المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقنين أحكام الشريعة



ابوعبدالعزيز
16-02-2009, 09:52 AM
جريدة الاقتصادية - الاثنين 21 صفر 1430 هـ. الموافق 16 فبراير 2009 العدد 5607

تقنين أحكام الشريعة

د. هادي بن علي اليامي
لم يكن تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في هذا الوقت مطلباَ جديدا وإنما استكمالاً لدعوة ومطالبات سابقة حين أمر الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه- بتشكيل لجنة فقهية متخصصة تتولى إصدار مجلة للأحكام الشرعية، وقد جاء نص التوجيه كما يلي "إن جلالة الملك حفظه الله، يفكر في وضع مجلة للأحكام الشرعية، يعهد إلى لجنة من خيار علماء المسلمين الاختصاصيين استنباطها من كتب المذاهب الأربعة المعتبرة وهذه المجلة ستكون مشابهة لمجلة الأحكام التي كانت الحكومة العثمانية قد وضعتها عام 1293هـ، ولكنها تختلف عنها بأمور؛ أهمها: عدم التقيد حين الاستنباط بمذهب دون آخر، بل تأخذ ما تراه في مصلحة المسلمين من أقوى المذاهب حجة ودليلاً من الكتاب والسنة. وفي عهد الملك فيصل كان موضوع تقنين القضاء يحظى باهتمام منه لإدراكه بأهمية ذلك فوجه أمره في عام 1393هـ إلى هيئة كبار العلماء لمناقشته والذي انقسم فيه المجلس بين مؤيد ومعارض وقد صدر قرار الهيئة بمنع التقنين وعدم جوازه برأي الأغلبية فيما رأى ستة من الأعضاء جواز التقنين. وفي المرحلة الحالية هناك فريق من العلماء وطلبة العلم ممن يؤيدون تقنين القضاء ومن أبرزهم الشيخ عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء و الشيخ عبدالمحسن العبيكان,والذي طالب بتشكيل لجنة على مستوى عال لصياغة الفقه إلى مواد وقال إن القضاة يحتاجون إلى إعادة تأهيل لمعرفة ذلك . كما أذكر أن الشيخ عبدالعزيز القاسم أصدر في عام 1385هـ كتاباً في هذا الشأن بعنوان "الإسلام وتقنين الأحكام دعوة مخلصة لتقنين أحكام الشريعة"، وكانت عدم ممانعة جمهور العلماء سابقاً وفي الوقت الراهن لفكرة تقنين الأحكام القضائية لأن المصلحة في ذلك واضحة، فإن كانت المطالبة بالتقنين منذ زمن بعيد فأحرى أن يكون الإلحاح في طلبه في هذه الأيام لكونه أصبح ضرورة ملحة.
وتعود زيادة المطالبة هذه الأيام بالتقنين ــ لاسيما التعزيرات في القضايا الجنائية إلى الأسباب التالية:
منع وتجنب صدور أحكام متباينة ومتناقضة في القضايا التعزيرية المتشابهة لأن ذلك يدفع المغرضين إلى الزعم بعدم قدرة الشريعة الإسلامية على مواكبة العصر لافتقاد الأحكام الشرعية للعدالة كما يزعزع ثقة المتقاضين فيما يصدر ضدهم من أحكام.
سد نقص خبرة بعض القضاة حديثي العهد بالقضاء، فالقضاة بشر غير معصومين من الخطأ، ومن شأن التقنين أن يُسهل عملهم من خلال تقنين محدد واضح.
تيسير مهمة البحث على القضاة والمحامين ودارسي الشريعة للوصول إلى الرأي الراجح دون أن يتيهوا بين الآراء الكثيرة الموجودة في كتب الفقه التي لا يعيها إلا الفقهاء المتخصصون.
سرعة الفصل في القضايا وبالتالي القضاء على ظاهرة تراكمها بعد أن يتوافر الجهد والوقت في البحث ويسهل الوصول إلى الدليل.
معرفة المواطنين أو المتقاضين لأبسط الأحكام من خلال تقنين محدد وقضاء واضح المعالم لتكون معرفتهم لحقوقهم وواجباتهم بشكل مسبق ليدركوا ما لهم وما عليهم.
الاستفاده من الآراء الفقهية التي تزخر بها المراجع الفقهية المختلفة.
أما الاعتراض على تقنين أحكام الشريعة الإسلامية على سند من القول إنه يغلق باب الاجتهاد فمردود عليه بأن التقنين ذاته اجتهاد وأنه قابل للتغير والتعديل بتغيّر الظروف والمصالح.
هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى فهناك من القضايا الجنائية المقننة أحكامها بمواد وفقرات محددة مثل أنظمة الرشوة والتزوير واستغلال النفوذ الوظيفي التي يختص بنظرها ديوان المظالم وموضح بها المخالفة والعقوبة المقررة لها من سجن وغرامة أو أي عقوبة تبعية أخرى، وللقاضي حرية إيقاف تنفيذ العقوبة وفق ظروف يقدرها من قبيل الاجتهاد، ولم ينشأ عن ذلك أي مشكلات من أي نوع.
ليس هذا فقط وإنما كان أيضا نظام المخدرات الذي وضع حد أدنى وأقصى لمواد العقاب فيه ليكون للقاضي حرية اختيار العقوبة اللازمة التي تردع المتهم، وللقاضي تشديد العقوبة وتخفيفها والنزول بها عن الحد الأدنى والإعفاء منها وحفظ القضية وإيداع المتعادي أحد الدور الصحية المخصصة للعلاج حسب ظروف القضية والمتهم وفقا لاعتبارات معينة تضمنها النظام، ويعتبر ذلك اجتهادا من القاضي من حيث اختيار العقوبة أو أي إجراء آخر.
وفي غير الأنظمة الجنائية نرى التقنين في نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية والمحاماة والشركات والعمل والعمال والأوراق التجارية وغير ذلك من الأنظمة الأخرى.
إننا في وضع استجد فيه كثير من التغيرات والتطورات التي تستدعي ضرورتها القصوى أن نعيد النظر في أنظمتنا القضائية لتكون أكثر ضبطا ووضوحا للقاضي والمتقاضي خصوصا مع الانفتاح العالمي الكبير الذي نعيشه وأن يتم إعادة تأهيل القضاة وتطويرهم ومنحهم عديدا من الدورات في مجال القضاء والإدارة والتعاطي مع وسائل التقنية الحديثة، أن الضرورة أصبحت ملحة للمضي قدماً وبتسارع تجاه تقنين أحكام الشريعة الإسلامية ولاسيما أن هناك لجنة فقهية متخصصة بدأت بالفعل بدراسة هذا الأمر والإعداد له إلا أنها في ظني تمشي بخطى متثاقلة ويمكنها تحقيق أهدافها والاستعانة بالمتخصصين من القضاة والمحامين ليصدر التقنين دقيقاً خاليا من أي مشاكل أو معوقات عملية عند تطبيقه.