مشاهدة النسخة كاملة : ماحكم العمل بالقرينة الضعيفة أو المحتملة؟
* أبو المنذر *
21-01-2013, 02:37 PM
مشائخنا الفضلاء :
سؤال أرجو الإجابة عليه وهو:
ماحكم العمل بالقرينة الضعيفة أو المحتملة؟
وهل يشترط للعمل بالقرينة أن تكون ثابتة الوقوع أم يكفي
فيها الاحتمال؟؟
ابو محمد 2
21-01-2013, 03:54 PM
فيما يلي بحثين قيمين فائدة لك وللجميع , وعليك الاستعانة بمحامي فيما يخص موضوعك.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد نبينا وعلى آله وصحبه والتابعين .
لكم أنا سعيد عندما أطل على هذا الملتقى وإن كانت لي ثمة مشاركة فإني اقدمها بعنوان القرينة القضائية وحجيتها.
فنقول وبالله التوفيق
تعريف القرينة لغة:
مأخوذة من المقارنة، وهي المصاحبة، يقال: فلان قرين لفلان، أي مصاحب له، ويقال: اقترن الشيء بغيره أي صاحبه، ويقال: قرنت الشيء بالشيء وصلته به. ويقال: قرينة الرجل أي زوجته، لمصاحبتها له. وسميت القرينة بهذا الاسم، لأن لها نوعا من الصلة بالشيء. أو الأمر الذي يستدل بها عليه .
وجاء في غريب القرآن: الاقتران كالازدواج في كونه اجتماع شيئين، أو أشياء في معنى من المعاني. قال تعالى: { أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } [الزخرف: 53].
تعريف القرينة في الاصطلاح:
عرّف الفقهاء القدامى القرينة بأنها: الأمارة.. أو العلامة.. وهي الأمارة المعلومة التي تدل على أمر مجهول على سبيل الظن.
وعند المحدثين: هي الأمارة التي نص عليها الشارع أو استنبطها أئمة الشريعة باجتهادهم واستنتجها القاضي من الحادثة وظروفها وما يكتنفها من أحوال. أو هي: الأمارة التي نص عليها الشارع أو استنبطها الفقهاء باجتهادهم، أو استنتجها القاضي من وقائع الدعوى وأقوال الخصوم.
أقسام القرينة: تنقسم القرينة إلى عدة أقسام باعتبارات شتي.. كل قسم منها يقوم على اعتبار خاص. وسنقو
م بإيراد هذه الأقسام موجزة حسب طبيعة البحث، ثم نقوم بعد ذلك بتوضيح ما أجملناه.
فهي تنقسم إجمالا بالاعتبارات الآتية:
أ - تقسيمها باعتبار مصدرها ب- تقسيمها باعتبار علاقتها بمدلولاتها. ج- تقسيمها باعتبار قوة أدلتها وضعفها.
أ- أقسام القرينة باعتبار المصدر:
تنقسم القرينة بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أنواع:
1- قرائن منصوص عليها في الكتاب والسنة .. وقد وردت قرائن متعددة فيها. وسنذكر بعض الأمثلة:
أولا- ما ورد في القرآن الكريم: قال تعالى: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [ يوسف:26-27 ].
ثانيا بعض الأمثلة التي وردت في السنة : قوله ( ص ) : (( الولد للفراش وللعاهر الحجر )) .
فقد جعل صلى الله عليه وسلم الفراش قرينة لإثبات نسب الولد من الزوج صاحب الفراش، فإذا أنجبت المرأة المتزوجة يكون الولد لزوجها، أما التي لا زوج لها فيكون مصيرها إقامة الحد عليها، لأن عدم وجود زوج لها قرينة على زناها لأن الحمل لابد له من رجل في حياتها، إلا إذا ادعت الإكراه أو غيره.
- قول الرسول صلى الله عليه وسلم (( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن.. )) قالوا: وكيف إذنها؟ قال: (( أن تسكت )) .فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل السكوت من جانب البكر دليلا على رضاها، واعتمد على قرينة السكوت في الرضا.
ثالثا - قرائن منصوص عليها في كتب الفقه: من اجتهاد الفقهاء ( القرائن الفقهية ) أن الفقهاء رضوان الله عليهم قد استخرجوا بعض القرائن نتيجة اجتهادهم ومن أمثلتها :
- إبطال بيع المريض مرض الموت لوارثه إلا إذا أجازه بقية الورثة، لأن هذا التصرف قرين على الإضرار ببقية الورثة.
- قبول قول الصبيان في الهدايا التي يرسلها بعض الناس معهم.
رابعا- القرائن القضائية: وهي التي يستنبطها القاضي بحكم ممارسته القضاء ومعرفته لأحكام الشريعة الغراء. وهذا النوع من القرائن لا يسير على منهج واحد، ولكنه يختلف من قاض لآخر نتيجة قدرة القاضي على الاستنباط، واختلاف القضايا وظروفها و ملابستها.
مثال هذا النوع ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا، يرحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى ))
قال الإمام النووي: (ولم يكن مراده أن يقطعة حقيقة، وإنما أراد اختبار شفقتهما لتتميز له الأم، فلما تميزت بما ذكرت عرفها). لأنه وجد عندها الشفقة والخوف على الصغير فعلم أنها أمه، لأن الأم كل الذي يهمها أن يعيش ولدها، بصرف النظر في يد من يكون في يدها أم في يد غيرها.
ب - أقسام القرائن باعتبار علاقتها بمدلولها:
إن القرائن تنقسم باعتبار العلاقة بينها وبين ما تدل عليه إلى نوعين:
النوع الأول- قرائن عقلية: وهي التي تكون العلاقة بينها وبين مدلولاتها ثابتة ومستقرة، والتي يقوم العقل باستنتاجها في جميع الظروف كالعثور على وجود رماد في مكان، فإنه يكون قرينة على سبق وجود النار في هذا المكان، لأن النار دائما تخلف الرماد. فجعل الرماد قرينة على وجود النار.
النوع الثاني- قرائن عرفية: وهي التي تقوم العلاقة بينها وبين ما تدل عليه على العرف فالعرف هو الذي يدل.ومثال ذلك: امرأة ادعت إكراها على الزنى وقامت القرائن على صدقها، كأن تكون بكرا وجاءت تدمي فإن حد الزنى يسقط ولا يقام عليها، لوجود قرينة على صدقها، كما أن الحدود تدرأ بالشبهات .
جـ- أقسام القرينة باعتبار قوة دلالتها:
النوع الأول- قرائن ذات دلالة قوية: (القرائن القطعية):
والمقصود بها القرائن الواضحة التي تجعل الأمر في حيز المقطوع به.
ونصت المادة (1741) من مجلة الأحكام أن (القرينة القاطعة هي الأمارة البالغة حد اليقين، أي التي لا تحمل الشك بل يقطع بها) .
مثال ذلك: إذا خرج أحد من دار خالية خائفا مدهوشا، وفي يده سكين ملوثة بالدم، فدخل في الدار ورؤي فيها شخص مذبوح في ذلك الوقت، فإنه يشتبه في كونه قاتل ذلك الشخص، ولا يلتفت إلى الاحتمالات الوهمية الصرفة كأن يكن الشخص المذكور ربما قتل نفسه أو قتله آخر وهرب، لأن وجود السكين بيده، ويداه ملطختان بالدم قرينة قوية على أنه هو القاتل، فكل ذلك قرائن تؤيد ارتكابه لجريمة القتل.
النوع الثاني- قرائن ذات دلالات ضعيفة: والمقصود هو ما يحتمل الشيء وغيره احتمالا ليس ببعيد ويختص بترجيح إحدى اليدين المتنازعتين، فالقرينة تحتمل شيئين لا مرجح لأحدهما على الآخر.ففي تلك الحالة تكون دلالة القرينة ضعيفة مشكوك فيها.
مثال ذلك: أن يقع نزاع بين الزوجين على متاع البيت، فيقضى فيه للرجل بما يناسب الرجال وللمرأة بما يناسب النساء مع العلم أنه قد يكون كله ملكا للزوج أو للزوجة، ولكن لما انعدم الدليل عملنا بالقرينة الضعيفة، فما يحتمل أنه للرجل ألحقناه به، وما يحتمل أنه للمرأة ألحقناه بها.
يتبع
ابو محمد 2
21-01-2013, 03:54 PM
النوع الثالث- قرائن ذات دلالة ملغاة: وهي أن تتعارض قرينتان وتكون إحداهما أقوى من الأخرى، وبالتالي تكون القرينة المرجوحة منهما ملغاة لا يعتد بها ولا يلتفت إليها.
كأن يتنازع مالك الدار مع خياط يعمل في داره على آلة خياطة فإنه يحكم بها للخياط. ولا يلتفت إلى المالك، لأن قرينة اليد عورضت بقرينة أقوى وهي أن هذه الأشياء غالبا تكون مملوكة للخياط، فألغينا القرينة الضعيفة وهي قرينة اليد وطرحناها ولم نعمل بها.
حجية القرائن:
إن الفقهاء اختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول: أن القرائن تعتبر طريقا من طرق الإثبات، ويجوز الاعتماد عليها واعتبارها حجة ودليلا من أدلة الإثبات المعتمدة، ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء. وقد استدلوا على ذلك بالقرآن والسنة والمعقول.
ففي القرآن آيات كثيرة منها:
1- قال الله تعالى: { وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف: 18]
2- قال تعالى: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [يوسف: 26- 28].
ففي هذه الآية دليل واضح على العمل بالأمارات، حيث إن الشاهد قد استدل بقرينة قد القميص من قبل أو دبر على صدق أحدهما وكذب الآخر.
3- قال تعالى: { مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ } [يوسف: 75].
4- قال الله تعالى: { وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } [يوسف: 81].
فهذه الأدلة المستفادة من القرآن الكريم تفيد العمل بالقرائن واعتبارها حجة يعمل بها ودليلا من أدلة الإثبات التي يعتمد عليها، ويبني عليها القاضي حكمه.
أما السنة فأحاديث متعددة منها على سبيل المثال:
1- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( لا تنكح الأيم )) حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن.. فقالوا: يا رسول الله، وكيف أذنها..؟ قال: (( أن تسكت )).
فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل سكوتها قرينة على الرضى، لأن حياءها يمنعها من التصريح بالقبول، وتجوز الشهادة عليها بأنها رضيت.. وهذا من أقوى الأدلة على الحكم بالقرائن.
وأما المعقول: فقد استدلوا على حجية القرائن بالمعقول من وجوه:
أ- إن ترك العمل بالقرائن يؤدي إلى تضيع الحقوق ، ويعطي الفرصة للمجرمين لتحقيق مصالحهم ومآربهم الفاسدة، وهذا لا يتمشى مع قصد الشارع من المحافظة على حقوق وردع المجرمين.
القول الثاني: إن القرائن لا تعتبر حجة، ولا تصلح دليلا من أدلة الإثبات، ولا يجوز الاعتداد بها شرعا ولا العمل بمقتضها، ذهب إلى ذلك بعض الحنفية كالجصاص ، وبعض المالكية كالقرافي.
وقد استدلوا على ذلك بالسنة والمعقول.
فالسنة أحاديث منها:
1- ما روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمت فلانة، فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها )).
2- فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا بأنه لو كان يجوز العمل بالقرائن واعتبارها دليلا مشروعا من أدلة الإثبات، لأقام الحد على هذه المرأة لما ثبت عنده من أمارات على زناها.
وأما المعقول: فقالوا بأن القرائن ليست مطردة ولا منضبطة لاختلافها قوة و ضعفا، ومن كان على هذا الشكل لا يصح الاحتجاج به.
كما أن القرائن قد تبدو قوية ثم يعتريها الضعف.
وكذلك فإنها تقوم على الظن والتخمين، والظن ليس دليلا، والقرآن ندد باتباع الظن فقال تعالى: { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ } [النجم:23]، وقال تعالى: { إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } [النجم:28]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث )) .
الرأي الراجح : بعد استعراض أدلة القائلين بحجية القرائن، وأدلة المانعين يظهر لنا بكل جلاء ووضوح بأن الرأي القائل بحجية القرائن، والعمل بها وأنها طريق من طرق الإثبات هو الرأي الراجح الذي تطمئن إليه النفس، ويرتاح له الضمير، ويشعر الإنسان معه بالاطمئنان حيث يستطيع بها إقامة العدل بين الناس و إيصال الحقوق إلى أصحابها، وذلك لما يلي:
1- إن أدلة المانعين أدلة ضعيفة واهية لا تصلح للاستدلال، بخلاف أدلة القائلين بالحجية فإنها أدلة قوية، ولم يوجه إليها من النقد ما يوهنها أو يضعف شأنها.
2- أن القول بحجية القرائن هو الأرجح حتى لا تضيع الحقوق ويتمادى المعتدون في سلبها، وبذلك يتفشى الظلم وييأس الناس من أخذ حقوقهم أو رد الظلم الواقع عليهم.
أهمية الأخذ بالقرائن:
1- القرينة تمنع سماع الدعوى. 2- القرينة ترد البينة أو الإقرار حال وجود تهمة.
3- تستخدم القرينة كدليل مرجح أثناء تعارض البينات. 4- تعتبر القرينة دليلا وحيدا مستقلا إذا لم يوجد دليل سواها.
الإثبات بالقرائن المستحدثة:
من المعلوم بالضرورة أن المتبع للجريمة في العصور المختلفة يعلم أن المجرمين كانوا في العصور الأولى يرتكبون جرائمهم بوسائل بسيطة يسهل على رجال المباحث والأمن اكتشافها بسهولة ودون تعب ونصب... ونتيجة للتطور الهائل والثورة العلمية التي وصلت إليها المعرفة تفنن المجرمون في طرق مختلفة لارتكاب جرائمهم. وكذلك رجال الأمن تفننوا في طريقة معرفة الجناة بوسائل حديثة تتناسب مع تطور الجريمة والمجرمين. وهذا موضوع متشعب الجوانب، متعدد الأطراف، والذي يهمنا منه هو معرفة حكم الفقه الإسلامي في القرائن المستحدثة التي نشأت مع تطور الجريمة ولم تكن معروفة عند سلفنا الصالح من الفقهاء، ولم تعرف إلا في هذا القرن، وسنحاول بيان الحكم الشرعي في القرائن الآتية:
1- البصمات. 2- آثار الأقدام. 3- الكلاب البوليسية. 4- تحليل الدم والبول.
5- التصوير الفوتوغرافي. 6- تسجيل الصوت.
أولا- آثار البصمات:
البصمات:هي عبارة عن خطوط بارزة دقيقة يتخللها فراغ، وتوجد فوق باطن اليد، وأطراف الأكف والأصابع.
ولقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن لكل إنسان بصمة خاصة به. وهذه البصمات لا يمكن أن تتطابق مع شخصين حتى ولو كانا توأمين . وهذه معجزة إلهية تدل على قدرته عز وجل وأنه الخالق فقد قال الله عز وجل: { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ } [القيامة:3-4].
قيمة البصمات في الإثبات من الناحية الشرعية: بالطبع لم يتعرض سلفنا الصالح للإثبات بطريق البصمات، لأنها لم تعرف في عصرهم وإنما عرفت في دول أوروبة سنة(1890م).. ولكن يمكن القول بأن موقفهم من بقية القرائن ينسحب على البصمات فنقول:
1- جرائم الحدود لا تثبت بهذه القرينة، وإن كان يجوز القبض على صاحبها والتحقيق معه، لأنه ربما تظهر الحقيقة ويعرف الجاني، وتقام عليه العقوبة.
2- جرائم غير الحدود والدماء فيمكن معرفة رأيهم بما ذكروه في القرائن المعروفة في عصرهم وقد توسعوا في الأخذ بها، وبعض العلماء في عصرنا قال: تعتبر دليلا من أدلة الإثبات.
ثانيا- آثار الأقدام:
إن من أهم الوسائل التي يستطيع بها رجال الأمن القبض على الجناة ومعرفتهم لاسيما في جرائم السرقة والقتل وجود آثار لأقدام الجناة في مكان الجريمة وهذه القرينة كانت معروفة عند العرب قديما، وكانت تسمى بالقيافة كما أن لها أصل في الشريعة الإسلامية حديث العرنيين الذي أخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنه .وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد آثار الأقدام في البحث عن الجناة حتى جيء بهم إليه، فلو لم تكن آثار الأقدام دليلا لتركه الرسول صلى الله عليه وسلم.
ابو محمد 2
21-01-2013, 03:55 PM
ثالثا - الكلاب البوليسية:
من القرائن الحديثة ما توصل إليه رجال الأمن أنه بالمستطاع التعرف على المجرمين بواسطة الكلاب البوليسية عن طريق حاسة الشم القوية التي تمتاز بها الكلاب المدربة تدريبا قويا..
ولقد دلت التجارب على فاعليتها في التعرف على الجناية ، ولذلك اعتبرها رجال القانون وسيلة للتعرف على الجناة .
أما في الشريعة الإسلامية: من المعروف أن الشريعة الإسلامية شددت في الإثبات في مجالي الحدود والقصاص .. وعلى ذلك فإنها لا تعتبر دليلا للإثبات ولكنها قرينة تسوغ لرجل الأمن القبض على الجاني والتحقيق معه.
رابعا- تحليل الدم والبول:
إذا وجد على ملابس المتهم أو في محل الجريمة بقعة دم أو بول في مكان الجريمة، فيمكن تحليلها وتعتبر قرينة على إدانة المتهم، ومن ثم يمكن التحقيق مع المتهم، والقبض عليه.
ولكن بالرغم من ذلك لا يجوز التعويل عليها وحدها لتوقيع العقاب على المتهم وإن كان الفقه الإسلامي لا يمانع في التعويل على التحاليل الطبية في الدلالة على شخصية الجاني.. وقد وجدت آثار كثيرة مروية عن الصحابة في ذلك.
خامسا-التصوير(الفوتوغرافي):
والمقصود التقاط الصورة أثناء ارتكاب الجريمة، وتصور المسألة هي فيما لو أقام شخص دعوى على شخص بأنه قد سرق حانوته وليس هناك بينة ولا اعتراف إلا صورة يدعي المدعي أنه التقطها للمتهم وهو يقترف جريمة السرقة، فهل تؤخذ هذه الصورة كقرينة لإدانته؟ للإجابة على هذا التساؤل نقول بأن الفقهاء أبانوا أن دلالة الصورة على أن صاحبها قد سرق دلالة ضعيفة واهية لا تقوم عليها حجة ولا تصلح أساسا يعتمد عليه القضاة في إثبات حد السرقة على المصور. ذلك أنه يحتمل أن تدبلج الصورة وتستخدم لأغراض كثيرة كما هو معمول به اليوم في دور المسارح والسينما، وفي هذا تزوير وتمويه يدل دلالة واضحة على نسفها كدليل أو قرينة، ومن ثم لا يمكن الاستدلال بها أو الأخذ بها في القضاء الإسلامي كوسيلة شرعية ، إضافة إلى أن فيها تجسس وكشف للعورات.
سادسا- تسجيل الصوت:
والمقصود به استخدام الأجهزة في تسجيل الصوت على شرائط تحفظ ثم يبرزها المدعي كقرينة لإدانة المدعى عليه. ففقهاء الشريعة أبانوا أن هذه قرينة واهية وضعيفة وذلك لوجود تقليد في الأصوات وتشابه وتماثل وهذا ما أثبتته دور المسارح والتمثيليات فقد يزور ويقلد الصوت إضافة إلى ما فيه من استراق السمع وجريمة التجسس وهو ما نهى عنه الشارع الحكيم.
وخلاصة القول في ذلك أنها قرائن ضعيفة لا يعتد بها ولا تعتبر حجة فالمعتبر ما وافق روح الشريعة ومقاصدها في المحافظة على استقرار العباد وأمنهم والمحافظة على أعراضهم و حرماتهم.. قال الشيخ ابن القيم - رحمه الله-: (إن الله سبحانه أغنانا بما شرعه لنا من الحنيفية السمحة وما يسره من الدين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وسهله للأمة عن الدخول في الآصار والأغلال وعن ارتكاب طرق المنكر والخداع) ، وبعد أن ذكر أمثلة عديدة لما أغنانا الله به عن غيره مما هو غير مشروع قال: (وكذلك أغنانا بالطرق الشرعية عن طرق المكر والاحتيال) ، فهو بهذا يرى أن الاعتبار هو للطرق التي رسمها الشرع لا لطرق أهل المكر و التزوير والتدليس والاحتيال والتقليد والتمويه.
والله تبارك وتعالى أعلم
أ.هـ
.
__________________
الدكتور/ مبارك المصري النظيف محمد
أستاذ الفقه وأصوله المســـاعد
رئيس قسم البرامج بكلية المجتمع
جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم
إمام وخطيب مسجد عمر بن الخطاب
بولاية الجزيزة ـ ودمدني ـ حي الزمالك
المحــــــامي والمستشـــــــار القانــــــوني
ابو محمد 2
21-01-2013, 03:56 PM
الثاني مسألة:
أما بعد : وسألت عن الحاكم ، أو الوالي يحكم بالفراسة والقرائن التي يظهر له فيها الحق ، والاستدلال بالأمارات ولا يقف مع مجرد ظواهر البينات والإقرار ، حتى إنه ربما يتهدد أحد الخصمين ، إذا ظهر منه أنه مبطل وربما ضربه ، وربما سأله عن أشياء تدله على صورة الحال .
فهل ذلك صواب أم خطأ ؟ فهذه مسألة كبيرة عظيمة النفع ، جليلة القدر ، إن أهملها الحاكم أو الوالي أضاع حقا كثيرا ، وأقام باطلا كثيرا ، وإن توسع فيها وجعل معوله عليها ، دون الأوضاع الشرعية ، وقع في أنواع من الظلم والفساد وقد سئل أبو الوفاء ابن عقيل عن هذه المسألة ، فقال : ليس ذلك حكما بالفراسة ، بل هو حكم بالأمارات . وإذا تأملتم الشرع وجدتموه يجوز التعويل على ذلك ، وقد ذهب مالك رحمه الله إلى التوصل بالإقرار بما يراه الحاكم وذلك مستند إلى قوله تعالى : { إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين } ولذا حكمنا بعقد الأزج ، وكثرة الخشب في [ ص: 4 ] الحائط ، ومعاقد القمط في الخص ، وما يخص المرأة والرجل في الدعاوى .
وفي مسألة العطار والدباغ إذا اختصما في الجلد ، والنجار والخياط إذا تنازعا في المنشار والقدوم ، والطباخ والخباز إذا تنازعا في القدر ، ونحو ذلك ، فهل ذلك إلا الاعتماد على الأمارات ؟ وكذلك الحكم بالقافة والنظر في أمر الخنثى ; والأمارات الدالة على أحد حاليه . والنظر في أمارات جهة القبلة ، واللوث في القسامة . انتهى .
فالحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات ، ودلائل الحال ، ومعرفة شواهده ، وفي القرائن الحالية والمقالية ، كفقهه في جزئيات وكليات الأحكام : أضاع حقوقا كثيرة على أصحابها . وحكم بما يعلم الناس بطلانه لا يشكون فيه ، اعتمادا منه على نوع ظاهر لم يلتفت إلى باطنه وقرائن أحواله . فهاهنا نوعان من الفقه ، لا بد للحاكم منهما : فقه في أحكام الحوادث الكلية ، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس ، يميز به بين الصادق والكاذب ، والمحق والمبطل . ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب ، ولا يجعل الواجب مخالفا للواقع . ومن له ذوق في الشريعة ، واطلاع على كمالاتها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ، ومجيئها بغاية العدل ، الذي يسع الخلائق ، وأنه لا عدل فوق عدلها ، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح : تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها ، وفرع من فروعها ، وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها وحسن فهمه فيها : لم يحتج معها إلى سياسة غيرها ألبتة .
فإن السياسة نوعان : سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها ، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر ، فهي من الشريعة ، علمها من علمها ، وجهلها من جهلها .
ولا تنس في هذا الموضع قول سليمان نبي الله صلى الله عليه وسلم للمرأتين اللتين ادعتا الولد . فحكم به داود [ ص: 5 ] صلى الله عليه وسلم للكبرى فقال سليمان " ائتوني بالسكين أشقه بينكما " فسمحت الكبرى بذلك فقالت الصغرى : " لا تفعل يرحمك الله ، هو ابنها " فقضى به للصغرى ، فأي شيء أحسن من اعتبار هذه القرينة الظاهرة ، فاستدل برضا الكبرى بذلك ، وأنها قصدت الاسترواح إلى التأسي بمساواة الصغرى في فقد ولدها ، وبشفقة الصغرى عليه ، وامتناعها من الرضا بذلك : على أنها هي أمه ، وأن الحامل لها على الامتناع هو ما قام بقلبها من الرحمة والشفقة التي وضعها الله تعالى في قلب الأم ، وقويت هذه القرينة عنده ، حتى قدمها على إقرارها ، فإنه حكم به لها مع قولها " هو ابنها " .
وهذا هو الحق ، فإن الإقرار إذا كان لعلة اطلع عليها الحاكم لم يلتفت إليه أبدا .
ولذلك ألغينا إقرار المريض مرض الموت بمال لوارثه لانعقاد سبب التهمة واعتمادا على قرينة الحال في قصده تخصيصه .
ومن تراجم قضاة السنة والحديث على هذا الحديث ترجمة أبي عبد الرحمن النسائي في سننه " قال : " التوسعة للحاكم في أن يقول للشيء الذي لا يفعله أفعل كذا ; ليستبين به الحق " .
ثم ترجم عليه ترجمة أخرى أحسن من هذه ، فقال : " الحكم بخلاف ما يعترف به المحكوم عليه ، إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به " فهكذا يكون الفهم عن الله ورسوله .
ثم ترجم عليه ترجمة أخرى فقال : " نقض الحاكم ما حكم به غيره ممن هو مثله ، أو أجل منه " فهذه ثلاث قواعد ورابعة : وهي ما نحن فيه وهي الحكم بالقرائن وشواهد الحال .
وخامسة : وهي أنه لم يجعل الولد لهما ، كما يقوله أبو حنيفة ، فهذه خمس سنن في هذا الحديث .
ومن ذلك : قول الشاهد الذي ذكر الله شهادته ، ولم ينكر عليه ، ولم يعبه بل حكاها مقررا لها ، فقال تعالى : { واستبقا الباب ، وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب ، قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ، إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال هي راودتني عن نفسي ، وشهد شاهد من أهلها ، إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من [ ص: 6 ] دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم } فتوصل بقد القميص إلى معرفة الصادق منهما من الكاذب .
وهذا لوث في أحد المتنازعين ، يبين به أولاهما بالحق .
وقد ذكر الله سبحانه اللوث في دعوى المال في قصة شهادة أهل الذمة على المسلمين في الوصية في السفر ، وأمر بالحكم بموجبه .
{ وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بموجب اللوث في القسامة ، وجوز للمدعين أن يحلفوا خمسين يمينا ، ويستحقون دم القتيل } ، فهذا لوث في الدماء ، والذي في سورة المائدة لوث في الأموال ، والذي في سورة يوسف لوث في الدعوى في العرض ونحوه .
وهذا حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه والصحابة معه رضي الله عنهم برجم المرأة التي ظهر بها الحبل ، ولا زوج لها ولا سيد .
وذهب إليه مالك وأحمد - في أصح روايتيه - اعتمادا على القرينة الظاهرة .
وحكم عمر وابن مسعود رضي الله عنهما ولا يعرف لهما مخالف - بوجوب الحد برائحة الخمر من في الرجل ، أو قيئه خمرا ، اعتمادا على القرينة الظاهرة .
ولم تزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم ، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار ، فإنهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب ، ووجود المال معه نص صريح لا يتطرق إليه شبهة ، وهل يشك أحد رأى قتيلا يتشحط في دمه ، وآخر قائما على رأسه بالسكين : أنه قتله ؟ ولا سيما إذا عرف بعداوته ، ولهذا جوز جمهور العلماء لولي القتيل أن يحلف خمسين يمينا أن ذلك الرجل قتله ، ثم قال مالك وأحمد : يقتل به .
وقال الشافعي : يقضى عليه بديته وكذلك إذا رأينا رجلا مكشوف الرأس - وليس ذلك عادته - وآخر هاربا قدامه بيده [ ص: 7 ] عمامة ، وعلى رأسه عمامة : حكمنا له بالعمامة التي بيد الهارب قطعا ، ولا نحكم بها لصاحب اليد التي قد قطعنا وجزمنا بأنها يد ظالمة غاصبة بالقرينة الظاهرة التي هي أقوى بكثير من البينة والاعتراف .
وهل القضاء بالنكول إلا رجوع إلى مجرد القرينة الظاهرة ، التي علمنا بها ظاهرا أنه لولا صدق المدعي لدفع المدعى عليه دعواه باليمين ؟ فلما نكل عنها كان نكوله قرينة ظاهرة ، دالة على صدق المدعي ، فقدمت على أصل براءة الذمة .
وكثير من القرائن والأمارات أقوى من النكول ، والحس شاهد بذلك ، فكيف يسوغ تعطيل شهادتها ؟ ومن ذلك : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزبير أن يقرر عم حيي بن أخطب بالعذاب على إخراج المال الذي غيبه ، وادعى نفاده فقال له : العهد قريب ، والمال أكبر من ذلك } .
فهاتان قرينتان في غاية القوة : كثرة المال ، وقصر المدة التي ينفق كله فيها .
وشرح ذلك : { أنه صلى الله عليه وسلم لما أجلى يهود بني النضير من المدينة ، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم ، غير الحلقة والسلاح ، وكان لابن أبي الحقيق مال عظيم - بلغ مسك ثور من ذهب وحلي - فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر - وكان بعضها عنوة وبعضها صلحا - ففتح أحد جانبيها صلحا . وتحصن أهل الجانب الآخر . فحصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر يوما ، فسألوه الصلح ، وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنزل فأكلمك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم فنزل ابن أبي الحقيق فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة . وترك الذرية لهم ، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ، ويخلون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من مال وأرض ، وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة ، إلا ثوبا على ظهر إنسان . فقال رسول ، الله صلى الله عليه وسلم : وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا فصالحوه على ذلك } .
قال حماد بن سلمة : أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم ، فغلب على الزرع والأرض والنخل ، فصالحوه على أن يجلوا منها ، ولهم ما حملت ركابهم ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء ، واشترط عليهم ألا يكتموا ولا يغيبوا شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر ، حين أجليت النضير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعم حيي بن أخطب : ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير ؟ قال : أذهبته النفقات والحروب ، قال العهد قريب ، والمال أكثر [ ص: 8 ] من ذلك فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير ، فمسه بعذاب ، وقد كان قبل ذلك دخل خربة ، فقال : قد رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا . فذهبوا فطافوا ، فوجدوا المسك في الخربة . فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق - وأحدهما زوج صفية - بالنكث الذي نكثوا } .
ففي هذه السنة الصحيحة الاعتماد على شواهد الحال والأمارات الظاهرة وعقوبة أهل التهم ، وجواز الصلح على الشرط ، وانتقاض العهد إذا خالفوا ما شرط عليهم وفيه من الحكم : إخزاء الله لأعدائه بأيديهم وسعيهم ، وإلا فهو سبحانه قادر على أن يطلع رسوله على الكنز فيأخذه عنوة .
ولكن كان في أخذه على هذه الحال من الحكم والفوائد ، وإخزاء الكفرة أنفسهم بأيديهم ما فيه ، والله أعلم .
وفي بعض طرق هذه القصة { أن ابن عم كنانة اعترف بالمال حين دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير فعذبه } .
وفي ذلك دليل على صحة إقرار المكره إذا ظهر معه المال ، وأنه إذا عوقب على أن يقر بالمال المسروق ، فأقر به وظهر عنده : قطعت يده ، وهذا هو الصواب بلا ريب .
وليس هذا إقامة للحد بالإقرار الذي أكره عليه ، ولكن بوجود المال المسروق معه الذي توصل إليه بالإقرار .
المصدر: اسلام ويب . المكتبة الاسلامية.
عنوان الموضوع: القضاء
الطرق الحكمية
محمد بن أبي بكر الزرعي(ابن قيم الجوزية)
مكتبة دار البيان
Powered by vBulletin® Version 4.2.0 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.