المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نطاق تطبيق نظام مكافحة الرشوة السعودي على موظفي القطاع الخاص



ريما عسيري
28-06-2009, 10:28 AM
نطاق تطبيق نظام مكافحة الرشوة السعودي على موظفي القطاع الخاص

هل بات من الممكن بعد صدور نظام مكافحة الرشوة لعام 1412هـ أن تسري أحكامه على مرتكبي جرائم الرشوة من العاملين في القطاع الخاص؟ هذا هو السؤال الذي يلخص مشكلة الدراسة.
ولذلك فإن لهذا التساؤل أهميته، فمن جهة، ظلت كافة أنظمة جرائم الرشوة السعودية المتعاقبة زمنياً وأحكامها المختلفة ابتداءً من عام 1350هـ وحتى سنة 1381هـ (وهو العام الذي صدر فيه نظام مكافحة الرشوة الأكثر تطوراً من سابقيه واستمر العمل به لمدة ثلاثين عاما تقريباً) تتوجه دائماً إلى الوظيفة العامة والموظفين العموميين دون أن تنسحب على العاملين في إطار الأعمال الخاصة إلا في نطاق ضيق جداً، ولا يعني ذلك الانعدام المطلق للعقاب على جريمة الرشوة التي يرتكبها الموظفون والمستخدمون في المشروعات الخاصة، باعتبار أن الرشوة معصية نهت عنها الشريعة الإسلامية، فأصل الاختصاص في العقاب عليها بالمملكة العربية السعودية منعقد- بوصفها جريمة تعزيرية- للمحاكم الشرعية التي بإمكانها- عند إحالة القضايا من هذا النوع إليها، أن تعاقب الفاعل بالعقوبة الملائمة، حسب طبيعة وظروف كل واقعة، باعتبار أن تلك المحاكم هي، من حيث الأصل، صاحبة الولاية العامة والاختصاص بنظر جميع أنواع القضايا المدنية والجنائية.
ومن جهة أخرى، لا يخفى على أحد مدى خطورة أفعال الرشوة بوجه عام على المجتمعات، ويعكس ذلك اهتمامات كافة التشريعات العقابية المقارنة بها منذ زمن بعيد من خلال نصوص التجريم التي تعاقب عليها وقد أدركت السلطة التنظيمية السعودية هذه الخطورة، بدلالة ما تعرضت له نصوص جريمة الرشوة في المملكة من تعديلات عديدة، كما أشرنا، منذ عام 1350هـ وحتى سنة 1412هـ، ففي ذلك العام صدر نظام مكافحة الرشوة الأخير الذي أرادت السلطة التنظيمية به، كما كنا نعتقد، مواكبة المستجدات على أرض الواقع ولتسد الثغرات كافة أمام مرتكبي جريمة الرشوة في القطاعين العام والخاص على السواء، والاعتبار في ذلك هو أن الإدارة الحكومية في المملكة، تضطلع بدور بارز في مجال الخدمات التي تقوم بتقديمها للمواطنين، والتصاق مصالح هؤلاء بالعديد من المرافق العامة، يضاف إلى ذلك تزايد نمو دور القطاع الخاص في المملكة دون توقف، سواء في مجال الدخول مع الدولة في العديد من الأعمال والمشروعات المتصلة بالصالح العام، أو مجال أنشطته المختلفة التي تؤثر بشكل عام على الاقتصاد الوطني، وعليه فقد كان يعني صدور نظام مكافحة الرشوة السعودي الأخير يعني، وبحق، اشتماله على عناصر وأحكام جديدة لم تعرفها أنظمة جريمة الرشوة القديمة، ونقصد بذلك عدم تفريق أحكامه بشكل كبير بين موظف يعمل في القطاع العام وآخر يعمل في القطاع الخاص، كما كانت تفعل أنظمة جرائم الرشوة القديمة.
وإذا كانت النظرة الأولى إلى نصوص هذا النظام لا توحي بأن اختلافاً جذريا قد تحقق بينه وبين سابقه سنة 1381هـ، لأن أحكامه ظلت تخاطب في معظمها مرتكبي الرشوة من الموظفين العموميين، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن هناك تطابقاً تاماً بين كلا النظامين فيما يتعلق بالفئات الأخرى من غير الموظفين العموميين الذي تسري عليها أحكام النظام إذا ارتكبوا جريمة الرشوة، فنظام مكافحة الرشوة لعام 1381هـ كان قد استثنى في مادته التاسعة بعض الموظفين غير الحكوميين واعتبرهم حكماً من قبيل الموظفين العامين في مجال تطبيق أحكامه. وعلى هذا النهج أيضاً سار منظم سنة 1412هـ، من خلال المادة (8) في نظام مكافحة الرشوة، ولكن هذه المرة بطريقة قد تفصح عن توجه جديد في المملكة نحو إعطاء المزيد من الحماية الجنائية لأعمال المشروعات الخاصة عن طريق عقاب العاملين فيها بموجب نصوص جرائم الرشوة.
هذا التوجه التنظيمي الأخير دفعنا إلى وقفة تأملية للتعرف على ملامحه المختلفة وإظهار مدى التوفيق الذي قد يرجى من تطبيقه،وذلك من خلال زاويتين: نعرض في الأولى لموظفي القطاع الخاص الذين تنسحب عليهم أحكام نظام مكافحة الرشوة، وتتناول الثانية شروط تطبيق ذلك النظام عليهم، وسوف نبدي أخيراً رأينا فيما جاءت به النصوص التجريمية الجديدة، أو النافذة، من تعديل.

أولا- موظفو القطاع الخاص الذين تسري عليها أحكام النظام

سبقت الإشارة إلى أن نظام مكافحة الرشوة الملغى عرف فئات من الموظفين غير العموميين الذين كانت تسري عليهم أحكامه، وهم موظفو الشركات المساهمة والشركات الأخرى في بعض الحالات، وكذلك المحكم أو الخبير المعين من قبل الحكومة وأيضا كل مكلف من جهة حكومية بأداء مهمة معينة، ومع صدور النظام الأخير استمرت أحكامه أيضاً تنسحب على موظفي تلك الشركات والفئات الأخرى نفسها من العاملين في القطاع الخاص، ولكن أضيف إليهم لأول مرة في المملكة موظفو المؤسسات الفردية والمصرفية إذا توافرت بعض الشروط، لذلك يمكن مما تقدم تقسيم العاملين في القطاع الخاص الذين تطبق عليهم أحكام النظام إلى خمسة طوائف.

أ – موظفو الشركات المساهمة

لم يختلف الوضع إطلاقاً بصدور نظام مكافحة الرشوة لسنة 1412هـ عنه في نظام سنة 1381هـ فقد وردت عبارة: (موظفو الشركات المساهمة) ضمن من تسري عليهم أحكام كلا النظامين عامة مطلقة، بحيث يتم تطبيق عقوبات جرائم الرشوة على كل العاملين في هذا النوع من الشركات- في حالة ثبوت ارتكاب فعل الرشوة- وتتبع في محاكمتهم نفس الإجراءات الجنائية المتبعة بالنسبة للموظف العام وأمام نفس جهات الحكم والتحقيق،ويعني ماتقدم أن موظف الشركة المساهمة انفرد بوضع قانوني يميزه عن باقي العاملين في المشروعات الخاصة الذين لا تسري عليهم أحكام نظام مكافحة الرشوة، بل يخضعون لحكم القاعدة العامة لجرائم التعزير في الشريعة الإسلامية، وتختص بنظر دعاوى الرشوة بالنسبة لهم المحاكم الشرعية صاحبة الولاية العامة كما أشرنا، بحيث يتعين على صاحب المشروع الخاص أن يرفع دعواه –بشأن رشوة بعض عماله أو استغلالهم للنفوذ المستمد من وظائفهم لتحقيق مآرب خاصة- إلى القضاء الشرعي، الذي يحكم بمعاقبة الفاعل تعزيراً إذا ما تأكد من أن ما أتاه من سلوك مقصود، يشكل معصية طبقاً للمفاهيم الشرعية.
وتبدو أهمية إدراج العاملين في الشركات المساهمة من ضمن من تنسحب عليهم نصوص مكافحة الرشوة منذ سنة 1382هـ وحتى الآن، في خطورة الدور الذي تقوم به الشركات المساهمة في مجال الاقتصاد الوطني والرغبة في حماية أموال المساهمين فيها وهم جمعيا من المواطنين وأن لم تقم هذه الشركات بأداء مهمات للمصالح العامة.
فيكفي إذا أن تنشأ الشركة المساهمة في المملكة بموجب أحكام نظام الشركات السعودي كي يخضع كل العاملين فيها لنظام مكافحة الرشوة إذا طلبوا أو قبلوا أو أخذوا الرشوة، ولا أهمية بعد ذلك لنوع النشاط الذي تزاوله الشركة المساهمة أو الخدمات التي تقدمها سواء أكانت ذات طبيعة صناعية أم عقارية أم زراعية. بل حتى موظفو البنوك السعودية كافة يخضعون لحكم نص الفقرة (4) من المادة (8) في نظام مكافحة الرشوة باعتبار أن البنوك في المملكة لا تنشأ إلا على هيئة شركات مساهمة حسب نص المادة (3)من نظام البنوك، التي تشترط صراحة أن يكون البنك شركة مساهمة.

ب – موظفو الشركات غير المساهمة

بالإضافة إلى شمول نظام مكافحة الرشوة القديم موظفي الشركات المساهمة، فقد نصت المادة (9) منه أيضاً، في فقرتها (هـ)، على شمول كل العاملين في كافة أنواع الشركات الأخرى غير المساهمة التي تقوم: "بالتزام في المرافق العامة". غير أن نص المادة (8) من نظام مكافحة الرشوة الأخير جاء أكثر تفصيلاً من سابقه بالنسبة لباقي أنواع الشركات، إذ لم يكتف بالنص على عبارة :" الشركات التي تقوم بالتزام في المرافق العامة"، بل عدد تلك الالتزامات في الفقرة (4)، ويتمثل ذلك في إدارة وتشغيل المرافق العامة أو صيانتها أو مباشرة أي خدمة عامة، ويبدو أن الغرض من هذا التفصيل هو إخراج مفهوم تلك الشركات، في مجال جريمة الرشوة، من نطاقه الضيق لعدم إثارة أي لبس حول معنى عبارة : " القيام بالتزام في المرافق العامة"، حيث من الممكن فهمها على أن واضع النصوص كان يقصد فقط شركات الامتياز التي تتمتع بعقود امتياز من قبل الدولة مثل شركة أرامكو.
ويبنى على ما تقدم أن نصوص مكافحة الرشوة تنطبق على جميع موظفي الشركات التي تؤدي أعمالاً للصالح العام، وهذه الشركات تعتبر في الأصل مشروعات خاصة يملكها أشخاص لا ينتمون إلى أي مرفق من المرافق العامة، فهم يعملون لحسابهم الخاص من أجل تحقيق الربح، وتتمتع الشركة بشخصية معنوية مستقلة عن شخصية الشركاء مما يترتب عليه أن يكون لها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء، وتتمتع كذلك بأهلية وجوب وأهلية أداء، وعلى أية حال، فلا أهمية لنوع المرفق الذي يدار عن طريق هذه الشركات سواء أكان صناعياً أم إدارياً أم تجاريا أم استثمارياً، فالعبرة في مفهوم القيام بأداء وتشغيل المرافق العامة أو صيانتها أو مباشرة خدمة عامة الذي عناه نص الفقرة (4) من المادة (8) هي كون ذلك الالتزام من اختصاص الدولة التي يقع عليها تأديته باعتباره جزءاً من أعبائها العامة، لكنها توكل القيام به إلى إحدى جهات القطاع الخاص لاعتبارات عملية واقتصادية، مما يقتضي ضرورة إدخال من يعملون في أداء تلك الالتزامات ضمن من يطبق عليهم النظام باعتبار أنهم يمثلون الدولة التي تهمها المحافظة على نزاهة ما يؤدى من أعمال باسمها، لذلك فإن اعتبار من يعملون في مثل هذا النوع من الشركات بحكم الموظفين العامين في تطبيق أحكام جريمة الرشوة، ضرورة تبررها عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستمرة في المملكة والتي تتطلب تنفيذ العديد من المشروعات عن طريق الاستعانة بجهات القطاع الخاصة المحلية أو الأجنبية، ومن ذلك مثلاً: إنشاء المباني والطرق وشبكات الخدمات العامة كالكهرباء والماء والهاتف وكذلك صيانة وتشغيل المرافق العامة التابعة للدولة وتقديم مختلف خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية للمواطنين.

ج – موظفو المؤسسات الفردية

لم يتضمن نظام مكافحة الرشوة القديم أي إشارة إلى العاملين في المؤسسات الفردية- أي التي يملكها شخص واحد- عندما يرتكبون جرائم الرشوة الواردة فيه، سواء أكانت تلك المؤسسات تقويم بإدارة وتشغيل وصيانة المرافق العامة أم لا، وكان يعني ما تقدم ربما إفلاتهم من العقاب في كثير من الحالات، على الرغم من توافر إمكانية عقابهم طبقاً لنظام جرائم التعزيز، وذلك لعدم وضوح القنوات التي ينبغي أن تسلك في مثل هذه الحالات وكذلك عدم وجود نصوص دقيقة يتم بموجبها عقاب المرتشين من موظفي المؤسسات الفردية.
ولذلك فقد كان لزاماً على واضع النصوص الجديدة أن يفطن إلى تلك الثغرة في نظام مكافحة الرشوة القديم، وعليه فقد تضمن النظام الأخير إمكانية عقاب العاملين في المؤسسات الفردية بموجب أحكامه إذا توافرت شروط معينة، فقد جاء نص الفقرة (4)من المادة (8) منه على نحو يسمح بذلك. إذ نص في تلك الفقرة على شمول: " كل من يعمل لدى الشركات والمؤسسات الفردية التي تقوم بإدارة وتشغيل المرافق العامة أو صيانتها أو تقوم مباشرة خدمة عامة وكذلك من يعمل لدى المؤسسات الفردية التي تزاول الأعمال المصرفية".
ومفاد هذا النص، أنه بالإضافة لموظفي شركات المساهمة والشركات الأخرى حين تؤدي التزاماً لجهة حكومية، فإن تطبيقه ينسحب حتى على العاملين في المؤسسات الفردية، إذا ساهمت تلك المؤسسات بجزء من عمل الإدارة الحكومية.
والحقيقة أن إدخال العاملين في المؤسسات الفردية في نطاق تطبيق أحكام جريمة الرشوة، أصبح أمراً ملحاً على ما يبدو، لأن كثيراً من الأعمال الخاصة تتكون على شكل مؤسسة يملكها فرد واحد، وهذا النوع من المؤسسات يزداد انتشاره في المملكة، كما أن كثيراً منها تربطها بالجهات الحكومية عقود مختلفة مثل عقود الصيانة والتشغيل والبناء وغيرها، لذا فإننا نعتبر هذا التوجه الجديد حسناً لما فيه من توسع في نطاق تطبيق النظام، وهو حسن، من جهة ثانية، إذ أنه أدرج ضمن من تشملهم نصوص القانون: العاملين في المؤسسات الفردية التي تزاول الأعمال المصرفية والتي هي غير مصرح لها أصلاً بمزاولة مثل هذه الأعمال لعدم كونها على هيئة شركات مساهمة كما تشترط المادة (3) من نظام مراقبة البنوك، وعلى أية حال، فإن وجود مثل هذه المؤسسات واقعياً، وكونها تمارس الأعمال البنكية خلافاً للنظام، يقتضي أن يعتبر موظفوها عموميين حكميين نظراً لخطورة ما يقومون به من أعمال تتصل بشكل مباشر بالاقتصاد الوطني وبحقوق من يتعاملون معها من الأفراد.

د – المحكمون والخبراء

نصت الفقرة (هـ) من المادة (9) في نظام مكافحة الرشوة الملغى وكذلك الفقرة (2) من المادة (8) في النظام الحالي على المحكم والخبير المعين من قبل الحكومة أو أية هيئة لها اختصاص قضائي، ويندرج تحت هذه الفئة على سبيل المثال الخبير الذي ترشحه جهة قضائية معينة لمعاونتها في أحد أعمالها، أو الخبير الذي تنتدبه لجنة جمركية لإبداء الرأي، أو تنتدبه لجنة من لجان الغش التجاري في المملكة لاستطلاع رأيه في مسألة معينة، وكذلك الخبير الذي قد يندب في قضايا التزوير التي تحتاج للحكم فيها إلى آراء الخبراء والمحكمين.
ويشترط بالطبع لانطباق نص الفقرة (4) على هذه الفئة ألا يكونوا أصلاً موظفين عموميين، لأن المحكم أو الخبير إذا كان موظفاً عاماً تسري عليه أحكام النظام تلقائياً دون حاجة للنص عليه بشكل استثنائي ضمن فقرات المادة (8) الأمر الذي يقتضي القول أن المحكم أو الخبير الذي عناه نص الفقرة (4) هما ممن يعملون لحسابهما الخاص أو يتبعون إحدى جهات القطاع الخاصة الوطنية أو الأجنبية.
وفي تقديرنا فإن هذه الفئة اعتبرها المنظم بحكم الموظفين العموميين لأنهم يقومون بمهمات وأعمال ذات خطورة معينة تدخل في نطاق الخدمة العامة، فالأعمال التي يؤدونها منها ما هو من نفس طبيعة العمل القضائي كالمحكمين، ومنها يعتبر ممهداً عن طريق إبداء الرأي الذي ينتهي إليه الخبير في تقديره ويؤثر بشكل كبير على جهة الحكم حين تتخذ قرارها النهائي، لذلك فإن إدراج الخبير أو المحكم من ضمن الأشخاص الذين تنطبق عليهم نصوص النظام له ما يبرره، إذ أن في ممارستهما للأعمال التي يكلفان بها تمثيلاً للجهة التي يعملان لمصلحتها سواء أكانت سلطة قضائية أو إرادية، فهم يعملون باسمها ولحسابها وقبولهم للعطايا من أصحاب المصالح سيخل بنزاهة وأمانة تلك الجهة.
لكن ينبغي أن نشير هنا إلى أنه لكي يخضع المحكم أو الخبير لأحكام نظام مكافحة الرشوة يجب أن يكون من جهة حكومية أو من هيئة لها اختصاص قضائي، فلا يكفي لاكتساب صفة الموظف العام الحكمي لهذه الفئة أن يكون المحكم أوالخبير قد تم اختياره ومن ثم تعيينه من قبل الخصوم في الدعوى القضائية أو من قبل شخص ذي مصلحة ولا ينتسب لجهة حكومية، فقد قيدت الفقرة (4) مسألة تعيين المحكم أو الخبير بضرورة كونه صادراً من جهة حكومية أو من هيئة ذات اختصاص قضائي حيث جاء نصّها بعبارة: المعين من قبل الحكومة أو من أية هيئة ذات اختصاص قضائي" لذلك لا يجوز القياس على هذا النص باعتبار المحكم أو الخبير المعين من قبل الخصوم، دون تدخل من أية جهة قضائية بإقرار ذلك مثلاً، يؤدي إلى تطبيق أحكام الرشوة عليه، لأن القواعد العامة في القانون الجنائي تقضي بعدم جواز القياس على النصوص الجنائية أو التوسع في تفسيرها".

هـ- المكلفون بأداء مهام معينة

اشتملت أيضاً الفقرة (3) من المادة (8) في نظام مكافحة الرشوة الحالي على نفس الفئة من الأشخاص التي كانت تنص عليها الفقرة (د) من النظام الملغى. ونقصد بذلك كل مكلف لجهة الحكومة أو أية سلطة إدارية بأداء مهمة معينة، ومفهوم هذا النص هو أن من لا تنطبق عليه صفة الموظف العام (أي من يعمل لحسابه الشخصي كالمحاسب والمهندس أو في إحدى جهات القطاع الخاص) إذا كلف بأداء عمل من الأعمال العامة أو بمهمة للدولة، سيعد مرتشياً إذا تقاضى أي فائدة مقابل أداء عمل أو امتناع، ممًا يدخل ضمن مهامه أو أعماله التي كلف بها. ويعاقب هذا المكلف بموجب أحكام نظام مكافحة الرشوة، سواء أكانت المهمة التي كلف بها دائمة أو مؤقتة بأجر أم بدون أجر، وسواء أكان المكلف يشغل مركزاً وظيفياً في الدولة أم أنه غير موظف كما أسلفنا، ولكن يجب مراعاة أن يكون الشخص قد كلف بالخدمة العامة ممن يملك التكليف، وهذا ما يستفاد من النص صراحة بقوله :" كل شخص مكلف" بحيث ينبغي استبعاد من كان قد ندب نفسه هو للقيام بعمل عام أو بخدمة عامة، فلو طلب أو أخذ، من ندب نفسه للقيام بعمل ما، مقابلاً من أصحاب الشأن نظير ما يؤديه من عمل أو امتناع، فلا يعد مرتشياً ولا يساءل بموجب أحكام الرشوة، وإن كان من الممكن اعتباره لفعل النصب والاحتيال الذي تعاقب عليه الشريعة بوصفه معصية يعزر فاعلها.
غير أن عدم ورود صفة "العمومية" للمهمة أو العمل الذي يكلف به الشخص من جهة الحكومة لا ينبغي القول معه إن كلمة (المهمة) الواردة بالنص هي عامة لأن التكليف لا يصدر بها في الأصل إلا من جهة حكومية أو أية سلطة إدارية أخرى، كذلك يصح التكليف ويكون المكلف موظفاً عاماً حكمياً لو أن الجهة صاحبة قرار التكليف كانت شخصاً من أشخاص القانون العام كالهيئات والمؤسسات العامة التابعة للدولة، على الرغم من عدم ذكرها صراحة في نص الفقرة (4) باعتبار أن مفهوم الخدمة العامة(أو المهمة العامة) يعني أن من يكلف بها سيعمل لمصلحة مرفق عام يعود على الجمهور بالنفع عن طريق الإسهام في إشباع حاجاته.
وهذا المفهوم ينطبق بالطبع على كافة المرافق العامة مثل مرفق التعليم والأمن والقضاء والكهرباء والمياه والصحة وغيرها، لذلك فإن معنى التكليف بمهمة عمومية، كما تقدم، هو ما تبنته جهة الحكم في قضايا الرشوة (بديوان المظالم السعودي)، حيث اعتبرت في أحد أحكامها أن مدرب الإشارات بمدرسة تعليم قيادة السيارات الخاصة – وهي جهة مكلفة بمهمة تعليم القيادة من الدولة- يعد موظفاً عاماً حكميًا وينطبق عليه بالتالي نظام مكافحة الرشوة.

ثانياً- شروط تطبيق النظام على موظفي القطاع الخاص

رأينا فيما سبق أن هناك تعدداً وتنوعاً لموظفي القطاع الخاص الذين تنسحب عليهم أحكام نظام مكافحة الرشوة، فكان من شأن ذلك خلق اختلاف في الشروط التي تضمنها النظام لتطبيق أحكامه عليهم، ويقتضي ذلك بيان مختلف الحالات التي شملها النظام.

أ – بالنسبة لموظفي شركات المساهمة

لم تقيَّد في الحقيقة نصوص نظام مكافحة الرشوة في مسألة انسحابها على موظفي شركات المساهمة، بوجه عام، بأية شروط خاصة، مما يعني أنه يكفي كون مرتكب الرشوة موظفاً في إحدى شركات المساهمة، فتسري عليه دون قيد أو شرط أحكام ذلك النظام بالكامل سواء ما تعلق منها بجانب التجريم أو العقاب، ولا يهم بعد ذلك إن كانت الشركة سعودية أم أجنبية أو كان الموظف فيها- المرتشي- سعوديا أو أجنبياً يقوم بعمل دائم أم مؤقت بأجر أو بدون أجر، كذلك لا يهم من جهة ثانية، لسريان أحكام نظام مكافحة الرشوة على العاملين في شركات المساهمة، وإن كانت هذه الأخيرة لا تقوم بأية أعمال أو خدمات ذات طبيعة عامة، أي أنها لا ترتبط بأية جهة حكومية برابطة قانونية من أي نوع بحيث يكفي قيامها فقط بأداء أنشطتها التجارية المعتادة فيكون جميع منسوبيها تلقائيا ممن يخضعون لأحكام نظام مكافحة الرشوة.

ب – بالنسبة للمحكمين والخبراء والمكلفين بأداء مهام معينة

يكاد يتشابه المركز القانوني من حيث وضوحه، بالنسبة لكل من موظفي شركات المساهمة والمحكم والخبير المعين من قبل الحكومة أو أية هيئة لها اختصاص قضائي، وكذلك بالنسبة لكل مكلف من جهة حكومية أو أية سلطة أخرى بأداء مهمة معينة، فأحكام نظام مكافحة الرشوة تنسحب عليهم منذ اللحظة التي يتم فيها تكليفهم أو تعيينهم من جهات عامة- على نحو ما أسلفنا- لأداء المهام الملقاة على عاتقهم أيا كانت طبيعتها، وإن انتفت التبعية بالنسبة لهم مع أية جهة حكومية أو قضائية، باعتبار أنهم ليسوا موظفين عموميين، وإنما يمارسون في الأصل أعمالاً حرة ومهنية مختلفة لحسابهم الخاص أو يتبعون إحدى جهات القطاع الخاص كالشركات والمؤسسات.

ج – بالنسبة لموظفي المؤسسات الفردية والشركات غير المساهمة

قد تثور مشكلة تطبيق أحكام نظام مكافحة الرشوة إذا ما تعلق الأمر بموظفي الشركات غير المساهمة أو المؤسسات الفردية، فبالرجوع إلى نص الفقرة (4) من المادة (8) في نظام مكافحة الرشوة الأخير، يظهر جلياً أنه لا يكفي- لتطبيق أحكام النظام- على أحد مرتكبي الرشوة من موظفي المؤسسات الفردية أو الشركات غير المساهمة لمجرد كونه أحد العاملين فيها. بل لا بد حسب النص الواضح للفقرة (4) أن تقوم الشركة غير المساهمة أو المؤسسة الفردية بإدارة وتشغيل المرافق العامة أو صيانتها أو بمباشرة أية خدمة عامة، ويعني هذا النص بمفهوم المخالفة أنه إذا كان فاعل الرشوة ينتمي إلى مؤسسة أو شركة ليست لها أية علاقة تعاقدية من أي نوع مع الدولة، فلا يخضع لأحكام نظام مكافحة الرشوة، بل يخضع للقواعد العامة لجرائم التعزير ويعاقب طبقاً للسلطة التقديرية لقضاة المحاكم الشرعية.
ولا صعوبة في الحقيقة للتعرف على مدى وجود رابطة تعاقدية بين المؤسسة أو الشركة وبين الدولة، إذ أن نص الفقرة (4) عدد الأعمال التي تؤديها المؤسسات والشركات للصالح العام بطريقة موسعة ومطلقة، فعبارات إدارة وتشغيل المرافق العامة أو صيانتها أو مباشرة خدمة عامة تسمح بالقول بأن أي تفويض بمقابل وبموجب عقد من قبل الدولة لصالح إحدى الشركات غير المساهمة أو المؤسسات الفردية لأداء عمل محدد- مهما كانت طبيعته- للصالح العام يندرج تحت المعنى الذي قصده واضع نص الفقرة (4)، ومؤدى ذلك أن كافة المشروعات والخدمات التي يقع على الدولة أصلاً القيام بها للصالح العام متى ما تم التعاقد للقيام بها مع أية شركة أو مؤسسة، فإن العاملين كافة في تلك الشركات أو المؤسسات يصبحون حكماً في عداد الموظفين العامين الذي يقومون بأداء أعمال تعود بالنفع على الجمهور.
ويبدو أن السلطة التنظيمية السعودية لم تجد مناصاً مما ضمنته في نص الفقرة (4) المشار إليها، فالحقيقة يجري العمل في المملكة منذ زمن بعيد وفق سياسة اقتصادية من شأنها تنشيط وتقوية جهات القطاع الخاص السعودية المختلفة بما يؤثر إيجاباً على الاقتصاد الوطني، وذلك عن طريق تخويل الشركات والمؤسسات- طبقاً لأنظمة العقود الإدارية السعودية- تنفيذ مهام الدولة المختلفة لصالح المواطنين،وكذلك فإن جل مشاريع الدولة المتعددة سواء ما تعلق منها بأعمال البناء عموماً أو تقديم الخدمات بوجه عام- كالصحية الاجتماعية وغيرها- تقوم بتأديتها في معظم الأحيان شركات ومؤسسات وطنية وفي أحوال أخرى قليلة شركات ومؤسسات أجنبية، وسواء أكانت الشركة أو المؤسسة وطنية أو أجنبية – حيث لم يفرق النص بينهما- فإن ذلك يقتضي بطبيعة الحال ضمان حد معين من النزاهة والتجرد في أداء تلك الأعمال، وإلا فإن تفشي الرشوة في الأعمال التي تؤدى للصالح العام من قبل جهات القطاع الخاص، من شأنه الإخلال بثقة المواطنين في الدولة والتشكيك في نزاهة ما تقوم به من أعمال لصالحهم الأمر الذي يؤدي إلى تشويه مفاهيم العدل والمساواة والاستقامة.
من أجل ذلك اتجهت السلطة التنظيمية السعودية منذ عام 1412هـ، إلى ضرورة حماية ما تقدمه الدولة من خدمات ومشروعات للصالح العام عن طريق جهات القطاع الخاص بمساواة العاملين في تلك الجهات مع غيرهم من موظفي القطاع العام من حيث تطبيق نصوص نظام مكافحة الرشوة وما شملته من عقوبات بشكل دقيق وتبعاً لإجراءات وقنوات محددة المصالح.
ولكن إذا كان الشرط المتقدم بضرورة ارتباط جهات موظفي القطاع الخاص بعقود مع الدولة يعد واضحاً، فيما يتعلق بتطبيق أحكام نظام مكافحة الرشوة عليهم، فإن تساؤلان هامان يطرحان ذاتيهما علينا في هذا المجال:
التساؤل الأول
هل يكفي أن يكون مرتكب الرشوة موظفاً في شركة خاصة أو مؤسسة فردية ذات علاقة تعاقدية مع الدولة ليخضع بالتالي تلقائياً لأحكام النظام وإن لم يرتكب فعل الرشوة بمناسبة تنفيذ تلك العلاقة التعاقدية بين المنشأة الخاصة التي يتبعها وبين الدولة؟
لهذا التساؤل أهمية كبرى خصوصاً إذا ما عرفنا أن معظم الشركات والمؤسسات الفردية التي تقوم بمشاريع وخدمات للصالح العام تؤدي في ذات الوقت أعمالاً خاصة تجارية لصالحها دون أن تمس من قريب أو بعيد تلك الأعمال ذات الطابع العام، فعلى سبيل المثال الشركات والمؤسسات التي تقوم بتشغيل وصيانة المستشفيات العامة في المملكة من الممكن أن تقوم في نفس الوقت بتشغيل وصيانة مستشفيات القطاع الخاص، وكذلك الشيء نفسه بالنسبة للشركات والمؤسسات التي تقوم ببناء المرافق العامة – كالطرق والمدارس- من الممكن أن تقوم بحكم نشاطها ببناء المساكن الخاصة والمراكز التجارية وغيرها، فما حكم من يطلب أو يقبل أو يأخذ الرشوة مثلاً بمناسبة نشاط تجاري خاص تؤديه شركته أو مؤسسته، ذات العلاقة المزدوجة، لحساب فرد أو جهة خاصة.
في الحقيقة إن القراءة المتمعنة لنص الفقرة (4) والمبنية على قاعدة عدم جواز التوسع في تفسير النصوص الجنائية، تؤدي حتماً إلى القول بأنه لا بد لانطباق نصوص نظام مكافحة الرشوة على موظفي الشركات غير المساهمة أو المؤسسات الفردية، أن تكون جريمة الرشوة قد ارتكبت في معرض قيامهم بالأعمال ذات الصبغة العامة التي قد تم التعاقد عليها مع جهات الحكومة المختلفة، ومؤدى ذلك بالطبع أن أولئك الموظفين لن تنسحب عليهم نصوص نظام مكافحة الرشوة لو أنهم تقاضوا العطايا من أجل القيام بأعمال لا تمت بصلة لجهة الحكومة حتى وإن كانت الشركة والمؤسسات التي يعملون بها ملتزمة بأداء أعمال أخرى في مرفق من المرافق العامة.
وتبرير ما تقدم في اعتقادنا، هو أن واضع نص الفقرة (4) لم يشأ إطلاقه على كل من يعمل لدى شركة أو مؤسسة فردية، وإلا كان في حاجة أصلاً إلى إتباع كلمتي الشركات والمؤسسات الفردية بعبارة:" التي تقوم بإدارة وتشغيل المرافق العامة أو صيانتها أو تقوم بمباشرة خدمة عامة".
ويؤكد وجهة نظرنا تلك، من جهة أخرى، أن المنظم في الفقرة (4) عندما استمر بعد ذلك في تعداد من تسري عليهم أيضاً أحكام النظام، استثناء، لم يقيد ذلك بأي شرط، فبعد النص على العاملين في الشركات والمؤسسات الفردية التي تقوم بإدارة وتشغيل المرافق العامة،، أضاف فيما بعد:" وكذلك كل من يعمل لدى شركات المساهمة والشركات التي تساهم الحكومة في رأس مالها والشركات أو المؤسسات التي تزاول الأعمال المصرفية". ويعني ما تقدم أن العاملين في شركات المساهمة والمؤسسات الفردية التي تزاول الأعمال المصرفية مستثنون من القيود المتقدمة، بحيث يخضعون لأحكام نظام مكافحة الرشوة وإن لم ترتبط جهات عملهم بأية رابطة قانونية من أي نوع مع جهة حكومية، وهو أمر يبدو منطقياً وعلى وجه الخصوص لموظفي المؤسسات الفردية والشركات التي تزاول الأعمال المصرفية، إذ لا يتوقع على الإطلاق أن ترتبط مثل هذه المنشآت تعاقديا مع الدولة وهي لا تؤدي سوى أنشطة ذات طبيعة مصرفية محدودة لا تندرج تحت مفهوم المشاريع والأعمال ذات النفع العام، إضافة إلى عدم مشروعية وجودها كما سبق وأشرنا.
التساؤل الثاني:
هل يخضع لأحكام نظام مكافحة الرشوة الموظف في مؤسسة فردية أو شركة غير مساهمة متعاقدة من الباطن لأداء عمل أو خدمة عامة مع الشركة أو المؤسسة أصلاً تعاقدياً بتقديم تلك الخدمات والأعمال ذات الطبيعة العمومية؟
بالرجوع إلى نص الفقرة (4) من المادة (8) في نظام مكافحة الرشوة، يبدو أن المقصود من عقاب الموظف في المؤسسة الفردية، أو الشركة غير المساهمة بموجب أحكام ذلك النظام هو حماية الأعمال العامة من خطر العبث بها عن طريق أفعال الرشوة، وهو أمر يظهر جلياً لنا من نص الفقرة (4) التي لم يشأ واضعها بسط حكمها على كل من يعمل لدى مؤسسة أو شركة لا علاقة لها بأداء أنشطة الدولة المختلفة، فالعبرة في تطبيق نص الفقرة (4) هي كون فعل الرشوة قد ارتكب أثناء تنفيذ أحد عقود الإدارة أو بمناسبته وإن كان الموظف فاعل الرشوة لا ينتمي أصلاً إلى المؤسسة أو الشركة الملتزمة بشكل مباشر بأداء ذلك العمل ذي الصبغة العمومية وإنما بسبب تعاقد جهته مع المنشأة الخاصة المعنية بالأمر بموجب رابطة قانونية بينها وبين الدولة.
من أجل ذلك فإن أحكام ديوان المظالم السعودي، اتجهت بخصوص تطبيق نص الفقرة (هـ) من المادة (9) في نظام مكافحة الرشوة الملغى، إلى الحل ذاته عندما يتعلق الأمر بجريمة رشوة ارتكبها موظف يعمل في شركة خاصة متعاقدة من الباطن مع الشركة الأصلية صاحبة الالتزام، فقد قضت هيئة الحكم بديوان المظالم بتطبيق أحكام نظام مكافحة الرشوة بشأن المستخدم في شركة خاصة مكلفة من قبل أرامكو السعودية بتنفيذ بعض الأعمال نيابة عنها.

خاتمة

يظهر واضحاً مما سبق أن نظام مكافحة الرشوة لعام 1412هـ بالمقارنة مع سابقه لعام 1382هـ لم يحدث تغييراً جوهرياً وبالخصوص فيما يتعلق بانسحاب أحكامه على العاملين عموماً في القطاع الخاص، ويعكس ذلك بالطبع ذات الإطار الضيق لأحكام النظام الأخير حين اتخذ النهج ذاته الذي سار عليه نظام سنة 1382هـ الملغى، فنصوص جريمة الرشوة وإن ظلت تطبق على بعض المشتغلين في القطاع الخاص، إلا أنها مقيدة من حيث سريانها عليهم بشروط عدة من شأنها التضييق كثيراً من شموليتها ومن ثم انسحابها عل كل العاملين في القطاع الخاص، وإن كان هذا لا يعني حتماً انتفاء الفارق كلياً بين مجمل نصوص النظامين حيث رأينا أن توسعاً طفيفاً قد حدث بصدور نظام مكافحة الرشوة لعام 1412هـ، وذلك عندما أضاف هذا الأخير موظفي المؤسسات الفردية في بعض الحالات من ضمن من تطبق عليهم أحكامه.
ومع ذلك يمكن القول بأن نصوص جريمة الرشوة السعودية ظلت تخاطب في إطارها العام من يعمل في الوظيفة العامة في الدولة أو في حدود المهام والأعمال التي تقع على عاتقها، وهذا يظهر الرغبة لدى السلطة التنظيمية في الإحاطة بكل أنواع العبث والفساد التي لا تتأتى في الأصل إلا من موظف يخون أمانته ويفرط في نزاهته التي من الواجب أن يتحلى بها.
وعلى أية حال، تعد في تقديرنا، محدودية نطاق تطبيق نصوص جريمة الرشوة في المملكة على موظفي القطاع الخاص متعارضة مع أمرين هامين:
أولهما: إن أحكام الشريعة الإسلامية التي تنهى بشكل واضح وصريح عن إتيان أفعال الرشوة بوجه عام لم تفرق لهذه الجريمة بين من يرتكبها وهو يعمل في الدولة وآخر يعمل في جهة خاصة، ومع ذلك قد يقال بأن فاعل الرشوة ممن يعملون في القطاع الخاص لن يفلت من العقاب تطبيقاً لحكم الشرع الحنيف ووفقاً لنظام جرائم التعزير غير المقننة بنصوص تحدد أركانها وعقوباتها سلفاً، غير أن هذا الوضع من شأنه حتماً خلق ازدواجية في النظام الجزائي لا مبرر لها إذ قد تؤدي من جهة، إلى اختلاف معايير التجريم والعقاب في كلتا الحالتين، ومن جهة أخرى، فإن عدم معرفة العقاب مسبقاً لمن سيقدم على فعل الرشوة وهو يعمل في جهة خاصة، قد يؤدي إلى استخفافه واستهتاره بجريمة الارتشاء خصوصاً مع ضعف الوازع الديني وعدم إدراكه خطورة مثل ذلك الفعل.
ثانيهما: إن التوجهات الجديدة في السياسات الاقتصادية للملكة العربية السعودية تتطلب إضفاء المزيد من الحماية الجنائية لأعمال القطاع الخاص، فمن المعروف أن الخطط التنموية الأخيرة للدولة تهدف إلى إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في مجال حركة الاقتصاد الوطني، وهذا بلاشك جعل من ذلك القطاع ركيزة أساسية من الركائز الاقتصادية في الدولة بسبب نمو دوره الملحوظ في زيادة الإنتاج الوطني، مما يعني أن المشروعات الخاصة بحاجة ماسة الآن إلى إضفاء الحماية في ضمان نزاهة أعمال القطاع الخاص، حتى يتسنى له القيام بدوره المنشود في المساهمة في التنمية الشاملة التي تشهدها البلاد، وضمان حسن القيام بأعمال المشروعات الخاصة لا يتصور ألا مع وجود نصوص تجريمية يعاقب بموجبها من يعمل في تلك المشروعات إذا أتى من الأفعال المخلة بنزاهتها وحسن أدائها، وعلى رأسها جريمة الرشوة.
لكل ما تقدم فإننا نقترح إعادة النظر من جديد في نصوص نظام مكافحة الرشوة خصوصاً ما يتعلق منها بموظفي القطاع الخاص بحيث تسري عليهم دون قيد أو شرط، ولا يمنع ذلك من تخفيف العقاب عليهم في بعض الحالات باعتبار أن ضرر الرشوة في هذا المجال ليس دائماً في نفس جسامة ضررها فيما يتعلق بالأعمال العامة، ويمكن الاستفادة من التشريعات العقابية المقارنة في معالجتها لجرائم الرشوة الواقعة من العاملين في المشروعات الخاصة.

د. اسامه نور

المحامي أحمد المالكي
30-06-2009, 10:26 PM
بحث قيم ومفيد

شكراً لكاتب البحث وشكرا لناقله

وفقك الله

ريما عسيري
04-07-2009, 11:38 AM
بحث قيم ومفيد

شكراً لكاتب البحث وشكرا لناقله

وفقك الله


أشكرك على الحضور البهي

وفقك الله