المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ميراث المرأة في الإسلام



طارق محمد اسماعيل
18-02-2015, 12:27 PM
ميراث المرأة في الإسلام
25- جعل الإسلام نصيب الذكور في الميراث أكبر من نصيب نظيراتهم من الإناث في عدة أحوال، فللذكر مثل حظ الأنثيين، من الأولاد والإخوة والأخوات، كما قال تعالى (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن)[39].

وقال الله عز وجل ﴿ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن ﴾[40].

وللزوجة من زوجها المتوفى نصف نصيب الزوج من تركة زوجته المتوفاة.

قال تعالى ﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُـمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْن ﴾[41]، ونصيب الأب من تركة ولده يبلغ أحياناً مثلي نصيب الأم أو أكثر من ذلك، ولا ينقص عنه بأي حال.

26- وقد دأبت المؤتمرات الدولية على تناول موضوع مساواة المرأة بالرجل في حق الميراث، واعتبار عدم المساواة من باب التمييز ضد المرأة، ولمز لأحكام الشريعة الإسلامية في هذا الموضوع، حيث يطالبون - باسم المساواة وباسم القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة – بالتسوية بين المرأة والرجل في جميع الحالات معتبرين أن في الآيات الكريمة التي ذكرناها ما يكرس مبدأ التمييز والجور بالنسبة إلى نصيب المرأة من تركة الوالدين إذ الولد يرث ضعفي ما ترثه البنت، والأخ يرث ضعف ما ترثه الأخت، والزوج يرث ضعف ما ترثه الزوجة، وهكذا.

ومن أقوالهم في ذلك – على سبيل المثال:
(إن قضية الإرث – ونصيب المرأة منه نصف نصيب الرجل - لهو بلا شك سبب مهم بالنسبة لدونية المرأة العربية المسلمة )و (إن حكم الوراثة في الإسلام هو حكم الدونية الشرعية للمرأة )[42].

27- وإن هذه الأقوال تمثل دليلاً على عدم تفهم خصوصية التصور الإسلامي في هذا الشأن، وإن في الأحكام القطعية التي ورد بها الإسلام ضمانة كبيرة لتحقيق مصلحة المرأة في الميراث، كما أنها تتجاهل تاريخ المرأة في الحضارات والشرائع السابقة على الإسلام.

ويمكن بيان حقيقة موقف الإسلام من ميراث المرأة من خلال أمرين:
الأمر الأول: أن هذه القاعدة ليست مضطردة
28- فكما أن هناك حالات ترث المرأة فيها النصف من نصيب الرجل، فإن هناك حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل، وهناك حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، بل يوجد حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها الرجل وقد قام بعض العلماء والباحثين بتتبع أحكام ميراث المرأة ليوضحوا لنا هذه الحالات، وورد النص صراحة على ذلك في القرآن الكريم بالنسبة لميراث الأخوة لأم ﴿ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ﴾ [43].

فهذه الآية ظاهرة الدلالة على تساوي حظ المرأة مع الرجل، إن كانت الأخوة من جهة الأم، وقد أجمع العلماء على أن الإخوة فيها عني بها الإخوة للأم [44]، وإذا ضاقت التركة بحيث يرث الأخوة لأم ولا يرث الأخ الشقيق وفقاً لقواعد التعصيب، فإنه يشترك مع الإخوة لأم ويأخذ مثل نصيبهم إناثاً كانوا أم ذكوراً، وهو ما يعرف في الفقه بالمسألة المشتركة.

كما أن هناك عشرات الأمثلة التي تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابل أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل[45].

الأمر الثانى: بيان الحكمة من كون نصيب المراة على النصف من نصيب الرجل
29- إن نصيب الذكور والإناث من الأولاد في الميراث حق مفروض بنص القرآن الكريم وقد بني على علاقة صلة الرحم بين الوالدين والأقربين، وقد جعل نصيب الرجل من الإرث على الضعف من نصاب المرأة في عدة حالات، على أساس المهام بين أعباء الرجل المالية في الحياة العائلية، وبين أعباء المرأة، وهذا الأمر لا يعني التقليل أو التمييز بين الرجل والمرأة، أو الانتقاص من حقوق المرأة [46].

فالرجل مكلف شرعاً بالإنفاق على أمه وأبيه، وأخته وأخيه - إن كانوا معسرين -قال تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾[47].

وفي السنة النبوية: اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غني ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله [48].

إذاً فالمرأة هي المنفق عليها بنتاً أو أماً، أختاً أو زوجة، مطلقة أو أرملة.

وهى تأخذ نصيبها من الميراث دون أدنى مشاركة ولا أدنى مسؤولية مالية، لمجرد الحيطة التي يتوخاها الإسلام لها، خشية أن يؤول أمرها إلى الترمل وفقد الزوج والأب، فكأن هذا القدر المالي بالنسبة لها نوع من الاحتياط لنوائب الدهر [49].

وقال الإمام النووي في بيان الحكمة من تفضيل الرجال على النساء في الإرث: حكمته، أن الرجال تلحقهم مؤن كثيرة في القيام على العيال، والضيفان، والأرقاء، والقاصدين، ومواساة السائلين، وتحمل الغرامات، وغير ذلك، والله أعلم [50].

30- فقد بني الاختلاف بين نصيب المرأة ونصيب الرجل في الميراث على أساس الاختلاف بين أعباء الرجل المالية في الحياة وأعباء المرأة، فمسؤولية الرجل في الحياة من الناحية المادية أوسع كثيراً من مسؤولية المرأة.

فالرجل رب الأسرة وهو القوّام عليها، والمكلف بالإنفاق على جميع أفرادها، أما المرأة فليست مكلفة حتى بالإنفاق على نفسها، فكان من العدل أن يكون حظ الرجل من الميراث أكبر من حظ المرأة، حتى يكون له في ذلك ما يعينه على القيام بهذه التكاليف المادية التي ألزمه الإسلام بها، وقد أعطى الإسلام المرأة نصف نصيب نظيرها من الرجال في الميراث مع إعفائه إياها من أعباء المعيشة، ولذلك لو لم يكن للوارثين إلا ما يرثونه من أمواتهم، لكانت أموال النساء - دائماً - أكثر من أموال الرجال [51].

فميراث البنت في الشريعة الإسلامية لم يقصد لذاته، بل هو مرتب على نظام الزواج فيها، وهو كعملية الطرح بعد عملية الجمع لإخراج النتيجة صحيحة من العمليتين معاً.

فإذا وجب للمرأة أن تأخذ من ناحية، وجب عليها أن تدع من ناحية أخرى تقابلها، وهذا الدين يقوم - في أساسه – على تربية أخلاقية عالية ينشئ بها طباعاً أخرى، فهو يربأ بالرجل أن يطمع في مال المرأة أو يكون عالة عليها، فمن ثم أوجب عليه أن يمهرها، وأن ينفق عليها وعلى أولادها.

ثم هناك حكمة سامية، وهي أن المرأة لا تدع نصف حقها في الميراث لأخيها يفضلها به - بعد الأصل الذي نبهنا إليه - إلا لتعينه بهذا العمل في البناء الاجتماعي، إذ تترك ما تتركه على أنه لامرأة أخرى هي زوج أخيها، فتكون قد أعانت أخاها على القيام بواجبه للأمة، وأسدت للأمة عملاً آخر أسمى منه بتيسير زواج امرأة من النساء [52].

أقوال الغربيين المنصفين في ميراث المرأة:
31- مما نطق به بعض العلماء والباحثين في الغرب أن الإسلام (كان ذا تأثير عظيم في وضع المرأة في الشرق، فهو قد رفع حال المرأة الاجتماعية وشأنها رفعاً عظيماً بدلاً من خفضها، فالقرآن قد منح المرأة حقوقاً إرثية بأحسن مما في قوانيننا الأوربية، ومبادئ المواريث التي نص عليها القرآن على جانب عظيم من العدل والإنصاف.... ويظهر من المقابلة بينها وبين الحقوق الفرنسية والإنكليزية، أن الشريعة الإسلامية منحت الزوجات حقوقاً في المواريث لا نجد مثلها في قوانيننا....)

فالقرآن رفع شأن المرأة بدلاً من خفضه، فجعل حصة البنت في الميراث تعدل نصف حصة أخيها، مع أن البنات كنّ لا يرثن في زمن الجاهلية، وهو وإن جعل الرجال قوامين على النساء، إلا أنه بين أن للمرأة حق الرعاية والحماية على زوجها وأراد ألا تكون الأيامى جزء من ميراث رب الأسرة، فأوجب أن يأخذن ما يحتجن إليه لمدة سنة، وأن يقبضن مهورهن، وأن ينلن نصيباً في أموال المتوفى [53].

ومنهم من اعترف بخطأ الغرب في تقدير رؤية الإسلام لميراث المرأة، فقال: (ما أكبر خطأ العالم في تقدير نظريات النبي فيما يتعلق بالنساء...... فلا تقف تعاليم النبي عند حدود العموميات، فقد وضع قانوناً لوراثة النساء، وهو قانون أكثر عدلاً، وأوسع حرية من ناحية الاستقلال الذي يمنحها إياه القانون المسيحي الإنكليزي – الذي كان معمولاً به إلى ما قبل نحو عشرين سنة، فما وضعه الإسلام للمرأة يعتبر قانوناً نموذجياً، فقد تكفل بحمايتهن في كل ما يملكنه عن أقاربهن، وإخواتهن، وأزواجهن منقول