ناصر بن زيد بن داود
01-06-2009, 01:26 AM
ههنا قضية زوجية وردت إلي عام 1402هـ بعد نحو سنة من مباشرتي العمل القضائي ، وبعد مراجعتي لأوراقها المحفوظة لدي وجدت : أن بها من الفائدة ما يجمل تعميمه .
لقد عادت بي الذاكرة إلى ما قبل ثمانٍ وعشرين سنة من الآن ، ومرت بي أحداثها كما لو كنت أراها حقيقة ، فحمدت الله على التوفيق لحل هذه القضية ، ومواجهة مضاعفات أحداثها ، فإليكم قصتها .
= توفي رجل من أبناء البادية عن بنتٍ يافعة وابنٍ رضيع وزوجة ، ولم يكن له من الأقارب الأدنين غير شيخ كبير السن ؛ كان من المجاهدين المنضوين تحت لواء جيش الملك عبد العزيز في فتوحات الشرق ؛ كما قال هو عن نفسه يرحمه الله .
= يقطن المتوفى وأسرته الصغيرة في هجرة في ضواحي مدينة الأحساء ، أما ابن عمه فيسكن في هجرة حرض على بعد مائتي كيلٍ من الأحساء .
= كان الفارق بين بنت المتوفى وابن عم أبيها قرابة الستين عاماً ، ومع ذلك وافقت هي ووالدتها على زواجه بها عندما خطبها بعد وفاة والدها ، وأصدقها خمسة آلاف ريال .
= لم يكتب لهذا الزواج الاستقرار بالقدر الكافي ، فنفرت البنت من زوجها المسن ، ونشأت الخلافات ، حتى وصلت إلى المحكمة قبل عام 1396هـ ، فحصل الطلاق الأول أمام رئيس المحاكم .
= تكرر الخلاف والتقاضي بين الزوجين أربع مرات ، وفي كلٍ منها تعود المرأة إلى منزل زوجها ، بعد تعهداتٍ والتزاماتٍ من الزوج بشأن زيارة البنت لوالدتها وبشأن نفقتها الواجبة .
= كانت رياح الشقاق بين الزوجين تعصف بهما في حالين :
1/ كلما طلبت المرأة زيارة والدتها .
2/ إذا انتهت زيارة والدتها إياها ، وعزمت على الرحيل .
= تقول المرأة : إن زوجي طلقني خلال هذه الخلافات ثلاث مرات ؛ الأولى منها أمام القاضي ، والاثنتان الأخريان في المنزل ، وبعد الطلقة الثالثة اصطحبتها والدتها معها إلى بلدها .
= رفعت البنت دعواها تطلب إثبات طلاقها البائن ، فأفهمتُها : بأنَّ زوجها لا يسكن في مشمول ولاية المحكمة ، وعليها إقامة دعواها عليه في محكمة بلده ، أو الانتظار حتى يتقدم هو بطلب فيئتها ورجوعها إلى منزله ؛ ليتسنى النظر في الدعوى من جميع جهاتها .
= تقدم الرجل بدعواه بتاريخ 16/ 7/ 1402هـ ، فرأيته هرماً قد جاوز التسعين لا محالة .
= عندما نظرتُ هذه القضية وجدتُ لها وجهين ، ينبغي التمعُّن فيهما وعدم إغفالهما ، وهما :
أ/ تكرر الشقاق بين الزوجين ؛ الأمر الذي أوصلهما للمحكمة أربع مرات قبل هذه الدعوى الخامسة .
ب/ ادعاء المرأة : تطليقها ثلاث مرات متفرقات .
ولعل هرم الزوج له أثرٌ في أحد الأمرين أو كليهما ؛ إما بعجزه عن إشباع رغبة زوجته ، أو بنسيانه ما يصدر منه .
= خطوتُ في تسيير القضية على النحو التالي :
أولاً : لمَّا ظهر لي من حال المرأة النفور التام من الرجل ، وتحقق لديَّ تأصُّل الشقاق فيما بينهما ، بعثت حكمين من أهلهما ( جماعتهما ) ، فذكرا : تعذر اجتماع الزوجين ، وعجزهما عن إقناع الزوج بفراق زوجته ، ولم يُقررا شيئاً .
ثانياً : أنكر الزوج تطليقه المرأة ثلاث مرات ، وقررت المرأة : أن ليس معها من يشهد لها غير النساء اللاتي يكن في البيت وقت احتدام الخلاف بينها وبين زوجها ، وزادت : أنها لن تذهب معه مهما حصل لها ؛ لأنه حرامٌ عليها .
ثالثاً : سألت الرجل : لم لا يريد فراق زوجته . فقال : ومن أين لي بغيرها ؟.
فسألته : فهل لك أن تأخذ المهر الذي أعطيتها وتفارقها . فقال : إنه لا يكفي مهراً لغيرها هذه الأيام
فقلت له : وكم يكفي للحصول على امرأة بديلة ؟. فقال : من خمسين إلى مائة ألف ريال .
فسألت المرأة : إن كانت تقدر على دفع المبلغ افتداءً لنفسها . فقالت : نعم !.
رابعاً : عرضت على الزوج أخذ المبلغ مقابل فراق امرأته ، فأبى .
خامساً : طلبت من المرأة إحضار شيكٍ مصدقٍ بالمائة ألف ريال في جلسةٍ لاحقة .
سادساً : حضر الزوجان ، وأحضرت المرأة الشيك المصدق ، فعرضته على الرجل ، فرفض قبوله .
سابعاً : أفهمته أن المحكمة لا ترى إجبار الزوجة على الانقياد له ، وهي تدعي أنه قد أبان طلاقها ، كما أن الحكمين قد رأيا : تعذر اجتماعهما ، وأن ليس له غير فراقها ، وأخذ المبلغ الذي بذلته له ، وإلا فسوف يفسخ نكاح المرأة منه ، فأصر على رفضه .
ثامناً : حكمت بفسخ نكاح المرأة بعد تكرار إنذاره ، وأفهمته : بأن له تسلم الشيك المبذول متى شاء ، فلم يقبل وخرج مغاضباً ، وجعلتُ من بين مسوغات الفسخ : أنَّ ادعاء المرأة تطليقها ثلاث مرات يُعّدُّ شبهةً في حِلِّ نكاحها ، وَيُوجِدُ الحرج في عودتها لاحتمال صدقها .
تاسعاً : وردني - في اليوم التالي - استفسارٌ من سمو أمير المحافظة عن القضية ، ومشفوعه استدعاءٌ من المدعي ، ومع أنه أورد فيه تهديداً صريحاً بقتل القاضي بالمسدس تحديداً ، إلا أنه ذكر في آخره : أنه مستعد بدفع مائة وخمسين ألف ريال للمرأة مقابل عودتها إليه ، فإن رفضت فلا مانع لديه من تطليقها نهائياً ؛ إذا دفعت له مائة وخمسين ألف ريال !!!.
عاشراً : صُدِّقَ الحكم بالأكثرية من محكمة التمييز بالقرار ذي الرقم 820/ 1 المؤرخ في 6/ 9/ 1402هـ ، وَأُرفِقَ في المعاملة وجهة نظر القاضي المخالف ؛ كما هي العادة ذلك الوقت ، وهذه أول مرة يردني فيها قرارٌ مصدقٌ بالأكثرية .
حادي عشر : تضمنت وجهة النظر - من فضيلة قاضي التمييز - استدراكاتٍ ؛ رأى لزوم الاستفسار عنها قبل تصديق الحكم ، ولم يوافقه عليها زميلاه ، فأجبتُ عنها ، وأعدتُ المعاملة لمحكمة التمييز ؛ رغبةً مني في إزالة ما غَمُضَ على فضيلته ، وليتحقق التصديق بالإجماع . وكنت وقتها حديثَ عهدٍ بالقضاء .
ثاني عشر : أعيدت المعاملة من الأمانة العامة لمحكمة التمييز ، وفيها جوابُ العضو المخالف ، وقد ملأه تقريعاً وتجهيلاً غريبين ، لستُ أرى لها سبباً ، إلا أن يكون فارقُ الخبرة والسن هما اللذان هيَّجا فضيلته !. سامحه مولاه
ثالث عشر : لم أترك الأمر يسير كما أراد فضيلته ، بل أجبته هذه المرة مفصلاً على كل ما أورده ، وبعثت بجوابي إليه رفق صورة صك الحكم ، دون باقي المعاملة ، التي أخذت طريقها للتنفيذ .
رابع عشر : جاء في أولى مؤاخذات الجواب المتشنج أنَّ المتعارف عليه لدى الهيئة ( محكمة التمييز ) وجوب إرفاق وجهة النظر المخالفة ؛ إذ قد يوجد فيها أشياء تلفت نظر القاضي !!، ولا ينبغي الإجابة عليها !!!.
فعقبت على ذلك : بأنَّ هذا هو ما حصل ، فقد وجدتُ فضيلته نسب إليَّ في وجهة نظره أقوالاً يريد إلزامي بتحريرها ، وليست من كلامي ، ولا هي موجودة في صك الحكم ولا في صورة ضبطه ، بل هي من كلام الزوج حررها في لائحة الاعتراض ، ولا تأثير لها على الحكم ، غير أن الأمر التبس على فضيلته فنسبها إليَّ سهواً . عفى الله عنه
خامس عشر : كنت أدون أجوبتي على وجهة النظر بالقلم الرصاص ؛ حتى لا أنسى استحضار الجواب مرة أخرى ، فذكر فضيلته في ثاني المؤاخذات : أني حاولت طمس كلامه في وجهة نظره بالكتابة بين الأسطر وفي الحواشي !!!.
فعقبت على ذلك : بأن الكتابة بين الأسطر وفي الحواشي ليست طمساً ، فالطمس ما كان على الشيء نفسه لمحو معالمه ، أما : ما كان تحته أو فوقه أو بجانبه فلا يُعَدُّ طمساً ، هذا مع أن خط الكتابة الأصل بالحبر الثابت ، والأخرى بالقلم الرصاص ؛ الذي يمكن إزالته مع بقاء ما تحته وما بجانبه وما هو عليه !. وأنه إنما حصل هذا عند دراستي وجهة النظر ووقت التركيز على تفنيدها ، وهو على كل حالٍ توجيهٌ مقبولٌ من فضيلته جزاه الله خيراً . انتهى
سادس عشر : تضمنت ثالث المؤاخذات عتاباً على إهمالي تنفيذ الحكم واهتمامي بما لا داعي له !!!.
فعقبت على ذلك : أن ذلك التصرف قد أكسبني معرفةً جديدة حول طرق التنفيذ وفوائد الإسراع به ، وقد يكون لِقِصَرِ مدة ولايتي القضاء وَقِلَّةِ خبرتي - التي لا تقارن بما لدى فضيلته - عظيم الأثر في عدم إدراك ذلك ، ولذلك قمت على الفور بفصل المعاملة الأساسية وإحالتها إلى جهات التنفيذ لتأخذ مجراها المعتاد ، وما سواها من الأوراق الخاصة بالإيضاحات المستدركة أرفقتها هنا لتجلية الأمور وإيضاحها ، أدعو الله لفضيلته بدوام التوفيق ، وأن يكون مُعَلِّمَاً للعلم بقدر ما هو عالمٌ به أثابه الله . انتهى
سابع عشر : المؤاخذة الوحيدة من بين المؤاخذات الخمس التي لها صلةٌ بمنطوق الحكم هي الرابعة .
جاء فيها : أنني لم أسأل المرأة البينة على دعوى الطلاق الثلاث ، وأن ذلك أهمل في حينه !!! ، وأنني صَدَّقتُها فيما زَعَمَت ، واعتبرتُه قضيةً مُسَلَّمَةً ، ومن مسوغات فسخ نكاحها !!! .
ثم علَّق فضيلته على قولي : إن ادعاء المرأة تطليقها ثلاث مرات يُعَدُّ شبهة في حل نكاحها ، وَيُوجِدُ الحرج في عودتها لاحتمال صدقها .
فقال سامحه الله : إن قولك هذا لا يستند إلى شيءٍ صحيحٍ ، لا من الكتاب ، ولا من السنة ، ولا من كلام أهل العلم ، بل إنَّ الدليل على خلافه !!!. ولم يذكر - فضيلته - أيَّ شيءٍ من الأدلة المخالفة التي جزم بوجودها بقوله : بل إن الدليل على خلافه !.
فعقبت على ذلك : كيف أَعُدُّ كلام المرأة قضيةً مُسَلَّمَةً ، وأُصَدِّقُهَا في دعواها ، وأنا أقول عنه : أنَّه شُبهة .
أما عن كلام أهل العلم فقد وجدت بتوفيقٍ من الله في عددٍ من الكتب المعتمد عليها ما يسند قولي ، فنقلت لفضيلته أربعةَ نصوصٍ من أربعةِ كتبٍ معتمدةٍ من أهل العلم ( الذين وصمني بمخالفتهم ) ، وهي على الترتيب :
1/ ما رواه إسحاق بن منصور في مسائل الإمام أحمد 1/ 226 ، ونصه [ وسُئل عن امرأةٍ سمعت من زوجها : أنه طلقها فأبان طلاقها ، فسُئل الزوج ، فأنكر ، فرافعته إلى القاضي ، فأمرها : أن تقيم معه ؟. فقال أبو عبد الله : إذا سمعت أنه طلقها تفتدي نفسها بمالها ، وتهرب منه ، ولا تجلس معه ] . انتهى
2/ ما نقله صاحب الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية /274 ، ونصه [ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ : فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلاثًا ، ثُمَّ جَحَدَ : تفْدِي نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ أُجْبِرَتْ عَلَى ذَلِكَ : فَلا تَتَزَيَّنُ لَهُ ، وَلا تَقْرَبُهُ ، وَتَهْرُبُ إنْ قَدَرَتْ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ : تَهْرُبُ ، وَلا تَتَزَوَّجُ حَتَّى يَظْهَرَ طَلاقُهَا ، وَيُعْلَمَ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِطَلاقِهَا ، وَمَاتَ : لا تَرِثُ ؛ لأَنَّهَا تَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهَا ، وَتَفِرُّ مِنْهُ ، وَلا تَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ ، وَلَكِنْ تَخْتَفِي فِي بَلَدِهَا .
قِيلَ لَهُ : قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : تَقْتُلُهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ . فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ .
.. .. قَالَ الْقَاضِي : ( لا تَقْتُلُهُ ) مَعْنَاهُ : لا تَقْصِدُ قَتْلَهُ ، وَإِنْ قَصَدَتْ دَفَعَهُ ، فَأَدَّى ذَلِكَ إلَى قَتْلِهِ : فَلا ضَمَانَ .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : كَلامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى : أَنَّهُ لا يَجُوزُ دَفْعُهُ بِالْقَتْلِ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعْجِبْهُ ؛ لأَنَّ هَذَا لَيْسَ مُتَعَدِّيًا فِي الظَّاهِرِ ، وَالدَّفْعُ بِالْقَتْلِ إنَّمَا يَجُوزُ لِمَنْ ظَهَرَ اعْتِدَاؤُهُ ] . انتهى
3/ ما نقله الموفق ابن قدامة في المغني 7/ 260 ، ونصه [ قَالَ أَحْمَدُ : لا يَسَعُهَا أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ ] .
ثم قال [ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ . قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَابْنُ سِيرِينَ : تَفِرُّ مِنْهُ مَا اسْتَطَاعَتْ ، وَتَفْتَدِي مِنْهُ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ : تَفِرُّ مِنْهُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لا تَتَزَيَّنُ لَهُ ، وَلا تُبْدِي لَهُ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهَا ، وَلا عَرِيَّتِهَا ، وَلا يُصِيبُهَا إلاَّ وَهِيَ مُكْرَهَةٌ .
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَالنَّخَعِيِّ : يُسْتَحْلَفُ ، ثُمَّ يَكُونُ الإِثْمُ عَلَيْهِ .
وَالصَّحِيحُ : مَا قَالَهُ الأَوَّلُونَ ؛ لأَنَّ هَذِهِ تَعْلَمُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ عَلَيْهَا الامْتِنَاعُ وَالْفِرَارُ مِنْهُ ؛ كَسَائِرِ الأَجْنَبِيَّاتِ ] . انتهى
4/ ما قاله ابن حزم في المحلى 10/ 218 ، ونصه [ مسألة : ومن أيقنت امرأته أنَّه طلقَّها ثلاثاً ، أو آخِرَ ثلاثٍ ، أو دون ثلاثٍ ولم يُشهِد على مُراجعته إياها حتى تَمَّتْ عِدَّتُها ، ثم أمسكها مُعتدياً : ففرضٌ عليها أن تهرب عنه ؛ إن لم تكن لها بينة . فإن أكرهها فلها قتله دفاعاً عن نفسها ، وإلا فهو زناً منها ؛ إن أمكنته من نفسها ، وهو أجنبيٌ ؛ كعابر السبيل ، فحكمه في كل شيءٍ حكم الأجنبي ] . انتهى
نقلت لفضيلته هذه النقول الأربعة ، ثم ذيلت ذلك بقولي : إنَّ هؤلاء بعضٌ من أهل العلم ؛ الذين ننقل عنهم ، ونراجع مؤلفاتهم ، ونستفيد من علومهم ، وهم من العلماء المعتبرين والمعتد بقبولهم بين أهل العلم .
ثامن عشر : عاد فضيلته - في المؤاخذة الخامسة - إلى التقريع ؛ ليقرر : أن الأخذ والرد لا فائدة فيه ... الخ .
فأجبته : بأنَّ الأخذ والرد في مثل هذه الأمور - عدا عن فائدته العلمية ، وتجديده للمعلومات ، وكونه وسيلةً لاكتسابها - يُعَدُّ عاملاً على إيضاح المقاصد وحسن النوايا بين الجميع ، وجلاءً للظنون . انتهى
= أرسلت تعقيبي هذا إلى فضيلته ، فلم يجبني بشيء ، بل قررت محكمة التمييز إلغاء العرف الجاري بإرفاق وجهات النظر في المعاملات المصدقة بالأكثرية ، واعتمدت حفظ وجهات النظر مع نسخة من قرار التصديق في إرشيف المحكمة .
والتشريع القضائي المطلوب هو التالي :-
1/ الإسراع في إنجاز أحكام قضايا الأسرة ( قانون الأحوال الشخصية ) ، لأن توضيح وتوحيد الأحكام مدعاةٌ لعدم الجهل بها ، ولا الاختلاف عليها .
2/ وضع آلية الاختلاف على الأحكام المدققة ، بدراسة وجهة نظر المخالف ، وتفنيدها من مؤيدي الحكم ، ولو باستطلاع رأي القاضي ناظر القضية ؛ حتى لا يكون للوهم والخطأ أثرٌ في نفس المخالف على من يختلف معه .
وهذا - وإن كان قد قرب عدم الحاجة إليه بتحوُّل محاكم التمييز إلى محاكم استئناف - لكن الحال ستبقى كما هي عليه الآن مع المحكمة العليا ، مما يُحتاج معه إلى تنظيم هذه الجزئية .
3/ إخضاع وجهات النظر والأجوبة عنها للتدقيق من المجلس الأعلى للقضاء ؛ للوقوف على علمية طرفي الاختلاف ، وجعل نتائج ذلك مؤثرةً في مستقبل أصحابها . والله أعلم وأحكم
http://www.cojss.com/article.php?a=253
لقد عادت بي الذاكرة إلى ما قبل ثمانٍ وعشرين سنة من الآن ، ومرت بي أحداثها كما لو كنت أراها حقيقة ، فحمدت الله على التوفيق لحل هذه القضية ، ومواجهة مضاعفات أحداثها ، فإليكم قصتها .
= توفي رجل من أبناء البادية عن بنتٍ يافعة وابنٍ رضيع وزوجة ، ولم يكن له من الأقارب الأدنين غير شيخ كبير السن ؛ كان من المجاهدين المنضوين تحت لواء جيش الملك عبد العزيز في فتوحات الشرق ؛ كما قال هو عن نفسه يرحمه الله .
= يقطن المتوفى وأسرته الصغيرة في هجرة في ضواحي مدينة الأحساء ، أما ابن عمه فيسكن في هجرة حرض على بعد مائتي كيلٍ من الأحساء .
= كان الفارق بين بنت المتوفى وابن عم أبيها قرابة الستين عاماً ، ومع ذلك وافقت هي ووالدتها على زواجه بها عندما خطبها بعد وفاة والدها ، وأصدقها خمسة آلاف ريال .
= لم يكتب لهذا الزواج الاستقرار بالقدر الكافي ، فنفرت البنت من زوجها المسن ، ونشأت الخلافات ، حتى وصلت إلى المحكمة قبل عام 1396هـ ، فحصل الطلاق الأول أمام رئيس المحاكم .
= تكرر الخلاف والتقاضي بين الزوجين أربع مرات ، وفي كلٍ منها تعود المرأة إلى منزل زوجها ، بعد تعهداتٍ والتزاماتٍ من الزوج بشأن زيارة البنت لوالدتها وبشأن نفقتها الواجبة .
= كانت رياح الشقاق بين الزوجين تعصف بهما في حالين :
1/ كلما طلبت المرأة زيارة والدتها .
2/ إذا انتهت زيارة والدتها إياها ، وعزمت على الرحيل .
= تقول المرأة : إن زوجي طلقني خلال هذه الخلافات ثلاث مرات ؛ الأولى منها أمام القاضي ، والاثنتان الأخريان في المنزل ، وبعد الطلقة الثالثة اصطحبتها والدتها معها إلى بلدها .
= رفعت البنت دعواها تطلب إثبات طلاقها البائن ، فأفهمتُها : بأنَّ زوجها لا يسكن في مشمول ولاية المحكمة ، وعليها إقامة دعواها عليه في محكمة بلده ، أو الانتظار حتى يتقدم هو بطلب فيئتها ورجوعها إلى منزله ؛ ليتسنى النظر في الدعوى من جميع جهاتها .
= تقدم الرجل بدعواه بتاريخ 16/ 7/ 1402هـ ، فرأيته هرماً قد جاوز التسعين لا محالة .
= عندما نظرتُ هذه القضية وجدتُ لها وجهين ، ينبغي التمعُّن فيهما وعدم إغفالهما ، وهما :
أ/ تكرر الشقاق بين الزوجين ؛ الأمر الذي أوصلهما للمحكمة أربع مرات قبل هذه الدعوى الخامسة .
ب/ ادعاء المرأة : تطليقها ثلاث مرات متفرقات .
ولعل هرم الزوج له أثرٌ في أحد الأمرين أو كليهما ؛ إما بعجزه عن إشباع رغبة زوجته ، أو بنسيانه ما يصدر منه .
= خطوتُ في تسيير القضية على النحو التالي :
أولاً : لمَّا ظهر لي من حال المرأة النفور التام من الرجل ، وتحقق لديَّ تأصُّل الشقاق فيما بينهما ، بعثت حكمين من أهلهما ( جماعتهما ) ، فذكرا : تعذر اجتماع الزوجين ، وعجزهما عن إقناع الزوج بفراق زوجته ، ولم يُقررا شيئاً .
ثانياً : أنكر الزوج تطليقه المرأة ثلاث مرات ، وقررت المرأة : أن ليس معها من يشهد لها غير النساء اللاتي يكن في البيت وقت احتدام الخلاف بينها وبين زوجها ، وزادت : أنها لن تذهب معه مهما حصل لها ؛ لأنه حرامٌ عليها .
ثالثاً : سألت الرجل : لم لا يريد فراق زوجته . فقال : ومن أين لي بغيرها ؟.
فسألته : فهل لك أن تأخذ المهر الذي أعطيتها وتفارقها . فقال : إنه لا يكفي مهراً لغيرها هذه الأيام
فقلت له : وكم يكفي للحصول على امرأة بديلة ؟. فقال : من خمسين إلى مائة ألف ريال .
فسألت المرأة : إن كانت تقدر على دفع المبلغ افتداءً لنفسها . فقالت : نعم !.
رابعاً : عرضت على الزوج أخذ المبلغ مقابل فراق امرأته ، فأبى .
خامساً : طلبت من المرأة إحضار شيكٍ مصدقٍ بالمائة ألف ريال في جلسةٍ لاحقة .
سادساً : حضر الزوجان ، وأحضرت المرأة الشيك المصدق ، فعرضته على الرجل ، فرفض قبوله .
سابعاً : أفهمته أن المحكمة لا ترى إجبار الزوجة على الانقياد له ، وهي تدعي أنه قد أبان طلاقها ، كما أن الحكمين قد رأيا : تعذر اجتماعهما ، وأن ليس له غير فراقها ، وأخذ المبلغ الذي بذلته له ، وإلا فسوف يفسخ نكاح المرأة منه ، فأصر على رفضه .
ثامناً : حكمت بفسخ نكاح المرأة بعد تكرار إنذاره ، وأفهمته : بأن له تسلم الشيك المبذول متى شاء ، فلم يقبل وخرج مغاضباً ، وجعلتُ من بين مسوغات الفسخ : أنَّ ادعاء المرأة تطليقها ثلاث مرات يُعّدُّ شبهةً في حِلِّ نكاحها ، وَيُوجِدُ الحرج في عودتها لاحتمال صدقها .
تاسعاً : وردني - في اليوم التالي - استفسارٌ من سمو أمير المحافظة عن القضية ، ومشفوعه استدعاءٌ من المدعي ، ومع أنه أورد فيه تهديداً صريحاً بقتل القاضي بالمسدس تحديداً ، إلا أنه ذكر في آخره : أنه مستعد بدفع مائة وخمسين ألف ريال للمرأة مقابل عودتها إليه ، فإن رفضت فلا مانع لديه من تطليقها نهائياً ؛ إذا دفعت له مائة وخمسين ألف ريال !!!.
عاشراً : صُدِّقَ الحكم بالأكثرية من محكمة التمييز بالقرار ذي الرقم 820/ 1 المؤرخ في 6/ 9/ 1402هـ ، وَأُرفِقَ في المعاملة وجهة نظر القاضي المخالف ؛ كما هي العادة ذلك الوقت ، وهذه أول مرة يردني فيها قرارٌ مصدقٌ بالأكثرية .
حادي عشر : تضمنت وجهة النظر - من فضيلة قاضي التمييز - استدراكاتٍ ؛ رأى لزوم الاستفسار عنها قبل تصديق الحكم ، ولم يوافقه عليها زميلاه ، فأجبتُ عنها ، وأعدتُ المعاملة لمحكمة التمييز ؛ رغبةً مني في إزالة ما غَمُضَ على فضيلته ، وليتحقق التصديق بالإجماع . وكنت وقتها حديثَ عهدٍ بالقضاء .
ثاني عشر : أعيدت المعاملة من الأمانة العامة لمحكمة التمييز ، وفيها جوابُ العضو المخالف ، وقد ملأه تقريعاً وتجهيلاً غريبين ، لستُ أرى لها سبباً ، إلا أن يكون فارقُ الخبرة والسن هما اللذان هيَّجا فضيلته !. سامحه مولاه
ثالث عشر : لم أترك الأمر يسير كما أراد فضيلته ، بل أجبته هذه المرة مفصلاً على كل ما أورده ، وبعثت بجوابي إليه رفق صورة صك الحكم ، دون باقي المعاملة ، التي أخذت طريقها للتنفيذ .
رابع عشر : جاء في أولى مؤاخذات الجواب المتشنج أنَّ المتعارف عليه لدى الهيئة ( محكمة التمييز ) وجوب إرفاق وجهة النظر المخالفة ؛ إذ قد يوجد فيها أشياء تلفت نظر القاضي !!، ولا ينبغي الإجابة عليها !!!.
فعقبت على ذلك : بأنَّ هذا هو ما حصل ، فقد وجدتُ فضيلته نسب إليَّ في وجهة نظره أقوالاً يريد إلزامي بتحريرها ، وليست من كلامي ، ولا هي موجودة في صك الحكم ولا في صورة ضبطه ، بل هي من كلام الزوج حررها في لائحة الاعتراض ، ولا تأثير لها على الحكم ، غير أن الأمر التبس على فضيلته فنسبها إليَّ سهواً . عفى الله عنه
خامس عشر : كنت أدون أجوبتي على وجهة النظر بالقلم الرصاص ؛ حتى لا أنسى استحضار الجواب مرة أخرى ، فذكر فضيلته في ثاني المؤاخذات : أني حاولت طمس كلامه في وجهة نظره بالكتابة بين الأسطر وفي الحواشي !!!.
فعقبت على ذلك : بأن الكتابة بين الأسطر وفي الحواشي ليست طمساً ، فالطمس ما كان على الشيء نفسه لمحو معالمه ، أما : ما كان تحته أو فوقه أو بجانبه فلا يُعَدُّ طمساً ، هذا مع أن خط الكتابة الأصل بالحبر الثابت ، والأخرى بالقلم الرصاص ؛ الذي يمكن إزالته مع بقاء ما تحته وما بجانبه وما هو عليه !. وأنه إنما حصل هذا عند دراستي وجهة النظر ووقت التركيز على تفنيدها ، وهو على كل حالٍ توجيهٌ مقبولٌ من فضيلته جزاه الله خيراً . انتهى
سادس عشر : تضمنت ثالث المؤاخذات عتاباً على إهمالي تنفيذ الحكم واهتمامي بما لا داعي له !!!.
فعقبت على ذلك : أن ذلك التصرف قد أكسبني معرفةً جديدة حول طرق التنفيذ وفوائد الإسراع به ، وقد يكون لِقِصَرِ مدة ولايتي القضاء وَقِلَّةِ خبرتي - التي لا تقارن بما لدى فضيلته - عظيم الأثر في عدم إدراك ذلك ، ولذلك قمت على الفور بفصل المعاملة الأساسية وإحالتها إلى جهات التنفيذ لتأخذ مجراها المعتاد ، وما سواها من الأوراق الخاصة بالإيضاحات المستدركة أرفقتها هنا لتجلية الأمور وإيضاحها ، أدعو الله لفضيلته بدوام التوفيق ، وأن يكون مُعَلِّمَاً للعلم بقدر ما هو عالمٌ به أثابه الله . انتهى
سابع عشر : المؤاخذة الوحيدة من بين المؤاخذات الخمس التي لها صلةٌ بمنطوق الحكم هي الرابعة .
جاء فيها : أنني لم أسأل المرأة البينة على دعوى الطلاق الثلاث ، وأن ذلك أهمل في حينه !!! ، وأنني صَدَّقتُها فيما زَعَمَت ، واعتبرتُه قضيةً مُسَلَّمَةً ، ومن مسوغات فسخ نكاحها !!! .
ثم علَّق فضيلته على قولي : إن ادعاء المرأة تطليقها ثلاث مرات يُعَدُّ شبهة في حل نكاحها ، وَيُوجِدُ الحرج في عودتها لاحتمال صدقها .
فقال سامحه الله : إن قولك هذا لا يستند إلى شيءٍ صحيحٍ ، لا من الكتاب ، ولا من السنة ، ولا من كلام أهل العلم ، بل إنَّ الدليل على خلافه !!!. ولم يذكر - فضيلته - أيَّ شيءٍ من الأدلة المخالفة التي جزم بوجودها بقوله : بل إن الدليل على خلافه !.
فعقبت على ذلك : كيف أَعُدُّ كلام المرأة قضيةً مُسَلَّمَةً ، وأُصَدِّقُهَا في دعواها ، وأنا أقول عنه : أنَّه شُبهة .
أما عن كلام أهل العلم فقد وجدت بتوفيقٍ من الله في عددٍ من الكتب المعتمد عليها ما يسند قولي ، فنقلت لفضيلته أربعةَ نصوصٍ من أربعةِ كتبٍ معتمدةٍ من أهل العلم ( الذين وصمني بمخالفتهم ) ، وهي على الترتيب :
1/ ما رواه إسحاق بن منصور في مسائل الإمام أحمد 1/ 226 ، ونصه [ وسُئل عن امرأةٍ سمعت من زوجها : أنه طلقها فأبان طلاقها ، فسُئل الزوج ، فأنكر ، فرافعته إلى القاضي ، فأمرها : أن تقيم معه ؟. فقال أبو عبد الله : إذا سمعت أنه طلقها تفتدي نفسها بمالها ، وتهرب منه ، ولا تجلس معه ] . انتهى
2/ ما نقله صاحب الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية /274 ، ونصه [ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ : فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلاثًا ، ثُمَّ جَحَدَ : تفْدِي نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ أُجْبِرَتْ عَلَى ذَلِكَ : فَلا تَتَزَيَّنُ لَهُ ، وَلا تَقْرَبُهُ ، وَتَهْرُبُ إنْ قَدَرَتْ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ : تَهْرُبُ ، وَلا تَتَزَوَّجُ حَتَّى يَظْهَرَ طَلاقُهَا ، وَيُعْلَمَ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِطَلاقِهَا ، وَمَاتَ : لا تَرِثُ ؛ لأَنَّهَا تَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهَا ، وَتَفِرُّ مِنْهُ ، وَلا تَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ ، وَلَكِنْ تَخْتَفِي فِي بَلَدِهَا .
قِيلَ لَهُ : قَالَ بَعْضُ النَّاسِ : تَقْتُلُهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ . فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ .
.. .. قَالَ الْقَاضِي : ( لا تَقْتُلُهُ ) مَعْنَاهُ : لا تَقْصِدُ قَتْلَهُ ، وَإِنْ قَصَدَتْ دَفَعَهُ ، فَأَدَّى ذَلِكَ إلَى قَتْلِهِ : فَلا ضَمَانَ .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : كَلامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى : أَنَّهُ لا يَجُوزُ دَفْعُهُ بِالْقَتْلِ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعْجِبْهُ ؛ لأَنَّ هَذَا لَيْسَ مُتَعَدِّيًا فِي الظَّاهِرِ ، وَالدَّفْعُ بِالْقَتْلِ إنَّمَا يَجُوزُ لِمَنْ ظَهَرَ اعْتِدَاؤُهُ ] . انتهى
3/ ما نقله الموفق ابن قدامة في المغني 7/ 260 ، ونصه [ قَالَ أَحْمَدُ : لا يَسَعُهَا أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ ] .
ثم قال [ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ . قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، وَابْنُ سِيرِينَ : تَفِرُّ مِنْهُ مَا اسْتَطَاعَتْ ، وَتَفْتَدِي مِنْهُ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ : تَفِرُّ مِنْهُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : لا تَتَزَيَّنُ لَهُ ، وَلا تُبْدِي لَهُ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهَا ، وَلا عَرِيَّتِهَا ، وَلا يُصِيبُهَا إلاَّ وَهِيَ مُكْرَهَةٌ .
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَالنَّخَعِيِّ : يُسْتَحْلَفُ ، ثُمَّ يَكُونُ الإِثْمُ عَلَيْهِ .
وَالصَّحِيحُ : مَا قَالَهُ الأَوَّلُونَ ؛ لأَنَّ هَذِهِ تَعْلَمُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ عَلَيْهَا الامْتِنَاعُ وَالْفِرَارُ مِنْهُ ؛ كَسَائِرِ الأَجْنَبِيَّاتِ ] . انتهى
4/ ما قاله ابن حزم في المحلى 10/ 218 ، ونصه [ مسألة : ومن أيقنت امرأته أنَّه طلقَّها ثلاثاً ، أو آخِرَ ثلاثٍ ، أو دون ثلاثٍ ولم يُشهِد على مُراجعته إياها حتى تَمَّتْ عِدَّتُها ، ثم أمسكها مُعتدياً : ففرضٌ عليها أن تهرب عنه ؛ إن لم تكن لها بينة . فإن أكرهها فلها قتله دفاعاً عن نفسها ، وإلا فهو زناً منها ؛ إن أمكنته من نفسها ، وهو أجنبيٌ ؛ كعابر السبيل ، فحكمه في كل شيءٍ حكم الأجنبي ] . انتهى
نقلت لفضيلته هذه النقول الأربعة ، ثم ذيلت ذلك بقولي : إنَّ هؤلاء بعضٌ من أهل العلم ؛ الذين ننقل عنهم ، ونراجع مؤلفاتهم ، ونستفيد من علومهم ، وهم من العلماء المعتبرين والمعتد بقبولهم بين أهل العلم .
ثامن عشر : عاد فضيلته - في المؤاخذة الخامسة - إلى التقريع ؛ ليقرر : أن الأخذ والرد لا فائدة فيه ... الخ .
فأجبته : بأنَّ الأخذ والرد في مثل هذه الأمور - عدا عن فائدته العلمية ، وتجديده للمعلومات ، وكونه وسيلةً لاكتسابها - يُعَدُّ عاملاً على إيضاح المقاصد وحسن النوايا بين الجميع ، وجلاءً للظنون . انتهى
= أرسلت تعقيبي هذا إلى فضيلته ، فلم يجبني بشيء ، بل قررت محكمة التمييز إلغاء العرف الجاري بإرفاق وجهات النظر في المعاملات المصدقة بالأكثرية ، واعتمدت حفظ وجهات النظر مع نسخة من قرار التصديق في إرشيف المحكمة .
والتشريع القضائي المطلوب هو التالي :-
1/ الإسراع في إنجاز أحكام قضايا الأسرة ( قانون الأحوال الشخصية ) ، لأن توضيح وتوحيد الأحكام مدعاةٌ لعدم الجهل بها ، ولا الاختلاف عليها .
2/ وضع آلية الاختلاف على الأحكام المدققة ، بدراسة وجهة نظر المخالف ، وتفنيدها من مؤيدي الحكم ، ولو باستطلاع رأي القاضي ناظر القضية ؛ حتى لا يكون للوهم والخطأ أثرٌ في نفس المخالف على من يختلف معه .
وهذا - وإن كان قد قرب عدم الحاجة إليه بتحوُّل محاكم التمييز إلى محاكم استئناف - لكن الحال ستبقى كما هي عليه الآن مع المحكمة العليا ، مما يُحتاج معه إلى تنظيم هذه الجزئية .
3/ إخضاع وجهات النظر والأجوبة عنها للتدقيق من المجلس الأعلى للقضاء ؛ للوقوف على علمية طرفي الاختلاف ، وجعل نتائج ذلك مؤثرةً في مستقبل أصحابها . والله أعلم وأحكم
http://www.cojss.com/article.php?a=253