ابوعبدالعزيز
19-03-2009, 10:51 AM
جريدة الرياض - الخميس 22 ربيع الأول 1430هـ - 19 مارس2009م - العدد 14878
ماذا نريد من القضاء والقضاة
محمد بن عبدالله السهلي :::: باحث قانوني
اعتبر الكثيرون من أفراد المجتمع أن يوم السبت الموافق 19/2/1430 لم يكن يوماً عادياً في مسيرة الإصلاح والتحديث، حيث هبت في ذلك اليوم رياح تغيير قوية في بعض القطاعات الحيوية في الدولة، لتؤسس مرحلة جديدة ملؤها وهدفها التطوير ولا شيء غيره. فلا مراء في أن الدولة بأجهزتها المختلفة شهدت وتشهد تطوراً ملحوظاً في مجالات عدة إلا أنه تطور نسبي تختلف درجته من جهة لأخرى، فمن الجهات أو القطاعات الحكومية ما شهد تطوراً إيجابياً بل ونوعي يستحق الإشادة بكل موضوعية، ومن الجهات من لا تزال تراوح مكانها بل ومنها ما يتراجع للوراء بما لا يتناسب وظروف ومتغيرات المرحلة الحالية بكل استحقاقاتها، ومنها ما يمكن تصنيفه بين ذلك وذاك كجهاز القضاء بجميع جهاته، فالقضاء أحد أجهزة الدولة التي تتعرض للانتقادات والملاحظات بشكل مستمر مما يعكس حالة عدم رضا عن واقعه مهما كانت درجة أو نسبة هذا الرضا.
إن القضاء ليس مجرد محكمة وقاض وخصوم وحكم قضائي يفصل في نزاع بين طرفين، بل هو سلطة من سلطات الدولة الحديثة الثلاث (التشريعية- التنفيذية-القضائية) - علماً بأن النظام الأساسي للحكم وفي المادة (44) منه وضع السلطة القضائية أولاً في الترتيب- وهي السلطة التي تقف حارساً للحقوق العامة والخاصة فيما يعرض عليها من خصومات أو نزاعات، لذا فهو ركن العدل والعدالة وعامل الاستقرار في أي مجتمع كان.
وبعد صدور الأوامر الملكية والتي شملت تغييرات وتعيينات في مناصب وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس ديوان المظالم ورؤساء وأعضاء المحاكم الرئيسية المنصوص عليها في نظامي القضاء وديوان المظالم الجديدين. فإن التساؤل هنا هو ماذا نريد من القضاء والقضاة حتى يرتقي إلى الدرجة المأمولة منه بموجب الأنظمة الحاكمة والمنظمة لعمله لا بموجب أهواء الناس ورغباتهم. وماذا يمكن عمله في سبيل ذلك.
في البدء يجب أن نعترف أن تسخير (الدولة = الحكومة) جزء من إمكانياتها المادية والإدارية للرفع من مستوى أداء القضاء هو من أهم المرتكزات المطلوبة لتحقيق النجاح لجميع الخطط والأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها. فالقضاء والعدالة هما بلا شك واجهة حضارية لأي دولة. وفي المملكة نفخر بأننا دولة تستمد جميع تشريعاتها من أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وهو فخر وشرف نعتز به لان ذلك تنفيذاً لأمر الله عز وجل قبل أي أمر آخر. وبفضل هذا المبدأ تم سن الكثير من الأنظمة (القوانين) - خاصة في السنوات الأخيرة- التي غطت الكثير من جوانب ومظاهر الحياة المختلفة. ولكن كل هذا لا يكفي إذا لم يتزامن مع تطبيق تام وضمانات كافية لتحصيل الحقوق ودفع المظالم عبر القضاء المتخصص والذي يشكل سياجاً منيعاً للحريات وحقوق الأفراد ومكتسباتهم ويشكل في ذات الوقت انعكاساً للدور الحقيقي لسلطة من سلطات الدولة الثلاث.
فالواقع - برأيي- يدل على أن القضاء في المملكة يشوبه الكثير من القصور والملاحظات يجعله غير قادر على الوصول إلى الدرجة المرضية لا المثالية التي نأملها والتي تمكننا من مجاراة التطور الحاصل في قطاعات كثيرة خاصة القطاعين الاقتصادي والاستثماري. ولإثبات هذه الفرضية نسوق فيما يلي بعض من البراهين:
أولاً- يفهم من النظام الأساسي للحكم في المواد (51)، (52)، (53) على أن السلطة القضائية محصورة في المحاكم الشرعية (بتفريعاتها) وديوان المظالم، وأن القضاة يتم تعيينهم وإنهاء خدماتهم بأمر ملكي بناء على اقتراح من مجلس القضاء الأعلى. إلا أن الواقع يشير إلى أن السلطة القضائية ليست كذلك بل تعاني من تجزئة شديدة غير مقبولة البتة. إذ ينص كثير من الأنظمة الصادرة في المملكة على تشكيل لجان إدارية ذات اختصاص قضائي للفصل في النزاعات الناشئة عن تطبيق كل منها، بعيداً عن مظلتي وزارة العدل وديوان المظالم، وأغلب أعضاء هذه اللجان هم من غير القضاة، مما أدى إلى تشعب وتشتت بل وتعقد الاختصاصات القضائية التي تربك المتقاضين والمتخصصين.
فالواقع العملي الحالي لترتيب أجهزة القضاء يشير إلى أن هناك ثلاث جهات مناط بها الفصل في الخصومات وممارسة الأعمال القضائية بناء على الأنظمة السارية، يأتي في مقدمتها القضاء العام (المحاكم الشرعية بدرجاتها) وهي صاحبة الولاية العامة في الفصل بكافة النزاعات القضائية إلا ما أستثني بنص، ثم يأتي ديوان المظالم وهو في الأصل قضاء إداري يختص بالفصل في الدعاوى الإدارية التي تكون أحد أجهزة الدولة بصفتها ذات سلطة وسيادة طرفاً فيه. ويختص إيضاً باختصاصات هي بعيدة عن مجال اختصاصه الأصيل، مثل اختصاصه في الكثير من القضايا التجارية والجنائية. وآخر الجهات القضائية هي اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي ويربو عددها على سبعين لجنة مبعثرة في أجهزة ومؤسسات حكومية عدة، وهي تمارس أعمالاً قضائية محضة مع تشكيلها ومرجعيتها الإدارية، مما يعد ذلك تعدياً واضحاً على استقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات الذي يفترض في ظله أن تكون الجهة القضائية مستقلة تماما عن جهة الإدارة (السلطة التنفيذية) حتى يمكن للعدالة أن تأخذ مسارها الطبيعي دون أيه ضغوط يمكن أن تمارس على القاضي أثناء نظر الخصومة.
ثانياً: وكنتيجة طبيعية وان كانت متأخرة، كان لابد من التدخل لتعديل هذا الوضع غير الصحيح من التشتت والتعدد في الجهات القضائية، لذا صدر الأمر الملكي الكريم بتاريخ 23/2/1426 بالموافقة على الترتيبات التنظيمية لأجهزة القضاء ثم تبعها صدور نظام القضاء ونظام ديوان المظالم والتي عدت نقلة نوعية في مسيرة القضاء، وشملت إنشاء محكمة عليا تعادل محكمة النقض في بعض الدول، ومحكمة استئناف في كل مناطق المملكة بدلاً من محكمة التمييز - التي مقرها الرياض ومكة فقط -، وإنشاء محاكم متخصصة (تجارية- عمالية - أحوال شخصية)، وهي ترتيبات ستكون حتماً استجابة حقيقية لمقتضيات المرحلة الحالية، فتخصص القضاء كان مطلباً ملحاً منذ فترة طويلة نظراً للفوائد العديدة المتوخاة من ذلك. ولكن نطرح تساؤلاً هنا، متى ستتم ترجمة هذا الأمر الملكي والترتيبات التنظيمية إلى واقع عملي خصوصاً وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على صدور الأمر الملكي؟ قد يرى البعض أن الفترة التي انقضت منذ صدور الأمر الملكي منطقية نظراً للالتزامات المالية والإدارية المترتبة على تنفيذ مثل الترتيبات التنظيمية الضخمة بل وتستلزم وقتاً أطول من ذلك، ولا يصح الاستعجال في التنفيذ.. وللرد على مثل هذا القول نجيب بأن فكرة المحاكم المتخصصة لم تكن وليدة السنوات القليلة الماضية بل هي فكرة ودراسات مر عليها أكثر من عشرين سنة، والأمر الثاني هو أن وزارة العدل لم ترفع للمقام السامي حول هذه الترتيبات التنظيمية للسلطة القضائية إلا بعد إجراء دراسات تفصيلية معمقة مالية وإدارية وتنظيمية، وبالتالي فإن الموافقة الملكية جاءت تتويجاً لهذه الدراسة، لذا كان من المتوقع أن يتم تنفيذ الأمر الملكي بعد أشهر معدودة لا تتجاوز السنة بأية حال خاصة مع الاعتراف منذ البدء بالتأخير الكبير جداً في طرح فكرة الترتيبات التنظيمية للقضاء وصدور الموافقة عليها. لذا فالخوف كل الخوف أن يتأخر التنفيذ لسنوات عديدة تحت تأثير جرعة مخدرة تدعى (قريباً) و(قيد الدراسة من لجان مشكلة لذلك).
ثالثاً: صدرت الأنظمة العدلية قبل سنوات وهي أنظمة (المرافعات الشرعية - المحاماة- الإجراءات الجزائية) وهي بدورها إيضاً شكلت نقلة مهمة في مسيرة القضاء لدينا. إلا أننا ما زلنا في البدايات في التطبيق رغم مرور أكثر من سبع سنوات على تطبيقها، فلا يزال مستوى أو درجة التطبيق لم ترتق بعد إلى مرحلة الرضا ولو كانت في درجاتها الدنيا، وهذا بشهادة الكثير من المتخصصين.
رابعاً: البطء الشديد في سير إجراءات التقاضي وصدور الأحكام لأسباب عدة مثل قلة عدد القضاء وعدم التقنين وتعدد الجهات القضائية والتقاعس في تطبيق نظام المرافعات، مما جعل الكثيرين يفرطون في حقوقهم تفادياً لضريبة اللجوء إلى المحاكم وإطالة أمد النزاع، وكما يقال (إن العدالة البطيئة ظلم).
خامساً: عدم تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في مدونات نظامية حتى الآن، والتقنين حتماً سيحقق فوائد عديدة منها أن التقنين سيكون خلاصة ما يمكن العمل به من الأدلة والأحكام الشرعية مما يسهل على القضاة والمحامين والمختصين الاهتداء إلى الحكم والقاعدة بسهولة ويسر بدلاً من الرجوع إلى أمهات الكتب، وكذلك سيؤدي التقنين إلى وحدة الأحكام القضائية بين مختلف القضاة والمحاكم. وأخيراً فإن طبيعة المجتمع الدولي المعاصر وما تقتضيه طبيعة العلاقات الدولية للمملكة مع دول ومنظمات وأفراد أجانب حتمت ضرورة وجود أنظمة وقوانين واضحة ومكتوبة لكل مناحي الحياة، فكيف مثلاً لأي شخص كان وخصوصاً الأجنبي أن يعرف مركزه القانوني (حقوقه وواجباته) في المملكة مع غياب المدونات النظامية.
سادساً: يلجأ كثيراً من رجال الأعمال وخصوصاً غير السعوديين إلى اشتراط التحكيم في العقود التي يبرمونها بدلاً من القضاء لأسباب عدة منها عدم وضوح البنية التشريعية والقضائية، وإطالة أمد التقاضي بصورة غير منطقية.
أما فيما يتعلق بالقضاة فيجب أن نعترف مهنة القضاء من أعقد المهن وأكثرها حساسية وخطورة لتعلقها بحقوق ومصالح العباد، وما يمسها من عدل وظلم وإنصاف وإجحاف، فالعدل أو العدالة هي الركن الأساسي لقيام وطمأنينة واستقرار أي مجتمع. وإذا كان القاضي في أي دولة كانت يعمل في ظل قواعد قانونية واضحة يلتزم بها الأفراد، وإجراءات قضائية تكفل سير عمل القضاء باطراد في سبيل تحقيق العدالة وبحسب النظام القانوني للدولة، فإننا في المملكة نجد أن العدالة مكفولة بأحكام الشريعة الإسلامية بمصادرها المختلفة، وما يسن من أنظمة صادرة من السلطة التنظيمية (التشريعية) وبما لا تتعارض مع أحكام الشريعة، لذا بحمد الله العدالة في جانبها التشريعي مكفولة، أما الجانب التطبيقي فمرتبط حتماً بالأجهزة التنفيذية والقضائية، وما يعنينا هنا الأجهزة القضائية التي تفصل في أي نزاع ينشب للمطالبة بحق أو لدفع مظلمة. والقاضي هو الشخص المخول بإنزال القواعد الشرعية والنظامية على ما يعرض عليه - تبعاً للاختصاص - من نزاع بعد الاطلاع على الأدلة والقرائن المقدمة من طرفي النزاع، لذلك فالقاضي هو العنصر الأول في معادلة العدالة. ولكن القاضي في نهاية المطاف بشر يصيب ويخطئ و نتيجة لذلك تضع الأنظمة ضمانات كافية للتأكد من حياد القاضي ونزاهته في الخصومة وعدم خروجه عن متطلبات وظيفته الأساسية، ومن هذه الضمانات طرق الطعن في الحكم القضائي عن طريق تدرج المحاكم، ومساءلة القاضي وتأديبه عن التجاوزات لواجباتهم الوظيفية وفقاً للقواعد المنصوص عليها في نظام القضاء.
وعند تقييم واقع أداء القضاة لدينا من خلال ما نسمع ونقرأ ونشاهد من انتقادات وملاحظات، يمكن الخروج بعدد من الملاحظات والمقترحات الرئيسية التالية:
أولاً - لتعيين أي شخص لوظيفة القضاء هناك شروط نص عليها نظام القضاء في المادة (37) منها (أن يكون متمتعاً بالأهلية الكاملة للقضاء حسب ما نص عليه شرعا، وأن يكون حاصلاً على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة العربية السعودية أو شهادة أخرى معادلة لها)،وحتى الآن المجال غير مفتوح للحاصلين على شهادة الأنظمة (القانون) للعمل في القضاء - مع استثناء اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي - وهو أمر يمكن فهمه وقبوله خصوصاً في ظل عدم تقنين الكثير من أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أنه مع سن الكثير من الأنظمة والشروع قريباً في إنشاء المحاكم المتخصصة كالعمالية والتجارية فإن الوقت قد حان لتعيين حملة الشهادات القانونية - بعد تدريبهم وتأهيلهم بالطبع - كقضاة في هذه المحاكم المتخصصة، ويزداد الأمر إلحاحاً وحاجة في ظل النقص الكبير في أعداد القضاة الشرعيين لدينا.
ثانياً - تعاني المحاكم لدينا من تراكم القضايا وتأخر البت فيها وتباعد المدد الزمنية بين الجلسات في القضية الواحدة ليصل بعضها إلى سنوات تدفع المدعي في كثير من الأحوال إلى التنازل عن المطالبة بحقه مكرهاً نتيجة إطالة أمد النزاع. فالمدة الزمنية التي تأخذها أي قضية لدى المحاكم تفوق مثيلاتها في الدول الأخرى ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى العجز الحاصل في أعداد القضاة في المملكة.
وبحسب بعض الدراسات فإن المعدل العالمي لأعداد القضاة يبلغ 26قاضياً لكل مائة ألف مواطن، في حين أن في المملكة المعدل هو 4 قضاة لكل مائة ألف، لذا تحتاج المملكة إلى ما لا يقل عن خمسة آلاف قاض على المدى المتوسط لمواكبة الحاجة الفعلية. وعليه فالحاجة ماسة لوضع خطط فورية تستهدف زيادة عدد القضاة ولكن لا يعني هذا ضخ أعداد كبيرة من القضاة دون الأخذ في الاعتبار المستوى التأهيلي أو التدريبي بل نعني إيجاد حلول مثل زيادة القدرة الاستيعابية للقبول في كليات الشريعة والكليات المماثلة لها، وفتح المجال لخريجي القانون للعمل كقضاة في بعض أنواع القضاء كالقضاء التجاري مثلاً.
ثالثاً: مع تعقد مجالات الحياة وخصوصاً التجارية والاقتصادية ظهر الكثير من النزاعات التي تكتسي الكثير من التعقيد وتتطلب مهارة وخبرة لسبر أغوارها والتحليل المعمق لجزئياتها، وكل ذلك يتطلب تطبيق مبدأ التخصص في القضاء للمحاكم والقضاة. فمن الاستحالة أن يتقن القاضي الفرد جميع أحكام القضايا المعروضة عليه، لذا فالتخصص شرط أساسي للقاضي لكي يتمكن من أداء واجبه في إقامة العدل بكفاءة وقدرة ويتحقق نتيجة لذلك الشرط الشرعي في الحكم القضائي وهو معرفة الحق تمهيداً للحكم به.
رابعاً - تعد مسألة رفع مستوى القضاة بالتدريب المستمر من أهم المسائل في مسيرة إصلاح جهاز القضاء، فالحياة المعاصرة بما تشتمل من تطورات وخطوات سريعة خاصة في مجال المال والأعمال والاقتصاد والاستثمار وغيرها، تتطلب التوسع في تدريب القضاة وإنشاء مراكز تدريبية متخصصة فالمعهد العالي للقضاء وهو المعهد الوحيد في المملكة لتدريب القضاء غير كافٍ خصوصاً في الموضوعات المستجدة على القضاة، كما لا ننسى ضرورة مشاركة القضاة الدائمة في الحلقات والندوات والمؤتمرات المتخصصة ليتمكنوا من متابعة المستجدات ولرفع كفاءتهم.
خامساً: لا يزال بعض القضاة يستنكفون عن تطبيق الأنظمة الصادرة من السلطة التنظيمية (التشريعية) بحجج لا يمكن القبول بها مثل أنها أنظمة وضعية. كما أن رفض بعض القضاة لتطبيق نصوص نظام المرافعات يحرم جهاز القضاء من تطور هو في أمس الحاجة إليه.
سادساً: ندرك مدى الجهد العظيم الملقى على عاتق القضاة في أعمالهم ولكن ما يمارسه (بعض) القضاة لا يمكن القبول له ولا تبريره، ونعني بذلك الازدراء والتعالي والصلافة في التعامل مع طرفي الخصومة أو أحدهما، والتمييز في المعاملة بين الطرفين بشكل واضح. ومن الملاحظات ايضاً التأخر في الحضور إلى الجلسات أو الاستعجال في إنهاء الجلسة أو تأجيلها لأسباب مختلفة لا تصنف طبعاً من ضمن الأسباب الموضوعية. لذا يتعين على وزارة العدل وخصوصاً جهاز التفتيش القضائي فيه مراقبة أداء القضاة والأخذ في الاعتبار الملاحظات التي يبديها الكثير من المتخاصمين والمحامين، وحث القضاة على التحلي بواجبات والتزامات مهنة القضاء، فالقضاة بشر لذا هم غير معصومين عن الخطأ مهما كان نوع الخطأ.
وختاماً نؤكد على أن القضاء والقضاة هما حجر الأساس للتنمية الشاملة للدولة ككل، فلا تنمية دون عدالة، ولا عدالة مثلى دون جهاز قضائي متطور يساير التغيرات والمستجدات في كل مرحلة. ولا نريد أن تطفأ شعلة التفاؤل بالتغيير بالاستمرار في ارتكاب أخطاء الماضي.
ماذا نريد من القضاء والقضاة
محمد بن عبدالله السهلي :::: باحث قانوني
اعتبر الكثيرون من أفراد المجتمع أن يوم السبت الموافق 19/2/1430 لم يكن يوماً عادياً في مسيرة الإصلاح والتحديث، حيث هبت في ذلك اليوم رياح تغيير قوية في بعض القطاعات الحيوية في الدولة، لتؤسس مرحلة جديدة ملؤها وهدفها التطوير ولا شيء غيره. فلا مراء في أن الدولة بأجهزتها المختلفة شهدت وتشهد تطوراً ملحوظاً في مجالات عدة إلا أنه تطور نسبي تختلف درجته من جهة لأخرى، فمن الجهات أو القطاعات الحكومية ما شهد تطوراً إيجابياً بل ونوعي يستحق الإشادة بكل موضوعية، ومن الجهات من لا تزال تراوح مكانها بل ومنها ما يتراجع للوراء بما لا يتناسب وظروف ومتغيرات المرحلة الحالية بكل استحقاقاتها، ومنها ما يمكن تصنيفه بين ذلك وذاك كجهاز القضاء بجميع جهاته، فالقضاء أحد أجهزة الدولة التي تتعرض للانتقادات والملاحظات بشكل مستمر مما يعكس حالة عدم رضا عن واقعه مهما كانت درجة أو نسبة هذا الرضا.
إن القضاء ليس مجرد محكمة وقاض وخصوم وحكم قضائي يفصل في نزاع بين طرفين، بل هو سلطة من سلطات الدولة الحديثة الثلاث (التشريعية- التنفيذية-القضائية) - علماً بأن النظام الأساسي للحكم وفي المادة (44) منه وضع السلطة القضائية أولاً في الترتيب- وهي السلطة التي تقف حارساً للحقوق العامة والخاصة فيما يعرض عليها من خصومات أو نزاعات، لذا فهو ركن العدل والعدالة وعامل الاستقرار في أي مجتمع كان.
وبعد صدور الأوامر الملكية والتي شملت تغييرات وتعيينات في مناصب وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس ديوان المظالم ورؤساء وأعضاء المحاكم الرئيسية المنصوص عليها في نظامي القضاء وديوان المظالم الجديدين. فإن التساؤل هنا هو ماذا نريد من القضاء والقضاة حتى يرتقي إلى الدرجة المأمولة منه بموجب الأنظمة الحاكمة والمنظمة لعمله لا بموجب أهواء الناس ورغباتهم. وماذا يمكن عمله في سبيل ذلك.
في البدء يجب أن نعترف أن تسخير (الدولة = الحكومة) جزء من إمكانياتها المادية والإدارية للرفع من مستوى أداء القضاء هو من أهم المرتكزات المطلوبة لتحقيق النجاح لجميع الخطط والأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها. فالقضاء والعدالة هما بلا شك واجهة حضارية لأي دولة. وفي المملكة نفخر بأننا دولة تستمد جميع تشريعاتها من أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وهو فخر وشرف نعتز به لان ذلك تنفيذاً لأمر الله عز وجل قبل أي أمر آخر. وبفضل هذا المبدأ تم سن الكثير من الأنظمة (القوانين) - خاصة في السنوات الأخيرة- التي غطت الكثير من جوانب ومظاهر الحياة المختلفة. ولكن كل هذا لا يكفي إذا لم يتزامن مع تطبيق تام وضمانات كافية لتحصيل الحقوق ودفع المظالم عبر القضاء المتخصص والذي يشكل سياجاً منيعاً للحريات وحقوق الأفراد ومكتسباتهم ويشكل في ذات الوقت انعكاساً للدور الحقيقي لسلطة من سلطات الدولة الثلاث.
فالواقع - برأيي- يدل على أن القضاء في المملكة يشوبه الكثير من القصور والملاحظات يجعله غير قادر على الوصول إلى الدرجة المرضية لا المثالية التي نأملها والتي تمكننا من مجاراة التطور الحاصل في قطاعات كثيرة خاصة القطاعين الاقتصادي والاستثماري. ولإثبات هذه الفرضية نسوق فيما يلي بعض من البراهين:
أولاً- يفهم من النظام الأساسي للحكم في المواد (51)، (52)، (53) على أن السلطة القضائية محصورة في المحاكم الشرعية (بتفريعاتها) وديوان المظالم، وأن القضاة يتم تعيينهم وإنهاء خدماتهم بأمر ملكي بناء على اقتراح من مجلس القضاء الأعلى. إلا أن الواقع يشير إلى أن السلطة القضائية ليست كذلك بل تعاني من تجزئة شديدة غير مقبولة البتة. إذ ينص كثير من الأنظمة الصادرة في المملكة على تشكيل لجان إدارية ذات اختصاص قضائي للفصل في النزاعات الناشئة عن تطبيق كل منها، بعيداً عن مظلتي وزارة العدل وديوان المظالم، وأغلب أعضاء هذه اللجان هم من غير القضاة، مما أدى إلى تشعب وتشتت بل وتعقد الاختصاصات القضائية التي تربك المتقاضين والمتخصصين.
فالواقع العملي الحالي لترتيب أجهزة القضاء يشير إلى أن هناك ثلاث جهات مناط بها الفصل في الخصومات وممارسة الأعمال القضائية بناء على الأنظمة السارية، يأتي في مقدمتها القضاء العام (المحاكم الشرعية بدرجاتها) وهي صاحبة الولاية العامة في الفصل بكافة النزاعات القضائية إلا ما أستثني بنص، ثم يأتي ديوان المظالم وهو في الأصل قضاء إداري يختص بالفصل في الدعاوى الإدارية التي تكون أحد أجهزة الدولة بصفتها ذات سلطة وسيادة طرفاً فيه. ويختص إيضاً باختصاصات هي بعيدة عن مجال اختصاصه الأصيل، مثل اختصاصه في الكثير من القضايا التجارية والجنائية. وآخر الجهات القضائية هي اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي ويربو عددها على سبعين لجنة مبعثرة في أجهزة ومؤسسات حكومية عدة، وهي تمارس أعمالاً قضائية محضة مع تشكيلها ومرجعيتها الإدارية، مما يعد ذلك تعدياً واضحاً على استقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات الذي يفترض في ظله أن تكون الجهة القضائية مستقلة تماما عن جهة الإدارة (السلطة التنفيذية) حتى يمكن للعدالة أن تأخذ مسارها الطبيعي دون أيه ضغوط يمكن أن تمارس على القاضي أثناء نظر الخصومة.
ثانياً: وكنتيجة طبيعية وان كانت متأخرة، كان لابد من التدخل لتعديل هذا الوضع غير الصحيح من التشتت والتعدد في الجهات القضائية، لذا صدر الأمر الملكي الكريم بتاريخ 23/2/1426 بالموافقة على الترتيبات التنظيمية لأجهزة القضاء ثم تبعها صدور نظام القضاء ونظام ديوان المظالم والتي عدت نقلة نوعية في مسيرة القضاء، وشملت إنشاء محكمة عليا تعادل محكمة النقض في بعض الدول، ومحكمة استئناف في كل مناطق المملكة بدلاً من محكمة التمييز - التي مقرها الرياض ومكة فقط -، وإنشاء محاكم متخصصة (تجارية- عمالية - أحوال شخصية)، وهي ترتيبات ستكون حتماً استجابة حقيقية لمقتضيات المرحلة الحالية، فتخصص القضاء كان مطلباً ملحاً منذ فترة طويلة نظراً للفوائد العديدة المتوخاة من ذلك. ولكن نطرح تساؤلاً هنا، متى ستتم ترجمة هذا الأمر الملكي والترتيبات التنظيمية إلى واقع عملي خصوصاً وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على صدور الأمر الملكي؟ قد يرى البعض أن الفترة التي انقضت منذ صدور الأمر الملكي منطقية نظراً للالتزامات المالية والإدارية المترتبة على تنفيذ مثل الترتيبات التنظيمية الضخمة بل وتستلزم وقتاً أطول من ذلك، ولا يصح الاستعجال في التنفيذ.. وللرد على مثل هذا القول نجيب بأن فكرة المحاكم المتخصصة لم تكن وليدة السنوات القليلة الماضية بل هي فكرة ودراسات مر عليها أكثر من عشرين سنة، والأمر الثاني هو أن وزارة العدل لم ترفع للمقام السامي حول هذه الترتيبات التنظيمية للسلطة القضائية إلا بعد إجراء دراسات تفصيلية معمقة مالية وإدارية وتنظيمية، وبالتالي فإن الموافقة الملكية جاءت تتويجاً لهذه الدراسة، لذا كان من المتوقع أن يتم تنفيذ الأمر الملكي بعد أشهر معدودة لا تتجاوز السنة بأية حال خاصة مع الاعتراف منذ البدء بالتأخير الكبير جداً في طرح فكرة الترتيبات التنظيمية للقضاء وصدور الموافقة عليها. لذا فالخوف كل الخوف أن يتأخر التنفيذ لسنوات عديدة تحت تأثير جرعة مخدرة تدعى (قريباً) و(قيد الدراسة من لجان مشكلة لذلك).
ثالثاً: صدرت الأنظمة العدلية قبل سنوات وهي أنظمة (المرافعات الشرعية - المحاماة- الإجراءات الجزائية) وهي بدورها إيضاً شكلت نقلة مهمة في مسيرة القضاء لدينا. إلا أننا ما زلنا في البدايات في التطبيق رغم مرور أكثر من سبع سنوات على تطبيقها، فلا يزال مستوى أو درجة التطبيق لم ترتق بعد إلى مرحلة الرضا ولو كانت في درجاتها الدنيا، وهذا بشهادة الكثير من المتخصصين.
رابعاً: البطء الشديد في سير إجراءات التقاضي وصدور الأحكام لأسباب عدة مثل قلة عدد القضاء وعدم التقنين وتعدد الجهات القضائية والتقاعس في تطبيق نظام المرافعات، مما جعل الكثيرين يفرطون في حقوقهم تفادياً لضريبة اللجوء إلى المحاكم وإطالة أمد النزاع، وكما يقال (إن العدالة البطيئة ظلم).
خامساً: عدم تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في مدونات نظامية حتى الآن، والتقنين حتماً سيحقق فوائد عديدة منها أن التقنين سيكون خلاصة ما يمكن العمل به من الأدلة والأحكام الشرعية مما يسهل على القضاة والمحامين والمختصين الاهتداء إلى الحكم والقاعدة بسهولة ويسر بدلاً من الرجوع إلى أمهات الكتب، وكذلك سيؤدي التقنين إلى وحدة الأحكام القضائية بين مختلف القضاة والمحاكم. وأخيراً فإن طبيعة المجتمع الدولي المعاصر وما تقتضيه طبيعة العلاقات الدولية للمملكة مع دول ومنظمات وأفراد أجانب حتمت ضرورة وجود أنظمة وقوانين واضحة ومكتوبة لكل مناحي الحياة، فكيف مثلاً لأي شخص كان وخصوصاً الأجنبي أن يعرف مركزه القانوني (حقوقه وواجباته) في المملكة مع غياب المدونات النظامية.
سادساً: يلجأ كثيراً من رجال الأعمال وخصوصاً غير السعوديين إلى اشتراط التحكيم في العقود التي يبرمونها بدلاً من القضاء لأسباب عدة منها عدم وضوح البنية التشريعية والقضائية، وإطالة أمد التقاضي بصورة غير منطقية.
أما فيما يتعلق بالقضاة فيجب أن نعترف مهنة القضاء من أعقد المهن وأكثرها حساسية وخطورة لتعلقها بحقوق ومصالح العباد، وما يمسها من عدل وظلم وإنصاف وإجحاف، فالعدل أو العدالة هي الركن الأساسي لقيام وطمأنينة واستقرار أي مجتمع. وإذا كان القاضي في أي دولة كانت يعمل في ظل قواعد قانونية واضحة يلتزم بها الأفراد، وإجراءات قضائية تكفل سير عمل القضاء باطراد في سبيل تحقيق العدالة وبحسب النظام القانوني للدولة، فإننا في المملكة نجد أن العدالة مكفولة بأحكام الشريعة الإسلامية بمصادرها المختلفة، وما يسن من أنظمة صادرة من السلطة التنظيمية (التشريعية) وبما لا تتعارض مع أحكام الشريعة، لذا بحمد الله العدالة في جانبها التشريعي مكفولة، أما الجانب التطبيقي فمرتبط حتماً بالأجهزة التنفيذية والقضائية، وما يعنينا هنا الأجهزة القضائية التي تفصل في أي نزاع ينشب للمطالبة بحق أو لدفع مظلمة. والقاضي هو الشخص المخول بإنزال القواعد الشرعية والنظامية على ما يعرض عليه - تبعاً للاختصاص - من نزاع بعد الاطلاع على الأدلة والقرائن المقدمة من طرفي النزاع، لذلك فالقاضي هو العنصر الأول في معادلة العدالة. ولكن القاضي في نهاية المطاف بشر يصيب ويخطئ و نتيجة لذلك تضع الأنظمة ضمانات كافية للتأكد من حياد القاضي ونزاهته في الخصومة وعدم خروجه عن متطلبات وظيفته الأساسية، ومن هذه الضمانات طرق الطعن في الحكم القضائي عن طريق تدرج المحاكم، ومساءلة القاضي وتأديبه عن التجاوزات لواجباتهم الوظيفية وفقاً للقواعد المنصوص عليها في نظام القضاء.
وعند تقييم واقع أداء القضاة لدينا من خلال ما نسمع ونقرأ ونشاهد من انتقادات وملاحظات، يمكن الخروج بعدد من الملاحظات والمقترحات الرئيسية التالية:
أولاً - لتعيين أي شخص لوظيفة القضاء هناك شروط نص عليها نظام القضاء في المادة (37) منها (أن يكون متمتعاً بالأهلية الكاملة للقضاء حسب ما نص عليه شرعا، وأن يكون حاصلاً على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة العربية السعودية أو شهادة أخرى معادلة لها)،وحتى الآن المجال غير مفتوح للحاصلين على شهادة الأنظمة (القانون) للعمل في القضاء - مع استثناء اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي - وهو أمر يمكن فهمه وقبوله خصوصاً في ظل عدم تقنين الكثير من أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أنه مع سن الكثير من الأنظمة والشروع قريباً في إنشاء المحاكم المتخصصة كالعمالية والتجارية فإن الوقت قد حان لتعيين حملة الشهادات القانونية - بعد تدريبهم وتأهيلهم بالطبع - كقضاة في هذه المحاكم المتخصصة، ويزداد الأمر إلحاحاً وحاجة في ظل النقص الكبير في أعداد القضاة الشرعيين لدينا.
ثانياً - تعاني المحاكم لدينا من تراكم القضايا وتأخر البت فيها وتباعد المدد الزمنية بين الجلسات في القضية الواحدة ليصل بعضها إلى سنوات تدفع المدعي في كثير من الأحوال إلى التنازل عن المطالبة بحقه مكرهاً نتيجة إطالة أمد النزاع. فالمدة الزمنية التي تأخذها أي قضية لدى المحاكم تفوق مثيلاتها في الدول الأخرى ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى العجز الحاصل في أعداد القضاة في المملكة.
وبحسب بعض الدراسات فإن المعدل العالمي لأعداد القضاة يبلغ 26قاضياً لكل مائة ألف مواطن، في حين أن في المملكة المعدل هو 4 قضاة لكل مائة ألف، لذا تحتاج المملكة إلى ما لا يقل عن خمسة آلاف قاض على المدى المتوسط لمواكبة الحاجة الفعلية. وعليه فالحاجة ماسة لوضع خطط فورية تستهدف زيادة عدد القضاة ولكن لا يعني هذا ضخ أعداد كبيرة من القضاة دون الأخذ في الاعتبار المستوى التأهيلي أو التدريبي بل نعني إيجاد حلول مثل زيادة القدرة الاستيعابية للقبول في كليات الشريعة والكليات المماثلة لها، وفتح المجال لخريجي القانون للعمل كقضاة في بعض أنواع القضاء كالقضاء التجاري مثلاً.
ثالثاً: مع تعقد مجالات الحياة وخصوصاً التجارية والاقتصادية ظهر الكثير من النزاعات التي تكتسي الكثير من التعقيد وتتطلب مهارة وخبرة لسبر أغوارها والتحليل المعمق لجزئياتها، وكل ذلك يتطلب تطبيق مبدأ التخصص في القضاء للمحاكم والقضاة. فمن الاستحالة أن يتقن القاضي الفرد جميع أحكام القضايا المعروضة عليه، لذا فالتخصص شرط أساسي للقاضي لكي يتمكن من أداء واجبه في إقامة العدل بكفاءة وقدرة ويتحقق نتيجة لذلك الشرط الشرعي في الحكم القضائي وهو معرفة الحق تمهيداً للحكم به.
رابعاً - تعد مسألة رفع مستوى القضاة بالتدريب المستمر من أهم المسائل في مسيرة إصلاح جهاز القضاء، فالحياة المعاصرة بما تشتمل من تطورات وخطوات سريعة خاصة في مجال المال والأعمال والاقتصاد والاستثمار وغيرها، تتطلب التوسع في تدريب القضاة وإنشاء مراكز تدريبية متخصصة فالمعهد العالي للقضاء وهو المعهد الوحيد في المملكة لتدريب القضاء غير كافٍ خصوصاً في الموضوعات المستجدة على القضاة، كما لا ننسى ضرورة مشاركة القضاة الدائمة في الحلقات والندوات والمؤتمرات المتخصصة ليتمكنوا من متابعة المستجدات ولرفع كفاءتهم.
خامساً: لا يزال بعض القضاة يستنكفون عن تطبيق الأنظمة الصادرة من السلطة التنظيمية (التشريعية) بحجج لا يمكن القبول بها مثل أنها أنظمة وضعية. كما أن رفض بعض القضاة لتطبيق نصوص نظام المرافعات يحرم جهاز القضاء من تطور هو في أمس الحاجة إليه.
سادساً: ندرك مدى الجهد العظيم الملقى على عاتق القضاة في أعمالهم ولكن ما يمارسه (بعض) القضاة لا يمكن القبول له ولا تبريره، ونعني بذلك الازدراء والتعالي والصلافة في التعامل مع طرفي الخصومة أو أحدهما، والتمييز في المعاملة بين الطرفين بشكل واضح. ومن الملاحظات ايضاً التأخر في الحضور إلى الجلسات أو الاستعجال في إنهاء الجلسة أو تأجيلها لأسباب مختلفة لا تصنف طبعاً من ضمن الأسباب الموضوعية. لذا يتعين على وزارة العدل وخصوصاً جهاز التفتيش القضائي فيه مراقبة أداء القضاة والأخذ في الاعتبار الملاحظات التي يبديها الكثير من المتخاصمين والمحامين، وحث القضاة على التحلي بواجبات والتزامات مهنة القضاء، فالقضاة بشر لذا هم غير معصومين عن الخطأ مهما كان نوع الخطأ.
وختاماً نؤكد على أن القضاء والقضاة هما حجر الأساس للتنمية الشاملة للدولة ككل، فلا تنمية دون عدالة، ولا عدالة مثلى دون جهاز قضائي متطور يساير التغيرات والمستجدات في كل مرحلة. ولا نريد أن تطفأ شعلة التفاؤل بالتغيير بالاستمرار في ارتكاب أخطاء الماضي.