قاضي المظالم
28-05-2009, 06:57 PM
أحب أن أشير في البداية إلى أن هذه الأحكام غير منشورة سوى ما تضمنه النشر الأخير لأحكام ومباديء الديوان والذي لم يطرح على العامة حتى الآن ... وجميعها من إعدادي أي أنها من صياغتي وهي تحتوي على مباديء جديدة وفريدة لم يسبق أن تعرض لها أي حكم من أحكام الديوان ... وما أشير إليه في الأحكام من مقولة :(ومن المستقر فقهاً وقضاءً ....) لا يعني أبداً ورود ذلك الاستقرار في أحكام الديوان بل في أحكام ومباديء لمحاكم دول أخرى وكتب فقهية متخصصة مع اختلاف في الإجتهاد والتكييف والنتيجة والضوابط في كثيرٍ منها ...
والحكم الماثل من الأحكام المهمة جداً فيما يخص تفسير العقود الإدارية ...وهو مؤيد من هيئة التدقيق
حــكم رقــم .../د/إ/....لعام 1428هـ
صــادر عن الدائــرة الإداريــة .....
في القضية رقم ....../2/ق لعام 1426هـ
المقامة من/ شركة ........
ضـــد/ جامعة الملك عبدالعزيز بجدة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعـده وبعـد :ــ
فإنه في يوم الثلاثاء ..../.../1428هـ انعقدت الدائرة الإدارية .... بمقر فرع ديوان المظالم بمنطقة مكة المكرمة / جـــدة والمشكــلة مـن :ــ
القاضي رئيســـاً
القاضي عضـــواً
الملازم القضـائي عضـــواً
وبحضـــور .....أميناً للسـر وذلك للنظر في القضية المشار إليها أعـلاه المـحالـة إلى الدائرة بشــرح معالي رئيس الفرع في .../.../1426هـ والتي حضر للترافع فيها أمام الدائرة وكيل المدعية/....... بموجب صك الوكالة رقم 18407 في 8/10/1425هـ صادرة عن كتابة العدل الثانية بجنوب جدة, كما حضر عن المدعى عليها ممثلها/..........بموجب خطاب مدير الجامعة رقم 3056/27/خ في 4/2/1427هـ.
وبعد دراسة الدائرة أوراق الدعوى والسماع من أطرافها واستيفاء كافة إجراءاتها أصدرت فيها هذا الحكم.
( الوقــــائــــع )
تتلخص وقائع هذه الدعوى حسبما يتضح من مطالعة أوراقها بالقدر اللازم للحكم في أنه ورد إلى فرع الديوان بتاريخ 18/11/1426هـ استدعاء المدعية المقيد قضية بالرقم الوارد بصدر هذا الحكم أبانت فيه عن مطالبتها للمدعى عليها بمبلغ (445.550)ريال المتبقي بذمتها عن تنفيذ العقد رقم (24/4) وتاريخ 4/12/1424هـ المتعلق بنقل طلاب وطالبات الجامعة وذكرت المدعية شرحاً لأسانيد دعواها بأنها سخرت حافلاتها في سبيل القيام بالتزاماتها في العقد دون تقصير وكانت طريقة محاسبتها عن أعماله تتم وفق ما نصت عليه المادة (8/ب) من العقد بأقساط شهرية حسب التشغيل الفعلي للحافلات بحيث لا تتجاوز المبالغ المدفوعة قيمة ما تم من عمل إلاَّ أن المدعى عليها امتنعت عن دفع المتبقي المشار إليه في هذه الدعوى رغم مطالبتها به مراراً.
وبإحالة القضية للدائرة حددت لنظرها جلسة 5/2/1427هـ وفيها أكد وكيل المدعية على ما ورد بدعواه, بينما قدم ممثل المدعى عليها مذكرة ذكر فيها أن شروط ومواصفات عقد نقل طلاب وطالبات الجامعة التي طرحت على المتنافسين نصت على وجوب تقديم العروض لليوم الواحد دون التفات لأي سعر يتقدم به المنافس بالأسبوع أو الشهر على أن يكون السعر شاملاً تكاليف السائق والوقود والصيانة والتأمين. كما ورد بالفقرة (ثانياً) من شروط والتزامات الشركة الناقلة أن عدد الحافلات للطلاب 15 حافلة وللطالبات 12 حافلة قابلة للزيادة والنقصان بنسبة تمثل احتياجات الجامعة. وذكر أن العرض الذي تقدمت به المدعية بتاريخ 5/9/1424هـ على أساس احتساب سعر الحافلة الواحدة لنقل الطلاب هو (290)ريال لعدد 15 حافلة وعدد الأيام (234) يوماً بسعر إجمالي (1.017.900)ريال, كما حددت سعر الحافلة الواحدة لنقل الطالبات بـ (320)ريال لعدد 12 حافلة وعدد الأيام (234) يوماً بإجمالي قدره (898.560)ريال وتم إبرام العقد مع المدعية بتاريخ 4/12/1424هـ والذي نصت مادته الأولى على أن الشروط والمواصفات التي وضعتها الجامعة متممة لهذا العقد وهو ما انعقدت عليه إرادة الطرفين.كما نصت المادة الرابعة منه على أن القيمة الإجمالية للعقد تبلغ (1.848.600ريال) وقد اتفق الطرفان على دفع مستحقات الطرف الثاني على أقساط شهرية بموجب تقارير عمادة شؤون الطلاب حسب الأعداد الفعلية التي تم تشغيلها من الحافلات بواقع (290)ريال للحافلة بدون مرافق (محرم) و(320)ريال للحافلة بمرافق. وعلى هذا الأساس فقد تم محاسبة المدعية بموجب الأعداد الفعلية للحافلات التي تم تشغيلها طبقاً للمادة الرابعة من العقد وليس على اعتبار القيمة الإجمالية للعقد, وقد استلمت المدعية كامل مستحقاتها عن كل حافلة قامت بتأمينها وهو ما كانت تعلمه المدعية جيداً من واقع الشروط والمواصفات التي تعد جزءاً لا يتجزأ من العقد, حيث تم توضيح أن الأعداد المذكورة في العقد قابلة للزيادة والنقصان بنسبة تمثل احتياجات الجامعة وهو ما أكدت عليه المادة الرابعة من العقد, كما يؤكده أيضاً ما ورد من تحديد مدة العقد بـ (234)يوماً في السنة الدراسية تقريباً متضمنة الفصل الصيفي إن وجد, إذ أنه من المعلوم أن الفصل الدراسي الصيفي يتم تحديده بقرار مجلس الجامعة وهو ما حدث فعلاً في عقد المدعية حيث صدر القرار بالموافقة على إقامة فصل دراسي صيفي في بعض الكليات للطلاب دون الطالبات, وهو الأمر الذي راعته المدعى عليها عند وضعها الشروط والمواصفات وذلك بإضافة عبارة (متضمناً الفصل الصيفي إن وجد) وهو ما ينطبق تماماً على تحديدها عدد تقريبي للحافلات قابلة للزيادة والنقصان بحسب احتياج الجامعة والمحاسبة عن ذلك وفق الأعداد الفعلية التي تم تشغيلها وذلك مراعاة من الجامعة لصيانة المال العام وعدم هدره في تأمين حافلات دون الحاجة لها. وختم ممثل المدعى عليها بطلب رفض الدعوى. بعد ذلك طلبت الدائرة من المدعية تقديم ما أشارت إليه في خطابها المؤرخ 18/2/1426هـ من الخطابات التي وردت إليها من الجامعة وكذا مناقشة ما ورد عليه العقد من أسعار إفرادية وتوضيح مقصد الأطراف من إيرادها ضمن نصوص العقد.
وبجلسة 18/3/1427هـ قدم وكيل المدعية مذكرة أكد فيها على أن القيمة الإجمالية المحددة بالمادة الرابعة من العقد هي المقابل المالي لالتزامات المدعية التعاقدية وليس المقابل هو سعر الحافلة الإفرادي مضروباً في عدد الأيام الفعلية للتشغيل أما ما ورد في ذات المادة من دفع المستحقات على أقساط شهرية بموجب تقارير تعدها عمادة شؤون الطلاب حسب الأعداد الفعلية التي يتم تشغيلها فهي عبارة تعالج طريقة دفع ذلك المقابل وهو المقصود بذكر الأسعار الإفرادية للحافلات بياناً لطريقة الدفع بحيث يكون حسب التشغيل الفعلي للحافلة الواحدة وذلك بهدف بقاء المتعاقد ملتزماً بتنفيذ العقد دون تراخي, وأكد وكيل المدعية أن موكلته وضعت تحت إمرة المدعى عليها جميع الحافلات التي تم التعاقد على تأجيرها وجهزتها للاستخدام ووضعت لها سائقين وبذلك فإن المدعية أوفت بالتزاماتها العقدية بغض النظر عن استخدام الجامعة لجميع الحافلات أو بعضها.
وبجلسة 8/5/1427هـ قدم ممثل المدعى عليها مذكرة أكد فيها على أن عبارة (قابلة للزيادة والنقصان بنسبة تمثل احتياجات الجامعة) الواردة في الشروط والمواصفات قد أوردتها الجامعة عن قصد ومغزى بحيث تكون هذه الأعداد تقريبية, وهي الأعداد التي وضعت على أساسها القيمة لإجمالية العقد, وتأسيساً على ذلك فإنه لو زاد عدد الحافلات المؤمنة عن العدد التقريبي فإن القيمة الإجمالية كانت ستزيد, وكذلك لو نقصت عدد الحافلات أو قل عدد الأيام عما هو متفق عليه فإن ما سيصرف للمدعية سيقل عن القيمة الإجمالية للعقد, علماً بأن المدعية استلمت كامل حقوقها عن كل حافلة قامت تأمينها بالفعل.
وأضاف بأن ما تذكره المدعية من أنها وضعت عدد (26) حافلة تحت إمرة الجامعة طيلة مدة العقد غير صحيح ألبتة حيث أنه بمراجعة القائمين على تنفيذ العقد بالجامعة أفادوا بأن الشركة لم تقم بتأمين كل هذه الحافلات طوال الوقت, وإنما كانت تقوم بتأمين ما يطلب منها فقط حسب الاحتياج الفعلي من الحافلات وهو ما انعكس على الفواتير المقدمة من الشركة كل شهر, إذ أن كل فاتورة تعبر بدقة – بعد مراجعتها من الجامعة – عن الحافلات التي تم تأمينها سواء عملت على مدار ذلك اليوم أو في جزءٍ منه.
وبجلسة 15/9/1427هـ سألت الدائرة وكيل المدعية عن مدى منازعة موكلته في عدد الحافلات الفعلية وعدد الأيام التي تم عنها المحاسبة فقرر بأن موكلته لا تنازع في ذلك وإنما منازعتها تنحصر فيما تفهمه من أن نصوص العقد ومواصفاته تلزمها بتأمين العدد المتعاقد عليه من الحافلات للطلاب والطالبات وجعلها تحت إمرة المدعى عليها وقد أمنت كامل العدد طوال الفترة المتعاقد عليها إلاّ أن الجامعة لم تطلب منها في بعض الأشهر كامل العدد وموكلته تطالب بمقابلة من قيمة العقد سواءً طلبته المدعى عليها أم لم تطلبه لكون العبرة هي بقيمة العقد الكلية وهي ما يمثل استحقاق المدعية عن تنفيذ العقد ما لم تنسب إليها المدعى عليها التقصير.
بعد ذلك عقب ممثل المدعى عليها بأن مستحقات المدعية يتم تسويتها تبعاً لاحتياج الجامعة من الحافلات سواءً بالزيادة أو النقصان بحسب عدد الطلاب, وقد كانت المدعية تتقدم بمطالبتها عن كل شهر وفق العدد الفعلي الذي قامت بتشغيله. فطلبت منه الدائرة تقديم ما تم من مكاتبات بين الأطراف لصرف مستحقات العقد مع صورة من الشروط والمواصفات.
وبجلسة 24/12/1427هـ قدم ممثل المدعى عليها صورة من شروط ومواصفات العقد وصورة من الفاتورة رقم (9) الصادرة من المدعية وعدد من الخطابات كما قدم مذكرة ذكر فيها أن الآلية التي يتم بموجبها صرف مستحقات العقد تتمثل في أنه في نهاية كل شهر هجري تتقدم المدعية بفاتورة يتم فيها بيان عدد الحافلات التي تم تشغيلها للطلاب والطالبات والأيام التي عملت فيها والسعر اليومي لها ثم المبلغ الإجمالي المستحق وتسليم هذه الفاتورة إلى إدارة العقود والمشتريات التي تقوم بإحالتها لمدير إدارة عمادة شؤون الطلاب وهي الجهة المشرفة على تنفيذ العقد ويقوم بدوره بإحالتها لمدير إدارة الإسكان الطلابي التي تقوم بإعداد محضر تقويم أداء ويتم فيه توضيح عدد الحافلات التي تم تشغيلها مع عمل بيان يومي بذلك, كما يقوم وكيل عمادة شؤون الطلاب للإسكان والتغذية بعمل بيان شهري بتشغيل الحافلات الفعلي وقيمة استحقاق الشركة وعدد الحافلات التي لم تعمل والقيمة الإجمالية لتشغيل الحافلات بعد ذلك يتم إرسال خطاب من عميد شؤون الطلاب إلى إدارة العقود والمشتريات مرفق به كل المستندات المشار إليها أعلاه وهي فاتورة المطالبة من الشركة مع محضر تقويم الأداء والبيان اليومي والبيان الشهري ليتسنى إكمال اللازم نحو صرف مستحقات المدعية عن الفترة عن طريق الإدارة المالية.
وبجلسة 18/1/1428هـ قدم وكيل المدعية مذكرة أوضح فيها أن الفاتورة المقدمة من المدعى عليها صحيحة وسليمة وصادرة عن المدعية وليس لدى موكلته أي اعتراض على أي فاتورة تقدم من الجامعة فيما يخص هذا العقد لأن النزاع في الدعوى ينحصر في تفسير المدعى عليها لقيمة العقد حيث تذهب إلى أن المحاسبة عن العقد تكون بسعر كل حافلة مضروباً في عدد أيام التشغيل الفعلي في حين مستحقات المدعية يجب أن تكون هي القيمة الإجمالية للعقد ويدل على ذلك أن المادة السادسة من العقد كانت تخضع المدعية لفرض غرامة تأخير عن كل حافلة تتأخر عن الموعد المحدد مع حسم يوم كامل عن كل حافلة تتغيب عن العمل وموكلته لم تتقاعس في تنفيذ العقد إذ لم يحصل أن تم حسم أي مبلغ نتيجة غرامة تأخير الحافلات أو عدم وجودها.
وبهذه الجلسة سألت الدائرة وكيل المدعية عن مقصد موكلته من رفع عدد من الفواتير الشهرية لأعداد تقل عن الأعداد الواردة في العقد فقرر بأن موكلته كانت تقوم برفع العدد الفعلي الذي يتم تحريكه من الحافلات لنقل الطلاب والطالبات وتطالب في كل فاتورة بصرف مقابل ذلك, وهذا لا يعني أنها لا تستحق المتبقي من قيمة العقد لكون الباقي من الحافلات مسخرة تحت إمرة المدعى عليها, بعد ذلك قرر طرفا الدعوى الاكتفاء وطلبا الفصل في الدعوى.
( الأســـــبــاب )
حيث إن المدعية تهدف من إقامة دعواها إلى طلب إلزام المدعى عليها بدفع مبلغ (445.550)ريال المتبقي من قيمة العقد المبرم مع المدعى عليها فإن الدعوى تدخل في الاختصاص الولائي لديوان المظالم ضمن ما نصت عليه المادة (8/1/د) من نظامه الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/51) وتاريخ 17/7/1402هـ كما تدخل في الاختصاص المكاني والنوعي للدائرة طبقاً لقرار معالي رئيس الديوان رقم 11 لعام 1406هـ.
ولما كان المبلغ محل النزاع في الدعوى ناشئاً عن العقد رقم (24/40) وتاريخ 4/12/1424هـ وقد أقامت المدعية مطالبتها أمام الديوان بتاريخ 18/11/1426هـ مما يجعل الدعوى مستوفية للإجراءات الشكلية المنصوص عليها في المادة الرابعة من قواعد المرافعات والإجراءات أمام الديوان.
ولما كان النزاع بين أطراف الدعوى مثاره هو اختلافهم في فهم القيمة الإجمالية للعقد الواردة بالمادة الرابعة منه إذ ترى المدعية أن تلك القيمة المدونة هي المقابل المادي المتعين حصولها عليه كاملاً إزاء تنفيذ التزاماتها التعاقدية باعتبار ورود إرادة الطرفين على تأجير الحافلات المبينة في العقد, بينما تناضلها المدعى عليها مؤكدة أن العقد في صورته الحقيقية هو عقد نقل وتشغيل للحافلات الوارد عليها التعاقد وأن المقابل المادي الذي تستحقه عن ذلك – وفق المادة الرابعة من العقد – ينبغي حسابه على أساس الأعداد الفعلية للحافلات التي تم تشغيلها وليس للقيمة الإجمالية للعقد.
ولما كان ذلك وكان من المبادئ الأساسية في تفسير العقود الإدارية أنه إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها بحجة تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين, بيد أنه ينبغي ألاّ يفهم من كون العبارة واضحة أنه لا يجوز تفسيرها ذلك أن القاضي الإداري قد يجد نفسه في حاجة لتفسير العبارات مهما بلغ وضوح معناها وارتفع اللبس والإبهام عنها, إذ أن وضوح العبارة غير وضوح الإرادة فقد تكون العبارة في ذاتها واضحة ولكن وقائع التنفيذ وملابسات السير في العقد تدل على أن المتعاقدين أساءا استعمال هذا التعبير الواضح فقصدا معنى وعبرا عنه بلفظ لا يستقيم له هذا المعنى بل هو واضح في معنى آخر, وبالتالي فإن على محكمة الموضوع متى رأت محلاً ومقتضى لتفسير نصٍ في العقد أن تبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الركون للمعنى الحرفي للألفاظ مستهدية في ذلك بطبيعة التعامل في مثل هذا العقد وبما ينبغي أن يتوافر من حسن النية بين المتعاقدين وفقاً للعرف الجاري وما ارتضاه طرفا العلاقة من طريقة في تنفيذ العقد وفي هذه الحالة لا يأخذ القاضي بالمعنى الواضح للفظ ويجب أن يعدل عنه إلى المعنى الذي يقصده المتعاقدان بشرطين الأول: أن يستقر في عقيدته – بادئ الأمر – أن المعنى الواضح من اللفظ هو ذات المعنى الذي قصده المتعاقدان فلا ينحرف عنه إلى غيره من المعاني إلاّ إذا قام أمامه ما يبرر ذلك. الثاني: أنه إذا عدل عن المعنى الواضح إلى غيره وجب عليه أن يبين في حكمه الأسباب المقتضية لذلك مستعيناً بظروف التنفيذ وملابساته.
وعلى هدى ذلك ومن حيث أن النصوص الواردة في العقود الإدارية سواءً وردت في العقد ذاته أو في شروطه ومواصفاته يتعين تفسيرها باعتبارها وحدة متكاملة يفسر بعضاً لأن العبرة بوحدة الموضوع وليس بمكان الورود, فإذا كانت المادة الثانية من العقد نصت على أن: (يلتزم الطرف الثاني (المدعية) بتوفير عدد (26) حافلة كالتالي: 1 – عدد (14) حافلة لنقل الطلاب. 2- عدد (12) حافلة لنقل الطالبات بمرافق (محرم) قابلة للزيادة أو النقصان طبقاً للنظام) في حين نصت المادة الرابعة منه على أن: (القيمة الإجمالية للعقد مبلغ وقدره (1.848.600)ريال وقد اتفق الطرفان على دفع مستحقات الطرف الثاني على أقساط شهرية بموجب تقارير تعدها عمادة شؤون الطلاب حسب الأعداد الفعلية التي تم تشغيلها من الحافلات بواقع (290)ريال للحافلة بدون محرم, و(320)ريال للحافلة بمحرم, وتشمل الأسعار كافة المصاريف الخاصة بالتشغيل والصيانة والعمالة) في حين اعتبرت المادة الأولى منه الشروط والمواصفات التي وضعتها الجامعة وعرض الطرف الثاني المطابق لها جزءاً متمماً للعقد وهو ما انعقدت عليه إرادة الطرفين, وقد ورد النص في الشروط والمواصفات بما يفيد بأن أعداد الحافلات الواردة قابلة للزيادة والنقصان بنسبة تمثل احتياجات الجامعة.
والدائرة بدراستها تلك النصوص تلحظ أنها وردت على الأصل العام من أن جهة الإدارة إنما تتعاقد في حدود احتياجاتها الفعلية المبنية على دراسة واقعية وموضوعية تعدها الإدارة الراغبة في التعاقد ويلحقها إعداد المواصفات الفنية وكراسة الشروط والمواصفات اللازمة, وهي في الوقت نفسه تبني قيمة عقودها على الحد الأعلى من تلك الاحتياجات رغبة منها في توفير كامل الاعتماد للعقد في حال وصل تنفيذ العقد لذروة الاحتياج حتى لا تتفاجأ بعدم قدرتها المالية على الوفاء بالتزامها المادي إزاء المتعاقد معها.
وبناء على ما سبق واستهداءً بالطريقة التي اتبعتها المدعية في تنفيذ التزامها وطريقة رفعها لمستحقاتها عن ذلك من خلال الفواتير رقم 1 لشهر ذو الحجة 1424هـ, ورقم 4 لشهر ربيع أول 1425هـ, ورقم 7 لشهر جمادة الثانية 1425هـ, ورقم 8 لشهر رجب 1425هـ, ورقم 9 لشهر شعبان 1425هـ والتي صدر عنها محاضر تقويم أداء وبيان يومي وشهري للتشغيل وأظهرت جميعها أن عدد الحافلات كان مكتملاً في بعض الأشهر ونقص ذلك العدد في أشهر أخرى في حين كانت المدعية ترفع استحقاقها في تلك الفواتير عن الأعداد الفعلية التي قامت بتشغيلها مطالبة عن ذلك بالمبلغ المستحق لها على أساس ضرب عدد الحافلات التي قامت بتشغيلها في عدد أيام التشغيل في سعر الحافلة لليوم الواحد, في حين أظهرت البيانات اليومية للتشغيل المعدة من قبل المدعى عليها ومنها البيان المقدم عن شهر جماد الثانية لعام 1425هـ أن نقصان العدد ليس لتقصير من المدعية لما أثبتته من عدم وجود غياب مما يقطع بأن التعامل بين الطرفين بذلك العدد من الحافلات إنما كان وفق احتياج الجامعة لذلك الشهر. وقد درجت المدعية في طلب مستحقاتها على ذلك المسلك باحتساب الأعداد الفعلية التي تم تشغيلها حتى انتهاء عقدها في 20/12/1425هـ في حين أنها لم تطالب بالمبلغ المنعي في هذه الدعوى وقدره (445.550ريال) إلاّ بعد انتهاء العقد بشهرين في الفاتورة رقم 15 الصادرة بتاريخ 18/2/1426هـ ويستبين للدائرة مما سبق أن مناط استحقاق المدعية هو التشغيل الفعلي والذي صرحت به نصوص العقد وعبرت عنه شروطه ومواصفاته بعبارة ( احتياجات الجامعة) وجاء إعماله وفق المادة الرابعة من العقد أساساً في تسوية حقوق المتعاقد بحسبان أن القيمة الإجمالية التي جاءت المحاجة بها من قبل المدعية إنما وردت بحساب قيمة تشغيل كامل الحافلات وهي (26) حافلة في كامل أيام العقد, وبذلك فإنه لا تناقض بين صدر النص وعجزه, فضلاً عما هو مستقر قضاءً من أن الطريقة التي اتبعت فعلاً في تنفيذ التزامات العقد وطريقة صرف مستحقاته تفسر ما قصرت عن بيانه العبارات المقررة لهذا الالتزام في العقد مما تنتهي معه الدائرة إلى رفض الدعوى
(ولـكـل مـا تـقـدم)
حكمت الدائرة: برفض الدعوى لما هو موضح بالأسباب.
والله الموفق ,, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ,,,
والحكم الماثل من الأحكام المهمة جداً فيما يخص تفسير العقود الإدارية ...وهو مؤيد من هيئة التدقيق
حــكم رقــم .../د/إ/....لعام 1428هـ
صــادر عن الدائــرة الإداريــة .....
في القضية رقم ....../2/ق لعام 1426هـ
المقامة من/ شركة ........
ضـــد/ جامعة الملك عبدالعزيز بجدة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعـده وبعـد :ــ
فإنه في يوم الثلاثاء ..../.../1428هـ انعقدت الدائرة الإدارية .... بمقر فرع ديوان المظالم بمنطقة مكة المكرمة / جـــدة والمشكــلة مـن :ــ
القاضي رئيســـاً
القاضي عضـــواً
الملازم القضـائي عضـــواً
وبحضـــور .....أميناً للسـر وذلك للنظر في القضية المشار إليها أعـلاه المـحالـة إلى الدائرة بشــرح معالي رئيس الفرع في .../.../1426هـ والتي حضر للترافع فيها أمام الدائرة وكيل المدعية/....... بموجب صك الوكالة رقم 18407 في 8/10/1425هـ صادرة عن كتابة العدل الثانية بجنوب جدة, كما حضر عن المدعى عليها ممثلها/..........بموجب خطاب مدير الجامعة رقم 3056/27/خ في 4/2/1427هـ.
وبعد دراسة الدائرة أوراق الدعوى والسماع من أطرافها واستيفاء كافة إجراءاتها أصدرت فيها هذا الحكم.
( الوقــــائــــع )
تتلخص وقائع هذه الدعوى حسبما يتضح من مطالعة أوراقها بالقدر اللازم للحكم في أنه ورد إلى فرع الديوان بتاريخ 18/11/1426هـ استدعاء المدعية المقيد قضية بالرقم الوارد بصدر هذا الحكم أبانت فيه عن مطالبتها للمدعى عليها بمبلغ (445.550)ريال المتبقي بذمتها عن تنفيذ العقد رقم (24/4) وتاريخ 4/12/1424هـ المتعلق بنقل طلاب وطالبات الجامعة وذكرت المدعية شرحاً لأسانيد دعواها بأنها سخرت حافلاتها في سبيل القيام بالتزاماتها في العقد دون تقصير وكانت طريقة محاسبتها عن أعماله تتم وفق ما نصت عليه المادة (8/ب) من العقد بأقساط شهرية حسب التشغيل الفعلي للحافلات بحيث لا تتجاوز المبالغ المدفوعة قيمة ما تم من عمل إلاَّ أن المدعى عليها امتنعت عن دفع المتبقي المشار إليه في هذه الدعوى رغم مطالبتها به مراراً.
وبإحالة القضية للدائرة حددت لنظرها جلسة 5/2/1427هـ وفيها أكد وكيل المدعية على ما ورد بدعواه, بينما قدم ممثل المدعى عليها مذكرة ذكر فيها أن شروط ومواصفات عقد نقل طلاب وطالبات الجامعة التي طرحت على المتنافسين نصت على وجوب تقديم العروض لليوم الواحد دون التفات لأي سعر يتقدم به المنافس بالأسبوع أو الشهر على أن يكون السعر شاملاً تكاليف السائق والوقود والصيانة والتأمين. كما ورد بالفقرة (ثانياً) من شروط والتزامات الشركة الناقلة أن عدد الحافلات للطلاب 15 حافلة وللطالبات 12 حافلة قابلة للزيادة والنقصان بنسبة تمثل احتياجات الجامعة. وذكر أن العرض الذي تقدمت به المدعية بتاريخ 5/9/1424هـ على أساس احتساب سعر الحافلة الواحدة لنقل الطلاب هو (290)ريال لعدد 15 حافلة وعدد الأيام (234) يوماً بسعر إجمالي (1.017.900)ريال, كما حددت سعر الحافلة الواحدة لنقل الطالبات بـ (320)ريال لعدد 12 حافلة وعدد الأيام (234) يوماً بإجمالي قدره (898.560)ريال وتم إبرام العقد مع المدعية بتاريخ 4/12/1424هـ والذي نصت مادته الأولى على أن الشروط والمواصفات التي وضعتها الجامعة متممة لهذا العقد وهو ما انعقدت عليه إرادة الطرفين.كما نصت المادة الرابعة منه على أن القيمة الإجمالية للعقد تبلغ (1.848.600ريال) وقد اتفق الطرفان على دفع مستحقات الطرف الثاني على أقساط شهرية بموجب تقارير عمادة شؤون الطلاب حسب الأعداد الفعلية التي تم تشغيلها من الحافلات بواقع (290)ريال للحافلة بدون مرافق (محرم) و(320)ريال للحافلة بمرافق. وعلى هذا الأساس فقد تم محاسبة المدعية بموجب الأعداد الفعلية للحافلات التي تم تشغيلها طبقاً للمادة الرابعة من العقد وليس على اعتبار القيمة الإجمالية للعقد, وقد استلمت المدعية كامل مستحقاتها عن كل حافلة قامت بتأمينها وهو ما كانت تعلمه المدعية جيداً من واقع الشروط والمواصفات التي تعد جزءاً لا يتجزأ من العقد, حيث تم توضيح أن الأعداد المذكورة في العقد قابلة للزيادة والنقصان بنسبة تمثل احتياجات الجامعة وهو ما أكدت عليه المادة الرابعة من العقد, كما يؤكده أيضاً ما ورد من تحديد مدة العقد بـ (234)يوماً في السنة الدراسية تقريباً متضمنة الفصل الصيفي إن وجد, إذ أنه من المعلوم أن الفصل الدراسي الصيفي يتم تحديده بقرار مجلس الجامعة وهو ما حدث فعلاً في عقد المدعية حيث صدر القرار بالموافقة على إقامة فصل دراسي صيفي في بعض الكليات للطلاب دون الطالبات, وهو الأمر الذي راعته المدعى عليها عند وضعها الشروط والمواصفات وذلك بإضافة عبارة (متضمناً الفصل الصيفي إن وجد) وهو ما ينطبق تماماً على تحديدها عدد تقريبي للحافلات قابلة للزيادة والنقصان بحسب احتياج الجامعة والمحاسبة عن ذلك وفق الأعداد الفعلية التي تم تشغيلها وذلك مراعاة من الجامعة لصيانة المال العام وعدم هدره في تأمين حافلات دون الحاجة لها. وختم ممثل المدعى عليها بطلب رفض الدعوى. بعد ذلك طلبت الدائرة من المدعية تقديم ما أشارت إليه في خطابها المؤرخ 18/2/1426هـ من الخطابات التي وردت إليها من الجامعة وكذا مناقشة ما ورد عليه العقد من أسعار إفرادية وتوضيح مقصد الأطراف من إيرادها ضمن نصوص العقد.
وبجلسة 18/3/1427هـ قدم وكيل المدعية مذكرة أكد فيها على أن القيمة الإجمالية المحددة بالمادة الرابعة من العقد هي المقابل المالي لالتزامات المدعية التعاقدية وليس المقابل هو سعر الحافلة الإفرادي مضروباً في عدد الأيام الفعلية للتشغيل أما ما ورد في ذات المادة من دفع المستحقات على أقساط شهرية بموجب تقارير تعدها عمادة شؤون الطلاب حسب الأعداد الفعلية التي يتم تشغيلها فهي عبارة تعالج طريقة دفع ذلك المقابل وهو المقصود بذكر الأسعار الإفرادية للحافلات بياناً لطريقة الدفع بحيث يكون حسب التشغيل الفعلي للحافلة الواحدة وذلك بهدف بقاء المتعاقد ملتزماً بتنفيذ العقد دون تراخي, وأكد وكيل المدعية أن موكلته وضعت تحت إمرة المدعى عليها جميع الحافلات التي تم التعاقد على تأجيرها وجهزتها للاستخدام ووضعت لها سائقين وبذلك فإن المدعية أوفت بالتزاماتها العقدية بغض النظر عن استخدام الجامعة لجميع الحافلات أو بعضها.
وبجلسة 8/5/1427هـ قدم ممثل المدعى عليها مذكرة أكد فيها على أن عبارة (قابلة للزيادة والنقصان بنسبة تمثل احتياجات الجامعة) الواردة في الشروط والمواصفات قد أوردتها الجامعة عن قصد ومغزى بحيث تكون هذه الأعداد تقريبية, وهي الأعداد التي وضعت على أساسها القيمة لإجمالية العقد, وتأسيساً على ذلك فإنه لو زاد عدد الحافلات المؤمنة عن العدد التقريبي فإن القيمة الإجمالية كانت ستزيد, وكذلك لو نقصت عدد الحافلات أو قل عدد الأيام عما هو متفق عليه فإن ما سيصرف للمدعية سيقل عن القيمة الإجمالية للعقد, علماً بأن المدعية استلمت كامل حقوقها عن كل حافلة قامت تأمينها بالفعل.
وأضاف بأن ما تذكره المدعية من أنها وضعت عدد (26) حافلة تحت إمرة الجامعة طيلة مدة العقد غير صحيح ألبتة حيث أنه بمراجعة القائمين على تنفيذ العقد بالجامعة أفادوا بأن الشركة لم تقم بتأمين كل هذه الحافلات طوال الوقت, وإنما كانت تقوم بتأمين ما يطلب منها فقط حسب الاحتياج الفعلي من الحافلات وهو ما انعكس على الفواتير المقدمة من الشركة كل شهر, إذ أن كل فاتورة تعبر بدقة – بعد مراجعتها من الجامعة – عن الحافلات التي تم تأمينها سواء عملت على مدار ذلك اليوم أو في جزءٍ منه.
وبجلسة 15/9/1427هـ سألت الدائرة وكيل المدعية عن مدى منازعة موكلته في عدد الحافلات الفعلية وعدد الأيام التي تم عنها المحاسبة فقرر بأن موكلته لا تنازع في ذلك وإنما منازعتها تنحصر فيما تفهمه من أن نصوص العقد ومواصفاته تلزمها بتأمين العدد المتعاقد عليه من الحافلات للطلاب والطالبات وجعلها تحت إمرة المدعى عليها وقد أمنت كامل العدد طوال الفترة المتعاقد عليها إلاّ أن الجامعة لم تطلب منها في بعض الأشهر كامل العدد وموكلته تطالب بمقابلة من قيمة العقد سواءً طلبته المدعى عليها أم لم تطلبه لكون العبرة هي بقيمة العقد الكلية وهي ما يمثل استحقاق المدعية عن تنفيذ العقد ما لم تنسب إليها المدعى عليها التقصير.
بعد ذلك عقب ممثل المدعى عليها بأن مستحقات المدعية يتم تسويتها تبعاً لاحتياج الجامعة من الحافلات سواءً بالزيادة أو النقصان بحسب عدد الطلاب, وقد كانت المدعية تتقدم بمطالبتها عن كل شهر وفق العدد الفعلي الذي قامت بتشغيله. فطلبت منه الدائرة تقديم ما تم من مكاتبات بين الأطراف لصرف مستحقات العقد مع صورة من الشروط والمواصفات.
وبجلسة 24/12/1427هـ قدم ممثل المدعى عليها صورة من شروط ومواصفات العقد وصورة من الفاتورة رقم (9) الصادرة من المدعية وعدد من الخطابات كما قدم مذكرة ذكر فيها أن الآلية التي يتم بموجبها صرف مستحقات العقد تتمثل في أنه في نهاية كل شهر هجري تتقدم المدعية بفاتورة يتم فيها بيان عدد الحافلات التي تم تشغيلها للطلاب والطالبات والأيام التي عملت فيها والسعر اليومي لها ثم المبلغ الإجمالي المستحق وتسليم هذه الفاتورة إلى إدارة العقود والمشتريات التي تقوم بإحالتها لمدير إدارة عمادة شؤون الطلاب وهي الجهة المشرفة على تنفيذ العقد ويقوم بدوره بإحالتها لمدير إدارة الإسكان الطلابي التي تقوم بإعداد محضر تقويم أداء ويتم فيه توضيح عدد الحافلات التي تم تشغيلها مع عمل بيان يومي بذلك, كما يقوم وكيل عمادة شؤون الطلاب للإسكان والتغذية بعمل بيان شهري بتشغيل الحافلات الفعلي وقيمة استحقاق الشركة وعدد الحافلات التي لم تعمل والقيمة الإجمالية لتشغيل الحافلات بعد ذلك يتم إرسال خطاب من عميد شؤون الطلاب إلى إدارة العقود والمشتريات مرفق به كل المستندات المشار إليها أعلاه وهي فاتورة المطالبة من الشركة مع محضر تقويم الأداء والبيان اليومي والبيان الشهري ليتسنى إكمال اللازم نحو صرف مستحقات المدعية عن الفترة عن طريق الإدارة المالية.
وبجلسة 18/1/1428هـ قدم وكيل المدعية مذكرة أوضح فيها أن الفاتورة المقدمة من المدعى عليها صحيحة وسليمة وصادرة عن المدعية وليس لدى موكلته أي اعتراض على أي فاتورة تقدم من الجامعة فيما يخص هذا العقد لأن النزاع في الدعوى ينحصر في تفسير المدعى عليها لقيمة العقد حيث تذهب إلى أن المحاسبة عن العقد تكون بسعر كل حافلة مضروباً في عدد أيام التشغيل الفعلي في حين مستحقات المدعية يجب أن تكون هي القيمة الإجمالية للعقد ويدل على ذلك أن المادة السادسة من العقد كانت تخضع المدعية لفرض غرامة تأخير عن كل حافلة تتأخر عن الموعد المحدد مع حسم يوم كامل عن كل حافلة تتغيب عن العمل وموكلته لم تتقاعس في تنفيذ العقد إذ لم يحصل أن تم حسم أي مبلغ نتيجة غرامة تأخير الحافلات أو عدم وجودها.
وبهذه الجلسة سألت الدائرة وكيل المدعية عن مقصد موكلته من رفع عدد من الفواتير الشهرية لأعداد تقل عن الأعداد الواردة في العقد فقرر بأن موكلته كانت تقوم برفع العدد الفعلي الذي يتم تحريكه من الحافلات لنقل الطلاب والطالبات وتطالب في كل فاتورة بصرف مقابل ذلك, وهذا لا يعني أنها لا تستحق المتبقي من قيمة العقد لكون الباقي من الحافلات مسخرة تحت إمرة المدعى عليها, بعد ذلك قرر طرفا الدعوى الاكتفاء وطلبا الفصل في الدعوى.
( الأســـــبــاب )
حيث إن المدعية تهدف من إقامة دعواها إلى طلب إلزام المدعى عليها بدفع مبلغ (445.550)ريال المتبقي من قيمة العقد المبرم مع المدعى عليها فإن الدعوى تدخل في الاختصاص الولائي لديوان المظالم ضمن ما نصت عليه المادة (8/1/د) من نظامه الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/51) وتاريخ 17/7/1402هـ كما تدخل في الاختصاص المكاني والنوعي للدائرة طبقاً لقرار معالي رئيس الديوان رقم 11 لعام 1406هـ.
ولما كان المبلغ محل النزاع في الدعوى ناشئاً عن العقد رقم (24/40) وتاريخ 4/12/1424هـ وقد أقامت المدعية مطالبتها أمام الديوان بتاريخ 18/11/1426هـ مما يجعل الدعوى مستوفية للإجراءات الشكلية المنصوص عليها في المادة الرابعة من قواعد المرافعات والإجراءات أمام الديوان.
ولما كان النزاع بين أطراف الدعوى مثاره هو اختلافهم في فهم القيمة الإجمالية للعقد الواردة بالمادة الرابعة منه إذ ترى المدعية أن تلك القيمة المدونة هي المقابل المادي المتعين حصولها عليه كاملاً إزاء تنفيذ التزاماتها التعاقدية باعتبار ورود إرادة الطرفين على تأجير الحافلات المبينة في العقد, بينما تناضلها المدعى عليها مؤكدة أن العقد في صورته الحقيقية هو عقد نقل وتشغيل للحافلات الوارد عليها التعاقد وأن المقابل المادي الذي تستحقه عن ذلك – وفق المادة الرابعة من العقد – ينبغي حسابه على أساس الأعداد الفعلية للحافلات التي تم تشغيلها وليس للقيمة الإجمالية للعقد.
ولما كان ذلك وكان من المبادئ الأساسية في تفسير العقود الإدارية أنه إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها بحجة تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين, بيد أنه ينبغي ألاّ يفهم من كون العبارة واضحة أنه لا يجوز تفسيرها ذلك أن القاضي الإداري قد يجد نفسه في حاجة لتفسير العبارات مهما بلغ وضوح معناها وارتفع اللبس والإبهام عنها, إذ أن وضوح العبارة غير وضوح الإرادة فقد تكون العبارة في ذاتها واضحة ولكن وقائع التنفيذ وملابسات السير في العقد تدل على أن المتعاقدين أساءا استعمال هذا التعبير الواضح فقصدا معنى وعبرا عنه بلفظ لا يستقيم له هذا المعنى بل هو واضح في معنى آخر, وبالتالي فإن على محكمة الموضوع متى رأت محلاً ومقتضى لتفسير نصٍ في العقد أن تبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الركون للمعنى الحرفي للألفاظ مستهدية في ذلك بطبيعة التعامل في مثل هذا العقد وبما ينبغي أن يتوافر من حسن النية بين المتعاقدين وفقاً للعرف الجاري وما ارتضاه طرفا العلاقة من طريقة في تنفيذ العقد وفي هذه الحالة لا يأخذ القاضي بالمعنى الواضح للفظ ويجب أن يعدل عنه إلى المعنى الذي يقصده المتعاقدان بشرطين الأول: أن يستقر في عقيدته – بادئ الأمر – أن المعنى الواضح من اللفظ هو ذات المعنى الذي قصده المتعاقدان فلا ينحرف عنه إلى غيره من المعاني إلاّ إذا قام أمامه ما يبرر ذلك. الثاني: أنه إذا عدل عن المعنى الواضح إلى غيره وجب عليه أن يبين في حكمه الأسباب المقتضية لذلك مستعيناً بظروف التنفيذ وملابساته.
وعلى هدى ذلك ومن حيث أن النصوص الواردة في العقود الإدارية سواءً وردت في العقد ذاته أو في شروطه ومواصفاته يتعين تفسيرها باعتبارها وحدة متكاملة يفسر بعضاً لأن العبرة بوحدة الموضوع وليس بمكان الورود, فإذا كانت المادة الثانية من العقد نصت على أن: (يلتزم الطرف الثاني (المدعية) بتوفير عدد (26) حافلة كالتالي: 1 – عدد (14) حافلة لنقل الطلاب. 2- عدد (12) حافلة لنقل الطالبات بمرافق (محرم) قابلة للزيادة أو النقصان طبقاً للنظام) في حين نصت المادة الرابعة منه على أن: (القيمة الإجمالية للعقد مبلغ وقدره (1.848.600)ريال وقد اتفق الطرفان على دفع مستحقات الطرف الثاني على أقساط شهرية بموجب تقارير تعدها عمادة شؤون الطلاب حسب الأعداد الفعلية التي تم تشغيلها من الحافلات بواقع (290)ريال للحافلة بدون محرم, و(320)ريال للحافلة بمحرم, وتشمل الأسعار كافة المصاريف الخاصة بالتشغيل والصيانة والعمالة) في حين اعتبرت المادة الأولى منه الشروط والمواصفات التي وضعتها الجامعة وعرض الطرف الثاني المطابق لها جزءاً متمماً للعقد وهو ما انعقدت عليه إرادة الطرفين, وقد ورد النص في الشروط والمواصفات بما يفيد بأن أعداد الحافلات الواردة قابلة للزيادة والنقصان بنسبة تمثل احتياجات الجامعة.
والدائرة بدراستها تلك النصوص تلحظ أنها وردت على الأصل العام من أن جهة الإدارة إنما تتعاقد في حدود احتياجاتها الفعلية المبنية على دراسة واقعية وموضوعية تعدها الإدارة الراغبة في التعاقد ويلحقها إعداد المواصفات الفنية وكراسة الشروط والمواصفات اللازمة, وهي في الوقت نفسه تبني قيمة عقودها على الحد الأعلى من تلك الاحتياجات رغبة منها في توفير كامل الاعتماد للعقد في حال وصل تنفيذ العقد لذروة الاحتياج حتى لا تتفاجأ بعدم قدرتها المالية على الوفاء بالتزامها المادي إزاء المتعاقد معها.
وبناء على ما سبق واستهداءً بالطريقة التي اتبعتها المدعية في تنفيذ التزامها وطريقة رفعها لمستحقاتها عن ذلك من خلال الفواتير رقم 1 لشهر ذو الحجة 1424هـ, ورقم 4 لشهر ربيع أول 1425هـ, ورقم 7 لشهر جمادة الثانية 1425هـ, ورقم 8 لشهر رجب 1425هـ, ورقم 9 لشهر شعبان 1425هـ والتي صدر عنها محاضر تقويم أداء وبيان يومي وشهري للتشغيل وأظهرت جميعها أن عدد الحافلات كان مكتملاً في بعض الأشهر ونقص ذلك العدد في أشهر أخرى في حين كانت المدعية ترفع استحقاقها في تلك الفواتير عن الأعداد الفعلية التي قامت بتشغيلها مطالبة عن ذلك بالمبلغ المستحق لها على أساس ضرب عدد الحافلات التي قامت بتشغيلها في عدد أيام التشغيل في سعر الحافلة لليوم الواحد, في حين أظهرت البيانات اليومية للتشغيل المعدة من قبل المدعى عليها ومنها البيان المقدم عن شهر جماد الثانية لعام 1425هـ أن نقصان العدد ليس لتقصير من المدعية لما أثبتته من عدم وجود غياب مما يقطع بأن التعامل بين الطرفين بذلك العدد من الحافلات إنما كان وفق احتياج الجامعة لذلك الشهر. وقد درجت المدعية في طلب مستحقاتها على ذلك المسلك باحتساب الأعداد الفعلية التي تم تشغيلها حتى انتهاء عقدها في 20/12/1425هـ في حين أنها لم تطالب بالمبلغ المنعي في هذه الدعوى وقدره (445.550ريال) إلاّ بعد انتهاء العقد بشهرين في الفاتورة رقم 15 الصادرة بتاريخ 18/2/1426هـ ويستبين للدائرة مما سبق أن مناط استحقاق المدعية هو التشغيل الفعلي والذي صرحت به نصوص العقد وعبرت عنه شروطه ومواصفاته بعبارة ( احتياجات الجامعة) وجاء إعماله وفق المادة الرابعة من العقد أساساً في تسوية حقوق المتعاقد بحسبان أن القيمة الإجمالية التي جاءت المحاجة بها من قبل المدعية إنما وردت بحساب قيمة تشغيل كامل الحافلات وهي (26) حافلة في كامل أيام العقد, وبذلك فإنه لا تناقض بين صدر النص وعجزه, فضلاً عما هو مستقر قضاءً من أن الطريقة التي اتبعت فعلاً في تنفيذ التزامات العقد وطريقة صرف مستحقاته تفسر ما قصرت عن بيانه العبارات المقررة لهذا الالتزام في العقد مما تنتهي معه الدائرة إلى رفض الدعوى
(ولـكـل مـا تـقـدم)
حكمت الدائرة: برفض الدعوى لما هو موضح بالأسباب.
والله الموفق ,, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ,,,