المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علام انحنيت ( منقول )



ناصر بن زيد بن داود
27-05-2009, 01:07 AM
أَلمْ أُوصِكَ الأمْسَ قَبْلَ الممَاتِ *** فَأيْنَ وَصَاتِي الَّتِي مَا وَعَيْتْ؟

وَفِيهَا كَتبْتُ : 'تَزُولُ الجِبَالُ *** ولا تَنْحنِي أَبَدًا' فَانْحَنَيْتْ

وَفِيهَا 'سَتَعْصفُ هُوجُ الرِّيَاحِ *** فَكُنْ قِمَةً صُلْبَةً' فَانْحَنَيْتْ

وَفِيهَا 'سَيمتدُّ لَيلُ الأسَى *** فَلا تَبْتَئِسْ بالأسى' فَانْحَنَيْتْ

وَفِيهَا 'يَكُونُ جَفَافٌ وَجُوعٌ *** فَمُتْ بِالطَّوَى شَامِخًا' فَانْحَنَيْتْ

وَفِيهَا 'انتَصِرْ بِالثباتِ العَتِيِّ *** وَبِالصَّبْرِ فِي عِزَةٍ' فَانْحَنَيْتْ

وَقُلْتُ " تَجَنَّبْ مَخَازِيَ الطّرِيقِ *** ولكنْ لخزي 'الطريقِ' انتَهَيْتْ

وعَانقْتَ فيه الأفاعي الكبارَ *** ومِن سُمِّها – يا غبيُّ– ارتويْتْ

فَأين وصاةُ أبِيكَ الَّذي *** إلى دفْء مُهجتهِ قدْ أَوَيْتْ؟

وكَمْ سهرَ الليلَ يَحمِي حِماكَ *** وَيبكِي دماءً إذَا ما بَكَيْتْ

ويَحملُ عنْكَ هُمومَ الحَياةِ *** ويَرْعَى الذي بعدَهُ مَا رَعَيْتْ

عَصيتَ وَصَاتِي التي صُغْتُها *** بدمِّي، وللمُخزياتِ مشيْتْ

وكُنْتُ أَظُنُّكَ نعمَ الوريثُ *** فكيفَ تَبيعُ الذي مَا اشتريْتْ؟

فبعْتَ جَوادِي الأصيلَ الكريمَ *** وأُمًّا، وأُخْتًا، وأَرْضًا، وبَيْتْ

وشعرِي بعْتَ، ونخْلِي بعْتَ *** وسيْفِي، ورُمْحِي، وسرْج الكُمَيْتْ

وبعْتَ سريرِي الذي فوقَهُ *** وُلدْتَ، وكمْ نمْتَ حتى اسْتَوَيْتْ

للصٍّ بَغِيٍّ، عُتُلٍ، زَنِيمٍ *** على قدميه – خَسئْتَ – ارتميْتْ

لِتَلْثَمَ نعْليه في ذِلَّةٍ *** وتَلْعَقَ طِينهمَا .. مَا استَحَيتْ

فكيفَ تَبيعُ التراثَ العزيزَ *** بكِسْرَةِ خبزٍ، ونقطةِ زَيتْ؟!

وتاجٍ من الشوكِ يُدمي الجبينَ *** ووعدٍ كذوبٍ، و'كِيْتٍ، وكيْتْ'

وعرشٍ حقيرٍ، لهُ لمْعةٌ *** من البهرجاتِ .. إليهِ ارتقيْتْ؟

ولمْ تدْرِ أنَّكَ حين اعتليْتْ *** هَبطْتَ بمَا أنْتَ فيهِ اعتليْتْ

وفي موكبِ الذُلِّ صرْتَ الأميرَ *** ذليلاً، كسيحَ المسارِ، مشيْتْ

فلا تمْلكُ الأمرَ إمَّا تَشَا *** ولا النهيَ تملكُ إمَّا نويْتْ

وتصدعُ بالأمرِ إمّا أُمِرْتَ *** وينفذُ أمْرُ العِدا إن نهيْتْ

فلمَّا سكرْتَ بخمر الخِداعِ *** ومالتْ بكَ الخمرُ لما انتشيْتْ

غدوْتَ لغيرِكَ أضحوكةً *** فليسَ سوى الخُسْرِ ما قدْ جَنيْتْ

وقلْنَا 'اكتفيْتَ بما قدْ جَمعْتَ *** مِن العَارِ'، لكنما ما اكتفيْتْ

فعن قوسِ أعدائنا قد رَمَيْتَ *** فواحسرتاهُ على من رَمَيْتْ!!

بسهمكَ خرَّ عزيزٌ أَبِيُّ *** بجمرِكَ قلبًا طهورًا .. كَوَيْتْ

أتحمِي حياةَ العدوِّ العقورِ *** وأيضًا تُراثِي لهم قدْ حميْتْ؟!

أأبكِي عليكَ؟ أأبكِي إليكَ؟ *** أأبكِي علينَا لِمَا قدْ جَنيْتْ؟

ففي غدِكَ المُستباحِ الجريحِ *** ستصرخُ 'يا ليتني ما انحنيْتْ'

ويرتدُّ سهمُك في مُقلتيكَ *** ولن يُنقذَ البيتَ آلاف 'لَيْتْ'

فليس لما قدْ كسرْتَ انجبارٌ *** بما قد جررْتَ، وما قدْ غويْتْ

وتُدْركُ بعدَ فواتِ الأوانِ *** بأنكَ لمَّا انْحَنَيْتَ .. انْتَهَيْتْ

ومَا دُمْتَ قدْ بعْتَ حتَّى الحُطامَ *** ولم تُبْقِ أُمًّا، وأرضًا وبيْتْ

فإنِّي أخشي غدًا أنْ تبيعَ *** عِظَامِي، وقبرًا بِهِ قدْ ثويْتْ