ريما عسيري
28-06-2009, 10:25 AM
عنوان البحث : الاختصاص الجنائي لديوان المظالم في المملكة العربية السعودية
من خلال الاطلاع على وجهة نظر الفقهاء المسلمين حول الاختصاصات العامة التي كانت منوطة بقضاء المظالم في العصور الإسلامية المختلفة، يبدو جليا مدى الأهمية المعطاة لولاية المظالم في الإسلام باعتبار أن ما تؤديه من وظائف لا غنى عنها، ويعد مكملاً لنظام القضاء العام الذي عرفته الدولة الإسلامية في مختلف مراحل تطورها، فولاية: "القضاء والمظالم والحسبة مؤسسات ثلاث تكمل بعضها بعضاً، ويكمل كل منها الآخر، وتهدف لأمر واحد، وهو تحقيق العدل وإنصاف الناس، وحفظ الحقوق والأموال وتطبيق الأحكام الشرعية، فلا غرابة إذا أن يكون ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية- التي تتخذ من الشريعة الإسلامية منهجاً أساسياً لها- مختصاً بنظر العديد من المنازعات التي تخرجه عن كونه مجرد جهة قضاء إداري على غرار هيئات القضاء الإداري المعروفة في الأنظمة القضائية المعاصرة، ولذلك فقد لاحظ أحد الشراح المعاصرين أن اختصاص ديوان المظالم بنظر الجرائم الناشئة مثلاً عن تطبيق النصوص المجرمة لفعل الرشوة يتواءم مع إحدى وظائفه القضائية التي حددت له بموجب ما ذهب إليه الفقه الإسلامي وهي: "جور العمال فيما يجبونه من أموال، فيرجع فيه – أي والي المظالم- إلى القوانين العادلة في دواوين الأمة، فيحمل الناس عليها، وينظر فيما استزادوه، فإن رفعوه إلى بيت المال أمر برده وإن أخذوه لأنفسهم استرجعه لأربابه.
ونحن بدرونا أيضاً، وبحكم ما أنيط بقضاء المظالم من اختصاصات في الفقه الإسلامي، لا ننكر على السلطة التنظيمية في المملكة العربية السعودية ما خولته لديوان المظالم من اختصاصات قضائية جنائية وغيرها مراعية بذلك أهمية تلك الاختصاصات وخطورة ما ينتج عنها من أحكام ذات طبيعة قضائية تتصل مباشرة بحقوق وحريات الأفراد، فلقد عمل منذ البداية واضع نصوص نظام ديوان المظالم لسنة 1402هـ على جعل الديوان هيئة قضائية بالمعنى الصحيح، حيث منح أعضاءه صفة القضاة بإخضاعهم لكافة نصوص نظام القضاء، التي تكفل لهم العديد من الضمانات كي يتمكنوا من أداء دورهم الخطير بكل حيدة واستقلال، أما من جهة إجراءات التقاضي أمام الديوان، فقد اهتم ذلك النظام بضرورة إيجاد حد أدنى من القواعد الشكلية اللازمة لحسن سير العدالة الجنائية ولضمان حقوق وحريات المتهمين بارتكاب جرائم من التي يختص بنظرها الديوان، فكان مؤدى ذلك أن أصدر مجلس الوزراء قراره الشهير بشأن لائحة قواعد المرافعات والإجراءات أمام الديوان، التي تحتوي- كما رأينا- الأسس التي تقوم عليها المحاكمة القضائية العادلة، والتي خصص جزءاً منها لمعالجة أهم القواعد الإجرائية الجنائية المعروفة في النظم العقابية المعاصرة.
وبذلك يتميز ديوان المظالم- في مجال القضاء الجنائي- عن غيره من باقي الهيئات واللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي الجنائي. فهذا الأخيرة، في تقديرنا، تفتقر إلى الكثير من الضمانات القضائية الهامة في كثير من الأحيان، سواء الضمانات التي من المفروض أن تلازم أعضاءها أو تلك المقررة لمصلحة المتقاضين أمامها، ورغماً عن ذلك فهي تباشر الكثير من الأحيان، سواء الضمانات التي من المفروض أن تلازم أعضاءها أو تلك المقررة لمصلحة المتقاضين أمامها، ورغماً عن ذلك فهي تباشر الكثير من الاختصاصات القضائية الجنائية التي يترتب عليها توقيع عقوبات شديدة في كثير من الأحيان، وكان نتيجة ذلك أن أصبح ديوان المظالم، بعد إعطائه صفة القضاء الكامل، هو الجهة المسئولة عن مراقبة الأعمال القضائية التي تختص بها معظم تلك الهيئات واللجان، مما أدى إلى ازدياد حجم وظائفه القضائية في المجال الجنائي، وعلى ما يبدو، فلن يتوقف الأمر على تلك الاختصاصات الجنائية المنوطة بديوان المظالم حالياً، وإنما سيتسع اختصاص الديوان في مجال القضاء الجنائي كلما دعت الحاجة إلى ذلك سواء بصفته جهة حكم أو جهة استئناف، فنصوص نظامه تعطي الحق للسلطة المختصة في إحالة ما تراه من دعاوى جزائية في أي وقت إليه، خصوصاً وأن أنظمة جرائم التعزير تزداد يوماً بعد يوم نتيجة تزايد الحاجة إليها، وذلك استجابة لمقتضيات التطور الشامل في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المملكة العربية السعودية.
غير أن ديوان المظالم هو جهة قضاء إداري فقط حسب ما رسمه له نظامه الصادر سنة 1402هـ، وما أنيط به من اختصاصات جنائية وغيرها إنما هو على سبيل الاستثناء وبشكل مؤقت إلى حين عمل الترتيبات اللازمة لقيام المحاكم العامة بالفصل في تلك النزاعات، وهذا يظهر بلا شك رغبة السلطة التنظيمية السعودية في إعمال نص المادة (26) من نظام القضاء التي تجعل المحاكم الشرعية في المملكة هي المختصة بنظر جميع المنازعات والجرائم بمختلف أنواعها سواءً أكانت جرائم حدود أم قصاص أم تعزير.
وبناءً على ذلك، فلقد حان الوقت الآن لإعادة كافة الاختصاصات القضائية الجنائية وغيرها إلى المحاكم الشرعية صاحبة الولاية القضائية العامة، ومؤدى ذلك من جهة، أن يقتصر الاختصاص القضائي لديوان المظالم على المنازعات ذات الطبيعة الإدارية فقط، ومن جهة أخرى، أن تلغى كافة اللجان والهيئات الإدارية ذات الاختصاص القضائي الجنائي التي لم يعد من المناسب استمرارها بعد أن توافرت الكوادر القضائية المتخصصة القادرة على حسن إدارة العدالة، ولا مجال للقول في سبيل عدم تطبيق ذلك بأن المحاكم الشرعية تتحرج من تطبيق أنظمة جرائم التعزير باعتبارها ليست مستمدة من الشريعة الإسلامية بل منقولة عن بعض القوانين الوضعية.
فالحقيقة أن تلك الأنظمة لا تتعارض في شيء مع حكم من أحكام الشرع الحنيف، وإنما هي تمثل صياغة حديثة لأحكام فقهية مقررة وإلا لما أقدم ولي الأمر في هذه الدولة الإسلامية على إصدارها مراعاة لمصلحة الفرد والمجتمع على السواء، وتطبيقاً لمفهوم جرائم التعزير التي تتكاثر وتتنوع بشكل طبيعي كلما ازدادت تعقيدات الحياة الحديثة حيث تظهر مسائل جديدة على المجتمع الإسلامي.
لكن جعل كافة الاختصاصات القضائية بيد المحاكم الشرعية يتطلب إنشاء المزيد منها مع ضرورة تطويرها بإعادة تنظيمها وتحديد إجراءات التقاضي أمامها بشكل أكثر تفصيلاً بحيث تكون قادرة بإذن الله على القيام بدورها القضائي الكبير على أكمل وجه.
د. اسامه نور
من خلال الاطلاع على وجهة نظر الفقهاء المسلمين حول الاختصاصات العامة التي كانت منوطة بقضاء المظالم في العصور الإسلامية المختلفة، يبدو جليا مدى الأهمية المعطاة لولاية المظالم في الإسلام باعتبار أن ما تؤديه من وظائف لا غنى عنها، ويعد مكملاً لنظام القضاء العام الذي عرفته الدولة الإسلامية في مختلف مراحل تطورها، فولاية: "القضاء والمظالم والحسبة مؤسسات ثلاث تكمل بعضها بعضاً، ويكمل كل منها الآخر، وتهدف لأمر واحد، وهو تحقيق العدل وإنصاف الناس، وحفظ الحقوق والأموال وتطبيق الأحكام الشرعية، فلا غرابة إذا أن يكون ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية- التي تتخذ من الشريعة الإسلامية منهجاً أساسياً لها- مختصاً بنظر العديد من المنازعات التي تخرجه عن كونه مجرد جهة قضاء إداري على غرار هيئات القضاء الإداري المعروفة في الأنظمة القضائية المعاصرة، ولذلك فقد لاحظ أحد الشراح المعاصرين أن اختصاص ديوان المظالم بنظر الجرائم الناشئة مثلاً عن تطبيق النصوص المجرمة لفعل الرشوة يتواءم مع إحدى وظائفه القضائية التي حددت له بموجب ما ذهب إليه الفقه الإسلامي وهي: "جور العمال فيما يجبونه من أموال، فيرجع فيه – أي والي المظالم- إلى القوانين العادلة في دواوين الأمة، فيحمل الناس عليها، وينظر فيما استزادوه، فإن رفعوه إلى بيت المال أمر برده وإن أخذوه لأنفسهم استرجعه لأربابه.
ونحن بدرونا أيضاً، وبحكم ما أنيط بقضاء المظالم من اختصاصات في الفقه الإسلامي، لا ننكر على السلطة التنظيمية في المملكة العربية السعودية ما خولته لديوان المظالم من اختصاصات قضائية جنائية وغيرها مراعية بذلك أهمية تلك الاختصاصات وخطورة ما ينتج عنها من أحكام ذات طبيعة قضائية تتصل مباشرة بحقوق وحريات الأفراد، فلقد عمل منذ البداية واضع نصوص نظام ديوان المظالم لسنة 1402هـ على جعل الديوان هيئة قضائية بالمعنى الصحيح، حيث منح أعضاءه صفة القضاة بإخضاعهم لكافة نصوص نظام القضاء، التي تكفل لهم العديد من الضمانات كي يتمكنوا من أداء دورهم الخطير بكل حيدة واستقلال، أما من جهة إجراءات التقاضي أمام الديوان، فقد اهتم ذلك النظام بضرورة إيجاد حد أدنى من القواعد الشكلية اللازمة لحسن سير العدالة الجنائية ولضمان حقوق وحريات المتهمين بارتكاب جرائم من التي يختص بنظرها الديوان، فكان مؤدى ذلك أن أصدر مجلس الوزراء قراره الشهير بشأن لائحة قواعد المرافعات والإجراءات أمام الديوان، التي تحتوي- كما رأينا- الأسس التي تقوم عليها المحاكمة القضائية العادلة، والتي خصص جزءاً منها لمعالجة أهم القواعد الإجرائية الجنائية المعروفة في النظم العقابية المعاصرة.
وبذلك يتميز ديوان المظالم- في مجال القضاء الجنائي- عن غيره من باقي الهيئات واللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي الجنائي. فهذا الأخيرة، في تقديرنا، تفتقر إلى الكثير من الضمانات القضائية الهامة في كثير من الأحيان، سواء الضمانات التي من المفروض أن تلازم أعضاءها أو تلك المقررة لمصلحة المتقاضين أمامها، ورغماً عن ذلك فهي تباشر الكثير من الأحيان، سواء الضمانات التي من المفروض أن تلازم أعضاءها أو تلك المقررة لمصلحة المتقاضين أمامها، ورغماً عن ذلك فهي تباشر الكثير من الاختصاصات القضائية الجنائية التي يترتب عليها توقيع عقوبات شديدة في كثير من الأحيان، وكان نتيجة ذلك أن أصبح ديوان المظالم، بعد إعطائه صفة القضاء الكامل، هو الجهة المسئولة عن مراقبة الأعمال القضائية التي تختص بها معظم تلك الهيئات واللجان، مما أدى إلى ازدياد حجم وظائفه القضائية في المجال الجنائي، وعلى ما يبدو، فلن يتوقف الأمر على تلك الاختصاصات الجنائية المنوطة بديوان المظالم حالياً، وإنما سيتسع اختصاص الديوان في مجال القضاء الجنائي كلما دعت الحاجة إلى ذلك سواء بصفته جهة حكم أو جهة استئناف، فنصوص نظامه تعطي الحق للسلطة المختصة في إحالة ما تراه من دعاوى جزائية في أي وقت إليه، خصوصاً وأن أنظمة جرائم التعزير تزداد يوماً بعد يوم نتيجة تزايد الحاجة إليها، وذلك استجابة لمقتضيات التطور الشامل في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المملكة العربية السعودية.
غير أن ديوان المظالم هو جهة قضاء إداري فقط حسب ما رسمه له نظامه الصادر سنة 1402هـ، وما أنيط به من اختصاصات جنائية وغيرها إنما هو على سبيل الاستثناء وبشكل مؤقت إلى حين عمل الترتيبات اللازمة لقيام المحاكم العامة بالفصل في تلك النزاعات، وهذا يظهر بلا شك رغبة السلطة التنظيمية السعودية في إعمال نص المادة (26) من نظام القضاء التي تجعل المحاكم الشرعية في المملكة هي المختصة بنظر جميع المنازعات والجرائم بمختلف أنواعها سواءً أكانت جرائم حدود أم قصاص أم تعزير.
وبناءً على ذلك، فلقد حان الوقت الآن لإعادة كافة الاختصاصات القضائية الجنائية وغيرها إلى المحاكم الشرعية صاحبة الولاية القضائية العامة، ومؤدى ذلك من جهة، أن يقتصر الاختصاص القضائي لديوان المظالم على المنازعات ذات الطبيعة الإدارية فقط، ومن جهة أخرى، أن تلغى كافة اللجان والهيئات الإدارية ذات الاختصاص القضائي الجنائي التي لم يعد من المناسب استمرارها بعد أن توافرت الكوادر القضائية المتخصصة القادرة على حسن إدارة العدالة، ولا مجال للقول في سبيل عدم تطبيق ذلك بأن المحاكم الشرعية تتحرج من تطبيق أنظمة جرائم التعزير باعتبارها ليست مستمدة من الشريعة الإسلامية بل منقولة عن بعض القوانين الوضعية.
فالحقيقة أن تلك الأنظمة لا تتعارض في شيء مع حكم من أحكام الشرع الحنيف، وإنما هي تمثل صياغة حديثة لأحكام فقهية مقررة وإلا لما أقدم ولي الأمر في هذه الدولة الإسلامية على إصدارها مراعاة لمصلحة الفرد والمجتمع على السواء، وتطبيقاً لمفهوم جرائم التعزير التي تتكاثر وتتنوع بشكل طبيعي كلما ازدادت تعقيدات الحياة الحديثة حيث تظهر مسائل جديدة على المجتمع الإسلامي.
لكن جعل كافة الاختصاصات القضائية بيد المحاكم الشرعية يتطلب إنشاء المزيد منها مع ضرورة تطويرها بإعادة تنظيمها وتحديد إجراءات التقاضي أمامها بشكل أكثر تفصيلاً بحيث تكون قادرة بإذن الله على القيام بدورها القضائي الكبير على أكمل وجه.
د. اسامه نور