المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل إ



طارق محمد اسماعيل
16-02-2015, 04:44 PM
یعد التزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل من الآثار المترتبة على عقد العمل، والذي یترتب بمقتضاه التزامات متقابلة على عاتق كل طرف من أطرافھ تجاه الآخر، فھو من الالتزامات الجوھریة التي یترتب على الإخلال بھا جواز فصل العامل أثناء قیام رابطة العمل، فضلا عن أنھ یقید العامل في حریة العمل، وبالتالي فھو یمس مبدأ دستوري یجب احترامھ وعدم المساس بھ - یتمثل في حریة العمل كمظھر من مظاھر الحریة الفردیة - بحیث أكدت المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنھ: "لكل شخص الحق في العمل، ولھ حریة اختیاره بشروط عادلة مرضیة، كما أن لھ حق الحمایة من البطالة. فالكثیر من العمال الصغار، یطمعون أن یتعلموا مھنة معینة، من أجل العمل والارتزاق بھا على حسابھم الخاص، ولیس بصفتھم أجیرین، ولكن ھذه الحریة تتعارض مع حق صاحب العمل في الحفاظ على عملھ في مكان معین حیثما یصنع ویسوق منتجاتھ. بحیث أن إجراء المنافسة لھ في ذات مكانھ یلحق بھ ضرار مما قد یستدعي قسم ربحھ على اثنین، وإن ھذا التعارض یستدعي من المشرع تنظیمھ بحیث یكفل التوازن بین مصلحة كل من العامل وصاحب العمل.التزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل زیادة كما أن الالتزام بعدم منافسة العامل لصاحب العمل تستوجبھ مقتضیات حسن النیة، في تنفیذ عقد العمل. فلا یجوز للعامل - أثناء تنفیذ العمل- أن یعمل بعد انتھاء مواعید العمل، في عمل منافس لصاحب العمل، سواء لحسابھ الخاص، أو لحساب شخص آخر. وبالتالي فإن ھذا الالتزام یكون التزاما سلبیا (التزام بالامتناع عن عمل) لھ خصائصھ وطبیعتھ القانونیة، ویترتب على مخالفتھ مسؤولیات مدنیة، منھا ما ھي عقدیة، وأخرى تقصیریة تمتد إلى طرف ثالث ھو صاحب العمل الجدید. ورغم أھمیة إشكالیة شرط عدم المنافسة في عقد العمل المتمثلة في التعارض بین مصلحة العامل ومصلحة رب العمل؛ إلا أننا نلاحظ غیاب تعریف صریح لھ في قانون العمل الفلسطیني. في حین نص علیھ صراحة كل من المشرع المصري والأردني والكویتي والتونسي وغیرھم من المشرعین العرب. ولھذا ارتأیت أن أبحث ھذا الالتزام من أجل التعرف على مصدره وطبیعتھ القانونیة، متبعة المنھج التحلیلي الوصفي في ھذا المجال، بالإضافة إلى المنھج المقارن في بعض الأحیان لمعرفة مدى تنظیم الدول المجاورة لھ. أولا: ماھیة التزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل: إن قواعد حسن النیة في العلاقة التي یجب أن تسود بین العامل وصاحب العمل تقتضي على العامل أن لا ینافس صاحب العمل أثناء مدة العمل لدیھ. وإن ھذا الالتزام مقرر وفق القواعد العامة دون الحاجة إلى النص علیھ صراحة في عقد العمل، وقد یكون مقرر نتیجة وجود شرط اتفاقي بشأنھ سواء بالنص علیھ صراحة في عقد العمل أو في صورة اتفاق ملحق بھذا العقد، كأن یقوم العامل في أوقات فراغھ بالعمل لحساب شخص آخر بعمل ینافس صاحب العمل، فالعامل الذي یعمل في متجر مخصص لبیع قطع إلكترونیة لا یجوز لھ أن یحضر معھ ولحسابھ قطعا ویقوم بعرضھا للبیع. والعامل الذي یعمل في مصنع للعطور، وصارت لدیھ خبرة في نسبة خلط المواد ببعضھا، فلا یحق لھ أن یقوم بالصناعة في بیتھ لحسابھالتزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل زیادة ٢٠١٥/٢/١٦ الخاص، مع الأخذ بعین الاعتبار إلى قواعد وأنظمة الصناعة. لأن كل ذلك یقلل من جھد العامل المعتاد ویزاحم صاحب العمل في السوق وھي أمور لا یرضى بھا قانون ولا عرف أو عادة، وفي ھذا ذھب القضاء الكویتي في حكمھ إلى أنھ: " حیث إن الثابت من مستندات المدعى علیھا ومن إقرار المدعي ومستنداتھ أن ھذا الأخیر قد أسس مع آخرین شركة ذات مسؤولیة محدودة للتجھیزات المكتبیة وبیع الأجھزة الإلكترونیة والكھربائیة الخاصة بتلك التجھیزات، وھو نشاط منافس لنشاط تلك المدعى علیھا ولما اكتشفتھ قامت بفصل المدعي من العمل لدیھا مع حرمانھ من مكافآتھ ودون إعلان بعد إجراء تحقیق إداري معھ أقر فیھ بمزاولتھ النشاط التجاري المنافس لنشاط المدعى علیھا، ومن ثم ینحصر بحث المحكمة في تحدید أثر قیامھ بمنافسة صاحب العمل، وما یملكھ ھذا الأخیر من جزاءات عند ثبوت قیامھ بھذه المنافسة....، وإذا كان المدعي یقر بأنھ كان شریكا في شركة تمارس نشاطا تجاریا منافسا لنشاط المؤسسة المدعى علیھا، فإنھ بذلك یكون قد أخل بالتزام جوھري ناشئ عن عقد العمل المبرم بینھ وبین المدعى علیھا.... مما یجعل فصلھ تأدیبیا طبقا لأحكام المادة (55/ذ) من قانون العمل في القطاع الأھلي مما یحرم المدعي من بدل الإنذار ومكافأة نھایة الخدمة ویتعین لذلك رفض ھذین الطلبین."، وقد أیدت محكمة الاستئناف العلیا ھذا الحكم. ولكن یجوز أن یقوم بعمل آخر لا یتصل بالعمل الذي یؤدیھ في خدمة رب العمل، فالعامل الذي یعمل كھربائي في شركة اتصالات، یجوز لھ في أوقات فراغھ أن یعمل في صناعة الألبان لأن عملھ ھذا لا یشكل منافسة لرب العمل. ویعتبر كمبرر لقید التزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل، بالإضافة إلى حسن النیة في تنفیذ العقود، واحترام شریعة المتعاقدین، الحفاظ على أسرار المشروع الذي یعمل بھ العامل. فالعامل یمكنھ أن یطلع خلال فترة عملھ على أسرار العمل المكلف بھ، وأن یتعرف على زبائن العمل، مما یشكل تھدید لمصلحة صاحب العمل والإضرار بالمشروع الذي كان یعمل بھ العامل. غیر أن المشرع قرر أن ھذا الحظر لا یسري على الاقتراض من المصارف، ومن ثم یجوز للعامل بأحد البنوك أن یقترض من أي بنك آخر خلاف البنك الذي یعمل بھ، وذلك لأن المشرع قدر أن ھذا العامل المقترض سیكون وضعھ مثل أي شخص آخر لیس فیھ ما یضعھ موضع الشك والشبھة. ویرى الفقھ الفرنسي أن الالتزام بعدم منافسة العامل لصاحب العمل، ینبع من وجوب التزام العامل بالإخلاص والولاء لصاحب العمل، فالمشروع عبارة عن مجموعةالتزام العامل بعدم منافسة صاحب حقیقیة تعمل تحت إدارة صاحب المشروع، ویوجد تضامن وتعاون بین أعضائھا، فالعامل أصبح جزء من المشروع، ویحق لصاحب العمل أن ینتظر من العامل سلوكا صحیحا ومستقیما في تنفیذ عملھ أو في سلوكھ نحو المشروع. ثانیا: شروط صحة اتفاق عدم المنافسة: ولما كان صاحب العمل یخشى من منافسة العامل لھ بعد انقضاء العقد فإنھ یجوز لھ أن یورد بالعقد شرطا یمنع العامل من منافستھ، فإذا خالف العامل الشرط یحق لصاحب العمل أن یلاحق العامل في المحكمة لان ھذا الشرط یوفر حمایة لصاحب العمل. وقد جاء في المادة (818) من القانون المدني الأردني بأنھ: "إذا كان العامل یقوم بعمل یسمح لھ بالإطلاع على أسرار العمل ومعرفة عملاء المنشأة جاز للطرفین أن یتفقا على ألا یجوز للعامل أن ینافس صاحب العمل أو یشترك في عمل ینافسھ بعد انتھاء العقد" وقد أكدت محكمة التمییز الأردنیة على ذلك بقولھا بأنھ: "یستفاد من المادة 818 من القانون المدني أن المشرع وضع شروطا معینة على الاتفاق بین صاحب العمل والعامل على عدم المنافسة حتى یكون ھذا الاتفاق صحیحا ومقبولا كونھ یعد قیدا على حریة العامل حیث أوجب أن یكون: 1. العمل الذي یقوم بھ العامل یسمح لھ بالإطلاع على أسرار العمل ومعرفة عملاء المنشأة. 2. شرط المنافسة مقیدا من حیث الزمان والمكان ونوع العمل بالقدر الضروري لحمایة المصالح المشروعة لصاحب العمل. وبذلك یكون المشرع والقضاء قد نظما ھذا الالتزام بالطریقة التي تحفظ حق صاحب العمل وكذلك تضمن حریة العامل، ومن أجل ذلك تم فرض عدة شروط حتى یكون الاتفاق المبرم بین العامل وصاحب العمل والذي یقضي بعدم منافسة العامل لرب العمل صحیحا،وھذه الشروط ھي: أولا: وجود مصلحة مشروعة لرب العمل من اشتراط عدم المنافسة، وتتحقق ھذه المصلحة إذا كان العمل الموكول بھ للعامل یسمح لھ بالاطلاع على أسرار صاحب العمل ومعرفة عملاء المنشأة. وقد جاء في قرار لمحكمة التمیز الأردنیة بأنھ: "یستفاد من (المادة 5/أ من ملحق عقد العمل) التي ورد فیھا (یلتزم الموظف بعد انتھاء عملھ لدى الشركة بسبب تقدیم استقالتھ أو بسبب الاستغناء عن خدماتھ لأي من الحالات المبینة في المادة 28 من قانون العمل الأردني ولمدة سنتین متواصلتین من تاریخ انتھاء عملھ لدى الشركة بالامتناع عن منافسة عمل الشركة....... في أي من مجالات عملھا داخل المملكة الأردنیة الھاشمیة، أماالتزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل الفقرة ب من نفس المادة فقد ورد فیھا (في حال إخلال الموظف بما ورد في الفقرة أ من ھذا البند فإنھ یلتزم بدفع تعویض للشركة مقداره ما یعادل أجر اثني عشر شھرا على أساس آخر أجر تقاضاه لدى الشركة كشرط متفق علیھ ودون حاجة للإخطار أو الإنذار) أما (المادة 818) من القانون المدني فقد نصت (إذا كان العامل یقوم بعمل یسمح لھ بالإطلاع على أسرار العمل ومعرفة عملاء المنشأة جاز للطرفین أن یتفقا على ألا یجوز للعامل أن ینافس صاحب العمل أو یشترك في عمل ینافسھ بعد انتھاء العقد). وبالرجوع إلى القرار لاستئنافي المطعون فیھ نجد أن المحكمة لم تناقش طبیعة عمل المدعى علیھ لدى المدعیة ولدى الشركة الأخرى التي انتقل إلیھا بعد الاستقالة وفیما إذا كان عملھ لدى شركة اكسبرس فیھ منافسة للشركة المدعیة (مع الإشارة إلى أن عملھ كان مشرف الحسابات والمخزون). وفیما إذا كانت البرامج التي یطلع علیھا ھي برامج خاصة بالمدعیة أم یستطیع أي شخص الحصول علیھا من السوق. وحیث إن محكمة الاستئناف حجبت نفسھا عن مناقشة ھذه الأمور فإن قرارھا في ھذه الحالة مشوب بعیب الاستدلال. ثانیا: أن تتوفر أھلیة العامل ببلوغھ سن الرشد وقت إبرام العقد، فلا یكفي بلوغھ سن الثامنة عشرة من عمره، لأن المنع من العمل یمس الحریة الشخصیة وبالتالي یجب أن یكون الشخص كامل الأھلیة وقت التزامھ بذلك. فإن كان ناقص الأھلیة في ذلك الوقت، جاز لھ التمسك ببطلان الشرط حتى لو كان قد اكتملت أھلیتھ وقت التمسك بالبطلان، وھذا البطلان غیر متعلق بالنظام العام أي لا یجوز للمحكمة أن تتصدى لھ من تلقاء نفسھا، في حین یجوز للعامل أن یتمسك بھ في أي مرحلة تكون علیھا الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف. ثالثا: اقتصار شرط المنع من حیث الزمان والمكان ونوع العمل على القدر الضروري لحمایة مصالح رب العمل المشروعة. ویتطلب ھذا الشرط توافر ثلاثة أمور ھي: أ. المنع من حیث الزمان: بحیث یجب أن یكون المنع من المنافسة محدد بزمان معین، أما إذا كان المنع مطلقا فھذا غیر جائز ومخالفا للنظام العام ومن ثم یبطل ھذا الشرط. وإن تقدیر ما إذا كانت مدة المنع معقولة أم لا مسألة موضوعیة یفصل فیھا قاضي الموضوع في ظل الظروف والملابسات المحیطة بالعمل. ھذا التمشي اعتمدتھ محكمة تونس في حكمھا الابتدائي عدد 39131 الصادر بتاریخ 13/01/2005 عندما اعتبرت أن إدراج شرط عدم المنافسة دون تقید بمعاییر من شأنھا حمایة مصالح العامل یتعارض مع أحكام الدستور والمیثاق العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقیة الدولیة لمنظمة العمل الدولیة رقم 122 المتعلقةالتزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل بسیاسة التشغیل إذ ورد في إحدى حیثیاتھ : "وحیث أن منع المدعي من العمل بكامل تراب الجمھوریة ولمدة خمسة سنوات سیحرمھ من حق العمل الذي ضمنھ لھ الدستور بالدیباجة والمیثاق العالمي لحقوق الإنسان بفصلھ 23 والاتفاقیة الدولیة للتشغیل عدد 122 المتعلقة بسیاسة الاستخدام والمنشورة بالرائد الرسمي للجمھوریة التونسیة والمصادق علیھا بالقانون عدد 44 لسنة 1965 المؤرخ في 21/12/1965 والتي أحالت بدورھا إلى الفصل 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المشار إلیھ أعلاه ". ب. المنع من حیث المكان: یجب أن یقتصر منع العامل من منافسة صاحب العمل على مكان معین بذاتھ وھو المكان الذي یمتد إلیھ نشاط صاحب العمل، لأنھ لیس ھناك مصلحة في منع العامل خارج ھذا المكان الذي یمتد إلیھ نشاطھ، وعلیھ إذا كان المنع مطلقا من حیث المكان أي لیس محدد بمكان محدد بذاتھ فإن الشرط یقع باطلا. وكذلك نفس الحكم إذا كان الشرط یمنع العامل من المنافسة خارج المكان الذي یمتد إلیھ نشاط صاحب العمل. ج. المنع من حیث نوع العمل: یجب أن یكون المنع من المنافسة مقتصرا على الأعمال التي یباشرھا صاحب العمل أو الأعمال التي لھا صلة بنشاط رب العمل المشروعة. فعلى ذلك إذا كان شرط المنع من حیث نوع العمل مطلقا فإن الشرط یقع باطلا. ونرى بأن امتداد الحظر إلى نوع العمل یعد تضیقا على العامل في مصدر رزقھ. رابعا: عدم اقتران الاتفاق بشرط جزائي مبالغا فیھ. لأن اقترانھ بھذا الشرط یعد وسیلة لإجبار العامل على البقاء في خدمة صاحب العمل لھذا تدخل المشرع الأردني وقال: "إذا اتفق الطرفان على تضمین العامل في حالة الإخلال بالامتناع عن المنافسة – تضمینا مبالغا فیھ بقصد إجباره على البقاء لدى صاحب العمل كان الشرط غیر صحیح". ولقد منح المشرع قاضي المحكمة الحق في أن ینظر في ھذا الاتفاق المقید لحریة العامل. وللقاضي أن یوزن بین حریة العامل التي كفلھا الدستور وبین حمایة مصالح صاحب العمل الذي اتفق مع العامل على حمایتھا، ولقاضي الموضوع أن ینظر إلى الشروط الجزائیة التي ضمنھا صاحب العمل في العقد المانع لمنافستھ، ویكون لھ الحق في أن یلغي أي شرط یجد فیھ مبالغة أو یعدلھ إلى الحد الذي یھتم بالغایة التي قصدھا المشرع ورغب في حمایتھا بالقانون. واستثنى المشرع من ھذه الشروط، أن یكون الضمان الذي قید العامل نفسھ بھ مبالغا في مقداره المالي بحیث یبطل ھذا الشرط كون نیة صاحب العمل تظھر سواءالتزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل إعداد: خدیجة زیادة بمحاولتھ إجبار العامل على البقاء لدیھ بحیث منح قانون العمل للعامل الحق في فسخ عقد العمل متى شاء وفقا لأصولھ. وأخیرا إذا توافرت الشروط الثلاث السابقة في شرط المنع من المنافسة فإن الشرط یعد صحیحا، وبالتالي فإنھ یجب على العامل أن یلتزم بھذا الشرط بعد انتھاء عقد العمل. أما إذا أخل العامل بالتزامھ بعدم المنافسة فإنھ كون مسئولا مسؤولیة تعاقدیة أمام صاحب العمل ویكون لھذا الأخیر المطالبة بوقف المنافسة والمطالبة بالتعویض عما لحق بھ من أضرار ولھ أیضا تطبیق الشرط الجزائي إذا لم یكن مبالغا فیھ. أما في النظام القانوني الفلسطیني فلا یوجد نص صریح یقید الاتفاق على عدم المنافسة، لذا یمكن الرجوع إلى المبادئ العامة في العقود، بحیث یشترط أن تكون الغایة من الاتفاق مشروعة، وأن لا یتعارض الاتفاق مع حریة العمل، ولا یعیق العامل في كسب رزقھ. وإن تقیید حریة العامل تتجھ عادة إلى الید العاملة الفنیة، فھنا تبدو أھمیة احتمال تسرب المعلومات. ولما كان رب العمل یخشى من منافسة العامل لھ ثالثا: المصالح التي یمسھا التزام عدم منافسة العامل لصاحب العمل: ویرى جانب من الفقھ الفرنسي أن قید عدم المنافسة قد یصل إلى حد إعاقة المنافسة الحقیقیة والمشروعة بین المنشآت المختلفة، وقد یؤدي إلى منع انتشار طرق البحث الجدیدة وتقییدھا. وإن البحث في مدى شرعیة شرط عدم المنافسة في عقد العمل ھو بحث في مسألة خلق التوازن في علاقات العمل بین مصلحة العامل وحقھ في العمل وبین مصلحة المؤسسة وحمایتھا من عمالھا السابقین الذین قد یعمدون إلى الإضرار بھا بعد انتھاء علاقة العمل وھو بحث أیضا في خلق توازن بین مبدأ سلطان الإرادة والقوة الملزمة للعقد من ناحیة وبین احترام خصوصیة قانون العمل لارتباطھ بالنظام العام الاجتماعي. ولابد أن نشیر ھنا إلى المصالح التي یمسھا ھذا الالتزام، والتي تتلخص في ثلاث مصالح أساسیة ھي مصلحة صاحب العمل، ومصلحة العامل، والمصلحة العامة: 1. مصلحة صاحب العمل: إن لصاحب العمل مصلحة جدیة من وراء ھذا الالتزام، من أجل حمایة منشآتھ من المنافسة الضارة، فالعامل أثناء عملھ یطلع على أسرار العمل المختلفة، وكذلك باستطاعتھ أن یوطدالتزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل إعدادعلاقتھ بالعملاء، مما لحق ضررا كبیرا بصاحب العمل إذا استغل العامل ھذه الأسرار والعلاقات لحسابھ الشخصي أو لحساب صاحب العمل الجدید، ولذلك نصت جمیع قوانین العمل على أھمیة حفاظ العامل على أسرار المنشأة وعدم إفشائھا. وبطبیعة الحال فإن ھذا الالتزام یبقى قائما طالما بقیت المعلومات سریة، أما إذا زالت عنھا ھذه الصفة بأن ذاعت وانتشرت، فلا یبقى محل لالتزام المحافظة على أسرار صاحب العمل. 2. مصلحة العامل: إن مما لا شك فیھ أن التزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل یمس مصلحة العامل ویشكل خطورة كبیرة بالنسبة إلیھ، فھو یصطدم بحریة العامل في أن یمارس نشاطھ المھني بعد انتھاء عقد العمل، بحیث یقبل العامل عادة بھذا الشرط تحت ضغط حاجتھ للعمل، وكذلك فإن ھذا الالتزام یحرم العامل من الاستفادة من الخبرة التي اكتسبھا خلال سنوات العمل السابق، وقد یكون ھذا القید محدد بحیز جغرافیة محددة مما یضطر العامل إلى تغییر مكان سكنھ السابق والبحث عن سكن جدید خارج نطاق الحیز الجغرافي الممنوع ممارسة العمل فیھ وفقا لشرط عدم المنافسة. 3. المصلحة العامة: إن ما یتعلق بالعمل والعمل یھم المصلحة العامة بالدرجة الأولى، فالالتزام بعدم منافسة صاحب العمل یمس تلك المصلحة من حیث عدم الإضرار بالمشروع الذي كان یعمل بھ العامل، وحمایة أسراره التي تكفل التقدم في المشروعات الأخرى مما یعوق التقدم الاقتصادي. وإن المصلحة العامة ترى بالمقابل بضرورة تعویض العامل من صاحب العمل مقابل ھذا الالتزام، فھنا تحقق المصلحة العامة التوازن بین المصالح المتضاربة للعامل ورب العمل. وأخیرا إن المفاضلة بین ھذه المصالح لا بد أن تخضع لقاعدة "الإعمال بما ھو أنفع للعامل ". ذلك أن تفسیر قانون العمل یكون بالاعتماد على كافة أحكامھ مھما اختلفت مصادرھا باعتبارھا تشكل وحدة مستقلة تكمل بعضھا البعض وتخضع لمبدأ التفسیر حسب الحكم الأنفع للعامل. رابعا: الطبیعة القانونیة لالتزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل: نتساءل ھنا حول طبیعتھا فیما إذا كانت مسؤولیة عقدیة أم مسؤولیة تقصیریة، وإن الإجابة على ھذا التساؤل تختلف باختلاف ما إذا كان ھناك نص خاص في عقد العمل یتضمن إلزام العامل بعدم المنافسة، أم كان العقد لا یتضمن ھذا الشرط. 1. إذا تضمن عقد العمل شرط الالتزام بعدم المنافسة:التزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل تفترض ھذه الحالة تضمن عقد العمل على شرط عدم المنافسة والتي قد تتخذ صورتان: - الصورة الأولى تكون أثناء قیام رابطة العقد، حیث یشترط في عقد العمل منع العامل من استغلال وقت فراغھ بالعمل على شكل یضر بمصلحة صاحب العمل، وھذا القید یتفق مع مقتضیات حسن النیة في تنفیذ التزامات عقد العمل. - الصورة الثانیة 2. إذا لم یتضمن عقد العمل شرط الالتزام بعدم المنافسة: في حالة عدم ورود نص في عقد العمل بین العامل وصاحب العمل، یقضي بإلزام العامل بعدم المنافسة، فإن الأمر یقتضي البحث فیما إذا كان العامل محمل بھذا الالتزام أم لا، فإذا كان محمل بھ، فما ھو مصدر ھذا الالتزام على الرغم من عدم احتواء العقد علیھ؟ وما ھي المسؤولیة المترتبة على عاتق العامل وصاحب العمل الجدید؟ حسب القواعد العامة فإن مصادر الالتزام خمسة وھي: العقد، الإرادة المنفردة، العمل غیر المشروع، الإثراء بلا سبب، والقانون. وفي حالة عدم تضمن العقد لشرط عدم المنافسة فإن المسؤولیة ھنا لا یمكن أن تكون عقدیة، وإنما تطبق قواعد المسؤولیة التقصیریة، وھذه المسؤولیة لا تثبت في حق العامل إلا بتوفر عناصرھا القانونیة الثلاثة وھي: الخطأ، والضرر، والعلاقة السببیة. ولتوافر عنصر الخطأ في المسؤولیة التقصیریة، یستوجب توافر ركنیھ المادي والمعنوي، والمتمثلان في ركني التعدي المرتكب والإدراك. وبالتالي فإن رابطة العمل تفترض أن یكون العامل مدركا لأفعالھ فمصدر التزام العامل بعدم المنافسة ھو العقد ولیس القانون، وبالتالي إن لم یتم الاتفاق على الحظر جاز للعامل منافسة رب العمل. خامسا: تحلل العامل من شرط عدم المنافسة: نص القانون المدني المصري على حالتین یمكن للعامل فیھما أن یتحلل من شرط عدم المنافسة، وأن یستعید حریتھ في العمل ولو ترتب على ذلك منافسة صاحب العمل السابق. الحالة الأولى: عندما یقوم صاحب العمل بفسخ عقد العمل أو یرفض تجدیده دون أن یقع من العامل ما یبرر ذلك.التزام العامل بعدم منافسة صاحب العمل الحالة الثانیة: عندما یقع من صاحب العمل ما یبرر فسخ العامل للعقد. ویتضح لنا مما سبق أن صاحب العمل في كلتا الحالتین السابقتین ھو الذي یتسبب بسقوط حقھ في التمسك بشرط عدم المنافسة، فھو الذي یرفض استمرار عمل العامل لدیھ، وكذلك ھو الذي یقوم بعمل یبرر للعامل فسخ العقد. ولذلك لا یجوز لھ أن یستفید من شرط عدم المنافسة. ویتفق حكم ھاتین الحالتین مع القواعد العامة. وقد أخذت بھما محكمة النقض الفرنسیة، فقضت بإسقاط حق صاحب العمل بالتمسك بشرط عدم المنافسة، إذا كان إنھاء العقد لخطأ یعزى إلیھ. منقول للأفاده