نشرت في صحيفة الوطن

نظاميات يختلف القطاع العام عن القطاع الخاص في تقدير الموظفين وهم على رأس العمل، فضلاً عن تقديرهم قبيل أو بعد تقاعدهم، والتميز هنا في جانب القطاع الخاص بالطبع على خلاف كل المقاييس.

فالحكومة الممثلة للقطاع العام أقوى على تنظيم حفلات التكريم لمتقاعديها من كثير من مؤسسات القطاع الخاص، كما أنها أقدر على تخصيص مكافآت مرضية لمتقاعديها من كثير من المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة.

حتى أنظمة التقاعد في القطاع الخاص أفضل منها في القطاع العام، فما إن يتقاعد الموظف الخاص حتى يكتب له الآتي:-
1/ التعويض عن جميع إجازاته بدون استثناء، في الوقت الذي لا يعوض الموظف الحكومي إلا عن ستة أشهر؛ ولو كان له من الإجازات أضعافها.
2/ مكافأة نهاية الخدمة نصف راتب عن الخمس سنوات الأولى من خدمته، وراتب كامل عن كل سنة من سنوات خدمته اللاحقة؛ فمن يخدم أربعين سنة مثلاً يستحق مكافأة عن خدمته سبعة وثلاثين مرتباً ونصف، في الوقت الذي يقف فيه الموظف الحكومي عند أربعة رواتب في أفضل حالاته.
3/ يتاح للموظف الخاص - في بعض الشركات - الفرصة للتقاعد بما يسمى الشيك الذهبي، الذي يعجل له بمكافأة التقاعد كاملة، في الوقت الذي لا وجود لهذا المصطلح لدى القطاع العام.
4/ يتلقى الموظف العام أشبه ما يكون بالتهديد قبل ستة أشهر من تاريخ تقاعده؛ يتوعده بإنهاء علاقته بعمله تماماً في التاريخ المحدد، وفي القطاع الخاص يتلقى خطاباً لطيفاً أشبه ما يكون بالاعتذار من المسؤول عن قرب فراق الموظف، مصحوباً بالتمنيات الحارة له بمستقبل أفضل.
5/ تقيم الكثير من الشركات احتفالات التكريم لمتقاعديها، يحضره جمع من المسؤولين ورفقاء المتقاعد، وقد يدعى إليه الزملاء المتقاعدون السابقون، في مشهد محفوف بالمودة والصفاء، حافل بأطايب النعم، أما الموظف الحكومي فيخرج إلى منزله لا يجد إلا قالباً من الكعك يحتفل به أهله وذووه، وقد لا يأكل منه شيئاً لإصابته بالضغط والسكر من جراء عمله الذي لم يأبه مسؤولوه لتقاعده منه.
6/ يمنح القطاع الخاص موظفيه المتقاعدين هدايا ذات قيمة معنوية عالية عدا عن قيمتها المادية الغالية، أما الموظف العام فقد يطالب بعد تركه عمله بتأمين دباسة أو خرامة فقدت من بيان جرد العهدة التي في ذمته.
7/ يعطي القطاع الخاص شهادات خبرة مع تزكية لمن يستحقها؛ لتمكين الموظف من تقديمها لمن يشاء التعاقد معهم لاحقاً، ولا وجود لمصطلح التزكية في القطاع العام فيما أعلم، بل ينص على عدم مسؤولية الدائرة عن مضمون شهادة الخدمة.
8/ في كثير من منشآت القطاع الخاص يستفيد المتقاعدون من الترقية قبيل تقاعدهم؛ من باب التكريم لهم، ويعد قرب التقاعد مسوغاً لتقديم الترقية، بخلاف القطاع العام الذي لا يأبه بالمتقاعد ولا بحقوقه ولا بأدبيات التعامل معه.

لم يكتف القطاع العام بالسلبية تجاه موظفيه المتقاعدين، بل وصل الحال ببعض القيادات العامة إلى سلوك بعض المطبات الأخلاقية تجاه تبني الموظفين تكريم زملائهم من مالهم الخاص، في أحداث هذه بعضها:-
أ/ أحد الموظفين علاقاته جيدة بزملائه، الأمر الذي جعله يقوم على جمع التبرعات منهم لإقامة حفلات التكريم الخاصة بتقاعد أيٍ منهم، وعند تقاعده هو لم يجد من يدعوه لأي احتفال.
ب/ أحد المسؤولين في قطاع عام كان يحضر حفلات التكريم الخاصة بموظفيه، ويسهم فيها بماله مع أفراد دائرته، وعند تقاعده هو صنع له موظفوه من مالهم الخاص حفلاً تكريمياً لم يكتب له أن يتم؛ بسبب اتصال مفاجئٍ من المسؤول الأكبر بوقف إقامة هذا الحفل.
ت/ أحد الموظفين أحوجته دائرته إلى إقامة دعوى ضدها لدى المحكمة الإدارية لتحصيل مكافأة نهاية خدمته والتعويض عن إجازاته، وبعض رواتبه.
ث/ في القطاع الخاص يمدون بعض خدماتهم لموظفيهم المتقاعدين فترة مناسبة؛ حتى يتمكنوا من ترتيب أوضاعهم؛ خصوصاً في أمر السكن والعلاج، وفي القطاع العام غير العسكري لابد من الترتيب وحسم الأمر قبل انتهاء الخدمة.
ج/ يعفى متقاعدو القطاع الخاص من بعض المديونيات، في الوقت الذي لا يسع متقاعدو القطاع العام الا الالتزام بمواعيد السداد، وقد تحسم المديونيات من حقوق المتقاعد عند التصفية.

من هذه السلبيات وغيرها كثير كان لابد من تشريعٍ لتكريم الموظفين في قطاع الحكومة، وتضمينه في نظام الخدمة المدنية على النحو التالي:-
1/ تحديد مقدار المكافأة بنسبة من آخر مرتب للموظف، ويخير المتقاعد بين تفويض الدائرة في انتقائها، أو أن يختار هو ما يراه مناسباً له، ويكون مقبولاً متاحاً؛ لتقوم الدائرة بتأمينه عن طريق الشراء المباشر في حدود النسبة المقررة.
2/ لابد من إشهار الحفل التكريمي الجماعي في الصحيفة المحلية، وبحضور المسؤول الأول ما أمكن.
3/ تعتبر الهدية حق للموظف بمقدار النسبة التي يستحقها، وله المطالبة بها، ويجازى من يتسبب في تعطيلها.
4/ في كل الأحوال لا يعطى الموظف المكافأة التكريمية نقداً؛ حتى لا تفقد رمزيتها.
هذه لطائف وأدبيات تليق بالدولة الحديثة في عصر التحول الوطني، وهي ألصق بالقيادات الشابة المؤهلة والمتطلعة للرقي والمنافسة في الميادين السياسية والإدارية والاقتصادية العالمية.

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 3286 | تأريخ النشر : الأحد 17 رجب 1437هـ الموافق 24 أبريل 2016م

طباعة المقال

إرسال المقالة
المتقاعدون بين العرفان والجحود يختلف القطاع العام عن القطاع الخاص في تقدير الموظفين وهم على رأس العمل، فضلا عن تقديرهم قبيل أو بعد تقاعدهم، والتميز هنا في جانب القطاع الخاص بالطبع على خلاف كل المقاييس. فالحكومة الممثلة للقطاع العام أقوى على تنظيم حفلات التكريم لمتقاعديها من كثير من مؤسسات القطاع الخاص، كما أنها أقدر على تخصيص مكافآت مرضية لمتقاعديها من كثير من المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة. حتى أنظمة التقاعد في القطاع الخاص أفضل منها في القطاع العام، فما إن يتقاعد الموظف الخاص حتى يكتب له الآتي:- 1/ التعويض عن جميع إجازاته بدون استثناء، في الوقت الذي لا يعوض الموظف الحكومي إلا عن ستة أشهر؛ ولو كان له من الإجازات أضعافها. 2/ مكافأة نهاية الخدمة نصف راتب عن الخمس سنوات الأولى من خدمته، وراتب كامل عن كل سنة من سنوات خدمته اللاحقة؛ فمن يخدم أربعين سنة مثلا يستحق مكافأة عن خدمته سبعة وثلاثين مرتبا ونصف، في الوقت الذي يقف فيه الموظف الحكومي عند أربعة رواتب في أفضل حالاته. 3/ يتاح للموظف الخاص - في بعض الشركات - الفرصة للتقاعد بما يسمى الشيك الذهبي، الذي يعجل له بمكافأة التقاعد كاملة، في الوقت الذي لا وجود لهذا المصطلح لدى القطاع العام. 4/ يتلقى الموظف العام أشبه ما يكون بالتهديد قبل ستة أشهر من تاريخ تقاعده؛ يتوعده بإنهاء علاقته بعمله تماما في التاريخ المحدد، وفي القطاع الخاص يتلقى خطابا لطيفا أشبه ما يكون بالاعتذار من المسؤول عن قرب فراق الموظف، مصحوبا بالتمنيات الحارة له بمستقبل أفضل. 5/ تقيم الكثير من الشركات احتفالات التكريم لمتقاعديها، يحضره جمع من المسؤولين ورفقاء المتقاعد، وقد يدعى إليه الزملاء المتقاعدون السابقون، في مشهد محفوف بالمودة والصفاء، حافل بأطايب النعم، أما الموظف الحكومي فيخرج إلى منزله لا يجد إلا قالبا من الكعك يحتفل به أهله وذووه، وقد لا يأكل منه شيئا لإصابته بالضغط والسكر من جراء عمله الذي لم يأبه مسؤولوه لتقاعده منه. 6/ يمنح القطاع الخاص موظفيه المتقاعدين هدايا ذات قيمة معنوية عالية عدا عن قيمتها المادية الغالية، أما الموظف العام فقد يطالب بعد تركه عمله بتأمين دباسة أو خرامة فقدت من بيان جرد العهدة التي في ذمته. 7/ يعطي القطاع الخاص شهادات خبرة مع تزكية لمن يستحقها؛ لتمكين الموظف من تقديمها لمن يشاء التعاقد معهم لاحقا، ولا وجود لمصطلح التزكية في القطاع العام فيما أعلم، بل ينص على عدم مسؤولية الدائرة عن مضمون شهادة الخدمة. 8/ في كثير من منشآت القطاع الخاص يستفيد المتقاعدون من الترقية قبيل تقاعدهم؛ من باب التكريم لهم، ويعد قرب التقاعد مسوغا لتقديم الترقية، بخلاف القطاع العام الذي لا يأبه بالمتقاعد ولا بحقوقه ولا بأدبيات التعامل معه. لم يكتف القطاع العام بالسلبية تجاه موظفيه المتقاعدين، بل وصل الحال ببعض القيادات العامة إلى سلوك بعض المطبات الأخلاقية تجاه تبني الموظفين تكريم زملائهم من مالهم الخاص، في أحداث هذه بعضها:- أ/ أحد الموظفين علاقاته جيدة بزملائه، الأمر الذي جعله يقوم على جمع التبرعات منهم لإقامة حفلات التكريم الخاصة بتقاعد أي منهم، وعند تقاعده هو لم يجد من يدعوه لأي احتفال. ب/ أحد المسؤولين في قطاع عام كان يحضر حفلات التكريم الخاصة بموظفيه، ويسهم فيها بماله مع أفراد دائرته، وعند تقاعده هو صنع له موظفوه من مالهم الخاص حفلا تكريميا لم يكتب له أن يتم؛ بسبب اتصال مفاجئ من المسؤول الأكبر بوقف إقامة هذا الحفل. ت/ أحد الموظفين أحوجته دائرته إلى إقامة دعوى ضدها لدى المحكمة الإدارية لتحصيل مكافأة نهاية خدمته والتعويض عن إجازاته، وبعض رواتبه. ث/ في القطاع الخاص يمدون بعض خدماتهم لموظفيهم المتقاعدين فترة مناسبة؛ حتى يتمكنوا من ترتيب أوضاعهم؛ خصوصا في أمر السكن والعلاج، وفي القطاع العام غير العسكري لابد من الترتيب وحسم الأمر قبل انتهاء الخدمة. ج/ يعفى متقاعدو القطاع الخاص من بعض المديونيات، في الوقت الذي لا يسع متقاعدو القطاع العام الا الالتزام بمواعيد السداد، وقد تحسم المديونيات من حقوق المتقاعد عند التصفية. من هذه السلبيات وغيرها كثير كان لابد من تشريع لتكريم الموظفين في قطاع الحكومة، وتضمينه في نظام الخدمة المدنية على النحو التالي:- 1/ تحديد مقدار المكافأة بنسبة من آخر مرتب للموظف، ويخير المتقاعد بين تفويض الدائرة في انتقائها، أو أن يختار هو ما يراه مناسبا له، ويكون مقبولا متاحا؛ لتقوم الدائرة بتأمينه عن طريق الشراء المباشر في حدود النسبة المقررة. 2/ لابد من إشهار الحفل التكريمي الجماعي في الصحيفة المحلية، وبحضور المسؤول الأول ما أمكن. 3/ تعتبر الهدية حق للموظف بمقدار النسبة التي يستحقها، وله المطالبة بها، ويجازى من يتسبب في تعطيلها. 4/ في كل الأحوال لا يعطى الموظف المكافأة التكريمية نقدا؛ حتى لا تفقد رمزيتها. هذه لطائف وأدبيات تليق بالدولة الحديثة في عصر التحول الوطني، وهي ألصق بالقيادات الشابة المؤهلة والمتطلعة للرقي والمنافسة في الميادين السياسية والإدارية والاقتصادية العالمية.
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع