|
نشرت في صحيفة الإقتصادية العدد 5011
نظاميات كان آخر سباقٍ في الجري اشتركت فيه منذ خمسةٍ وعشرين عاماً، أما آخر مباراةٍ في كرة القدم فكانت قبل ثلاثٍ وثلاثين سنةً، وكنت وقتها طالباً في السنة الأولى من كلية الشريعة بالرياض، ومع أني كنت متميزاً في خانة الهجوم من الناحية اليمنى ( جناح أيمن )، إلا أنَّني تركت هذه اللعبة بسبب ركلةٍ عنيفة من أحد زملائي قفزت لأحرف مسارها نحو الهدف برأسي فاصطدمت بوجهي مباشرة، فأطبقت بيديَّ على وجهي لا أرى شيئاً، واستمتعت برؤيا لمعان بروق الصدمة من كل جانب ، ثم بإضاءات ألوان الطيف في عينيَّ على هيئة دوائر، وبعد أن أفقت من وقع الضربة وجدت أن نظارتي الطبية قد شطرت نصفين؛ أحدهما لا يزال معلقاً في الأذن اليسرى بدون عدسة، فطفقت ألتمس النصف الآخر والعدستين خلال التراب، في وقتٍ كان جميع أفراد فريقي بين بعيدٍ عني هاتفٍ بتشجيعي على تسجيل الهدف، وبين قريبٍ مني مغشيٍ عليه من الضحك من سوء ما حَلَّ بي.بعد تلك النكبة لم أشترك في أيِّ مباراةٍ جماعية في كرة القدم، ثم كان لعملي في القضاء أثرٌ كبير في اعتزالي جميع أنواع الرياضة المحببة إلى نفسي؛ لاستهجان الناس القاضي الرياضي، ولعدم توفر مقرات خاصة بمزاولة أي نوعٍ من الرياضات في محيط مناسب لمثل قاضي البلد.
فكان من آثار ذلك: الترهل العضلي، تعاقب آلام المفاصل، بعض الانزلاقات الغضروفية، كثرة الإنفاق على شراء المراهم واللصقات وجلسات العلاج الطبيعي، إرهاق الأهل بتدليك المفاصل كل ليلة؛ خصوصاً قبيل النوم وبعده، وكل ذلك بسبب الانقطاع عن التمرينات الرياضية.
وفي الوقت الذي نرى فيه أغلب دول العالم تنشئ لقضاتها نوادي خاصة بهم، لا يوجد لقضاة السعودية أيُّ رابطةٍ تربطهم ببعضهم، عدا عن بعض المبادرات المحدودة التي يقوم عليها بعض القضاة المتحمسين لجمع شمل زملائهم في دورية أسبوعية أو نصف شهرية؛ إما: في المزارع، أو: في الاستراحات، أو: في الفضاء خارج المدينة، أو: قريباً من مبارك الإبل ومرابض الغنم لأحدهم!.
وتحقيقاً لمزايا الأندية المهنية مع الابتعاد عن سلبياتها يحسن بالمجلس الأعلى للقضاء الجديد في بلادنا أن يجعل من أوَّليات أولوياته إنشاء ( نادي القضاة السعودي )، يكون مركزه الرئيس في مدينة الرياض، على أن يتبع ذلك افتتاح فروعٍ له في عواصم المناطق الرئيسة حيث يكثر تجمع القضاة، ويمكن لنا تدوين خطة عملٍ مبدئية لهذا النادي على النحو التالي:
أولاً/ يكون موقع النادي على الطريق الدائري للمدينة، وأن لا تَقِلَّ مساحته عن مائة ألف مترٍ مربع .
ثانياً/ لابد أن يحتوي النادي على ملاعب مغلقة، وميادين للجري، وحدائق كبيرة، وصالات للمناسبات الخاصة والعامة للرجال، ومثلها للنساء، ومكتبة، وقاعات للمحاضرات، ومطعم لائق، إضافة إلى فندق من الدرجة الممتازة.
ثالثاً/ يراعى أن تكون إدارة النادي متخصصة في الإدارة الفندقية، لا أن يكونوا من القضاة أنفسهم، وأن يكون الإشراف الفني والمالي والإداري خاصاً بالمجلس الأعلى للقضاء دون غيره من الجهات الإشرافية؛ ضماناً لاستقلال القضاة ونواديهم عن التوجهات السياسية والحزبية والفكرية ونحوها.
رابعاً/ يشرف النادي على إقامة المحاضرات، وينظم الندوات الدولية والإقليمية والمحلية المتخصصة، يستضيف فيها الكفاءات القضائية المتميزة من جميع دول العالم، ويضطلع النادي بإقامة المؤتمرات القضائية، ويدعو لحضورها أو للمشاركة فيها أقطاب القضاء في العالمين العربي والإسلامي؛ لبيان مزايا ومميزات الحكم بشريعة الإسلام.
خامساً/ يضطلع النادي بإعداد الاستبيانات القضائية بحسب طلب المجلس الأعلى للقضاء، وإرسالها لأصحاب الفضيلة القضاة في مقار أعمالهم، وجمع الإجابات، وتحليلها، وفرز النتائج النهائية المطلوبة.
سادساً/ يدير النادي موقع المجلس الأعلى للقضاء على شبكة المعلومات ( الإنترنت )، ويكون تشغيله وتنشيطه على النمط الذي يوافق عليه المجلس الموقر؛ لتحقيق أقصى ما يمكن الاستفادة منه في مصلحة القضاء والقضاة، كما يمكن للنادي في مراحل متقدمة الإشراف على موقع وزارة العدل، ومجلة العدل، وما يمكن أن يستجد من مجالات تقانية تخص القضاء.
سابعاً/ يضيف النادي القضاة من خارج المدينة، ويعطي الضيف منهم جائزته ثلاثة أيام مجاناً، ثم يقيم من شاء منهم بعدها قدر حاجته بأجرٍ رمزي. ويكون فندق النادي هو مقر الضيافة الخاص برجال القضاء من خارج المملكة.
ثامناً/ يتولى النادي مهمة مكتب العلاقات العامة لأفراد القضاة؛ من حيث تخليص معاملاتهم في الدوائر الحكومية، والنيابة عنهم في ما يستلزم حضورهم، وتأمين نقل ما يحتاجونه من العاصمة إلى بلدانهم، وإجراء الحجوزات الخاصة بهم وبأسرهم وتأكيدها لهم ؛ ليتفرغوا لأداء أعمالهم، ولا ينقطعوا عنها لأيِّ عارضٍ يمكن النادي القيام به عنهم.
تاسعاً/ تنظم إدارة النادي المسابقات الثقافية بين أسر القضاة بنين وبنات، وترعى مشاركات القضاة المتميزة في مجال القضاء عبر موقع النادي الإلكتروني، وتتعهد بالتواصل مع نوادي القضاة العالمية فيما يعود بالنفع والفائدة لصرح القضاء.
عاشراً/ يمكن النادي القضاة من إقامة حفلاتهم الكبرى وولائمهم المتوسطة ودعواتهم الصغرى في قاعات النادي؛ أسوة بنوادي الضباط داخل البلاد وخارجها.
هذه مبادئ يمكن الانطلاق منها نحو تكوين نادٍ نموذجي لقضاة السعودية، لعله يكون متميزاً على أمثاله في دول العالم؛ في موقعه وإدارته وأنشطته.
إننا إذ نسعى من العدم إلى تحقيق أعلى درجات الكمال، لا لأننا مثاليون أكبر مما ينبغي، بل لأننا قادرون على تحصيل مرادنا؛ بما نملك من: إمكانات مادية ، وكوادر بشرية شابة متحمسة، وفوق ذلك: حكومة جادة موفقة باذلة تسعى للريادة في كل ما يمكنها ذلك، غير أنها تفتقر للرجال المبدعين المخلصين من جميع التخصصات، الذين أرجو أن يجدوا الفرصة المناسبة لإبراز ما لديهم. والله الموفق
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
عدد التعليقات : 2 | عدد القراء : 6644 | تأريخ النشر : الأحد 16 جمادى الآخرة 1428هـ الموافق 1 يوليو 2007مإرسال المقالة
إرسال المقالة والتعليقات إلى صديق
|
|||
|
|
|||
|
|
|||
|
تأريخ النشر: السبت 12 شعبان 1428هـ الموافق 25 أغسطس 2007مسيحية
طباعة التعليق