ابوعبدالعزيز
26-10-2008, 10:18 PM
فقد ورد أنه في العصر العباسي، عين الخليفة الرشيد، علي بن ظبيان العبسي على قضاء العسكر، وصار عرفاً أن تحال الدعوى الى قاضي العسكر إذا كان أحد طرفي الدعوى من الجند.
كذلك كان لأهل بيت الرسول، من آل أبي طالب، قضاء مستقل بهم يتولاه نقيبهم الذي يعينه الخليفة العباسي. ولدينا كتاب عهد بتقليد أبي أحمد الحسين بن موسى نقابة الطالبيين في العراق عام 354هـ، ويتضح من هذا الكتاب ان النقيب هو الذي يقضي ويحكم في النزاع بين سائر أفراد الشعب.
وتشير المصادر الى تولية النصارى واليهود الروحانيين مهمة القضاء في السنين الأخيرة من الدولة العباسية بعهد من الخليفة نفسه. فقد تركت لهم الحرية التامة في اللجوء الى القضاء العام، الذي يحتكم له الناس أو الى قضاتهم الخاصين بهم. ويقول المستشرق هل: «كان اليهود والنصارى في العراق يتمتعون بالحرية التامة في العبادة والحياة الخاصة بهم.
كما وجدت محكمة تشكل بأمر من الخليفة لمحاكمة بعض كبار المسؤولين في السلطة العليا للدولة، أو لمحاكمة بعض من اتهم بالانحراف أو المروق عن الدين في شكل يهدد أمن الدولة واستقرار المجتمع.
وكان القضاة في العصر العباسي يسمون «قضاة أمير المؤمنين»، الذي يوليهم ويعزلهم مباشرة وصارت الدولة تعين قضاة في جميع المدن تقريباً.
ولدينا قوائم بأسماء قضاة هذه المدن تدلل على صحة ما ذهبنا اليه، ذكرها وكيع في أخبار القضاة والخطيب في تاريخ بغداد، والقرشي في كتابه الجواهر الغضّية في طبقات الحنفية. نذكر منها: بغداد والموصل والبصرة وبابل والأنبار وتكريت وهيت وواسط واربيل.
وعند الربع الأخير من القرن الهجري الثالث، أخذ عمل بعض قضاة بغداد يمتد ليشمل عدداً من المدن العراقية، فيوسف بن اسماعيل ولي سنة 282هـ قضاء الجانب الشرقي من بغداد، بالإضافة الى واسط البصرة.
وهناك خليفة القاضي في الإدارة القضائية، أثناء غياب موقت للقاضي الأصيل، وتنتهي مسؤولية القاضي المستخلف برجوع القاضي الأصيل، فكان أبو يوسف القاضي يسافر مع الخليفة هارون الرشيد، فيستخلف ولده يوسف على قضاء مدينة المنصور، كما خرج يحيى بن أكثم مع المأمون خارج العراق، فاستخلف على الجانب الشرقي جعفر بن عيسى بن عبدالله. وإذا اقتضت الضرورة أن يستخلف القاضي الأصيل أصدر الخليفة أمره بتعيين خليفته، وأمر الخليفة هذا يكسب المستخلف صفة (القاضي) الموقت، يذكر عريب مثلاً في (صلة تاريخ الطبري): «أن عبدالله بن علي بن محمد ابن أبي الشوارب مرض، فأمر الخليفة المقتدر ابنه محمداً بتولي أمور الناس خليفة لأبيه حتى يظهر حاله، وما يكون من علته، فنظر كما ينظر أبوه، وأنفذ الأمر مثل تنفيذه فكان محمد هذا خليفة أبيه على قضاء عسكر المهدي والشرقية والنهروانات، وقصر ابن هبيرة والبصرة وكور دجلة وواسط والأحواز».
وفي العصور العباسية المتأخرة، صار لقضاة العراق أن يعينوا من ينوب عنهم في بعض المسؤوليات القضائية. وهؤلاء النواب ليسوا قضاة، ولا يحتاج الأمر الى أخذ موافقة الخليفة على تعيينهم، فالقاضي الأصيل هو الذي يحدد صلاحياتهم بنفسه. وبقاؤهم في مسؤولياتهم مرهون ببقاء من عينهم، فهم يعزلون بعزله. يذكر ابن الفوطي في «تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب» أن أحمد بن نصر بن الحسين الأنباري (ت 598هـ/ 1201م) استنابه قاضي القضاة الشهرزوري في القضاء والحكم بحريم دار الخلافة وما يليه، إلا أن عزل قاضي القضاة المذكور سنة 590هـ/1193م وعزل نوابه فانعزل.
وكان قاضي القضاة أعلاهم مرتبة يوليه الخليفة، ويسجل أحكامه باسمه، ثم يليه مرتبة أقضى القضاة، وهذا المنصب ظهر في العصر السلجوقي (447 – 590هـ/ 1055 – 1193م) عندما يشغل منصب قاضي القضاة. وأكثر من تولوه رشحوا بعدئذ لمنصب قاضي القضاة. مع هذا فأقضى القضاء يسجل أحكامه بإسم قاضي القضاة، كبقية قضاة العراق، ويلي أقضى القضاة رتبة سائر القضاة. أما نواب القضاة، فكانوا يأتون في المرتبة الرابعة.
وكانت الدولة العباسية تقدر المكانة العلمية للقضاة، فهم مسؤولون عن تطبيق العدل بين الناس، لهذا أجزلت لهم الأرزاق لتوفر لهم حياة اجتماعية تليق بمكانتهم ومسؤولياتهم، وفي شكل عام تزايدت رواتبهم باستمرار، ومع الرواتب كانت لهم بعض الجوائز. فأبو جعفر المنصور أجاز القاضي محمد بن عمران بعشرين ألف دينار. وكان رزق حفص بن غياث في الكوفة 300 درهماً، فشكا للرشيد تخلف أرزاقه فبعث اليه 50.000 درهم. وكان رزق قاضي واسط (أبو شيبة) في الشهر 150 درهماً وثلاثون منها لكتابه وأعوانه، فزادها الخليفة المهدي (158 – 168هـ، 774 – 784م)، فصارت 300 درهم، ثم زيدت فبلغت 480 درهماً.
وفي عهد الخليفة المعتضد (179 – 189هـ/ 795 – 804م)، نجد أن رواتب اسحاق بن ابراهيم قاضي بغداد، وخليفته يوسف بن يعقوب وأولادهما وعشرة من الفقهاء خمسمئة دينار في الشهر.
وبعض القضاة تولوا الوظيفة دون أن يأخذوا رزقاً، والظاهر ان وضعهم المالي كان أكثر من جيد، فابن أم شيبان تقلد قضاء بغداد عام 363هـ (973م)، واشترط أن لا يرتزق عن الحكم، لكنه حدد رواتب موظفيه، فقرر لكاتبه في كل شهر 300 درهم، ولحاجبه 150 درهماً، وللفارض على بابه 100 درهم، ولخازن ديوان القضاء والأعوان 600 درهم.
وجرت العادة في العراق أن يلبس القضاة العمائم السود والطيالسة السود، وقد أشار الصابئ الى ذلك في حديثه عن ملابس أرباب المراتب في الدولة، فذكر ملابس قضاة العراق: الطيلسان والدنيات والعمائم السود المصقولة. (والطيلسان يشبه الجبة، والدنية قلنسوة طويلة، والقلنسوة تشبه العرقجين الحالي).
لبس قضاة العراق الطيلسان الأسود، وهو الزي الرسمي لهم، أدخله أبو يوسف (ت182هـ/ 798م) قاضي القضاة في الدولة العباسية، كما لبسوا الطيلسان بحنك، وهو زي أهل العلم. وكان العرف أن يخلع القاضي طيلسانه إذا نقل الى وظيفة غير القضاء. ولبس بعض القضاة مع الطيلسان الجبة في الشتاء، وقد خلع أبو جعفر المنصور على سوار القاضي (جبة وشي وطيلسان).
وذكروا من ملابس قضاة العراق الطرحة، وهي تلبس فوق العمامة، فقد خلع على أقضى القضاة البخاري طرحة كحلية، ورفع الطرحة عن القاضي من علامات عزله. كما يرفع القضاة طرحاتهم عندما تعلن الدولة الحداد، فلما توفي الناصر لدين الله عام 622هـ/ 1225م، رفع القضاة والمدرسون والمشايخ الطيالس والطرحات.
وكانت مجالس القضاة في العراق، تتسم بالبساطة، وتبتعد عن مظاهر الفخامة، فقاضي الشرقية علي بن ضبيان العبسي كان يجلس على بارية، وقد كتب له أحد أصدقائه: «بلغني أنك تجلس للحكم على بارية، وقد كان من قبلك من القضاة يجدون على الوطاء ويكتبون» فرد عليه: «إني لأستحي أن يجلس بين يدي رجلان حران مسلمان على بارية وأنا على وطاء، لست أجلس إلا على ما يجلس عليه الخصوم».
كذلك كان لأهل بيت الرسول، من آل أبي طالب، قضاء مستقل بهم يتولاه نقيبهم الذي يعينه الخليفة العباسي. ولدينا كتاب عهد بتقليد أبي أحمد الحسين بن موسى نقابة الطالبيين في العراق عام 354هـ، ويتضح من هذا الكتاب ان النقيب هو الذي يقضي ويحكم في النزاع بين سائر أفراد الشعب.
وتشير المصادر الى تولية النصارى واليهود الروحانيين مهمة القضاء في السنين الأخيرة من الدولة العباسية بعهد من الخليفة نفسه. فقد تركت لهم الحرية التامة في اللجوء الى القضاء العام، الذي يحتكم له الناس أو الى قضاتهم الخاصين بهم. ويقول المستشرق هل: «كان اليهود والنصارى في العراق يتمتعون بالحرية التامة في العبادة والحياة الخاصة بهم.
كما وجدت محكمة تشكل بأمر من الخليفة لمحاكمة بعض كبار المسؤولين في السلطة العليا للدولة، أو لمحاكمة بعض من اتهم بالانحراف أو المروق عن الدين في شكل يهدد أمن الدولة واستقرار المجتمع.
وكان القضاة في العصر العباسي يسمون «قضاة أمير المؤمنين»، الذي يوليهم ويعزلهم مباشرة وصارت الدولة تعين قضاة في جميع المدن تقريباً.
ولدينا قوائم بأسماء قضاة هذه المدن تدلل على صحة ما ذهبنا اليه، ذكرها وكيع في أخبار القضاة والخطيب في تاريخ بغداد، والقرشي في كتابه الجواهر الغضّية في طبقات الحنفية. نذكر منها: بغداد والموصل والبصرة وبابل والأنبار وتكريت وهيت وواسط واربيل.
وعند الربع الأخير من القرن الهجري الثالث، أخذ عمل بعض قضاة بغداد يمتد ليشمل عدداً من المدن العراقية، فيوسف بن اسماعيل ولي سنة 282هـ قضاء الجانب الشرقي من بغداد، بالإضافة الى واسط البصرة.
وهناك خليفة القاضي في الإدارة القضائية، أثناء غياب موقت للقاضي الأصيل، وتنتهي مسؤولية القاضي المستخلف برجوع القاضي الأصيل، فكان أبو يوسف القاضي يسافر مع الخليفة هارون الرشيد، فيستخلف ولده يوسف على قضاء مدينة المنصور، كما خرج يحيى بن أكثم مع المأمون خارج العراق، فاستخلف على الجانب الشرقي جعفر بن عيسى بن عبدالله. وإذا اقتضت الضرورة أن يستخلف القاضي الأصيل أصدر الخليفة أمره بتعيين خليفته، وأمر الخليفة هذا يكسب المستخلف صفة (القاضي) الموقت، يذكر عريب مثلاً في (صلة تاريخ الطبري): «أن عبدالله بن علي بن محمد ابن أبي الشوارب مرض، فأمر الخليفة المقتدر ابنه محمداً بتولي أمور الناس خليفة لأبيه حتى يظهر حاله، وما يكون من علته، فنظر كما ينظر أبوه، وأنفذ الأمر مثل تنفيذه فكان محمد هذا خليفة أبيه على قضاء عسكر المهدي والشرقية والنهروانات، وقصر ابن هبيرة والبصرة وكور دجلة وواسط والأحواز».
وفي العصور العباسية المتأخرة، صار لقضاة العراق أن يعينوا من ينوب عنهم في بعض المسؤوليات القضائية. وهؤلاء النواب ليسوا قضاة، ولا يحتاج الأمر الى أخذ موافقة الخليفة على تعيينهم، فالقاضي الأصيل هو الذي يحدد صلاحياتهم بنفسه. وبقاؤهم في مسؤولياتهم مرهون ببقاء من عينهم، فهم يعزلون بعزله. يذكر ابن الفوطي في «تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب» أن أحمد بن نصر بن الحسين الأنباري (ت 598هـ/ 1201م) استنابه قاضي القضاة الشهرزوري في القضاء والحكم بحريم دار الخلافة وما يليه، إلا أن عزل قاضي القضاة المذكور سنة 590هـ/1193م وعزل نوابه فانعزل.
وكان قاضي القضاة أعلاهم مرتبة يوليه الخليفة، ويسجل أحكامه باسمه، ثم يليه مرتبة أقضى القضاة، وهذا المنصب ظهر في العصر السلجوقي (447 – 590هـ/ 1055 – 1193م) عندما يشغل منصب قاضي القضاة. وأكثر من تولوه رشحوا بعدئذ لمنصب قاضي القضاة. مع هذا فأقضى القضاء يسجل أحكامه بإسم قاضي القضاة، كبقية قضاة العراق، ويلي أقضى القضاة رتبة سائر القضاة. أما نواب القضاة، فكانوا يأتون في المرتبة الرابعة.
وكانت الدولة العباسية تقدر المكانة العلمية للقضاة، فهم مسؤولون عن تطبيق العدل بين الناس، لهذا أجزلت لهم الأرزاق لتوفر لهم حياة اجتماعية تليق بمكانتهم ومسؤولياتهم، وفي شكل عام تزايدت رواتبهم باستمرار، ومع الرواتب كانت لهم بعض الجوائز. فأبو جعفر المنصور أجاز القاضي محمد بن عمران بعشرين ألف دينار. وكان رزق حفص بن غياث في الكوفة 300 درهماً، فشكا للرشيد تخلف أرزاقه فبعث اليه 50.000 درهم. وكان رزق قاضي واسط (أبو شيبة) في الشهر 150 درهماً وثلاثون منها لكتابه وأعوانه، فزادها الخليفة المهدي (158 – 168هـ، 774 – 784م)، فصارت 300 درهم، ثم زيدت فبلغت 480 درهماً.
وفي عهد الخليفة المعتضد (179 – 189هـ/ 795 – 804م)، نجد أن رواتب اسحاق بن ابراهيم قاضي بغداد، وخليفته يوسف بن يعقوب وأولادهما وعشرة من الفقهاء خمسمئة دينار في الشهر.
وبعض القضاة تولوا الوظيفة دون أن يأخذوا رزقاً، والظاهر ان وضعهم المالي كان أكثر من جيد، فابن أم شيبان تقلد قضاء بغداد عام 363هـ (973م)، واشترط أن لا يرتزق عن الحكم، لكنه حدد رواتب موظفيه، فقرر لكاتبه في كل شهر 300 درهم، ولحاجبه 150 درهماً، وللفارض على بابه 100 درهم، ولخازن ديوان القضاء والأعوان 600 درهم.
وجرت العادة في العراق أن يلبس القضاة العمائم السود والطيالسة السود، وقد أشار الصابئ الى ذلك في حديثه عن ملابس أرباب المراتب في الدولة، فذكر ملابس قضاة العراق: الطيلسان والدنيات والعمائم السود المصقولة. (والطيلسان يشبه الجبة، والدنية قلنسوة طويلة، والقلنسوة تشبه العرقجين الحالي).
لبس قضاة العراق الطيلسان الأسود، وهو الزي الرسمي لهم، أدخله أبو يوسف (ت182هـ/ 798م) قاضي القضاة في الدولة العباسية، كما لبسوا الطيلسان بحنك، وهو زي أهل العلم. وكان العرف أن يخلع القاضي طيلسانه إذا نقل الى وظيفة غير القضاء. ولبس بعض القضاة مع الطيلسان الجبة في الشتاء، وقد خلع أبو جعفر المنصور على سوار القاضي (جبة وشي وطيلسان).
وذكروا من ملابس قضاة العراق الطرحة، وهي تلبس فوق العمامة، فقد خلع على أقضى القضاة البخاري طرحة كحلية، ورفع الطرحة عن القاضي من علامات عزله. كما يرفع القضاة طرحاتهم عندما تعلن الدولة الحداد، فلما توفي الناصر لدين الله عام 622هـ/ 1225م، رفع القضاة والمدرسون والمشايخ الطيالس والطرحات.
وكانت مجالس القضاة في العراق، تتسم بالبساطة، وتبتعد عن مظاهر الفخامة، فقاضي الشرقية علي بن ضبيان العبسي كان يجلس على بارية، وقد كتب له أحد أصدقائه: «بلغني أنك تجلس للحكم على بارية، وقد كان من قبلك من القضاة يجدون على الوطاء ويكتبون» فرد عليه: «إني لأستحي أن يجلس بين يدي رجلان حران مسلمان على بارية وأنا على وطاء، لست أجلس إلا على ما يجلس عليه الخصوم».