ خصوصا: ما يكون وجودهما فيها أمرا لازما؛ كالجمعيات ومجالس الإدارات ونحوها.
والتفريق هنا احتياطي لأمور ثلاثة:
1/ لحق القاضي؛ ما دام لخصم المحامي أن يرد القاضي عن نظر قضيتهما؛ ولو بعد السير فيها وقبل قفل باب المرافعة. "م98 مرافعات"
2/ لحماية جناب القضاء من التشكيك فيه والعبث بأعراض رجاله.
3/ لحق المحامي وخصمه في عدم إهدار أوقاتهما وتضييع جهودهما.
ومتى كانت تلك المجامع ذات فائدة كبرى لكل منهما، فبإمكان المؤسسة القضائية إفراد القضاة بجمعية علمية تخصهم وتغنيهم، وتخصيص جمعية أخرى للمحامين.
ولهذا، فإن على المجلس الأعلى للقضاء ومجلس القضاء الإداري -جمع الله شملهما- أن يمنعا أفراد القضاة من مخالفة النظام بالتعرض لما يبطل أحكامهم، ويعرضهم لقالة الناس.
أما أن يجتمعا في جمعية واحدة، فذلك ما ينأى النظام بهم عنه؛ لأن هذه الاجتماعات تضطر كلا منهما إلى المؤانسة والمنادمة، ثم المؤاكلة والمهاداة، ثم التواد المؤدي إلى التحيز والمحاباة القهريين، أو إلى غلبة الظن بحصولهما لدى الخصم المقابل للمحامي؛ مما يضعف موقفه، ويهز ثقته، ويربك حجته.
والجمعية العلمية القضائية السعودية، تضم في مجلس إدارتها قضاة ومحامين، ما كان لهم أن يجتمعوا بهذه الكيفية، لما بين أعضاء مجالس الإدارات من لقاءات يعتادونها، ويتحقق منهم فيها المؤاكلة والتواد الموجبين لرد القاضي عن القضاء متى كان وده المحامي طرفا في القضية التي ينظرها.
وقد أشكل على بعضهم هذا الأمر بعد طرحي إياه تنبيها في وسيلة التواصل الاجتماعي "تويتر"، فوجدت مناسبة التعرض لهذا الأمر عبر هذه المقالة.
إن الغرض من الحجر على فئتي القضاة والمحامين، أن يعتادا اجتماعات بينهما أيا كان هدفها: هو أن مثل هذه الاجتماعات تنذر بتقاربهما، وتؤدي إلى تبادلهما منافع تخدم مصلحتيهما الخاصة؛ وتؤول بهما إلى مساوئ كلاهما في غنى عنهما، إضافة إلى أن النظام قد نص صراحة على المنع منها؛ كما تقدم بيانه.
وليعلم القاضي أن مهنية المحامي تصاحبه في جميع أنشطته التي لا تتفق مع حياد القاضي وتجرده المطلوبين من القضاة.
ولنأخذ مثالا عن أحد أنشطة هذه الجمعية نشرته قبل عشرة أيام بشأن ملتقى الإدارات القانونية: إذ تضمن المنشور: أنه سيتم في الملتقى إلقاء الضوء على التأهيل والتدريب والشراكة مع مكاتب المحاماة.. الخ
هذا النشاط التجاري البحت أقره مجلس إدارة الجمعية بما فيه من قضاة ومحامين، وهو نشاط دعائي بحت لمكاتب المحاماة لدى الإدارات القانونية العامة والخاصة المستهدفة بهذا الملتقى الدعائي غير اللائق لا بالقضاة ولا بالمؤسسة القضائية.
إن على القضاة: أن يتقوا الله، وألا ينخدعوا لأحد، لا للمحامين ولا لغيرهم؛ وليكن لهم قدوة في الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، القائل: لست بالخب ولا الخب يخدعني.
وإن على المحامين أن يتقوا الله في أنفسهم أولا، ثم في القضاة، ثم في صغار المحامين الذين يريدون أن يستأثروا عليهم بنصيب الأسد من فرص السوق.
وإن على الإدارة القضائية "مجلسا القضاء ووزارة العدل" التنبه لمثل هذه الخروقات المخلة بالحياد القضائي.
وإن على الجهات الأمنية الإدارية مراقبة مثل هذه التجمعات؛ حرصا على سلامة الجهاز القضائي ورجاله، وعلى حقوق الناس من الانتهاكات؛ التي يُعَتِّم عليها، كونها تحمل مسميات رسمية أو شبه رسمية، بمباركة من موظفين عامين، وتحت مظلات غاية في الرسمية.
وأختم بحادثة تنبئ عن نفسها: نظر قاضٍ دعوىً في عقار ليس في يد المدعى عليه، وبعد سماعه الدعوى حكم برد الدعوى، ولم يحتج لطلب الجواب من المحامي، وقنع الخصمان بالحكم في الحال.
وقبل خروج المحامي من المجلس الشرعي سأله القاضي: كم أجرك في هذه القضية التي انتهت دون أن تتفوه فيها بكلمة واحدة؟
فأشار المحامي للقاضي بإصبعيه قائلا: مليونان!.
مشهد أوجم القاضي وألجمه عن الاسترسال؛ فأجر المحامي في ذلك اليوم أكبر من دخل القاضي آنذاك في مئة شهر.
ولذلك: فإن خطر القاضي على المحامي أن يحسده، وخطر المحامي على القاضي أن يفسده.
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 3544 | تأريخ النشر : الأحد 27 جمادى الأولى 1437هـ الموافق 6 مارس 2016مإرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|