|
نشرت في مجلة اليمامة العدد 1881
قضائيات حادثتان تنبئان عن أن العدل ليس حكراً على مذهب إسلامي ولا على الدين الإسلامي ، وبالتالي فليس حكراً على المسلمين فقط ، ويخرج منهما نتيجة أذكرها لاحقاً .الحادثة الأولى/
استأجرت شقة وقت دراستي في إحدى الدول الغربية ، وفوجئت بعد مدة بكتاب من مجلس المدينة يطلب مني سداد ضريبة السكن المخفضة لأجل كوني طالباً حتى صارت تعادل مكافأة شهرين كاملين ((فقط)) من مكافآت الطالب المبتعث لتلك الدولة ، فتلكأت عن السداد وعن الجواب مدة أسبوعين للتحري عن الموضوع حتى وردني كتاب ثانٍ يطلب السرعة في السداد وإلا أقيمت ضدي دعوى في المحكمة فيتضاعف بذلك علي الأمر بتكليفي سداد أتعاب المحاماة والتي قد تزيد على المبلغ المطلوب عشرة أضعاف حسب قانون تلك البلاد .
وهنا سارعت بالكتابة إلى المجلس البلدي ذاكراً أنني طالب قدمت وأقمت لأجل الدراسة فقط ولست تاجرا أو موظفاً حتى يلزمني دفع ضرائب عن السكن .
وخلال أربعٍ وعشرين ساعة تلقيت خطاباً يحدد فيه موعد جلسة المحاكمة في المحكمة الابتدائية الساعة العاشرة والنصف صباحاً ، فاستعنت بالله وحضرت قبل الجلسة بنصف ساعة برفقة رجل سوداني الأصل يحمل جنسية تلك البلاد كان قد تخلف عن سداد أقساط منزل اشتراه من الحكومة .
استقبلنا موظف المحكمة وتأكد من مواعيد المحاكمة وطلب منا الانتظار ، وقبل الجلسة بربع ساعة حضرت إلينا امرأة وقرأت علينا لوائح الدعوى ضد كل منا ، ثم سألتنا الجواب .
فذكرت لها : أن إقامتي في بلادها لكوني أدرس فيها لا لشيء آخر ، وأطلعتها على شهادة من المدرسة وعلى تأشيرة سفارة بلادها .
أما صاحبي السوداني فقد اعتذر بقلة ذات يده ، واستعد باستئناف السداد ، وطلب العفو عن مدة الأربعة أشهر الماضية .
فغابت المرأة برهة ، ثم جاءت متهللة ذاكرة : أن الدعوى قد أسقطت عني لوجاهة العذر ، وأن القاضي قد وافق على طلب السوداني بالعفو عن مدة التأخير .
الحادثة الثانية /
القاضي الألماني (( ميليس )) الذي استطاع بحنكته وتجرده الوقوف على من وراء اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق دولة السيد : رفيق الحريري يرحمه الله خلال مدة وجيزة قاطعاً قول كل خطيب ومتكهن في من يكون السبب .
وهذان القاضيان المذكوران في الحادثتين من أهل الكتاب .
اللافت للنظر / اشتراط بعض الفقهاء في مسألة التحكيم التجاري : أن يكون المحكَّم مسلماً .
وتعليلهم ذلك الاشتراط : بفقدان العدالة في غير المسلم ؛ مع أن كل الملل والمذاهب لديها رؤية لمعنى العدالة من منظور كل منها ، ويجمع هذه الرؤى في جميع الأديان : أن يكون العدل متجرداً من الأهواء الشخصية والمذهبية والدينية والاجتماعية ومن كل ما يؤثر على إيصال الحق لصاحبه .
ولو قيل باشتراط أمرين في المحكَّم هما : القوة المتمثلة بالخبرة في ما حُكِّم فيه ، والأمانة المتمثلة في التجرد من الهوى بحسب المعروف من حال المحكم : لكان أولى ؛ لأن الخبرات التي يلجأ الناس فيها إلى التحكيم لا تحتاج إلى معرفة بأصول التحاكم الشرعية بل هي موازنة بين أدلة مادية محسوسة سالمة من شبه التزوير والتزييف مسبقاً ، مع الإدلاء بالرأي الذي يمثل خلاصة وثمرة ونتاج خبرات الشخص المحكَّم في مثل ما حَكَم فيه .
وسواء كان ذلك الشخص المحكم : رجلا أو امرأة ، وسواء كان مسلماً أو غير مسلم ؛ ما دام الغرض من مثله متحقق عادة .
والخلاف على ذلك موجود في كتب الفقهاء منذ قرون ، ومثل هذا القول يحقق المقصود ويقطع الخلاف بالأخذ بالأيسر ؛ وبخاصة في زماننا هذا الذي يتعذر فيه الانطواء على الذات أو الأخذ بالأشد أو الدندنة حول الأحوط والاحتياط وسد الذرائع دندنة في غير مجالها المجمع عليه .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4425 | تأريخ النشر : الجمعة 9 شوال 1426هـ الموافق 11 نوفمبر 2005ماضغط هنا للحصول على صورة المقالة
إرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|