طارق محمد اسماعيل
18-01-2015, 09:56 AM
بعد أن تصدر الأحكام القضائية بصورة نهائية وقطعية ومبرمة، تصبح قابلة للتنفيذ عبر صورة طبق الأصل صالحة للتنفيذ تعطى للمحكوم له صاحب الصفة والمصلحة بذلك. لكن لا بد من التمييز بين الأحكام الصادرة بحق الأفراد التي يتم تنفيذها طوعًا من المحكوم عليه أو جبرًا بواسطة دائرة التنفيذ المختصّة، والأحكام الصادرة بحق الدولة أو المؤسسات العامة أو البلديات أو أي شخص من أشخاص القانون العام. فكيف يتم التنفيذ في ال
من المفترض أنّ الدولة تعتبر خصمًا شريفًا، ويتوجّب عليها أن تدفع حقوق دائنيها وتقوم بجميع واجباتها من دون تهرب أو تأخير أو تقصير. وقد نصّت الفقرة الأولى من المادة 93 من نظام مجلس شورى الدولة (الصادر بالمرسوم الرقم 10434 تاريخ 14/6/1975)، على أنّ «أحكام مجلس شورى الدولة ملزمة للإدارة، وعلى السلطات الإدارية أن تتقيّد بالحالات القانونية كما وصفتها هذه الأحكام». ويجب تنفيذ هذه الأحكام في مهلة معقولة.
وحيث إن الأحكام القضائية التي تتمتع بالقوة التنفيذية، تعتبر ملزمة للسلطة الإدارية، فعلى هذه السلطة احترام الأحكام القضائية بصورة دائمة، وتنفيذ الأمر المقضى به وفق منطوق تلك الأحكام، وإلّا إختلَّ ميزان العدالة وفسدت مقاديره وتلاشت القيم القانونية، وأصبح مبدأ الشرعية بلا قيمة.
تعتبر الأموال العامة، التي تدخل في الذمة المالية للدولة أو المؤسسات العامة أو البلديات أو أي شخص من أشخاص القانون العام، أموالاً مخصَّصة للمنفعة العامة. وإنّ الحجز على هذه الأموال من شأنه أن يؤدي الى شل نشاط المرفق العام وتوقيفه عن العمل وإضطرابه.
وقد حدَّدت المادة الثانية من قانون المحاسبة العمومية (الصادر بالمرسوم الرقم 14969 بتاريخ 30/12/1963) الأموال العمومية بأنها أموال الدولة، والبلديات والمؤسسات العامة التابعة للدولة أو البلديات، وأموال سائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العمومية.
وحظَّرت المادة 860 من قانون أصول المحاكمات المدنية (الصادر بالمرسوم الاشتراعي الرقم 90 تاريخ 16/9/1983) بيع المال العام، حيث نصت على أنه «لا يجوز إلقاء الحجز على الأموال التي منع القانون حجزها وعلى أموال الدولة وسائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العامة».
هذا يمنع النص منعًا مطلقًا من إجراء التنفيذ ضد الدولة عن طريق حجز أموالها، سواء أكانت هذه الأموال عامة أم خاصة، وسواء أكانت أموالًا منقولة أم غير منقولة. ويمتد منع الحجز إلى الديون التي تكون للدولة في ذمة الغير، فلا يجوز حجزها عن طريق الحجز لدى شخص ثالث، كما يشمل الحظر الأموال التي تستوفيها الإدارة من المستهلكين.
ويشمل منع الحجز، الى جانب أموال الدولة، أموال سائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العامة؛ كالبلديات والمؤسسات والمصالح العامة المستقلة، لأنّ أموال المرافق العامة، سواء أدارتها الدولة بنفسها أم عهدت بإدارتها إلى الغير، يجب أن تبقى بمنأى عن كل حجز لكونها أموالًا عامة وللحؤول دون تعطيل نشاط المرافق العامة؛ سواء أكانت هذه المرافق العامة إدارية، كالجامعة اللبنانية والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، أم كانت مرافق عامة صناعية أو تجارية، كمؤسسة كهرباء لبنان ومصلحة مياه بيروت ومصلحة سكك الحديد وغيرها.
وكذلك يمتد حظر الحجز الى أموال الدولة الأجنبية باستثناء ما كان منها موضوع تعامل خاضع لقواعد القانون الخاص سندًا الى البند 2 من المادة 860 من قانون أصول المحاكمات المدنية. إذ إن الدولة الأجنبية تتمتَّع في لبنان بالحصانة الدبلوماسية التي تتفرع منها الحصانة القضائية وحصانة التنفيذ على أموالها، لما يترتب على ذلك من مساس بسيادتها واستقلالها وتعرّض العلاقات معها للانقطاع. فلا يجوز إلقاء الحجز الاحتياطي أو الحجز التنفيذي على أموال الدولة الأجنبية. أما أموال الدولة الأجنبية التي تكون موضوع تعامل خاضع لقواعد القانون الخاص فتكون قابلة للحجز والتنفيذ عليها؛ كالأموال التي تكون محلاً لتعامل تجاري أو لنشاط إقتصادي خاضع لأحكام القانون الخاص.
ويشمل حظر الحجز والتنفيذ أيضًا أموال رئيس الدولة الأجنبية عندما يكون موجودًا أو قائمًا بنشاط في لبنان، وعندما تكون تلك الأموال متعلقة بحياته العامة، من دون تلك المتعلقة بحياته الشخصية أو بمصالحه الخاصة. ويستفيد من هذه الحصانة أيضًا ممثلو السلك الدبلوماسي للدولة الأجنبية, كالسفراء والوزراء، في نطاق الأعمال التي يقومون بها ضمن وظائفهم سندًا الى الفقرة 3 من المادة 22 من إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.
وكذلك يستفيد من عدم جواز الحجز والتنفيذ أموال الهيئات والمنظمات الدولية؛ كمنظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة العمل الدولية ومنظمة التربية والعلوم والثقافة (الأونيسكو) وغيرها، (سندًا الى المادة 2 من إتفاقية مزايا وحصانات هيئة الأمم المتحدة والمادة 12 من إتفاقية حصانات ومزايا جامعة الدول العربية)، فلا يجوز إلقاء الحجز الإحتياطي أو التنفيذي على أموال هذه الهيئات والمنظمات الدولية، ولا على أموال ممثليها وموظفيها في نطاق الأعمال التي يقومون بها ضمن وظائفهم.
أصبح ثابتًا أن القانون لا يُخوّل المحكوم له، صاحب الصفة والمصلحة، الذي صدر لمصلحته حكم مبرم ضد الإدارة، القيام بإجراءات التنفيذ الجبري عن طريق دائرة التنفيذ أو طلب حجز الأموال العامة أو طلب بيعها بالمزاد العلني، لأن تلك الأموال العامة لا تقبل الحجز.
وبناء على ذلك، يعود للمحكوم له، صاحب الصفة والمصلحة، أن يستحصل على صورة طبق الأصل صالحة للتنفيذ عن الحكم القضائي، ويتقدَّم بطلب يرجو فيه من الادارة المختصة تنفيذ ذلك الحكم. فإذا صدر حكم يلزم الدولة بأن تدفع للمحكوم له تعويضًا ماليًا معينًا، يجب على هذا الأخير أن يتقدم بطلب تنفيذ الحكم القضائي الى الوزارة المختصَّة أو البلدية المعنية أو المؤسسة العامة المعنية، يرفق فيه صورة طبق الأصل صالحة للتنفيذ عن الحكم المطلوب تنفيذه، ويطلب فيه تنفيذ الحكم وفق منطوقه.
وفي هذه الحالة تصبح الدولة هي الخصم والقائم بالتنفيذ في آن معًا، فيصحّ فيها قول الشاعر: «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم».
ومن المفترض أن تقوم الدولة بتنفيذ التزاماتها بصورة طبيعية بدون تهرّب أو مماطلة أو سوء نية، باعتبارها خصمًا شريفًا.
حرصًا على تنفيذ الأحكام القضائية المبرمة التي تتمتع بقوة تنفيذية، تدخَّل المشترع اللبناني (القانون الرقم 259 تاريخ 6/10/1993) عبر تعديل المادة 93 من نظام مجلس شورى الدولة، والتي أصبحت تنص على أن «أحكام مجلس شورى الدولة ملزمة للإدارة. وعلى السلطات الادارية ان تتقيَّد بالحالات القانونية كما وصفتها هذه الأحكام. وعلى الشخص المعنوي من القانون العام أن ينفذ في مهلة معقولة الأحكام المبرمة الصادرة عن مجلس شورى الدولة تحت طائلة المسؤولية وإذا تأخر عن التنفيذ من دون سبب، يمكن بناء على طلب المتضرر الحكم بإلزامه دفع غرامة إكراهية يقدّرها مجلس شورى الدولة وتبقى سارية لغاية تنفيذ الحكم. وكل موظف يستعمل سلطته او نفوذه مباشرة او بشكل غير مباشر ليعيق تنفيذ القرار القضائي المذكور في الفقرة السابقة أو يؤخره، يغرَّم أمام ديوان المحاسبة بما لا يقلّ عن راتب ثلاثة أشهر ولا يزيد عن راتب ستة أشهر».
وقد أفسح القضاء لدائني الدولة طلب الحكم عليها بغرامة إكراهية لحملها على تنفيذ إلتزاماتها، وذلك أمام القضاء العدلي في الدعاوى التي تدخل ضمن إختصاصه؛ كحالة التعدي، أو حالة تقدّم المؤجر بدعوى ضد الدولة أو الإدارة العامة المستأجرة لإخلاء المأجور بعد انتهاء الإجارة أو فسخها لأي سبب من الأسباب القانونية.
وبالتالي، فإن أحكام مجلس شورى الدولة، وكذلك الأحكام القضائية، النهائية والقطعية والمبرمة، ملزمة للإدارة المعنية، سواء أكانت الدولة أم إحدى المؤسسات العامة أم البلديات أم أي شخص من أشخاص القانون العام. ويجب أن تكون هذه الأحكام واجبة التنفيذ فورًا أو في مهلة معقولة.
إلا أن مفهوم المهلة المعقولة هو مفهوم مرن يعود تقديره للقضاء المختص، وغالبًا ما تكون هذه المهلة المعقولة بين شهرين وستة أشهر كحدٍ أقصى.
ويكون للغرامة الإكراهية طابع مؤقت، حيث يمكن، عند تنفيذ الحكم، تصفيتها أو تعديل قيمتها أو إنقاصها أو حتى إلغاؤها، مما يؤدي الى صون حرمة القانون والأحكام القضائية المبرمة، وتأمين ملاذٍ لكل مظلوم أو مقهور لجأ الى القضاء المختص لإستيفاء حقوقه المشروعة.
ويجدر بالإشارة أن طلب فرض الغرامة الإكراهية عند امتناع الدولة أو أي شخص من أشخاص القانون العام عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن مجلس شورى الدولة، يعتبر نزاعًا قضائيًا جديدًا من نوع القضاء الشامل، إذا لم يكن منصوصًا عنه في الفقرة الحكمية للحكم المطلوب تنفيذه. وبالتالي، فإنّ طلب فرض الغرامة الإكراهية يستدعي سبقه بعريضة ربط النزاع سندًا الى أحكام المادة 67 وما يليها من نظام مجلس شورى الدولة.
ختامًا، إن التنفيذ بوجه الدولة أو أي شخص من أشخاص القانون العام، لا يتمّ بصورة قسرية عن طريق التنفيذ الجبري بواسطة دائرة التنفيذ، بل بمبادرة طوعية منها أو بموجب طلب، يقدّمه المحكوم له صاحب الصفة والمصلحة. وفي حال الامتناع عن التنفيذ أو في حالة التأخّر غير المبرّر في التنفيذ أكثر من المهلة المعقولة، يتمّ اللجوء الى نظام الغرامة الإكراهية منقول.
من المفترض أنّ الدولة تعتبر خصمًا شريفًا، ويتوجّب عليها أن تدفع حقوق دائنيها وتقوم بجميع واجباتها من دون تهرب أو تأخير أو تقصير. وقد نصّت الفقرة الأولى من المادة 93 من نظام مجلس شورى الدولة (الصادر بالمرسوم الرقم 10434 تاريخ 14/6/1975)، على أنّ «أحكام مجلس شورى الدولة ملزمة للإدارة، وعلى السلطات الإدارية أن تتقيّد بالحالات القانونية كما وصفتها هذه الأحكام». ويجب تنفيذ هذه الأحكام في مهلة معقولة.
وحيث إن الأحكام القضائية التي تتمتع بالقوة التنفيذية، تعتبر ملزمة للسلطة الإدارية، فعلى هذه السلطة احترام الأحكام القضائية بصورة دائمة، وتنفيذ الأمر المقضى به وفق منطوق تلك الأحكام، وإلّا إختلَّ ميزان العدالة وفسدت مقاديره وتلاشت القيم القانونية، وأصبح مبدأ الشرعية بلا قيمة.
تعتبر الأموال العامة، التي تدخل في الذمة المالية للدولة أو المؤسسات العامة أو البلديات أو أي شخص من أشخاص القانون العام، أموالاً مخصَّصة للمنفعة العامة. وإنّ الحجز على هذه الأموال من شأنه أن يؤدي الى شل نشاط المرفق العام وتوقيفه عن العمل وإضطرابه.
وقد حدَّدت المادة الثانية من قانون المحاسبة العمومية (الصادر بالمرسوم الرقم 14969 بتاريخ 30/12/1963) الأموال العمومية بأنها أموال الدولة، والبلديات والمؤسسات العامة التابعة للدولة أو البلديات، وأموال سائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العمومية.
وحظَّرت المادة 860 من قانون أصول المحاكمات المدنية (الصادر بالمرسوم الاشتراعي الرقم 90 تاريخ 16/9/1983) بيع المال العام، حيث نصت على أنه «لا يجوز إلقاء الحجز على الأموال التي منع القانون حجزها وعلى أموال الدولة وسائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العامة».
هذا يمنع النص منعًا مطلقًا من إجراء التنفيذ ضد الدولة عن طريق حجز أموالها، سواء أكانت هذه الأموال عامة أم خاصة، وسواء أكانت أموالًا منقولة أم غير منقولة. ويمتد منع الحجز إلى الديون التي تكون للدولة في ذمة الغير، فلا يجوز حجزها عن طريق الحجز لدى شخص ثالث، كما يشمل الحظر الأموال التي تستوفيها الإدارة من المستهلكين.
ويشمل منع الحجز، الى جانب أموال الدولة، أموال سائر الأشخاص المعنويين ذوي الصفة العامة؛ كالبلديات والمؤسسات والمصالح العامة المستقلة، لأنّ أموال المرافق العامة، سواء أدارتها الدولة بنفسها أم عهدت بإدارتها إلى الغير، يجب أن تبقى بمنأى عن كل حجز لكونها أموالًا عامة وللحؤول دون تعطيل نشاط المرافق العامة؛ سواء أكانت هذه المرافق العامة إدارية، كالجامعة اللبنانية والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، أم كانت مرافق عامة صناعية أو تجارية، كمؤسسة كهرباء لبنان ومصلحة مياه بيروت ومصلحة سكك الحديد وغيرها.
وكذلك يمتد حظر الحجز الى أموال الدولة الأجنبية باستثناء ما كان منها موضوع تعامل خاضع لقواعد القانون الخاص سندًا الى البند 2 من المادة 860 من قانون أصول المحاكمات المدنية. إذ إن الدولة الأجنبية تتمتَّع في لبنان بالحصانة الدبلوماسية التي تتفرع منها الحصانة القضائية وحصانة التنفيذ على أموالها، لما يترتب على ذلك من مساس بسيادتها واستقلالها وتعرّض العلاقات معها للانقطاع. فلا يجوز إلقاء الحجز الاحتياطي أو الحجز التنفيذي على أموال الدولة الأجنبية. أما أموال الدولة الأجنبية التي تكون موضوع تعامل خاضع لقواعد القانون الخاص فتكون قابلة للحجز والتنفيذ عليها؛ كالأموال التي تكون محلاً لتعامل تجاري أو لنشاط إقتصادي خاضع لأحكام القانون الخاص.
ويشمل حظر الحجز والتنفيذ أيضًا أموال رئيس الدولة الأجنبية عندما يكون موجودًا أو قائمًا بنشاط في لبنان، وعندما تكون تلك الأموال متعلقة بحياته العامة، من دون تلك المتعلقة بحياته الشخصية أو بمصالحه الخاصة. ويستفيد من هذه الحصانة أيضًا ممثلو السلك الدبلوماسي للدولة الأجنبية, كالسفراء والوزراء، في نطاق الأعمال التي يقومون بها ضمن وظائفهم سندًا الى الفقرة 3 من المادة 22 من إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.
وكذلك يستفيد من عدم جواز الحجز والتنفيذ أموال الهيئات والمنظمات الدولية؛ كمنظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة العمل الدولية ومنظمة التربية والعلوم والثقافة (الأونيسكو) وغيرها، (سندًا الى المادة 2 من إتفاقية مزايا وحصانات هيئة الأمم المتحدة والمادة 12 من إتفاقية حصانات ومزايا جامعة الدول العربية)، فلا يجوز إلقاء الحجز الإحتياطي أو التنفيذي على أموال هذه الهيئات والمنظمات الدولية، ولا على أموال ممثليها وموظفيها في نطاق الأعمال التي يقومون بها ضمن وظائفهم.
أصبح ثابتًا أن القانون لا يُخوّل المحكوم له، صاحب الصفة والمصلحة، الذي صدر لمصلحته حكم مبرم ضد الإدارة، القيام بإجراءات التنفيذ الجبري عن طريق دائرة التنفيذ أو طلب حجز الأموال العامة أو طلب بيعها بالمزاد العلني، لأن تلك الأموال العامة لا تقبل الحجز.
وبناء على ذلك، يعود للمحكوم له، صاحب الصفة والمصلحة، أن يستحصل على صورة طبق الأصل صالحة للتنفيذ عن الحكم القضائي، ويتقدَّم بطلب يرجو فيه من الادارة المختصة تنفيذ ذلك الحكم. فإذا صدر حكم يلزم الدولة بأن تدفع للمحكوم له تعويضًا ماليًا معينًا، يجب على هذا الأخير أن يتقدم بطلب تنفيذ الحكم القضائي الى الوزارة المختصَّة أو البلدية المعنية أو المؤسسة العامة المعنية، يرفق فيه صورة طبق الأصل صالحة للتنفيذ عن الحكم المطلوب تنفيذه، ويطلب فيه تنفيذ الحكم وفق منطوقه.
وفي هذه الحالة تصبح الدولة هي الخصم والقائم بالتنفيذ في آن معًا، فيصحّ فيها قول الشاعر: «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم».
ومن المفترض أن تقوم الدولة بتنفيذ التزاماتها بصورة طبيعية بدون تهرّب أو مماطلة أو سوء نية، باعتبارها خصمًا شريفًا.
حرصًا على تنفيذ الأحكام القضائية المبرمة التي تتمتع بقوة تنفيذية، تدخَّل المشترع اللبناني (القانون الرقم 259 تاريخ 6/10/1993) عبر تعديل المادة 93 من نظام مجلس شورى الدولة، والتي أصبحت تنص على أن «أحكام مجلس شورى الدولة ملزمة للإدارة. وعلى السلطات الادارية ان تتقيَّد بالحالات القانونية كما وصفتها هذه الأحكام. وعلى الشخص المعنوي من القانون العام أن ينفذ في مهلة معقولة الأحكام المبرمة الصادرة عن مجلس شورى الدولة تحت طائلة المسؤولية وإذا تأخر عن التنفيذ من دون سبب، يمكن بناء على طلب المتضرر الحكم بإلزامه دفع غرامة إكراهية يقدّرها مجلس شورى الدولة وتبقى سارية لغاية تنفيذ الحكم. وكل موظف يستعمل سلطته او نفوذه مباشرة او بشكل غير مباشر ليعيق تنفيذ القرار القضائي المذكور في الفقرة السابقة أو يؤخره، يغرَّم أمام ديوان المحاسبة بما لا يقلّ عن راتب ثلاثة أشهر ولا يزيد عن راتب ستة أشهر».
وقد أفسح القضاء لدائني الدولة طلب الحكم عليها بغرامة إكراهية لحملها على تنفيذ إلتزاماتها، وذلك أمام القضاء العدلي في الدعاوى التي تدخل ضمن إختصاصه؛ كحالة التعدي، أو حالة تقدّم المؤجر بدعوى ضد الدولة أو الإدارة العامة المستأجرة لإخلاء المأجور بعد انتهاء الإجارة أو فسخها لأي سبب من الأسباب القانونية.
وبالتالي، فإن أحكام مجلس شورى الدولة، وكذلك الأحكام القضائية، النهائية والقطعية والمبرمة، ملزمة للإدارة المعنية، سواء أكانت الدولة أم إحدى المؤسسات العامة أم البلديات أم أي شخص من أشخاص القانون العام. ويجب أن تكون هذه الأحكام واجبة التنفيذ فورًا أو في مهلة معقولة.
إلا أن مفهوم المهلة المعقولة هو مفهوم مرن يعود تقديره للقضاء المختص، وغالبًا ما تكون هذه المهلة المعقولة بين شهرين وستة أشهر كحدٍ أقصى.
ويكون للغرامة الإكراهية طابع مؤقت، حيث يمكن، عند تنفيذ الحكم، تصفيتها أو تعديل قيمتها أو إنقاصها أو حتى إلغاؤها، مما يؤدي الى صون حرمة القانون والأحكام القضائية المبرمة، وتأمين ملاذٍ لكل مظلوم أو مقهور لجأ الى القضاء المختص لإستيفاء حقوقه المشروعة.
ويجدر بالإشارة أن طلب فرض الغرامة الإكراهية عند امتناع الدولة أو أي شخص من أشخاص القانون العام عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن مجلس شورى الدولة، يعتبر نزاعًا قضائيًا جديدًا من نوع القضاء الشامل، إذا لم يكن منصوصًا عنه في الفقرة الحكمية للحكم المطلوب تنفيذه. وبالتالي، فإنّ طلب فرض الغرامة الإكراهية يستدعي سبقه بعريضة ربط النزاع سندًا الى أحكام المادة 67 وما يليها من نظام مجلس شورى الدولة.
ختامًا، إن التنفيذ بوجه الدولة أو أي شخص من أشخاص القانون العام، لا يتمّ بصورة قسرية عن طريق التنفيذ الجبري بواسطة دائرة التنفيذ، بل بمبادرة طوعية منها أو بموجب طلب، يقدّمه المحكوم له صاحب الصفة والمصلحة. وفي حال الامتناع عن التنفيذ أو في حالة التأخّر غير المبرّر في التنفيذ أكثر من المهلة المعقولة، يتمّ اللجوء الى نظام الغرامة الإكراهية منقول.