المحامي/محمدالصيعري
04-06-2009, 11:56 AM
حكمت المحكمة (4) (عمولة السعي)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
نواصل في هذا الموضوع عرض قضية من القضايا القضائية الشائكة التي تتباين حولها الآراء وتختلف تجاهها الاجتهادات القضائية ، رغبة منا في ترسيخ ثقافة (الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ) ، وتوسيعا لمدارك القاريء الكريم الفقهية والقضائية ، وتأكيدا لسمو الشريعة الإسلامية المطهرة وشموليتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان ، وتقريرا لمبدأ (شمولية النظر للقضية من جميع الزوايا) دون الاقتصار على جانب دون آخر ، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه .
أولا : وقائع الدعوى :
وقف المدعي أمام ناظر القضية قائلا في تحرير دعواه :
إنني أمتلك مكتبا لتسويق العقارات بيعا وشراءً يقع في مدينة ... في حي ... على شارع .... ، ولقد حضر عندي في مكتبي وكيل هذا المدعى عليه الحاضر معي في مجلس القضاء الشرعي ـ وأشار باصبعه نحو المدعى عليه ـ ، وأبرز لي وكالته عن المدعى عليه والتي تخوله التوقيع نيابة عن موكله على العقود وتسليم الثمن وإنهاء جميع إجراءات البيع ، طلب مني أن أبحث لموكله عن عمارة سكنية تجارية يرغب في شرائها واستثمارها تجاريا ، وفق مواصفات محددة ذكرها لي ، فأخبرته بأن مطلوبه متوفر عندي ، وذكرت له عمارة سكنية في حي ..... ومالكها يرغب في بيعها بسعر ثمانية ملايين ريال ، فطلب مني مفاوضته في السعر فاتصلت به وقتها ولكن البائع تمسك بالثمانية ملايين ريال ، فوعدني وكيل المدعى عليه بالاتصال بي لتحديد موعد لمعاينة العمارة والتفاوض مجددا مع البائع حول الثمن .
ولكن وكيل المدعي لم يتصل بي ، وكنت خلال تلك الفترة مسافرا خارج المملكة للعلاج ،
ثم إنني علمت بعد فترة من رجوعي أن البيع قد تم لنفس تلك العمارة وبين نفس البائع ونفس المشتري ولكن بسعر سبعة ملايين ريال وعن طريق مكتب عقاري آخر ، واستلم البائع الثمن واستلم وكيل البائع وصاحب المكتب العقاري الآخر الدلالة .
أطلب الحكم على المدعى عليه الحاضر معي (المشتري) بإلزامه بتسليمي نصيبي من دلالة هذه الصفقة ، هذه دعواي وأطلب منه الإجابة عليها .
ثانيا : إجابة المدعى عليه (المشتري) وأسانيده :
أجاب المدعى عليه بأنه يطلب من ناظر القضية صرف النظر عن دعوى المدعي ضده لإقامتها على (غير ذي صفة في الدعوى ) ويتضح ذلك في الآتي :
1 ـ أن المدعى عليه (المشتري) لم يحضر إلى مكتب المدعي ولم يقابله ولم يعمده بالبحث عن عمارة سكنية بمواصفات محددة ، بل إنه لا يعرف وجهه ، وبالتالي فالمدعى عليه لاصفة له في الدعوى .
2 ـ أن المدعى عليه (المشتري) لم يتفق مع المدعي ولم يعرض عليه نسبة من الدلالة ، والمؤمنون على شروطهم ، بل كان اتفاقه مع وكيله على أن يقوم بالبحث له عن عمارة مناسبة وله الدلالة ، فقام الوكيل بالعمل فاستحق الدلالة كاملة ، وإذا كان هناك أشخاص قد ساعدوا الوكيل على إتمام الصفقة فليطالبوا الوكيل بنصيبهم ، لأنه هو الذي اتفق معهم على ذلك .
ثالثا : أسانيد وبينات المدعي :
استند المدعي في مطالبته للمشتري بحصته من الدلالة على الاتي :
1 ـ من المقرر فقها وقضاء أن (التزامات العقد الصحيح النافذ تقع على كاهل الأصيل وليس على الوكيل ) ، والدلالة هي أحدى تلك الالتزامات .
2 ـ القاعدة الفقهية القضائية (الغرم بالغنم) ، فمن يغرم قيمة الدلالة هو من يغنم العقار ، وهو (المشتري) بكل تأكيد وليس وكيله.
3 ـ قيام المدعى عليه بتسليم كامل مبلغ الدلالة إلى وكيله في الشراء رغم علمه ومعرفته بأن المدعى هو من دلهم ابتداء على هذه العمارة ، هو تصرف باطل غير ماذون فيه شرعا ، لأن لازمه أن المدعى عليه قام بتسليم نصيب المدعي من الدلالة إلى غير ذي صفة في الاستلام ، وهذا تعدٍ منه ، فيلزمه ضمان حصة المدعي من الدلالة .
3 ـ كون البيع النهائي تم عن طريق مكتب آخر وبسعر آخر غير السعر الذي عرضه المدعي ، لا ينفي استحقاق المدعي للدلالة على أعتبار أن البيع الثاني ليس بيعا جديدا ، بل هو فرع عن البيع الأول الذي لم يتم والقاعدة المقررة قضاء أن (حكم الفرع حكم أصله ) .
* ملاحظات هامة في مجريات القضية :
1ـ بعد عدة جلسات طالب المدعى عليه بإدخال وكيله في شراء العمارة في الدعوى ، فحضر وكيله الذي وقع العقد مع البائع وقرر ما يلي :
أـ أنه لم يتم اتفاق شفهي أو مكتوب بينه وبين المدعي بخصوص نسبة محددة للمدعي من دلالة البيع ، وصادقه المدعي على ذلك .
ب ـ أن المدعي لا يستحق شيئا من الدلالة ، لأن البيع بسعر سبعة ملايين ريال لم يتم عن طريقه بل عن طريق مكتب آخر هو الذي سعى في تخفيض القيمة من ثمانية ملايين ريال إلى سبعة ملايين ريال ، ومن المقرر أن (ثبوت استحقاق السعي فرع عن صحة البيع ونفاذه ووقوعه) ، والبيع الذي شارك فيه المدعي لم يتم ، بل الذي تم هو بيع آخر بسعر آخر لا مجهود للمدعي فيه ، وبالتالي فلا يستحق عليه دلالة.
ج ـ أن المدعي على فرض استحقاقه شيئا من الدلالة ، فحقه ثابت في ذمة المشتري لأنه هو الأصيل الغانم ، ولا حق للمدعي في اقتطاع أي جزء من الدلالة التي حصل عليها وكيل البائع ومكتب العقار الآخر ، لأنها دلالة مستحقة لهما بجهدهما ، ومن المقرر أن (الأجر في مقابل العمل) .
2 ـ قرر المدعي أنه يطالب بنصيبه من الدلالة ممن تثبت الدلالة في ذمته شرعا ، سواء كان المشتري أم وكيله .
رابعا : الحكم :
فبناءا على ما تقدم من الدعوى والإجابة حكمت المحكمة بــ ........
أخي القاريء الكريم : لو كنت قاضيا فبماذا ستحكم ؟!!.......
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
نواصل في هذا الموضوع عرض قضية من القضايا القضائية الشائكة التي تتباين حولها الآراء وتختلف تجاهها الاجتهادات القضائية ، رغبة منا في ترسيخ ثقافة (الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ) ، وتوسيعا لمدارك القاريء الكريم الفقهية والقضائية ، وتأكيدا لسمو الشريعة الإسلامية المطهرة وشموليتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان ، وتقريرا لمبدأ (شمولية النظر للقضية من جميع الزوايا) دون الاقتصار على جانب دون آخر ، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه .
أولا : وقائع الدعوى :
وقف المدعي أمام ناظر القضية قائلا في تحرير دعواه :
إنني أمتلك مكتبا لتسويق العقارات بيعا وشراءً يقع في مدينة ... في حي ... على شارع .... ، ولقد حضر عندي في مكتبي وكيل هذا المدعى عليه الحاضر معي في مجلس القضاء الشرعي ـ وأشار باصبعه نحو المدعى عليه ـ ، وأبرز لي وكالته عن المدعى عليه والتي تخوله التوقيع نيابة عن موكله على العقود وتسليم الثمن وإنهاء جميع إجراءات البيع ، طلب مني أن أبحث لموكله عن عمارة سكنية تجارية يرغب في شرائها واستثمارها تجاريا ، وفق مواصفات محددة ذكرها لي ، فأخبرته بأن مطلوبه متوفر عندي ، وذكرت له عمارة سكنية في حي ..... ومالكها يرغب في بيعها بسعر ثمانية ملايين ريال ، فطلب مني مفاوضته في السعر فاتصلت به وقتها ولكن البائع تمسك بالثمانية ملايين ريال ، فوعدني وكيل المدعى عليه بالاتصال بي لتحديد موعد لمعاينة العمارة والتفاوض مجددا مع البائع حول الثمن .
ولكن وكيل المدعي لم يتصل بي ، وكنت خلال تلك الفترة مسافرا خارج المملكة للعلاج ،
ثم إنني علمت بعد فترة من رجوعي أن البيع قد تم لنفس تلك العمارة وبين نفس البائع ونفس المشتري ولكن بسعر سبعة ملايين ريال وعن طريق مكتب عقاري آخر ، واستلم البائع الثمن واستلم وكيل البائع وصاحب المكتب العقاري الآخر الدلالة .
أطلب الحكم على المدعى عليه الحاضر معي (المشتري) بإلزامه بتسليمي نصيبي من دلالة هذه الصفقة ، هذه دعواي وأطلب منه الإجابة عليها .
ثانيا : إجابة المدعى عليه (المشتري) وأسانيده :
أجاب المدعى عليه بأنه يطلب من ناظر القضية صرف النظر عن دعوى المدعي ضده لإقامتها على (غير ذي صفة في الدعوى ) ويتضح ذلك في الآتي :
1 ـ أن المدعى عليه (المشتري) لم يحضر إلى مكتب المدعي ولم يقابله ولم يعمده بالبحث عن عمارة سكنية بمواصفات محددة ، بل إنه لا يعرف وجهه ، وبالتالي فالمدعى عليه لاصفة له في الدعوى .
2 ـ أن المدعى عليه (المشتري) لم يتفق مع المدعي ولم يعرض عليه نسبة من الدلالة ، والمؤمنون على شروطهم ، بل كان اتفاقه مع وكيله على أن يقوم بالبحث له عن عمارة مناسبة وله الدلالة ، فقام الوكيل بالعمل فاستحق الدلالة كاملة ، وإذا كان هناك أشخاص قد ساعدوا الوكيل على إتمام الصفقة فليطالبوا الوكيل بنصيبهم ، لأنه هو الذي اتفق معهم على ذلك .
ثالثا : أسانيد وبينات المدعي :
استند المدعي في مطالبته للمشتري بحصته من الدلالة على الاتي :
1 ـ من المقرر فقها وقضاء أن (التزامات العقد الصحيح النافذ تقع على كاهل الأصيل وليس على الوكيل ) ، والدلالة هي أحدى تلك الالتزامات .
2 ـ القاعدة الفقهية القضائية (الغرم بالغنم) ، فمن يغرم قيمة الدلالة هو من يغنم العقار ، وهو (المشتري) بكل تأكيد وليس وكيله.
3 ـ قيام المدعى عليه بتسليم كامل مبلغ الدلالة إلى وكيله في الشراء رغم علمه ومعرفته بأن المدعى هو من دلهم ابتداء على هذه العمارة ، هو تصرف باطل غير ماذون فيه شرعا ، لأن لازمه أن المدعى عليه قام بتسليم نصيب المدعي من الدلالة إلى غير ذي صفة في الاستلام ، وهذا تعدٍ منه ، فيلزمه ضمان حصة المدعي من الدلالة .
3 ـ كون البيع النهائي تم عن طريق مكتب آخر وبسعر آخر غير السعر الذي عرضه المدعي ، لا ينفي استحقاق المدعي للدلالة على أعتبار أن البيع الثاني ليس بيعا جديدا ، بل هو فرع عن البيع الأول الذي لم يتم والقاعدة المقررة قضاء أن (حكم الفرع حكم أصله ) .
* ملاحظات هامة في مجريات القضية :
1ـ بعد عدة جلسات طالب المدعى عليه بإدخال وكيله في شراء العمارة في الدعوى ، فحضر وكيله الذي وقع العقد مع البائع وقرر ما يلي :
أـ أنه لم يتم اتفاق شفهي أو مكتوب بينه وبين المدعي بخصوص نسبة محددة للمدعي من دلالة البيع ، وصادقه المدعي على ذلك .
ب ـ أن المدعي لا يستحق شيئا من الدلالة ، لأن البيع بسعر سبعة ملايين ريال لم يتم عن طريقه بل عن طريق مكتب آخر هو الذي سعى في تخفيض القيمة من ثمانية ملايين ريال إلى سبعة ملايين ريال ، ومن المقرر أن (ثبوت استحقاق السعي فرع عن صحة البيع ونفاذه ووقوعه) ، والبيع الذي شارك فيه المدعي لم يتم ، بل الذي تم هو بيع آخر بسعر آخر لا مجهود للمدعي فيه ، وبالتالي فلا يستحق عليه دلالة.
ج ـ أن المدعي على فرض استحقاقه شيئا من الدلالة ، فحقه ثابت في ذمة المشتري لأنه هو الأصيل الغانم ، ولا حق للمدعي في اقتطاع أي جزء من الدلالة التي حصل عليها وكيل البائع ومكتب العقار الآخر ، لأنها دلالة مستحقة لهما بجهدهما ، ومن المقرر أن (الأجر في مقابل العمل) .
2 ـ قرر المدعي أنه يطالب بنصيبه من الدلالة ممن تثبت الدلالة في ذمته شرعا ، سواء كان المشتري أم وكيله .
رابعا : الحكم :
فبناءا على ما تقدم من الدعوى والإجابة حكمت المحكمة بــ ........
أخي القاريء الكريم : لو كنت قاضيا فبماذا ستحكم ؟!!.......