المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقنين الأحكام الشرعية بين المانعين والمجيزين ! شارك



ابوعبدالعزيز
29-10-2008, 05:36 PM
تقنين الأحكام الشرعية بين المانعين والمجيزين

لعبد الرحمن بن أحمد الجرعي

هذا بحث عن تقنين أحكام الشريعة الإسلامية، حاولت فيه استيفاء أهم الجوانب المتعلقة بقضية التقنين باعتبارها من قضايا الساعة التي تطرح ولا بد من توضيح الأمر فيها وعرض وجهات نظر المانعين والمجيزين، وحرصت في هذا البحث على جمع المتشابه من الأدلة، وصياغة بعضها بأسلوب سهل.. أسأل الله التوفيق والسداد إنه على كل شيء قدير.
التقنين لغة واصطلاحا
تاريخ التقنين
حكم إلزام القاضي بمذهب معين
المانعون للتقنين وأدلتهم
المجيزون للتقنين وأدلتهم
الرأي المختار
الخاتمة
وقبل الدخول في فصول هذا البحث أود أن أؤكد على النقاط الآتية:
أن مسألة التقنين من القضايا الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف، فلا إنكار على أي من الفريقين المختلفين طبقا لما قرره علماؤنا من أن المسائل الاجتهادية إجمالا لا إنكار فيها على أحد من المختلفين.
أن مسألة التقنين ليست وليدة الساعة وليس بحثها وتوضيح القول فيها بدعا من القول، فقد أشار بها الخليفة العباسي المنصور على الإمام مالك، وقد جرى تطبيق التقنين عمليا عبر مجلة الأحكام العدلية في أواخر عهد الدولة العثمانية.
وقد عُرضت هذه المسألة على هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية عام 1393هـ لبحثها وإعطاء الرأي فيها، وخرجت اللجنة بقرار أغلبي خالف فيه جمع من العلماء، ورأوا جواز التقنين.[1]
أن ما استجد في هذا الوقت من توسع المحاكم وزيادة عدد القضاة، بالإضافة إلى كثرة الحوادث وتشعّبها، وضعف الملكة العلمية عند كثير من طلاب العلم في الكليات الشرعية التي تخرج القضاة، بالإضافة إلى انفتاح مجتمعنا على بقية المجتمعات العالمية خاصة مع قرب انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، ومع مطالبة الآخرين لنا بنظام قضائي واضح ومحدد كما أن أنظمتهم واضحة ومحددة بشكل كبير.. كل ذلك يتطلب منا -في نظري- إعادة النظر في حكم التقنين. والله أعلم.
التقنين.. لغة واصطلاحا
أولا: التقنين لغة: مصدر "قنن" بمعنى "وضع القوانين" وهي كلمة مولدة (أي غير عربية الأصل)، والقانون "مقياس كل شيء، وطريقة".[2]
ثانيا: التقنين اصطلاحا ، هو: صياغة الأحكام في صورة مواد قانونية مرتبة مرقمة، على غرار القوانين الحديثة من مدنية وجنائية وإدارية... الخ. وذلك لتكون مرجعا سهلا محددا، يمكن بيسر أن يتقيد به القضاة، ويرجع إليه المحامون، ويتعامل على أساسه المواطنون.[3]
وعرفه الدكتور وهبة الزحيلي بأنه: "صياغة أحكام المعاملات وغيرها من عقود ونظريات ممهدة لها جامعة لإطارها في صورة مواد قانونية يسهل الرجوع إليها".[4]
وعرفه بعض الباحثين بأنه: صياغة الأحكام الفقهية ذات الموضوع الواحد التي لم يترك تطبيقها لاختيار الناس، في عبارات آمرة يميز بينها بأرقام متسلسلة ومرتبة ترتيبا منطقيا بعيدا عن التكرار والتضارب.
وهذا التعريف احتوى على العناصر التالية للتقنين:
الصياغة: وهي ميزة التقنين عن الفقه المدون.
الترتيب والترقيم: وهي ميزة أخرى تجعل الرجوع للأحكام سهلا.
قوله: الآمرة: للتمييز بين مجرد بيان الأحكام، والإلزام بها، وهو من طبيعة القوانين.
(قوله: لم يترك تطبيقها لاختيار الناس) أي ليس لهم أن يمتنعوا عن تطبيقها فإن امتنعوا فإنها غير متروكة لهم بل تدخل في جوانب أخرى في ذلك كالعقوبات.
ذات الموضوع الواحد: لأن القوانين عادة تفصل بين كل موضوع وآخر، ولا يمنع ذلك أن يكون مجموع هذه المواضيع يمثل تقنين الفقه الإسلامي.[5]
ومن هنا يتبين أن صياغة المسائل الفقهية في مواد كالمواد القانونية أي تدوين الأحكام لا يسمى تقنينا على الصحيح، ولا يعدو هذا النوع من التأليف أن يكون مؤلفا من المؤلفات ومرجعا من المراجع.[6]
تاريخ التقنين
يرى بعض الباحثين أن مبدأ فكرة جمع الناس على رأي واحد في القضاء -وهو خلاصة (فكرة التقنين)- قد جاء من قبل عبد الله بن المقفع[7] -المتكلم في عدالته- الأديب المشهور في رسالته الموجهة إلى أمير المؤمنين في عصره[8]. وعلى فرض ثبوت ذلك فلا يظهر لي أن ذلك مطعن ترد به الفكرة، فالحكمة ضالة المؤمن، وإذا ثبتت صلاحية الرأي قُبل، وإن جاء به الكافر أو الفاجر كما قال معاذ بن جبل رضي لله عنه: "إن المنافق قد يقول كلمة الحق، فاقبلوا الحق، فإن على الحق نورا".[9]
كما أن فكرة إلزام الناس بالتقاضي على رأي واحد قد رويت في لقاء الإمام مالك بن أنس وأبي جعفر المنصور، والمهدي، وهارون الرشيد، وقد أراد المنصور أن يلزم الناس بكتاب الموطأ -وهو للإمام مالك- وبألا يتعدوه إلى غيره فأبى الإمام مالك ذلك.[10]
وقد ظهرت محاولات عديدة لتقنين الفقه الإسلامي في القرنين الماضيين، منها (الفتاوى الهندية) لجماعة من علماء الهند، لتقنين العبادات والعقوبات والمعاملات، ومجلة (الأحكام العدلية) التي تضمنت جملة من أحكام: البيوع، والدعاوى، والقضاء وصدرت هذه المجلة عام 1869م، واحتوت على 1851 مادة استمد أغلبها من الفقه الحنفي، وقد ظلت هذه المجلة مطبقة في أكثر البلاد العربية إلى أوساط القرن العشرين.[11]
وكان من البواعث على تأليف مجلة الأحكام العدلية ما يلي:
اتساع المعاملات التجارية وازدياد الاتصالات بالعالم الخارجي.
وجود قضاة في المحاكم النظامية ومجالس تمييز الحقوق لا اطلاع لهم على علم الفقه وأحكامه، فكان تقنين الأحكام ليسهل عليهم الاطلاع عليها.[12
وقد عُني الفقهاء والباحثون بالمجلة وشرحوها، كما كان الفقهاء القدامى يشرحون المتون الشرعية، متبعين في شروحهم ترتيب المجلة لا الترتيب الفقهي.
ومن مروعات القوانين المستمدة من الشريعة والتي قام عليها أفراد، وإن لم يصدر بتطبيقها قرارات رسمية ما يلي:
مشروعات القوانين التي وضعها محمد قدري باشا حيث وضع ثلاثة مشاريع قوانين هي:
أ - مرشد الحيران إلى معرفة حقوق الإنسان في المعاملات الشرعية على مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان، وتضمن 1045 مادة.
ب- الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية على مذهب أبي حنيفة النعمان، وشرحه محمد زيد الأبياني في ثلاثة مجلدات.
جـ- قانون العدل والإنصاف للقضاء على مشكلات الأوقاف ويتكون من 646 مادة، وطبعته وزارة المعارف المصرية في المطبعة الأهلية سنة 1893م وتوجد منه نسخة في مكتبة الرشيد نعمان تحمل الرقم المتسلسل 11330.[13]
مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لأحمد بن عبد الله القاري المتوفى سنة 1309هـ[14] رئيس المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة سابقا، وقد اقتصر فيها على المذهب الحنبلي من خلال كتبه المعتمدة، واحتوت المجلة على 2382 مادة وقد نسج القاري كتابه هذا على منوال مجلة الأحكام العدلية.[15]
"ملخص الأحكام الشرعية على المعتمد من مذهب مالك" لمحمد محمد عامر، وقد وضعه على صورة مواد قانونية.[16]
وهناك مشروعات قوانين استمدت من الفقه الإسلامي وقامت عليها جهات رسمية.[17] ومنها ما قام به مجمع البحوث الإسلامية في مصر حيث أصدر مشروعا متكاملا لتقنين المعاملات على المذاهب الأربعة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، في ستة عشر جزءا صغيرا، قرنت فيـه كل مادة بتذييل توضيحي يبين المـراد منها، ولكل مذهـب أربـعة أجزاء[18].
إلزام القاضي بمذهب معين لا يقضي إلا به
التقنين في حقيقته إلزام القاضي بالقضاء بأحكام معينة لا يتجاوزها مهما خالفها اجتهاده لو كان مجتهدا.
وقد تكلم الفقهاء الأقدمون رحمهم الله عن حكم مسألة هي أصل لمسألة التقنين، وهي حكم إلزام القاضي بمذهب معين لا يقضي إلا به، ولهم قولان في ذلك كما يلي:
القول الأول: لا يجوز إلزام القاضي بالحكم بمذهب معين، واشتراطه على القاضي باطل غير ملزم. وهو قول عند المالكية[19]، والراجح عند الشافعية[20] وبه قال الحنابلة[21]، وقال ابن قدامة "لا أعلم فيه خلافا".[22]
الأدلة:
قول الله تعالى: "فاحكم بين الناس بالحق" [سورة ص: 26] والحق لا يتعين في مذهب وقد يظهر له الحق في غير ذلك المذهب[23] وإذا ظهر له الحق وجب عليه العمل به.
الإجماع على عدم إلزام الناس بقول واحد وحملهم عليه: حيث صرح به غير واحد من السلف ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع كما في مجموع الفتاوى 35/ 357، 360، 365، 372، 373، والمجلد 27/ 296- 298 والمجلد 30/ 079[24].
أنه ليس لمن ولي أمرا من أمور المسلمين منع الناس من التعامل بما يسوغ فيه الاجتهاد،[25] ولهذا لما استشار الرشيد مالكا أن يحمل الناس على موطئه في مثل هذه المسائل منعه.
القول الثاني: يجوز الإلزام بالحكم بمذهب معين ويصح اشتراط الحاكم على القاضي أن يقضي به. وإلى هذا القول ذهب الحنفية[26] وهو قول عند المالكية[27] وبه قال السبكي وغيره من الشافعية.[28]
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
أن إلزام القاضي بمذهب معين لا يتجاوزه فيه مصلحة، فإذا رأى الحاكم وجود هذه المصلحة جاز له الإلزام. ويمكن أن يجاب عن هذا بأنه استدلال بمحل النزاع فإن المانعين من التقنين لا مصلحة عندهم في هذا الأمر.[29]
أن القاضي مفوض إليه القضاء على مذهب معين فليس له أن يتجاوزه إلى غيره حتى إن خالفه اجتهاده لأن التولية لم تشمله.[30] فكأن القاضي هنا بمثابة الوكيل أو النائب عن الحاكم.
أما الترجيح في هذه المسألة فسوف أتركه حتى الانتهاء من أدلة المانعين والمجيزين للتقنين، حتى تتضح الأدلة كاملة، إذ إن مسألة التقنين فرع عن هذه المسألة كما ذُكر آنفا. والله أعلم
المانعون للتقنين وأدلتهم
قال بالمنع طائفة من المعاصرين، ومنهم الشيخ: محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ بكر أبو زيد، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام.
ونقل الشيخ بكر أبو زيد عن الشيخ الشنقيطي رحمه الله كلاما طويلا في مخاطر التقنين، وأما الشيخ بكر فله بحث منشور ضمن كتابه فقه النوازل وعنوان بحثه (التقنين والإلزام).
والشيخ البسام رحمه الله له رسالة بعنوان (تقنين الشريعة أضراره ومفاسده).[31]
وممن قال بالمنع كذلك: هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية حيث تناولت موضوع التقنين تحت عنوان (تدوين الراجح من أقوال الفقهاء)، وقسمته إلى جزأين، الأول حول التدوين والثاني حول اللزوم[32]. وصدر قرارها بالأغلبية بالمنع من التقنين.
أهم أدلة القائلين بمنع التقنين
الآيات التي توجب الحكم بما أنزل الله، ومنها قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) [النساء: 105] وقوله تعالى: "فاحكم بين الناس بالحق" [ص: 26]، فهاتان الآيتان تأمران بالحكم بما أنزل الله وهو الحق، والحق لا يتعين بالراجح من أقوال الفقهاء، لأنه راجح في نظر واضعيه دون سواهم فلا يصح الإلزام به ولا اشتراطه على القضاة عند توليتهم ولا بعدها[33].
ومن الآيات كذلك قوله تعالى: "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله" [الشورى: 10] وقوله تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" [النساء: 59] ووجه الاستدلال بهاتين الآيتين: أن الواجب هو الرجوع إلى حكم الله ورسوله، ولا يتعين حكم الله ورسوله في مذهب معين أو رأي معين ولا في قول مرجح، والحكم بالرأي الراجح حكم بغير ما يعتقد القاضي أنه حكم الله ورسوله فهو حرام ويلزم منه منع الإلزام بالتقنين.[34]
ويمكن أن يجاب عن الاستدلال بالآيات السابقة أنها عامة، وليست في موضوع الإلزام، ويصعب القول بأن ما يختاره العلماء من الأقوال الراجحة هو خلاف الحق، أو أننا إذا رجعنا إلى قولهم فإننا نرجع إلى غير كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-. فمن أين أخذ هؤلاء إذن؟
قوله صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار "[35]
ووجه الاستدلال به أن الحكم المانع من الإثم هو الذي يرى القاضي أنه الحق، والرأي الراجح المدون ليس بالضرورة أن يكون هو رأي الحق في نظر القاضي فإن قضى بخلاف ما عرف أنه الحق أثم ويلزم منه منع الإلزام بالتقنين.[36]
ويجاب عن هذا الاستدلال بما أجيب به عن الاستدلال السابق.
الإجماع على عدم إلزام الناس بقول واحـد وحـملهم عليه. كما نُقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية[37] وغيره.
ويجاب عنه بأن هذا الإجماع غير مسلّم، لأنه قد وجد من العلماء من قال بخلافه[38]، ثم إن القول بالمنع من الإلزام بقول واحد قول صحيح لو كان جميع القضاة من المجتهدين، أما وقد علمنا أن العدد المطلوب تعيينه من القضاة للفصل في خصومات الناس يلزم بتعيين من لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد -وهم كثير- فيصبح تعينهم جائزا للضرورة أو الحاجة، وبالتالي فإن إلزامهم بقول واحد في هذه الحالة أمر سائغ.[39]
أن تدوين القول الراجح والإلزام به مخالف لما جرى عليه العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن بعدهم من السلف الصالح، وعُرضت هذه الفكرة من قبل أبي جعفر المنصور على الإمام مالك فردها وبين فسادها ولا خير في شيء اُعتبر في عهد السلف من المحدثات.[40]
ويمكن أن يجاب عن هذا بأن عدم وجود هذه الفكرة عند السلف لا يعني منعها، فلعل دواعيها لم توجد، ورأي الإمام مالك رحمه الله قد خالفه فيه غيره، حتى وإن لم يخالفه غيره فليس قوله بمجرده حجه.
أن الصياغة للأحكام الفقهية بأسلوب معين سواء أكان من قبل أفراد أو لجان ستتأثر ببشريتهم، ونسبتها إلى حكم الله ليست دقيقة، بينما صياغة نصوص الشرع ربانية معجزة ويمكن نسبتها إلى الله فيقال أحكام الله تعالى.[41]
ويجاب عن هذا بأن التقنين مثله مثل الفقه فهو لا يخرج عن صياغة فقهيه لا أكثر، وما بقي من ترتيب ووضع أرقام متسلسلة ما هو إلا أمر شكلي يُسهّل الرجوع للأحكام ولا يؤثر في مضمونها.[42]
التقنين لا يرفع الخلاف في الآراء، وهو من أهم مبررات التقنين، وهذا ما أثبتته تجربة الدول التي دونت الأحكام المعمول بها، حيث يختلف القضاة في تفسير النصوص.[43]
ويجاب عنه: بالتسليم بما ذكروه، لكن التقنين يحد من الاختلاف وإن لم يرفعه، وهذا هو المطلوب.[44]
أثر التقنين على حركة الفقه عامة، وعلى القضاة خاصة، حيث يؤدي إلى تعطيل الثروة الفقهية، لأن عمل القضاة سيرتبط بهذه القوانين شرحا وتفسيرا مما يعطل التعامل مع كتب الفقه، ويحجر على القضاة، ويوقف حركة الاجتهاد، والنشاط الفكري، لتلبية مطالب الحياة المتغيرة، ومواجهة الأنظمة والأعراف والمعاملات المتجددة.[45]
وأُجيب عن هذا بأن التقنين ليس فيه حجر كبير على القضاة؛ لأن تدوين الفقه لا يمنع الاجتهاد، والحياة تولد من المستجدات مما يعطي القاضي المجتهد مجالا واسعا في تبني أحكام جديدة لها، ويكفيه أن يجتهد في ملابسات القضية المعروضة عليه، ويعينه على الاجتهاد في القضايا الأخرى اللجان المختصة لوضع القوانين، كما أن للأحكام المقننة مذكرات إيضاحية وشروحا ولا يستغني واضعو هذه المذكرات والشروح عن كتب الفقه.[46]
ويظهر لي والله أعلم أن التقنين فيه كثير من التضييق على القضاة المجتهدين، وتأطير لهم ليكون عملهم ضمن مواد التقنين، لكن إنزال هذه المواد على القضايا المعروضة عليه فيه نوع اجتهاد، مع ملاحظة قلة المجتهدين في قضاة اليوم. والله المستعان.
لكن يلاحظ هنا أن التقنين ليس شاملا للجهات العلمية المختلفة وإنما هو خاص بالقضاة فيما يحكمون به، مع أن القاضي إذا كان لديه الأهلية في البحث والاستقصاء والاجتهاد، فإن الجهة المختصة به إداريّا ستعير اجتهاده ما يستحقه.[47]
أن كلمة (تقنين) يُخشى منها أن تكون طريقا لإحلال القوانين الوضعية مكان الشريعة الإسلامية فيكون التشابه في الاسم أولا، ثم المضمون ثانيا، عياذا بالله. فمنع هذه التسمية واجب من باب الحذر.[48]
ويجاب بأن هذه التسمية (التقنين) ونحوها إنما هي مواصفات واصطلاحات المراد منها مفهوم ومعلوم للجميع، ولا مشاحة في الاصطلاح، والتخوف من المصطلح لإشكاليته أو مشاكلته يمكن أن يحل بإيجاد مصطلح مناسب.
وما يذكر من أن التقنين خطوة إلى إلغاء الشريعة الإسلامية والاستدلال بعمل بعض الدول التي دونت الراجح من أقوال المذهب الذي تنتسب إليه في مواد، ثم ألزمت بالعمل به في محاكمها ثم ألغت الشريعة مطلقا. فهذا مردود بأن تلك الدولة لم يقتصر تنكرها للدين على السلك القضائي في المحاكم، وإنما نفضت يدها من الدين مطلقا، وانتقلت إلى دولة علمانية، وكثير من الدول الإسلامية لم يكن القضاء عندها مقننا، بل كانت تحكم بالراجح من مذهب إمام من أئمة المسلمين فكان منها -عياذا بالله- أن ألغت العمل بالشريعة الإسلامية وأخذت بقوانين أوربا، فليس التدوين (التقنين) وسيلة إلى تحقق ما بدت المخاوف منه.[49]
أن الأحكام الشرعية المقننة إذا ما عدّلت -وهذا من طبيعة كل عمل بشري- أدى ذلك إلى زعزعة الثقة في أحكام الشريعة الإسلامية، وكثرة التعديلات التي تجري على القوانين تبعدها عن أصلها الشرعي كما هو مشاهد في قوانين الأحوال الشخصية.[50]
وأجيب عن هذا بأن القاضي غير ملزم بالبقاء على اجتهاده الأول إذا صح لديه الدليل باجتهاده الجديد، ومنعه -في هذه الحالة- يؤدي إلى المنع من الأخذ بالدليل، ولا يقول به أحد والتقنين مثله، كما أن القول بعدم تعديل القوانين إذا ظهرت المصلحة في تعديلها يناقض بناء الإسلام على رعاية مصالح الناس وصلاحيته للتطبيق في كل زمان ومكان.[51]
المجيزون للتقنين وأدلتهم
أجاز التقنين جمهور الفقهاء المعاصرين، ومنهم بعض أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، كما تبين ذلك في وجهة نظر المتحفظين على قرار الهيئة بمنع التقنين من أقوال الفقهاء، وهم: الشيخ صالح بن غصون، والشيخ عبد المجيد بن حسن، والشيخ عبد الله خياط، والشيخ عبد الله بن منيع والشيخ محمد بن جبير، والشيخ راشد بن خنين[52].
وممن يرى الجواز كذلك من أعضاء هيئة كبار العلماء: الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد[53]، ومن المجيزين للتقنين كذلك الشيخ عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ[54]، والدكتور عبد الرحمن القاسم حيث كتب فيه بحثا واسعا خلص فيه إلى جواز التقنين وضرورته.[55]
ومن مشاهير المعاصرين الذين رأوا جواز التقنين: الشيخ محمد عبده[56] والشيخ محمد رشيد رضا[57] والشيخ أحمد شاكر[58] والشيخ محمد أبو زهرة[59] والشيخ مصطفى الزرقا[60] والشيخ علي الطنطاوي[61] والدكتور وهبة الزحيلي[62] والدكتور يوسف القرضاوي[63] والشيخ محمد بن الحسن الحجوي صاحب كتاب الفكر السامي.[64]
الأدلة:
استدل القائلون بجواز التقنين بأدلة أهمها ما يلي:
أن فكرة التقنين كانت موضع بحث وإثارة منذ أكثر من عشرة قرون، ومن آخرها ما فكر فيه الملك عبد العزيز رحمه الله من وضع مجلة للأحكام الشرعية يعهد فيها إلى لجنة من خيار علماء المسلمين الاختصاصين باستنباط الأحكام الشرعية من كتب المذاهب الأربعة المعتبرة على غرار مجلة الأحكام العدلية، إلا أنها تختلف عنها في عدم التقيد في الاستنباط بمذهب دون آخر، بل تأخذ بما تراه في صالح الإسلام والمسلمين بحسب قوة الدليل.[65]
أن فكرة التقنين كانت موضع التنفيذ في صورة الإلزام بالحكم بمذهب إمام بعينه في أماكن كثيرة من البلاد الإسلامية ولا يزال العمل بهذا جاريا في بعض البلاد.[66]
ومن ذلك ما صدر به قرار الهيئة القضائية رقم (3) في 17/ 1/ 1347هـ المقترن بالتصديق العالي بتاريخ 24/ 3/ 1347هـ بما يأتي:
أ - أن يكون مجرى القضاء في جميع المحاكم منطبقا على المفتى به من مذهب الإمام أحمد بن حنبل نظرا لسهولة مراجعة كتبه والتزام المؤلفين على مذهبه ذكر الأدلة إثر مسائله.
ب- إذا صار جريان المحاكم الشرعية على التطبيق على المفتى به من المذهب المذكور ووجد القضاة في تطبيقه على مسألة من مسائله مشقة ومخالفة لمصلحة العموم يجري النظر والبحث فيها من باقي المذاهب بما تقتضيه المصلحة ويقرر السير فيها على ذلك المذهب مراعاة لما ذكر.
جـ- يكون اعتماد المحاكم في سيرها على مذهب الإمام أحمد على الكتب الآتية:
شرح المنتهى.
شرح الإقناع.
فما اتفقا عليه أو انفرد به أحدهما فهو المتبع، وما اختلفا فيه فالعمل على ما في المنتهى، وإذا لم يوجد بالمحكمة الشرحان المذكوران يكون الحكم بما في شرحي الزاد أو الدليل إلى أن يحصل بها الشرحان وإذا لم يجد القاضي نص القضية في الشروح طلب نصها في كتب المذهب المذكور التي هي أبسط منها وقضى بالراجح[67].
ويمكن أن يلاحظ -من النص السابق لقرار الهيئة- ما يلي:
أ - أن الأصل هو الإلزام بالقضاء على وفق المذهب الحنبلي.
ب- أنه لا يصار إلى خلاف المذهب إلا عند وجود المشقة ومخالفة لمصلحة العموم.
جـ- أن مراجعة كتب الفقه الحنبلي سهلة، وهذا صحيح، لكن هذه الخصلة ليست خاصة بالمذهب الحنبلي بل إن الصياغة القانونية للمواد تجعل مراجعة الأحكام أسهل من بقية كتب المذاهب الفقهية، وكذلك فإن ذكر الأدلة عقب المسائل ليس خاصا بالمذهب الحنبلي.[68]
الأدلة الدالة على طاعة ولي الأمر[69] ومنها قوله تعالى: "يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" [النساء: 59 ].
قال الشيخ محمد رشيد رضا: "وفوض القرآن فيما يحتاج إليه من أمور الدنيا السياسية والقضائية والإدارية إلى أهل الرأي والمعرفة بالمصالح من الأمة بقوله: "وأمرهم شورى بينهم" وقوله: "ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" [النساء: 83] ولهذا أمر بطاعة هؤلاء الذين سماهم أولي الأمر وهم أهل الشورى في الآية الأخرى فقال: "يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، فهذا ما جاء به الإسلام، وهو هداية تامة كاملة لا تعمل بها أمة إلا وتكون مستقلة في أمورها، مرتقية في سياستها وأحكامها، يسير بها أهل الرأي والمعرفة في كل زمان ومكان بحسب المصلحة التي يقتضيها الزمان والمكان، ومن ذلك أن يضعوا القوانين وينشروها في الأمة، ويلزم القضاة والحكّام باتباعها والحكم بها ".[70]
ويستدل المجيزون للتقنين كذلك بالأحاديث الواردة لطاعة ولي الأمر لقوله صلى الله عليه وسلم (السمع والطاعة على المرء فيما أحب أو كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة).[71] فإذا أمر الإمام بالتقنين جاز، لدخوله تحت طاعته.
ويجاب عن هذا الاستدلال عموما بأن طاعة ولي الأمر فيما لا معصية فيه مما لا ينازع فيه، لكن الشأن في النظر للتقنين هل هو سائغ ويحقق مصلحة للأمة كما يراه المجيزون، أو هو محرم وبالتالي فهو معصية ليس لولي الأمر أن يأمر بتنفيذها، كما يراه المانعون للتقنين.
أن القضاة هم بمثابة الوكلاء عن الإمام وهم نواب له، لأنهم صاروا قضاة بإذنه، والوكيل مقيد بشروط موكله فلا يخرج عن حدودها، فإذا ألزمه بالقضاء على مذهب معين، أو بالتقنين، وجب عليه التقيد بذلك.[72]
أن الإجماع يكاد يكون منعقدا على أن من توفرت فيه شروط الاجتهاد من القضاة لا يجوز إلزامه بالحكم بمذهب معين أما إذا كان القاضي مقلدا -كما هو حال أكثر قضاة اليوم - فأقوال الفقهاء صريحة بأن إلزام هؤلاء بالحكم بمذهب معين أمر سائغ، ومن لا يرى هذا الإلزام من الفقهاء إنما يمنعونه لأنهم لا يرون تولية القضاة غير المجتهدين، وهذا فيه من الحرج ما لا يعلمه إلا الله، فلم يبق إلا الإلزام بمذهب معين لهؤلاء القضاة غير المجتهدين.[73]
ويمكن أن يجاب عن هذا: بأن الاجتهاد يتجزأ كما قرره بعض المحققين من أهل العلم[74] وبالتالي فإذا كان لدى القاضي القدرة على الإحاطة بالباب أو المسألة بتصورها، وأقوالها وأدلتها، وكان لديه معرفة حسنة بأصول الفقه، فلا مانع من اجتهاده في هذه القضية. والله أعلم
حاجة المستجدات إلى حكم شرعي يتم بالنص عليها في التقنين، وتركها لاجتهاد القضاة ليس من الحكمة لكثرة مشاغلهم، وعدم تفرغهم للبحث والاستقصاء في كل مستجد، وخصوصا مع تطور الحياة، وكثرة المستجد فيها.
ومن الأمثلة على ذلك: المعاملات المصرفية ومسائل المقاولات، والمناقصات، وشروط الجزاء، ومشاكل الاستيراد والتصدير والتـأمين بمختلف جوانبه ونحو ذلك، مما لا قدرة لغالب القضاة على معرفة الحكم الذي يحكمون به في الخلاف حولها، مما كان سببا في إيجاد محاكم أخرى، لها جهة إدارية مستقلة عن الجهة الإدارية للمحاكم الشرعية، ومما كان سببا في اشتمال هذه المحاكم على قضاة قانونيين يشتركون مع القضاة الشرعيين، وذلك كمحاكم فض المنازعات التجارية.[75]
أن ترك القضاة يحكمون بما يصل إليه اجتهادهم يؤدي إلى فوضى واختلاف في الأحكام للقضية الواحدة.[76]
بل وقع هذا الاختلاف أحيانا بين محكمتي التمييز في الرياض ومكة المكرمة.[77] وربما أحدث ذلك بلبلة واضطرابا، وأهدر الثقة بالمحاكم الشرعية ففي التقنين توحيد للأحكام في الدولة ببيان الراجح الذي يحكم به.[78]
أن منع الجائز لدى بعض أهل العلم قد يترتب عليه حصول مفسدة، ويخشى أن في الإبقاء على الوضع القائم -وهو عدم التقنين- ما يدعو إلى ما لا تحمد عقباه، وفي التاريخ من ذلك عبر، فالمبادرة إلى وضع تدوين للأحكام الشرعية أمر مطلوب.
وأقدر البلاد على ذلك هي المملكة العربية السعودية، بحكم تطبيقها للشريعة الإسلامية، وانتشار الثقافة الشرعية الإسلامية بين أبنائها، حتى يكون عملها نموذجا يحتذى به.[79]
التقنين يمنع التعللات التي كانت تبريرا لإيجاد محاكم مستقلة عن الجهة الإدارية للقضاء كمحاكم فض المنازعات التجارية ونحوها، مما هو موجود أو في طريقه للوجود، ومما كان له أثره في تفتيت الوحدة القضائية، وتقلص اختصاص المحاكم الشرعية.[80]
أن التقنين لا يخلو من مفاسد، لكن المصالح العامة التي يحققها التقنين والتي تعود على الضروريات الخمس بالعناية والرعاية والحفظ -كما مر في أدلة هذا القول- كل ذلك يدعو إلى التغاضي عن هذه المآخذ تطبيقا للقاعدة القائلة: "إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما"[81][82]
الرأي المختار
بعد أن ذكرت القولين بمنع التقنين وجوازه، وذكرت الأدلة، يظهر لي والله أعلم اختيار القول الثاني، ومفاده: جواز التقنين وذلك لما يلي:
وجاهة أكثر الأدلة والتعليلات التي استدلوا بها.
الإجابة عن أكثر أدلة القائلين بمنع التقنين.
ما استجد في واقعنا المعاصر من ظروف تقتضي إعادة النظر في النظام القضائي، ليكون هذا النظام أكثر ضبطا، ووضوحا بالنسبة للقاضي أو المتقاضي، وكذلك فإن احتكاك بلدنا ببقية بلدان العالم، خاصة مع الانفتاح العالمي على غيرنا، مما يستدعي كتابة المواد التي يتقاضى إليها. خاصة أن غيرنا سيطالبنا بها إذا أردنا أن نقاضيه إلى شرعنا، فلا يمكن أن نحيله إلى مجموعة من كتب الفقه المذهبي أو المقارن.
فإن لم يوجد شيء مقنن ومرتب، فإما أن تفوت علينا مصالح لا نستغني عنها، وإما أن نتحاكم إلى قوانين ليس لها علاقة بالشريعة الإسلامية.
والتقنين وإن لم يسلم من المؤاخذات فإن الأخذ به في هذا الوقت من باب ارتكاب أدنى المفسدتين لدرء أعلاهما.
لكنني أرى أن التقنين يستلزم الانفتاح على المذاهب الفقهية المعتبرة وآراء المفتين من الصحابة والتابعين، وأخذ أفضل ما فيها في كل مسألة، بعد النظر والتمحيص في ضوء الأدلة وقواعد الاستنباط، إذ لا يوجد مذهب واحد يحتوي على الراجح في كل مسألة.
ولعل في هذا المسلك ما يدفع لزيادة الاهتمام بدراسة الفقه المقارن في الجامعات الإسلامية وفي كليات القانون، وإلى خدمة فقه المذاهب بمؤلفات جديدة تخرجه من التعقيد الوعر الذي يشاهد في كتب المذاهب، إلى التقعيد والتبسيط.[83]
وهذه بعض الاقتراحات بشأن تطبيق التقنين:
أرى المبادرة إلى تقنين الأحكام الشرعية للقضاء خاصة، وأقدر البلاد على ذلك هي المملكة العربية السعودية -كما قاله الدكتور وهبة الزحيلي- وذلك لأنها تطبق الشريعة الإسلامية، وهي أساس الحكم فيها. وأيضا لانتشار العلم الشرعي بين أبنائها.[84] وكذلك وجود الجامعات التي تحوي كليات الشريعة المتعددة بما فيها من علماء وأساتذة وباحثين.
وبذلك يكون عمل التقنين الذي تتولاه المملكة نموذجا يحتذي به في العالم الإسلامي.
أرى أن تشكل لجنة عليا في الدولة، مرتبطة بأعلى المسئولين، لصياغة مواد التقنين، وهذا يتطلب عددا وافرا من العلماء، وأساتذة الجامعات من الأقسام الشرعية والقانونية، وكذلك من الباحثين.
ينبغي الاستفادة من التجارب السابقة للتقنين حتى تلك التجارب التي لم يكتب لها أن ترى النور إلى التطبيق، فإن المعرفة تراكمية، مع ملاحظة تجنب السلبيات التي حفلت بها تلك التجارب.
عند كتابة مادة التقنين تبحث المسألة من قبل القائمين على كتابة المواد وتستعرض الأدلة وأقوال العلماء فيها، ويختار القول الراجح بناء على قواعد الترجيح المعروفة في علم أصول الفقه دون الالتزام بمذهب معين، وعند الاختلاف يؤخذ بالأغلبية كما هو الحال في قرارات هيئة كبار العلماء والمجامع الفقهية، ثم تصاغ المادة بناء على القول الراجح، ويشارك القانونيون، في هذه الصياغة، خوفا من الالتباس أو سوء التفسير، وتستخدم الألفاظ الشرعية قدر الإمكان.
يوضع لمواد التقنين مذكرات توضيحية، تفصل الحالات وتذكر الاحترازات، وتستدرك ما لم تتضمنه هذه المواد من التفصيل. على نفس الطريقة التي اتبعت في كتابة المواد.
يجب أن تخضع مواد التقنين للمراجعة بعد مرور وقت كافٍ، يؤخذ فيه رأي القضاة وأهل العلم الذين يقدمون مسوغات كافية لإعادة النظر في المواد التي قيدت، وكذلك المحامين والمهتمين بشأن القانون عموما.
والله أسأل التوفيق والسداد للجميع، إنه على كل شيء قدير.
الخاتمة
أهم النتائج التي توصل إليها البحث:
أن فكرة التقنين (تدوين الأحكام الشرعية والإلزام بها) فكرة قديمة، وجرى الخلاف فيها بين فقهاء المسلمين.
جمهور الفقهاء المعاصرين يرون جواز التقنين، وأبرز سلبياته في نظر الباحث: إلزام المجتهدين من القضاة بقول لا يعتقدونه، وإضعاف ملكة البحث والاجتهاد عند القضاة وقد أجيب في البحث عن هاتين السلبيتين.
ترجح للباحث القول بجواز التقنين رغم بعض سلبياته، تغليبا لمصالحه الراجحة.
تضمن البحث بعض الاقتراحات التي يرى الباحث الأخذ بها ليتحقق المقصد الشرعي من التقنين.
والله أسأل أن يأخذ بأيدينا إلى الصواب، فهو ولي ذلك وإليه المرجع والمآب.
هوامش ومصادر:
حمّدي: محمد بن محمد، المتون الفقهية وصلتها بتقنين الفقه، دار البلاد للطباعة والنشر – جدة.
الزحيلي: وهبة، جهود تقنين الفقه الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت.
المحاميد: شويش، مسيرة الفقه الإسلامي المعاصر، دار عمار، الأردن.
ابن حميد: صالح، الجامع في فقه النوازل، مكتبة العبيكان، الرياض.
ابن حجر: أحمد بن علي، لسان الميزان، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
ابن خلكان: أحمد بن محمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان، دار صادر- بيروت.
أبو زيد: بكر، فقه النوازل، مؤسسة الرسالة، بيروت.
البخاري: محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح مع شرح فتح الباري، المطبعة السلفية، مصر.
الأصفهاني: أبو نعيم (أحمد بن عبد الله)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، دار الفكر- بيروت.
السجستاني: أبو داود (سليمان بن الأشعث)، سنن أبي داود، بتعليق: عزت الدعاس وعادل السيد، دار الحديث بيروت.
القارئ: أحمد بن عبد الله، مجلة الأحكام الشرعية، دراسة وتحقيق د. عبد الوهاب أبو سليمان، والدكتور: محمد إبراهيم محمد علي، مطبوعات تهامة، جدة - الطبعة الأولى 1401 هـ، 1981م.
الحطاب: محمد بن محمد، مواهب الجليل، دار الفكر، بيروت.
الدردير: أحمد، والدسوقي: محمد بن عرفه، حاشية الدسوقي والشرح الكبير، مكتبة فيصل الحلبي، مصر.
الشيرازي: أبو إسحاق، المهذب، دار الفكر، بيروت.
الهيثمي: أحمد بن محمد مكرم، تحفة المحتاج، ومعه حاشية الشرواني على تحفة المحتاج، دار إحياء التراث العربي.
ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوى، طبع بإشراف الرئاسة العامة لشئون الحرمين بالمملكة العربية السعودية.
المرداوي: علي بن سليمان، الإنصاف، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
ابن قدامة: موفق الدين، المغني، بتحقيق د. عبد الله التركي ود. عبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة.
الهيثمي: أحمد بن محمد مكرم، الفتاوى الكبرى، دار صادر- بيروت
أبو البصل: عبد الناصر، الحكم القضائي في الشريعة والقانون، دار النفائس – الأردن
مجلة البحوث الإسلامية، مجلة تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، العدد 31، والعدد 33.
المجذوب: محمد، علماء ومفكرون عرفتهم، دار الاعتصام- القاهرة
مجلة أضواء الشريعة، كلية الشريعة، الرياض.العدد 4.
محمد رشيد رضا: الفتاوى، جمع د. صلاح الدين المنجد، ويوسف خوري، دار الكتاب الجديد-بيروت
الطنطاوي: علي، الفتاوى، جمعها مجاهد ديرانه، دار المنارة، جدة.
القرضاوي: يوسف، مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مكتبة وهبة - مصر.
الحجوي: محمد بن الحسن، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، دار التراث – القاهرة
السيوطي: جلال الدين، الأشباه والنظائر، مطبعة مصطفى الحلبي- مصر،
مصطفى: إبراهيم وزملاؤه، المعجم الوسيط، المكتبة الإسلامية- تركيا
الذهبي: شمس الدين، سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة.
سليم الباز، شرح المجلة، دار إحياء التراث العربي، بيروت
الحصكفي: الدر المختار مع حاشية الطحطاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر -بيروت.
ابن عابدين: محمد أمين، رد المحتار، دار الفكر-بيروت.
شاكر: أحمد محمد، الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين، المكتبة السلفية-القاهرة.
مكيّ: مجد، فتاوى مصطفى الزرقا، دار القلم – لبنان.
أمين: أحمد، ضحى الإسلام، دار الكتاب العربي – بيروت.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر: حمدي: محمد بن محمد، المتون الفقهية وصلتها بتقنين الفقه ص 475، دار البلاد للطباعة والنشر. وبحث تدوين الراجح من أقوال الفقهاء، منشور ضمن مجلة البحوث الإسلامية، العدد 33، ص 52
[2] مصطفى: إبراهيم وزملاؤه، المعجم الوسيط، مادة قنن، 2 / 769.
[3] انظر: القرضاوي: يوسف، مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ص 297، مكتبة وهبة- القاهرة
[4] الزحيلي، وهبة، جهود التقنين الفقه الإسلامي، ص 26، مؤسسة الرسالة -بيروت.
[5] المحاميد، شويش، مسيرة الفقه الإسلامي المعاصر، ص 437، دار عمار – عمان – الأردن.
[6] انظر: ابن حميد: صالح، الجامع في فقه النوازل، ص 101، مكتبة العبيكان، الرياض.
[7] انظر ترجمته في: ابن حجر، لسان الميزان 3 / 366، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
[8] أمين: أحمد، ضحى الإسلام، 1/209، 110، دار الكتاب العربي - بيروت. أبو زيد: بكر، فقه النوازل 1 / 17، مؤسسة الرسالة - بيروت
[9] الأصبهاني: أبو نعيم، حلية الأولياء، 1/232، دار الفكر-بيروت
[10] الذهبي: شمس الدين، سير أعلام النبلاء، 8/78، مؤسسة الرسالة.
[11] الزحيلي، وهبه، جهود تقنين الفقه الإسلامي ص 23. والمحاميد: مسيرة الفقه الإسلامي ص64.
[12] انظر: سليم الباز، شرح المجلة ص 10، دار إحياء التراث العربي، بيروت. المحاميد: مسيرة الفقه الإسلامي ص 464.
[13] المحاميد، مسيرة الفقه الإسلامي، ص 459، 460.
[14] دراسة وتحقيق د. عبد الوهاب أبو سليمان، والدكتور: محمد إبراهيم محمد علي، مطبوعات تهامة، الطبعة الأولى 1401 هـ، 1981 م .
[15] انظر: القارئ: أحمد بن عبد الله مجلة، الأحكام الشرعية، مقدمة التحقيق، ص 30، 31.
[16] مسيرة الفقه الإسلامي، ص 460.
[17] انظر في تفصيلها: المرجع السابق ص 454 وما بعدها.
[18] انظر: الزحيلي، جهود تقنين الفقه الإسلامي، ص 32.
[19] انظر: الحطاب: مواهب الجليل 6 / 93، 98. دار الفكر ـ بيروت. والدسوقي: الحاشية على الشرح الكبير 4 / 130.دار إحياء الكتب العلمية بمصر
[20] انظر الشيرازي، المهذب 2 / 291. مطبعة عيسى الحلبي ـ مصر، والهيثمي تحفة المحتاج10/116، دار إحياء التراث العربي-بيروت.
[21] انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى، جمع: عبد الرحم بن قاسم وابنه محمد، 30 / 79، 80، توزيع الرئاسة العامة لشؤون الحرمين بالمملكة العربية السعودية، والمرداوي: الإنصاف 11 / 169، دار إحياء التراث العربي- بيروت.
[22] ابن قدامة: المغني 14/91، تحقيق: د.عبد الله التركي ود. عبد الفتاح الحلو، دار هجر-القاهرة. وفي المسألة خلاف معروف كما سيتبين عند ذكر القول الثاني.
[23] أبو زيد، بكر، فقه النوازل 1 / 73.
[24] انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى 3 / 239.
[25] انظر: الحصكفي: الدر المختار مع حاشية الطحطاوي 3 / 198، دار المعرفة للطباعة والنشر -بيروت. وابن عابدين، رد المحتار 5 / 408، دار الفكر-بيروت.
[26] انظر الحطاب: مواهب الجليل 6 / 98. والدسوقي: الحاشية على الشرح الكبير 4 / 130.
[27] انظر: الهيثمي والشرواني: تحفة المحتاج مع حاشية الشرواني10/116, وابن حجر الهيتمي، الفتاوى الكبرى 2 / 212.دار صادر –بيروت.
[28] انظر: الحطاب، مواهب الجليل 6 / 98، والدسوقي: الحاشية على الشرح الكبير 4 / 130.
[29] انظر: الهيثمي: الفتاوى الكبرى 2 / 212.
[30] نقل هذا القول الإمامان ابن الصرح وإمام الحرمين الجويني، انظر: المناوي: شرح عماد الرضا 1 / 293، بواسطة: د. أبو البصل: عبد الناصر، الحكم القضائي، ص 274.
[31] انظر: أبو زيد: بكر، فقه النوازل 1 / 25، 94.
[32] انظر: مجلة البحوث الإسلامية، العدد 31 ص 65، العدد 33، ص 52.
[33] تدوين الراجح، بحث اللجنة الدائمة، العدد 32، 38.
[34] المرجع السابق، الصفحة نفسها، وفقه النوازل 1 / 57.
[35] رواه أبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب في القاضي يخطئ، 4/5 (سنن أبي داود، بتعليق: عزت الدعاس وعادل السيد، ، دار الحديث بيروت).
[36] بحث تدوين الراجح (مرجع سابق) ع 32 ص 37.
[37] انظر هامش 6 في الفصل الثالث من هذا البحث.
[38] انظر: القول الثاني في حكم إلزام القاضي بمذهب معين لا يقضي إلا به ص 7 من هذا البحث.
[39] انظر: مسيرة الفقه الإسلامي ص 446.
[40] حمدي: محمد، المتون الفقهية، ص 467.
[41] من أجوبة الشيخ عطية محمد سالم، انظر المجذوب علماء ومفكرون عرفتهم، ص 212.
[42] انظر: المحاميد: مسيرة الفقه الإسلامي، ص 445.
[43] انظر: فقه النوازل 1 / 87، 88. ومجلة البحوث الإسلامية، العدد (31 ص 61).
[44] انظر: مسيرة الفقه الإسلامي، ص 446.
[45] انظر: الزحيلي: جهود تقنين الفقه الإسلامي ص 26، ومجلة البحوث الفقهية العدد 31، ص 60 ومسيرة الفقه الإسلامي، ص 443.
[46] انظر: مسيرة الفقه الإسلامي ص 464.
[47] انظر وجهة نظر المخالفين لقرار هيئة كبار العلماء، بحث تدوين الراجح، مجلة البحوث، العدد 33، ص29
[48] انظر: فقه النوازل 1 / 90.
[49] وجهة نظر المخالفين لقرار هيئة كبار العلماء، . بحث تدوين الراجح، مجلة البحوث، العدد 33، ص50.
[50] من لقاء الشيخ عطية محمد سالم المسطور في كتاب: الدكتور محمد المجذوب، علماء ومفكرون عرفتهم، ، 2/213، دار الاعتصام
[51] انظر: مسيرة الفقه الإسلامي ص 464.
[52] انظر بيان وجهة نظر هؤلاء العلماء وأسماؤهم في: بحث تدوين الراجح، مجلة البحوث، العدد 33، ص29ومابعدها
[53] ابن حميد: صالح بن عبد الله، الجامع في فقه النوازل، ص 101.
[54] انظر: مجلة أضواء الشريعة، الصادر عن كلية الشريعة بالرياض، العدد 4، ص 13، وفيها كتب الشيخ بحثا بعنوان (أحكام الشريعة بين التطبيق والتدوين).
[55] انظر: أبو البصل: الحكم القضائي، ص 291.
[56] انظر: مجلة المنار جـ 4 مجلة 16، ص 270 بواسطة: أبو البصل، الحكم القضائي، ص 284.

[57] انظر: الحكم القضائي (مرجع سابق) ص 284.
[58] انظر: شاكر: أحمد محمد، الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين، ص 30، المكتبة السلفية-القاهرة
[59] من مقدمة لكتاب الإسلام وتقنين الأحكام الذي ألفه د. عبد الرحمن القاسم، ص (ن) انظر: الحكم القضائي (مرجع سابق).
[60] مجد مكيّ، فتاوى مصطفى الزرقا، ص 373 دار القلم – لبنان، والشيخ رحمه الله كان يرى الوجوب لا الجواز.
[61] فتاوى علي الطنطاوي، جمعها مجاهد ديرانيه، ص 29، دار المنارة – جدة
[62] جهود تقنين الفقه (مرجع سابق)، ص 29.
[63] القرضاوي: يوسف، مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، ص 306 مكتبه وهبة – القاهرة.
[64] الحجوي: محمد بن الحسن، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي 2 / 418، دار التراث – القاهرة.
[65] انظر: وجهة نظر المخالفين لقرار هيئة كبار العلماء في المملكة، بحث تدوين الراجح، مجلة البحوث، العدد 33، ص 31
[66] انظر: وجهة نظر المخالفين لقرار هيئة كبار العلماء في المرجع السابق، ص 35.
[67] انظر المرجع السابق ص 32، 33..
[68] د. أبو البصل: الحكم القضائي، ص 292.
[69] مجلة البحوث الإسلامية، العدد 32، ص 44.
[70] محمد رشيد رضا: الفتاوى، جمع د. صلاح الدين المنجد، ويوسف خوري 2 / 625، دار الكتاب الجديد-بيروت
[71] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب: السمع والطاعة، البخاري مع الفتح 13 /121، 122، مصورة من نسخة المطبعة السلفية، الناشر: دار الفكر -بيروت.
[72] مسيرة الفقه الإسلامي ص 441، والحكم القضائي، ص 295، وانظر قول المجيزين لإلزام القاضي بالحكم بمذهب معين ص 7من هذا البحث.
[73] بيان وجهة المخالفين لقرار هيئة كبار العلماء، بحث تدوين الراجح، مجلة البحوث، العدد 33، ص 46.
[74] انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى 20/212
[75] انظر: بحث تدوين الراجح، مجلة البحوث، العدد 33، ص 48، 49. ومسيرة الفقه الإسلامي 441.
[76] انظر: مسيرة الفقه الإسلامي ص 441
[77] انظر: بحث تدوين الراجح، مجلة البحوث، العدد 33، ص48
[78] الزحيلي: جهود تقنين الفقه الإسلامي، ص 28.
[79] انظر: المرجع السابق، وبحث تدوين الراجح، مجلة البحوث، العدد 33، ص48
[80] انظر: بحث تدوين الراجح، مجلة البحوث، العدد 33، ص47، 48
[81] انظر: السيوطي: جلال الدين، الأشباه والنظائر، ص87، مطبعة مصطفى الحلبي-مصر،
[82] انظر: بحث تدوين الراجح، مجلة البحوث، العدد 33، ص46
[83] انظر فتاوى مصطفى الزرقا (مرجع سابق) ص 373.
[84] انظر: الزحيلي، جهود تقنين الفقه الإسلامي 56.