المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل للمجني عليه أن يرجع على الجاني بما أنفقه من ثمن الدواء ، وأجرة الطبيب



الزغيبي
23-10-2009, 02:20 PM
مسائل قضائية
(4)
هل للمجني عليه أن يرجع على الجاني بما أنفقه من ثمن الدواء ، وأجرة الطبيب ونحوه ، إضافة إلى الأرش ؛ - إذا لم يتوفر الدواء والطبيب مجاناً – أم لا ؟
اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
ليس للمجني عليه أن يرجع على الجاني بما أنفقه من ثمن الدواء وأجرة الطبيب ونحوه ، وبه قال الإمام مالك(50)، واختاره الشيخ محمد بن إبراهيم . قال – رحمه الله – : (( وأما .... نفقتـه تلـك المـدة [ أي مـدة العـلاج ] وأجـرة الطبيـب فـلا أعلـم اسـتحقاقه الرجـوع به على من دعمه)) (51) . وقال في فتوى أخرى : ((أنه بتأمل ما ذكر لم يظهر لنا أن الجاني يتحمل ما ينفقه المصاب على نفسه مدة مرضه )) (52) .
القول الثاني :
للمجني عليه أن يرجع على الجاني بما أنفقه من ثمن الدواء ، وأجرة الطبيب ونحوه، وهو قول عند المالكية (53)، رجحه الخرشي منهم(54)، وبه قال البهوتي في حاشية المنتهى والرحيباني من الحنابلة(55)، وإليه ذهب بعض المتأخرين(56) .
القول الثالث :
للمجني عليه أن يرجع على الجاني بما أنفقه من ثمن الدواء ، دون أجرة الطبيب ، وبه قال بعض الشافعية(57) .
الأدله :
يمكن الاستدلال لأصحاب القول الأول بأدلة منها :
1 ـ قياس ما ليس فيه مقدر على ما فيه دية أو مقدر شرعاً ، فكما أنه لا يلزم الجاني فيما فيه دية أو مقدر شرعاً سوى المقدر ، فكذلك لا يلزم إلا الأرش فيما لا مقدر فيه .
وقد حكى الدسوقي وغيره من المالكية الاتفاق على أن ما فيه مقدر لا يلزم الجاني غيره(58) .
2 ـ أنه وقع في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والخلفاء الراشدون من بعده عدد غير قليل من الجنايات ، ولم ينقل عنهم سوى الحكم بالدية والمقدر فيما فيه مقدر ، والحكومة فيما لا مقدر فيه، ولم ينقل عنهم الحكم بثمن الدواء وأجرة الطبيب ونحوه، ولو وجد لنقل.

وأستدل أصحاب القول الثاني بأدلة منها :

1 - قاعدة (( الضرر يزال ))(59) ، وهذه القاعدة مفرعة من القاعدة الكلية (( لاضرر ولا ضرار ))(60) ،وأصلها قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا ضرر ولا ضرار))(61) .

ووجه الدلالة :

أن الضرر جاء معرفاً ، فيعم كل ضرر ، ومن ذلك أجرة الطبيب ونحوه ، وثمن الدواء .

ويجاب عن ذلك بأن الضرر قد زال بالمقدر فيما فيه مقدر من الجنايات ، وبالأرش فيما لا مقدر فيه .
2ـ أن إيجاب أجرة الطبيب ونحوه ، ، وثمن الدواء من التعزير بالمال ، والتعزير بالمال مشروع(62).
ويجـاب عـن ذلك : بـأن التعـزيـر بالمال مختلف فيـه بين الفقهاء ، فلا يستدل بمختلف فيه على مختلف عليه ، والقائلين بالتعزير بالمال خصوه في حالات دون أخرى(63) ، ومع التسليم بمشروعية التعزير بالمال ، فإنه لا يلزم في كل جناية ؛ فضلاً عن جناية الخطأ ، والتعزير مجاله واسع ، ولا يقتصر على المال فقط ، والمسألة هنا ليست في التعزير وإنما في الضمان وفرق بين المسألتين .

3 - إن مقتضى العدل وإحقاق الحق يقتضي المماثلة بين التعويض والضرر ، ومقتضى المماثلة التعويض عن جميع الضرر(64) ، ومن ذلك ما خسره المجني عليه ثمناً للدواء وأجراً للطبيب ونحوه .
ويجاب عن ذلك أن العدالة قد تحققت بالمقدر شرعاً فيما فيه مقدر ، وبالأرش فيما لا مقدر فيه.
واستدل أصحاب القول الثالث :
بأن أجرة الطبيب ونحوه قد دخلت في الأرش ، بخلاف ثمن الدواء(65).
ولم يظهر لي وجه للتفريق بين أجرة الطبيب ، وثمن الدواء .
الراجح ووجه الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح لي القول الأول ، وذلك لما يلي :
1 - للإجابة الواردة على أدلة القول الثاني .
2 - للأدلة المتوافرة على حرمة مال المعصومين ؛ إلا برضى نفس ، أو سبب مشروع.
وكتبه:
إبراهيم بن صالح الزغيبي

____________________________
(50) انظر : التاج والإكليل لمختصر خليل ، لمحمد بن محمد بن عبدالرحمن الحطاب ، دار الفكر، ج6، ص377؛ مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ،محمد بن محمد بن عبدالرحمن الحطاب ، دار الفكر ، ج6، ص259.
(51) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج 11 ، ص 342 ، مسألة رقم 3543.
(52) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج11، ص 342، مسألة رقم 3542.
(53) انظر : حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، محمد بن أحمد بن عرفه الدسوقي ، دار إحياء الكتب العربية ، ج3،ص460.
(54) انظر : شرح مختصر خليل ، محمد بن عبدالله الخرشي ، دار الفكر ، ج6، ص150.
(55) قال البهوتي : (( وإن لم تكن الجائفة مندملة ولا الموضحة نبت شعرها فعلى الجاني الحكومة مع أجرة الطبيب وثمن الخيط )) . حاشية المنتهى ، للبهوتي ، ج2 ، ص1298 ، وقال الرحيباني : (( لو فتق جائفة غير مندملة أو موضحة لم ينبت شعرها فعليه حكومة .... وعليه أجرة الطبيب وثمن الخيط )). مطالب أولى النهى ، للرحيباني ، ج6 ، ص133.
(56) انظر : نظرية الضمان أو أحكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه الإسلامي ، د.وهبة الزحيلي ، دار الفكر المعاصر ، بيروت ، دار الفكر ، دمشق ؛ الفعل الضار والضمان فيه ، مصطفى أحمد الزرقا ، دار العلم ، دمشق ، دارة العلوم ، بيروت ، ط الأولى ،1409هـ .
(57) انظر : المهذب ، لأبي اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، مصر ، ط2، 1379هـ ، ج2 ، ص201.
(58) انظر : حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، الدسوقي ، ج3 ، ص460؛ حاشية الصاوي على الشرح الصغير ، لأبي العباس أحمد الصاوي ، دار المعارف ، ج4 ، ص381.
(59) انظر : الأشباه والنظائر ، للسيوطي ، ص83.
(60) انظر : المرجع السابق ؛ نظرية الضمان ، د. وهبة الزحيلي ، ص24-25، 204-205.
(61) أخرجه ابن ماجه ، في : باب من بنى في حقه ما يضر بجاره من كتاب الأحكام . سنن ابن ماجه ، ج2 ، ص784. والإمام مالك مرسلاً ، في : باب القضاء في المرفق ، من كتاب الأقضية . الموطأ ، ج2، ص745. والإمام أحمد ، في : المسند ، ج1 ، ص313 ،ج5 ،ص327.
(62) انظر : نظرية الضمان ، د. وهبة الزحيلي ، ص25. وانظر في مشروعية التعزير بالمال : الطرق الحكمية، لابن القيم ،ص224 وما بعدها ؛ الحدود والتعزيرات عند ابن القيم ، بكر بن عبدالله أبو زيد ، دار العاصمة ، الرياض ، ط الثانية ، ص495 وما بعدها.
(63) انظر : الطرق الحكمية ، لابن القيم ، ص224.
(64) انظر : نظرية الضمان ، د. وهبة الزحيلي ، ص96.
(65) المهذب ، للشيرازي ، ج2 ، ص201.

ابن حزم
26-10-2009, 08:41 PM
فضيلة الشيخ
جزاك الله خيراً

الزغيبي
18-02-2010, 06:50 PM
صاحب الفضيلة ابن حزم وجزاك الله خيرا .

قاصد خير
19-02-2010, 02:27 AM
اخي العزيز الموضوع نير ولي معك عودة 000000

وفقك الله ورعاك

الوثاب
20-02-2010, 11:34 PM
نفع الله بكم يا فضيلة الشيخ إبراهيم ورفع قدركم وشكر سعيكم

وأضيف إلى ما ذكر فضيلتكم أن الصاحبين من الحنفية القاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن يرون أن الواجب على الجاني (للحق الخاص) فيما فيه حكومة هو أجرة الطبيب وثمن الدواء الذي استشفى به المجني عليه حتى اندملت الجراحة.

ينظر: فتح القدير8/312، وحاشية ابن عابدين5/572