المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( بَشِّرْ اَلْحَرْثَ بِكَدَّادٍ جَدِيْدٍ ))



ناصر بن زيد بن داود
23-04-2009, 08:19 PM
يقضي الفلاح زمناً طويلاً في مزرعته ، ما إن ينتهي من زراعة الموسم الصيفي حتى يبدأ في التحضير لزراعة الموسم الشتوي ، وهكذا لا يلوي على شيء - غير هذا الأمر - سنين عديدة .

ولا يَفُتُّ في عضد المزارع تَعَرُّضُ زرعه لآفةٍ سماوية ، أو إتلافٍ بفعل فاعل ، أو تردِّي كمية الإنتاج في سنةٍ من السنوات على غير العادة ، بل إنه يُبادر - على الفور - باتخاذ أسرع الإجراءات لتدارك الحدث ، أو تلافي الكثير من عواقبه ، أو اغتنام ما بقي من الموسم ولو بزراعة شيءٍ آخر .

وصاحب المزرعة ليس كالعامل فيها من حيث الاندفاع لاغتنام المواسم ، إذ إنَّ بعض العمال متى شعر بالملل تمرَّد على صاحبه وترك مهنته رغماً عن كفيله ، وفي عهدٍ ليس بالبعيد جِداً - يوم أن كان العمال أَرِقَّاءَ لدى أصحاب المزارع - كان التعبير عن الملل من رتابة العمل يصل إلى حد الانتحار ؛ كما في قصة المثل العامي : جَاْلُ الرَّكِيَّةِ ولا جَاْل ابن عَمَّار .

أما إذا تسرب السأم إلى نفس الفلاح ، أو تراكمت عليه الديون : فإنه يسارع إلى عرض مزرعته للبيع ، فَيستريح من عنائها ، وَتُرزق المزرعةُ بفلاحٍ مندفعٍ متحمسٍ يُسابق ظِلَّه في تنظيفها وتجديدها وتأمين نواقصها ؛ ليبدأ رحلةً جديدةً تُسعد به المزرعة ويَسعد بها .

وفي العادة يأتي الفلاح الجديد ومعه ما يُؤَمِّلُ منه النفع في مشروعه القادم ، وقد يستغني عن كثيرٍ من الآليات القديمة والعمال السابقين والمعدات المستعملة .
يفعل الكثير ذلك - حتى مع يقينهم بجدارة بعض العمال وصلاحية بعض المعدات - خوفاً من أن تُؤثر الروح المعنوية المتردِّيَة على أداء العمال في المرحلة المستهدفة ، أو خشيةً من عدم اندماج العاملين مع السياسة المطلوبة ، أو سداً لذريعة تعاطف العامل مع سيده الراحل بتسريب أسرار العمل الجديد ، ونحو ذلك .

وحال الإدارات الحكومية والخاصة بأنواعها ليست بعيدة عن هذا الأمر ، مما يعني : أن ذلك سلوكٌ إنسانيٌ تلقائيٌ ينشد المديرون منه المصلحة من وجهة نظر عامتهم .

ولذلك نرى كثيراً من كبار المسؤولين يصطحبون معهم طواقم عملهم السابق لأداء عملهم الجديد ، ولو اختلفت مرجعياتهم السابق منها عن اللاحق .
المهم لدى هؤلاء الكبار : السرعة في بسط النفوذ ، والدقة في تحصيل الولاءات الموثوقة .

ولذلك : فإن أغلب أتباع النظام السابق يُستغنى عنهم ، أو يُعَطَّلُون ، أو يُنقلون إلى وظائف أدنى ، هذا إذا لم يُنَكَّلْ بهم ؛ كما في قوله تبارك وتعالى { وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } .

أما من لا يَحسب للأمر حساباتٍ مستقبلة - ولو ظنية - فهم يفدون إلى أعمالهم الجديدة فرادى ، ولا يجدون أمامهم غير وضع الثقة اضطراراً في من يلقونه أمامهم .

ومتى أراد الواحد من هؤلاء التماس الجادة لجأ إلى أحد أمرين :
الأول/ التقليب والإرعاد : بتحويل الوظائف من أشخاصٍ إلى آخرين ؛ لتسليط بعضهم على بعض بانكشاف خفايا أعمالهم لمن يخلفهم ، ولخلخلة الترابط بين أعوان المدير السلف ، ولخلق أجواء جديدة يمكن السيطرة على أولئك الأفراد على نحوٍ أدق من ذي قبل .
وهذه الطريقة يلجأ إليها من يعجز عن جلب الكفاءات الموثوقة سلفاً ، وينأى بنفسه عن الطريقة التالية .

الثاني/ التقريب والإبعاد : باستبعاد المقربين إلى من سبقه ، واستجلاب المبعدين منه ؛ ولو لم يكونوا أكفياء ، بعد استطلاعٍ رديءٍ عن أحوال سلفه الراحل .

وكلتا الطريقتين عقيمتان في المنظور الإداري البعيد .
فالطريقة الأولى : غالبة الفساد ، جالبة الحساد . والثانية : كثيرة الغلط ، مثيرة اللغط .

والحاذق - ممن يُبتلى بإدارة جهازٍ ما ، ولا يقدر على جلب طاقمه الأول - يستطيع استحضار من يُمكنه الاعتماد عليهم في ما وُكِلَ إليه ؛ ولو من خارج الدائرة ، فيستعين بهم ؛ ولو مؤقتاً ؛ سواء بنظام : التعاقد ، أو الإعارة ، أو الندب ، أو النقل بترقية .

وفي ذات الوقت يرى ببصره وبصيرته أفراد الحرس القديم ، فيتعامل معهم على النحو الآتي :-

1/ من يستحق الوثوق به في عمله الذي هو فيه : يُقِرُّه عليه ، لا لأنه لا يجد غيره .

2/ من يقدر على أداء أعمالٍ أكبر ووظائفَ أخطر : يُسنِدُ إليه ما يُناسبه ، لا لأنه ضِدٌ لسابقه .

3/ من لا يقدر على احتمال أمانته التي في يده : يُحِيلُهُ إلى ما يصلح له ، لا للخبطة أوراق الملف الأول .

4/ من يَحسُنُ الاستغناء عنه لِتَعَذُّرِ نفعه : يُحَدِّدُ له مهلةً مناسبة لإيجاد مناخٍ آخر ، لا لأنه من أصفياء العهد القديم .

وأثناء اتخاذه تلك القرارات : يستشعر هذا المسؤول قدرة الله عليه الذي أقدره على من وَلِيَ أمرهُم ، ويستصحب علم الله بسره ونجواه ، ويستمد من الله العون والسداد ؛ الذي استخلفه ، ويرى عمله ، وَسَيُنَبِّئُه به يوم أن يُرَدَّ إليه سبحانه عالم الغيب والشهادة .

والسعيد من هؤلاء المصطفين من لا يجعل عليه سبيلاً لأقوال الغوغاء ، ولا لمكائد الوشاة ، ولا لأحابيل المغرضين .

ورحم الله القائل :
إذا كان عونُ الله للمرء شاملاً *** تهيَّا له من كل شيءٍ مُراده
وإن لم يكن عونٌ من الله للفتى *** فأوَّل ما يجني عليه اجتهاده


-

ابوعبدالعزيز
23-04-2009, 09:42 PM
جزاكم الله خير الجزاء على ما تفضلتم به فهو من صميم علم الإدارة وفقكم الله ...

ولكن في نظري أن الأمر اسهل بكثير من ذلك لا شك أن إدارة جهاز ما وأن تكون على رأس هرم هذا الجهاز أمر مخيف فيدخلك الشك في الفشل والنجاح ...... الخ
الأمر وبكل بساطة شديدة أن تحمل في يدك سيف تبتر به كل متلاعب أو متخاذل أو متساهل أو غاش أو متحذلق وقس على هذه الصفات فلا تذر منهم رأسأ يتنفس وتضرب بيد من حديد ولا سيما أنك وليت أمانة فلا تحابي فيها أحد محابة تضر بمصلحة الغير او مصلحة عامة مهم كان الأمر .
وتحمل في يدك الأخرى كأسا ثمينا أو وردة أو جائزة أو شكرا لكل من هو متفاني ومخلص وجاد وناصح وذكي في ما اوكل اليه من عمل وعلى هذه الصفات قس ما شئت .
توقف الظلم بلا هواده وممن كان ومهما كان ... وتدعم الإحسان والعدل بكل صوره وامكانياته ..
لكل جهاز ولله الحمد نظام واضح وصريح وضع من ولاة الأمر في مثل هذا البلد المبارك .. فخذ بهذا النظام وليكن هو سيفك الذي تحمله وهو كأسك وشكرك الذي تعطيه .... ولا تأخذك في الله لومة لائم ...
والله المسألة سهلة جدا وخصوصا إذا كان هذا المزارع مدعوما بقوة ومعطى كل الإمكانيات والصلاحيات وسبب ذلك أن المزارعين من قبله قد أهلكوا الزرع والضرع ولكن رب وصاحب العمل قد تنبه لذلك ولله الحمد ...
جزاكم الله خيرا يا دكتور ناصر

علي عسيري
24-04-2009, 12:08 AM
وصلت الفكرة د -ناصر
وأنا مع أخي أبو عبدالعزيز حينما قال

أن تحمل في يدك سيف تبتر به كل متلاعب أو متخاذل أو متساهل أو غاش أو متحذلق وقس على هذه الصفات فلا تذر منهم رأسأ يتنفس وتضرب بيد من حديد ولا سيما أنك وليت أمانة فلا تحابي فيها أحد محابة تضر بمصلحة الغير او مصلحة عامة مهم كان الأمر .
وتحمل في يدك الأخرى كأسا ثمينا أو وردة أو جائزة أو شكرا لكل من هو متفاني ومخلص وجاد وناصح وذكي في ما اوكل اليه من عمل وعلى هذه الصفات قس ما شئت

شكرا لهذا المقال الرائع بحق