|
فقهيات لخطبة الجمعة أثرُها الذي لا يُنكر ، بل يُذكر فيُشكر . ونحمد الله سبحانه وتعالى أن شرع لنا - في يومٍ هو عيدٌ للمسلمين كل أسبوع - خطبتي وصلاة الجمعة ، يُوقِفُ الخطيب فيها جماعةَ مسجده على معروفٍ ؛ لِيَعْرِفُوه فيعملون به ، أو على منكرٍ ؛ فيجتنبونه أو يتركونه ؛ فتشيعُ الفضيلة ، وتضمحلُ الرذيلة شيئاً فشيئاً ، وتسودُ المعرفة ، وينتشرُ العلم بين المسلمين . وهذا من الغايات التي شرعت لأجلها خطبة الجمعة .
ولقد كان الناس يـخرجون من صلاة الجمعة ؛ يمتد أثر الخطبة على أحدهم اليومين والثلاثة . يتبين ذلك في سلوكه مع أهله وأقرانه ؛ رهبةً مما خوِّف منه ، أو رغبةً فيما بُشِّر به في تلك الخطبة ؛ كما قال حَنْظَلَةَ الأُسَيِّدِيُّ رضي الله عنه ؛ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عنه رضي الله عنه أنه قَالَ : نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ ؛ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ .. .. * .
وهكذا في كل خطبة ، حتى تتنامى فيهم المُثُل والسجايا ، فيكون العبد ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه في الحديث القدسي * .. .. وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ * . رواه البخاري .
وكانت الخطبة من مشايخنا وسلفنا الصالح رضي الله عنهم قصيرة مفيدة ؛ لو أراد المُصَلِّي نقلها لذويه بعد أوبته إلى بيته لما فاته منها إلا النزر اليسير ؛ وما ذلك إلا من فقه هؤلاء القوم واقتدائهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم . عفى الله عنهم أجمعين .
روى مسلم عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ : قَالَ أَبُو وَائِلٍ : خَطَبَنَا عَمَّارٌ ؛ فَأَوْجَزَ ، وَأَبْلَغَ ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا : يَا أَبَا الْيَقْظَانِ ! لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ ، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ . فَقَال :َ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ * إِنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ ؛ فَأَطِيلُوا الصَّلاةَ ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا *
ثم صرنا اليوم نرى بعض خطبائنا ـ وفقهم الله لمرضاته ـ يُعنون بالغريب والبديع من اللفظ ؛ يسجعون به ، ويَتَمَيَّزُ أحدهم على الآخر ببعض طرائق هذا المأخذ ، حتى إن بعض المستمعينَ لأحدِهم : ليأخذُ البيانُ بِلُبِهِ أكثر مما يأخذه موضوع الخطبة .
وبعضهم : قد لا يعرف معنى تلك المترادفات ؛ فيفوته خير عظيم مما جاء فيها .
وبعضهم : يَمَلُّ من طول الخطبة ، أو يرى مِن موضوعها أنها لا تعنيه في شيء فيشِتُّ ذهنه أو ينام عنها ؛ حتى تُقام الصلاة .
فهل نرى من خطبائنا الأكارم عوداً إلى ما كان عليه السلف من إيجازٍ واعتناءٍ بجانب الترغيب والترهيب ؛ كما كان عليه حال الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم السالف ذكره في حديث حنظلة رضي الله عنه . وكما رواه النسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه : أنه قال * كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ الذِّكْرَ ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ ، وَيُطِيلُ الصَّلاةَ ، وَيُقَصِّرُ الْخُطْبَةَ *
والدعوة في هذه الوقفة / موجهة لعامة خطباء المساجد ـ نفع الله بهم ـ ومثلها للدعاة المحاضرين ، وفي الندوات العلمية ؛ ليعم النفع ، وتخلص النية ، ويثبت الأجر إن شاء الله تعالى .
وفق الله الجميع لما يحبه الله ويرضاه ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 5439 | تأريخ النشر : الخميس 21 رجب 1421هـ الموافق 19 أكتوبر 2000مإرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|