المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نفقة الزوجة واجبة على زوجها



طارق محمد اسماعيل
04-06-2014, 09:08 AM
أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن فوزان الفوزان المشرف العام على شبكة مواقع ومنتديات وقنوات رسالة الإسلام أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها، وهي حق من آكد حقوقها عليه، فيلزمه توفير كل ما تحتاج إليه من طعام وكساء ودواء ومأوى وأدوات تنظيف ومتاع بيت ونحو ذلك مما تحتاجه المرأة وجرت به العادة وتعارف عليه الناس، وأضاف فضيلته أنه لا يجوز للزوج الامتناع عن النفقة أو المماطلة فيها، مستدلا بقول النبي صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول " .. جاء ذلك في سياق رد فضيلته على أسئلة عن أحكام النفقة الزوجية، محذرا الأزواج من التساهل في أداء حقوق وديون الزوجات .. وفيما يلي نص الحوار:

فضيلة الشيخ إذا كانت المرأة مقتدرة مادياً أو غنية هل يعفى الزوج من مسؤولياته تجاهها وتجاه بيته وأولاده ؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:

نفقة الزوجة واجبة على زوجها، وهي حق من آكد حقوقها عليه، فيلزمه توفير كل ما تحتاج إليه من طعام وكساء ودواء ومأوى وأدوات تنظيف ومتاع بيت ونحو ذلك مما تحتاجه المرأة وجرت به العادة وتعارف عليه الناس.

والنفقة لازمة على الزوج على كل حال سواء كان موسراً أو معسراً، وسواء كانت زوجته غنية أو فقيرة، لأن إنفاقه عليها من باب المعاوضة، فهي محبوسة عليه لمصلحته ومصلحة بيته وعياله، فتجب عليه نفقتها ولو كانت تملك الملايين .

وهذا من أهم الفروق بين نفقة الزوجات، ونفقة القرابة كالوالدين والأولاد وغيرهم، لأن النفقة عليهم من باب الإحسان والمواساة، فيشترط لوجوب النفقة لهم أن يكون المنفِق غنياً قادراً على الإنفاق، وأن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به، فإن كان أحدهم موسراً أو قادراً على التكسب فلا نفقة له، لأنها تجب له على سبيل المواساة، والموسر مستغنٍ عن المواساة.

أما الزوجة فتجب لها النفقة مطلقاً، موسرة كانت أو معسرة، لأن وجوب تلك النفقة ليس لوجود الحاجة، وإنما نفقة الزوجة واجبة على زوجها، وهي حق من آكد حقوقها عليه، فيلزمه توفير كل ما تحتاج إليه من طعام وكساء ودواء ومأوى وأدوات تنظيف ومتاع بيت ونحو ذلك مما تحتاجه المرأة وجرت به العادة وتعارف عليه الناس ، فيستوي فيها المعسرة والموسرة، كالمهر الذي يجب لكل زوجة غنية كانت أو فقيرة.

وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. قال الله ـ تعالى ـ: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} فدلت الآية على وجوب نفقة الزوجة على زوجها، وأن إلزامه بهذا الواجب من أسباب جعل القوامة له عليها. وقال ـ عز وجل ـ: {لينفق ذوسعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لايكلف الله نفساً إلا ماآتاها}

وقد جاءت هذه الآية في سياق أحكام الزوجات، والخطاب فيها للأزواج أن ينفقوا على زوجاتهم بقدر استطاعتهم، والأمر للوجوب.

قال القرطبي في الآية: " أي: لينفق الزوج على زوجته، وعلى ولده الصغير على قدر وسعه، حتى يوسع عليهما إذا كان موسّعاً عليه. ومن كان فقيراً فعلى قدر ذلك "

وقال - عز وجل -: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لاتكلف نفس إلا وسعها}

فالضمير في قوله: ( رزقهن وكسوتهن ) راجع إلى الوالدات المذكورات في أول الآية، فدلت الآية على أنه يجب على والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف.

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخلت هند بنت عتبة، امرأة أبي سفيان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يارسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، لايعطيني من النفقة مايكفيني، ويكفي بنيّ، إلا ماأخذت من ماله بغير علمه، فهل عليّ في ذلك من جناح ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذي من ماله بالمعروف، ما يكفيك ويكفي بنيك" متفق عليه.

فهذا الحديث صريح في وجوب نفقة الزوجة على زوجها، وأن ذلك مقدر بكفايتها، ولو لم تكن نفقتها واجبة عليه، لم يأذن لها بالأخذ من ماله بغير إذنه.

إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث، وهي كثيرة. وعلى ذلك أجمعت الأمة، قال ابن قدامة: " اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن، إذا كانوا بالغين، إلا الناشز منهن. ذكره ابن المنذر وغيره "

كما يدل على ذلك: المعقول الصحيح، حيث إن المرأة محبوسة على زوجها، لمنفعته ورعاية حقه. فكانت نفقتها عليه، لأن نفع حبسها عائد إليه، فالنفقة جزاء الاحتباس، وكل من كان محبوساً لمنفعة تعود إلى غيره، كانت نفقته عليه. وذلك كالوالي والقاضي والمفتي، والمضارب، والعامل على الصدقات، ونحوهم.

ولهذا فلا يجوز للزوج الامتناع عن النفقة أو المماطلة فيها، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم – إثم من يفعل ذلك فقال: " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول " رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم والذهبي. ورواه مسلم بلفظ "كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته"، والمعنى: يكفيه من الإثم أن يضيع من يلزمه قوته من الزوجات والأقارب.

ولم يكتف الإسلام بتحريم منع النفقة الواجبة، بل ألزم مانعها بدفعها لمستحقيها، ولو أدى ذلك إلى حبسه، أو أخذ النفقة من ماله كرهاً.

فقد قال العلماء: إذا امتنع شخص من دفع النفقة الواجبة عليه رُفع أمره إلى الحاكم، فيأمره بالإنفاق، ويجبره عليه، فإن أبى حَبَسه، وضربه، فإن لم يُجد ذلك معه، أخذ الحاكم النفقة من ماله ودفعها لمستحقها من الزوجات أو القرابات. وهذه قاعدة عامة في كل من امتنع من أداء حق واجب عليه، مع قدرته على أدائه.

فإن كان الزوج فقيراً عاجزاً عن النفقة لم تسقط عنه نفقتها، فيجب عليه تدبير نفقتها ولو بالاقتراض ونحوه، فإن عجز عنها أو ماطل بها مع قدرته عليها كال للزوجة الحق في طلب الطلاق، فإن أبى رفعت أمرها إلى القاضي لكي يفسخها منه.

فضيلة الدكتور إذا كانت المرأة موظفة و تخرج من بيتها لأجل الوظيفة هل هذا مسوغ للزوج أن يلزمها بالصرف على البيت والأولاد أو إعطائه مبلغاً من المال ؟

نفقة الزوجة واجبة على زوجها ـ كما سبق بيانه في الإجابة السابقة ـ سواء كانت غنية أو فقيرة، وسواء كان زوجها موسراً أو معسراً، لأنها محبوسة على مصلحته ومصلحة بيته وعياله.

فإن كانت تخرج للعمل، فإن خروجها يترتب عليه إهمال شئ من مصالح زوجها والقيام بشؤون بيته، كما أن ذلك قد يضطره لإحضار خادمة أو حاضنة يلتزم بدفع تكاليف إحضارها ورواتبها، بالإضافة إلى المصاريف المترتبة على إيصالها لمقر عملها وإرجاعها إلى بيتها.

فهذه نفقات كثيرة لم تكن لازمة للزوج لو أن زوجته تفرغت لشؤون زوجها وبيتها، ولم تخرج للوظيفة. ولهذا فإن الواجب على الزوجة أن تراعي ذلك، وتحرص على إعانة زوجها و التفاهم معه، وألا يكون راتبها سبباً لحصول الشقاق بينها وبينه، وأن يسود بينهما التعاون والتسامح، كما لا يجوز لها الإدلال عليه بما تعطيه، والتمنن عليه، وإشعاره بأنه لا حق له في مالها مع أنها حملته نفقات لا تجب عليه في الأصل.

فإن لم يتفقا ويتراضيا، واختلفا ولم يتطاوعا، فللزوج منع زوجته من الخروج للعمل، إلا إذا كانت اشترطت عليه بقاءها في عملها واحتفاظها براتبها، فيلزمه الوفاء بشرطها، ولا يستحق من راتبها شيئاً إلا ما أعطته إياه برضاها وطيبة نفسها.

إذا اشترطت الزوجة عند القران بقاءها في وظيفتها واحتفاظها برواتبها ولكن بعد الزواج صار الزوج يضيق عليها الخناق لتشارك في مصروفات البيت، فإذا أبت هددها بالطلاق ... هل يجوز له ذلك؟

يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج" متفق عليه. ويقول عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: "مقاطع الحقوق عند معاقد الشروط".

فإذا اشترطت عليه حين العقد بقاءها في وظيفتها، واحتفاظها برواتبها، ورضي بذلك، وجب عليه الوفاء بهذا الشرط، ولم يجز له مضايقتها أو تهديدها بالطلاق ليحملها على ترك وظيفتها أو أن تعطيه شيئاً من مالها بغير طيبة من نفسها.

أما إن رضيت أن تعطيه من راتبها دون إكراهها على ذلك جاز له أخذه، لقوله تعالى: {فإن طبن لكم عن شئ منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً}، ولقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" رواه البيهقي والدارقطني وأبو يعلى.

لكنه مع ذلك ينبغي للزوجة إذا رأت زوجها بحاجة إلى شئ من مالها ألا تبخل عليه بما يحتاجه ولا يضر بها، لأن هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين، ومن أسباب حصول الوئام والوفاق بينهما، وبه يشعر الزوج بإخلاص زوجته ومحبتها له، ومشاركتها له في آماله وآلامه، كما أن الزوج أحق من الأجانب بصدقتها إذا كان محتاجاً، لما ثبت في الصحيحين عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه وعنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن. قالت فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فائته فاسأله فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها إلى غيركم قالت فقال لي عبد الله بل ائتيه أنت. قالت فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة قالت فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبره من نحن. قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الزيانب؟ قال امرأة عبد الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة".

تقع بين بعض الأزواج مشكلات بسبب الديون، فالرجل يطلب مشافهة من الزوجة ديناً وتعطيه إياه، وفيما بعد يرفض إعادته أو ينكره، فما الآداب الشرعية الواجب مراعاتها عندما يريد الزوج أن يستلف من زوجته؟

شرع الله تعالى لتوثيق الديون وحفظها من الجحود أو النسيان أموراً عديدة منها ما يأتي:

1ـ الكتابة، كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل} إلى قوله: {ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا} فينبغي للزوجين إذا حصل بينهما مداينة أو قرض أن يوثقا ذلك بالكتابة ويشهدا عليه ويوقعاه، والإنسان لا يدري ما يعرض له، فقد يموت أو ينسى، فيضيع حق الدائن، وتبقى ذمته مشغولة بهذا الدين.

2ـ الشهادة، كما قال تعالى في آية المداينة السابقة: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}.

3ـ الرهن، كما قال تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة} فتطلب منه أن يرهنها سيارته أو بيته أو أرضاً له أو غير ذلك مما له قيمة، بحيث تستوفي حقها من قيمته إذا امتنع عن السداد أو عجز عنه.

ولا يجوز للزوج أن يتساهل في الدين الذي عليه لزوجته أو غيرها، فقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الشهيد تغفر له ذنوبه عند أول قطرة من دمه إلا الدين. رواه مسلم. وكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ إذا قدمت له جنازة ليصلي عليها سأل هل عليه دين؟ فإن قيل نعم، امتنع من الصلاة عليه وقال: صلوا على صاحبكم. والحديث في الصحيحين وغيرهما.

فإن كان عازماً حين أخذه على إنكاره وجحده فإن ذلك أعظم إثماً وأشد جرماً، وهو سبب لإتلاف ماله وبدنه، وهدم صحته وعافيته، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله" رواه البخاري.

قال ابن حجر: " نطق الحديث بأن الله يؤدي عنه، إما بأن يفتح عليه في الدنيا وإما بأن يتكفل عنه في الآخرة. وقوله " أتلفه الله " ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه، وهو علم من أعلام النبوة لما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئاً من الأمرين، وقيل: المراد بالإتلاف عذاب الآخرة ".منقول للأفاده