طارق محمد اسماعيل
25-02-2015, 01:21 PM
النشوزهو كراهة كل واحد من الزوجين للأخر , ونشزت المرأة على زوجها فهي ناشز : أي ارتفعت عليه واستعصت عليه وأبغضته وخرجت عن طاعته وفركته ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن )
ونشز هو عليها نشوزا كذلك إذا ضر بها وجفاها وضربها قال تعالى : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) ) .
وأما النشوز في اصطلاح الفقهاء
فقال ابن قدامة في المغني (معنى النشوز هو معصية الزوج فيما فرض الله عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها ارتفعت وتعالت عما أوجب الله عليها من طاعته )
وقال صاحب الأضواء :” وأصل النشوز في اللغة الارتفاع فالمرأة الناشز كأنها ترتفع عن المكان الذي يضاجعها فيه زوجها وهو في اصطلاح الفقهاء الخروج عن طاعة الزوج .
هذا فيما يتعلق بتعريف نشوز المرأة , وأما فيما يتعلق بنشوز الرجل فقال ابن قدامة في الكافي : النوع الثاني : نشوز الرجل عن امرأته وهو إعراضه عنها لرغبته عنها لمرضها أو كبرها أو غيرهما فلا بأس أن تضع عنه بعض حقها تسترضيه بذلك , لقوله تعالى ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا
المعنى الاصطلاحي للنشوز في كتب الفقه:
أولاً: الحنفية:
عرفه صاحب الدر المختار بأنه: "خروج الزوجة من بيت زوجها بغير حق
وهذا التعريف لا يجمع أسباب النشوز؛ لأنه اقتصر على ذكر سبب واحد من أسباب نشوز الزوجة، وهو خروجها من بيت زوجها بغير حق.
وعرفه الزيلعي فقال: "الناشز: هي الخارجة من بيت زوجها بغير إذنه، المانعة نفسها منه"
وهذا التعريف أكثر شمولا لأسباب نشوز الزوجة؛ لأنه أضاف إليه منعها نفسها لاستمتاعه بها، ولكنه لم يتعرض لجميع أسبابه، وهو تعريف غير جامع.
ومن خلال دراسة أقوال فقهاء الحنفية في معنى نشوز الزوجة، نخلص إلى أن نشوز الزوجة هو: "خروج المرأة من منزل زوجها بغير إذنه، أو عدم تمكينه من دخول بيتها، أو منعها نفسها منه بغير حق.
ثانيًا: المالكية:
عرفه الشيخ الدردير بقوله: "هو الخروج عن الطاعة الواجبة، كأن منعته الاستمتاع بها، أو خرجت بلا إذن لمحل تعلم أنه لا يأذن فيه، أو تركت حقوق الله تعالى؛ كالطهارة والصلاة، أو أغلقت الباب دونه، أو خانته في نفسها أو ماله
وهذا التعريف جامع لأسباب النشوز؛ لأن أي خروج منها عن طاعة زوجها فيما لا معصية فيه –لله عز وجل- يُعد نشوزا منها، وبهذا المعنى جاء في سراج السالك: "النشوز: هو خروج الزوجة عن طاعة زوجها لغير موجب شرعي.
وخلاصة أقوال المالكية في تعريف النشوز: "بأنه الخروج عن طاعة الزوج بمنعه الوطء، أو الخروج بغير إذنه، أو الامتناع من الدخول بغير عذر أو نحو ذلك".
ثالثًا: الشافعية:
عرفه الشافعية بقولهم:
الناشزة: "هي الخارجة عن طاعة زوجها"
ومن أمثلة ذلك: أن تخرج من منزلها بغير إذنه، أو تمنعه من التمتع بها، أو تغلق الباب في وجهه... إلى غير ذلك.
والنشوز عندهم: "يستوي فيه أن يكون من غير المكلفة أو من المكلفة، لاستواء الفعلين في التويت على الزوج، وسواء أقدر الزوج على ردها إلى الطاعة قهرا أم لا".
وهكذا نرى تقارب التعاريف عند الشافعية مع ما قاله المالكية.
رابعًا: الحنابلة:
عرف ابن قدامة النشوز فقال: " معنى النشوز: معصية الزوج فيما فرض الله عليها من طاعته"
وعرفه الشيخ منصور البهوتي بقوله: " هو معصيتها إياه فيما يجب عليها.
وهذه التعريفات كلها متقاربة، تدور حول معصية الزوجة لزوجها، فيما يجب عليها من الطاعة؛ كأن تمتع عنه إذا دعاها إلى فراشه، أو تجيبه متبرمة كارهة، أو تخرج من بيته بغير إذنه، أو تمتنع عن الانتقال معه إلى سكن مثلها، أو من السفر معه.
حكم النشوز
الأصل في النشوز التحريم , لمخالفته نصوص الكتاب والسنة والتي جاءت بوجوب طاعة الزوجة زوجها ووجوب إحسان الزوج لزوجته , إلا أن درجات التحريم تختلف من صورة لأخرى .
فمن تأبى أن تمكن زوجها من الاستمتاع بها ووطئها ليست كمن تظهر التثاقل والتضجر ومن التسخط والملل ليس كمن يمنع زوجته النفقة
.
ويتقرر على هذا التفاوت في الدرجات , التفاوت في التبعات والأحكام المترتبة على هذا الوصف – أعني وصف النشوز.
أسباب نشوز المرأة:
سوء خلق المرأة وعدم تلقيها قدرا كافيا من التربية الصحيحة .
قلة وعي المرأة بمكانة الزوج وجهلها لحقوقها وأهمية طاعته.
وجود من يحرضها على الخروج عن طاعة الزوج أو عيشها في بيئة تشجع المرأة على ذلك.
التباين الإجتماعي والفكري بين الزوجين ووجود فارق كبير بينهما.
تفوق المرأة على الزوج في شيء من الصفات في المال أو الجمال أو الحسب أو النسب مما يحملها ذلك على الغرور والتكبر على الزوج.
تأثر المرأة بالأصوات والأطروحات المتغربة التي تحررها فكريا من أحكام وآداب الأسرة الإسلامية وتقنعها بمساواة الرجل وعدم إلتزام الطاعة له.
وجود مشاكل بين المرأة وزوجها وعدم تفهمها لنفسية الزوج واحتياجاته الخاصة.
ظلم الزوج وتقصيره بحقوق المرأة وجفائه لها وعدم مراعاة حدود الله في علاقته بها
أحكام المرأة الناشز:
إذا نشزت المرأة سقط عنها حقوق لا تثبت لها إلا إذا تركت النشوز:
1- النفقة.
2- السكنى والقسم لها.
قال ابن قدامة " فمتى امتنعت من فراشه أو خرجت من منزله بغير إذنه أو امتنعت من الإنتقال معه إلى مسكن مثلها أو من السفر معه فلا نفقة لها ولا سكنى في قول عامة أهل العلم " .
والأصل في ذلك عند الفقهاء أن هذه الحقوق تثبت للمرأة في مقابل إستمتاع الرجل بها وتمكينه له فإذا زال زالت الحقوق .
وما سوى ذلك فهي زوجة يثبت لها سائر الأحكام من المحرمية والإرث وغير ذلك
وحكم الناشز عند الشيخ عبدالعزيز ابن باز يقول لا شك أن الناشز لا تستحق على زوجها شيئا من النفقة، حتى ترجع إلىالطاعه إذا كان نشوزها بغير حق، وتقدير المدة يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم، أما ما يفعله بعض القضاة من الحكم على الناشز بإسقاط نفقتها وحبسها في ذمة زوجها سنين طويلة فلا أعلم له أصلا في الشرع، وفيه ظلم لها فقد يكون لنشوزها أسباب أوجبت ذلك؛ منها كراهيتها للزوج وعدم رغبتها في معاشرته، ومنها سوء معاملته لها إلى غير ذلك من الأسباب.
والواجب في مثل هذا الأمر هو التثبت والنظر في أسباب النشوز والتوسط في الصلح، فإن لم يتيسر ذلك وجب التحكيم أي بعث الحكمين؛ عملا بقول الله سبحانه: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَاالآية.
والصحيح أنهما حكمان يعملان ما يريانه أصلح من جمع أو تفريق بدون إذن الزوجين، وليسا وكيلين لهما؛ لأن الله سماهما حكمين ولم يسمهما وكيلين، ولأن المقصود حل النزاع بينهما ولا يحصل ذلك إلا بكونهما حكمين، كما لا يخفى عند التأمل، فإن توقف الحكمان اجتهد الحاكم بتأجيل الموضوع بعض الوقت أو المبادرة بالتفريق بينهما بما يرى من العوض أو عدمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس: ((أتردين عليه حديقته)). قالت: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم لثابت: ((اقبل الحديقة وطلقها تطليقة)) رواه البخاري في صحيحه، ولم يخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين الطلاق وعدمه، بل أمره بالطلاق أمرا مطلقا، والأصل في الأمر الوجوب، ومن قال بخلافه فعليه الدليل وليس هناك دليل يصرفه عن ظاهره فيما نعلم. أما أن تحبس المرأة سنين طويلة بدون نفقة وتحرم من الاستمتاع بمباهج الحياة، لكونها سئمت من عشرة زوجها فهذا فيه مفاسد كثيرة وضرر عليها وعلى الزوج، والزوج له حق محدود، وهي كذلك لها حق مثله، فلو كرهها زوجها وألزم بمعاشرتها، فهل يرضى ذلك؟ لا أظنه يرضى، والعدل في الحقوق واجب على الحاكم، كما أن عليه النظر في القضايا المقدمة إليه، والاجتهاد في إنهاء الخصومة فيها حتى تحفظ الحقوق وتصان الدماء والأموال والأعراض ويقف كل أحد عند حده.
اراء الفقهاء والمذاهب في ذلك
المذهب الأول: فالزوجة الناشز لا نفقة لها ولا سكنى، وهذا قول عامّة أهل العلم من الحنفية والمالكيـة والشافعية والحنابلة، وشريح والشعبي، والحسن، والزهري، والأوزاعي، وأبي ثور وأبو محمد علي بن حزم المذهب الثاني: الزوجة الناشز لها النفقة، وهذا ما ذهب إليه الحكم بن عتيبة من المالكية الظاهري وابن القاسم أدلة المذهب الأول: استدل أنصاره بدليلين:
أولاً: الإجماع: حكاه الرملي في "النهاية" ثانياً: من المعقول قالوا: إن النفقة عوض عن التمكين والاستمتاع، أو الاحتباس المؤدي إلى المقصـود من الجماع، أو دواعيه، بدليل أن النفقة لا تجب للزوجة قبل تسليمها إليه، وإذا منعها النفقة كـان لهـا . منعه من التمكين، فإن منعته التمكين كان له منعها من النفقة، كما قبل الدخول . أما إن كان له منها ولد فعليه نفقة ولده؛ لأنها واجبة له، فلا يسقط حقه بمعصيتها ويناقش: الدليل الأول: بأن الإجماع لا يصح إلا أن يريدوا به إجماع الأكثر، وهو لا يكون حجة علـى ما رجّحه بعض الأصوليين وجاء ، وكذلك الماوردي في كتابه الحاوي فقد خالف في ذلك الحكم بن عتيبة، حكاه ابن المنذر عنه . وابن القاسم من في المغني لابن قدامة: "ولا أعلم أحداً خالف هؤلاء؛ يعني عامة أهل العلم إلا الحكم" . وحكاه أيضاً ابن حزم في "المحلى" قال ابن حزم –وهو ممن خالف الجمهور-: "ولا يُحفـظ المالكية منع الناشز من النفقة عن أحد من الصحابة، وإنما هو شيء روي عن النخعي، والشعبي، وحمّاد بن أبي . سليمان، والحسن والزهري" أما الدليل الثاني: فقد ردّ عليه ابن حزم فقال: "وما نعلم لهم حجة إلا أنهم قالوا: النفقة بإزاء الجمـاع، فإذا مَنَعت الجماع مُنِعت النفقة. ال: وهذه حجة أفقر إلى ما يصححها مما راموا تصحيحها به، وقد كذبوا في ذلك إلا بإزاء الزوجية، فإذا وجدت الزوجية فالنفقة والكسوة واجبتان" ويناقش قول ابن حزم: إن الزوجية لا تصلح معوضاً للنفقة، إذ المهر عوض عنها، وأيضاً: لو كانـت معوضاً لوجبت للصغيرة، ولو كانت في بيت أهلها، مع أنها لا تجب، وإلا لأنفق النبي صلى االله عليـه وسلم على عائشة قبل الزفاف. أدلة أصحاب المذهب الثاني: القائلين بعدم سقوط نفقة الزوجة عند نشوزها. استدل الظاهرية ومن وافقهم بالقرآن والسنّة والآثار: أولاً: من القرآن الكريم استدلوا بقوله تعالى: "وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ" وجه الدلالة: أن االله –عزوجل- قد أخبر أنه ليس على الناشز إلاّ الموعظة الحسنة، والهجر في المضجع، والضرب غير المبرّح، ولم يسقط عزوجل نفقتها ولا كسوتها، وبالتالي فإن القول بمعاقبتها بمنعها حقها في النفقة والكسوة شرع في الدين لم يأذن به االله –عزوجل- فهو باطل، والنشوز وإن كان فيه ظلم للزوج إلا أنه لا يحل له منعها من ماله الذي هو حق لها، إلا أن يأتي بذلك نص، ولو أراد االله استثناء الناشـز لمـا أغفل ذلك حتى يبينه له غيره، حاش الله من ذلك وينـاقش: بأن ما ذكرهُ االله –عزوجل- من الأحكام الخاصة بالنشوز في قوله تعالى:" واللاتي تخـافون نشوزهنّ......" الآية، لا يمنع من عدم إيجاب النفقة لها؛ لأن الأدلة الموجبة للنفقة ظاهرها العمـوم، إلا أن هذا العموم معارض بالمفهوم والمعنى الذي من أجله شرعت النفقة، وهو احتباس الزوجـة لصـالحالزوج، احتباساً ينتفع به الزوج انتفاعاً مقصوداً بالنكاح، وهو الجماع أو الدواعي إليه، وهـذا المعنـى غير متحقق في الناشز، لعدم احتباسها، وبالتالي لا تستحقّ النفقة ثانياً: من السنة المطهرّة قوله عليه الصلاة والسلام في خطبته يوم عرفة في الحديث الذي رواه جابر بن عبد االله رضي الله عنهما: "... ولهنّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" وجه الدلالة: أن رسول االله صلى االله عليه وسلم قد عم كل النساء في وجوب النفقة على الزوج، ولم يخص ناشزاً من غيرها، ولا صغيرة ولا كبيرة، دخل بها أم لم يدخل، حرة كانت أمْ أمة، وبالتالي فمـا وجـه حرمـان الناشز من النفقة يناقش: من ناحيتين: الأولـى: بأنه لا يُسلّم أن هذه الأدلة لم تفْصِل في وجوب النفقة بين الناشز وغيرها؛ لأنه سبحانه وتعالى ، وذلك فيه إشارة إلى تسليم النفس؛ لأن الـولادة (4) قال: "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" بدونه لا تتصوّر الثانية: علاوة على عموم هذه النصوص، فقد خصصت بدلالة النص؛ لأن االله قد منعهـا حظهـا مـن الصحبة بقوله: "واهجروهن في المضاجع"، فهذا دليل على منعها من النفقة من باب أولـى؛ لأن حـظ الصحبة لهما، والنفقة لها خاصة
ثالثاً: الآثار، منها: ا رواه نافع -رضي االله عنه- عن ابن عمر رضي االله عنهما قال: "كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد، أن انظروا من طالت غيبته أن يبعثوا نفقة أو يرجعوا، أو يفارقوا، فإن عليه نفقة ما فارق مـن . يوم غاب" وجه الدلالة: قال ابن حزم: "ولم يخص عمر ناشزاً من غيرها، وما نعلم لعمر في هذا مخالفاً من الصحابة –رضـي ، فدل ذلك على عموم وجـوب الله عنهم- ولا يحفظ منع الناشز من النفقة عن أحد من الصحابة...." النفقة لكل الزوجات. ويناقش بما يلي: أولاً: بأن هذا العموم في قول عمر رضي االله عنه يعارض المفهوم من إيجاب النفقة، كما ذكرنا عنـد ردنا على وجه الدلالة في قوله تعالى: "واللاتي تخافون نشوزهن" الآية. ثانياً: إن قول عمر رضي االله عنه يحمل على الزوجة غير الناشزة؛ لأن الذي يغلب علـى الظـن أن مسألة عدم استحقاق الناشز للنفقة من المسائل المجمع عليها في عصر الصحابة، وهذا الإجماع وإن لـم يصرح به فهو من الإجماع السكوتي؛ لأن سكوتهم عن المخالفة في معـرض الحاجـة يعتبـر اتفاقـاً، . ووفاقهم حجة قاطعة، ولهذا لم يخرج عمر بن الخطاب رضي االله عنه الناشز من عموم خبره هذا رابعاً: من المعقول رد ابن حزم على الجمهور –بالإضافة إلى ما سبق- من ناحيتين الأولى: أنهم استحلوا الظلم في مقابل الظلم، أي استحلوا ظلم الناشز في منعها حقها من أجـل ظلمهـا للزوج في منع حقه، وهذا الظلم بعينه، والباطل صُراحاً. ثانية: تناقض القائلين بسقوط النفقة بالنشوز، حيث أوجبوا النفقة للمريضة التـي لا يمكـن وطؤهـا، فتركوا قولهم: "إن النفقة بإزاء الجماع...". ويمكن مناقشة الناحيتين كما يلي: 1) بالنسبة للناحية الأولى: إن منع الزوجة النفقة ليس ظلماً، بل إنه منع بحق، مقابل لمنـع مـا هـو عوض عنه، كمن يمنع تسليم السلعة لعدم تسلُّم الثمن. 2) أما الناحية الثانية: فقد علمت أنهم إنما قالوا: "إن النفقة بإزاء التمكين، أو الاحتباس المؤدي إلى المقصود من الجمـاع، أو دواعيه" والمريضة وإن امتنع جماعها- لم يمتنع دواعيه" بخلاف الناشزة، بالإضافة إلـى أن النشـوز بإرادتها، بينما المرض ليس كذلك. الترجيح: بعد عرض أدلة الفريقين ومناقشتها فإنني أميل إلى الأخذ برأي الجمهور، القائلين بسقوط نفقة الناشـز، وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها عن المعارضة في مجملها. ولأن أدلة المخالفين يغلب عليها العموم، وقد رددت عليها في مواضعها، وأيضاً فإنه من الظلم بمكـان أن نلزم الزوج بالنفقة على زوجته العاصية له المانعة نفسها عنه، ولعل في حرمانها من النفقة وسـيلةً لردها إلى جادّة الصواب، ورجوعها عن النشوز.
عودة النفقة بترك النشوز:
ذهب الفقهاء القائلون بسقوط النفقة بالنشوز إلى أن الناشز إذا رجعت عن نشوزها وعادت إلى زوجها، عادت نفقتها لزوال المسقط لها. ولهم في ذلك تفصيل.
فقال الحنفية: الناشز تسقط نفقتها حتى تعود إلى بيت الزوج ولو بعد سفر الزوج، فلو عادت إلى بيته بعدما سافر خرجت عن كونها ناشزة، فتستحق النفقة، فتكتب إليه لينفق عليها، أو ترفع أمرها للقاضي ليفرض لها عليه نفقة، أما لو أنفقت على نفسها بدون ذلك فلا رجوع لها، لأن النفقة لا تصير ديناً إلا بالقضاء أو الرضا، فتسقط بالمضي بدون قضاء ولا تراض.
وقال الشافعية : لا سكنى للمعتدة الناشزة، سواء أكان ذلك قبل طلاقها – كما صرح به القاضي وغيره – أم كان في أثناء العدة – كما صرح به المتولى – فإن عادت إلى الطاعة عاد حق السكنى – كما صرح به المتولى – وقيل : إن نشزت على الزوج وهي في بيته فلها السكنى في العدة، وإن خرجت واستعصت عليه من كل وجه فلا سكنى لها، ويرجع بأجرة المسكن في مدة النشوز وإن كان لزوجها، وله إخراجها إذا نشزت ، ويجب عودها إذا عادت.
ولو نشزت فخرجت من بيته بغير إذنه فغاب، ثم عادت بعد غيبته فأطاعته لم تجب نفقتها زمن الطاعة في الأصح لانتفاء التسليم والتسلم، ومقابل الأصح : تجب لعودها إلى الطاعة، فإن رفعت الأمر إلى الحاكم كتب إلى حاكم بلده يعلمه بالحال، فإن عاد الزوج أو وكيله واستأنف تسلم الزوجة عادت النفقة، وإن مضى زمن إمكان العود ولم يوجد عادت أيضاً .
والحكم كذلك لو حصلت غيبة الزوجة قبل النشوز.
ولو نشزت في البيت من غير خروج فغاب ، ثم أطاعت، وجبت النفقة بمجرد إطاعتها – كمرتدة أسلمت – لأنه لم تخرج من يده
وقال الحنابلة : إذا سقطت نفقة المرأة لنشوزها فعادت عن النشوز والزوج حاضر عادت نفقتها ، لزوال المسقط لها ووجود التمكين المقتضي لها، وإن كان غائباً لم تعد نفقتها حتى يعود التسليم بحضوره ، أو حضور وكيله ، أو حكم الحاكم بالوجوب إذا مضى زمن الإمكان.
وقالوا: إن النفقة سقطت في النشوز بخروجها عن يده ، أو منعها له من التمكين المستحق عليها، ولا يزول ذلك إلا بعودها إلى بيته وتمكينه منها، ولا يحصل ذلك في غيبته، ولذلك لو بذلت تسليم نفسها قبل دخوله بها في حال غيبته لم تستحق النفقة بمجرد البذل منقول للأفاده
ونشز هو عليها نشوزا كذلك إذا ضر بها وجفاها وضربها قال تعالى : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) ) .
وأما النشوز في اصطلاح الفقهاء
فقال ابن قدامة في المغني (معنى النشوز هو معصية الزوج فيما فرض الله عليها من طاعته مأخوذ من النشز وهو الارتفاع فكأنها ارتفعت وتعالت عما أوجب الله عليها من طاعته )
وقال صاحب الأضواء :” وأصل النشوز في اللغة الارتفاع فالمرأة الناشز كأنها ترتفع عن المكان الذي يضاجعها فيه زوجها وهو في اصطلاح الفقهاء الخروج عن طاعة الزوج .
هذا فيما يتعلق بتعريف نشوز المرأة , وأما فيما يتعلق بنشوز الرجل فقال ابن قدامة في الكافي : النوع الثاني : نشوز الرجل عن امرأته وهو إعراضه عنها لرغبته عنها لمرضها أو كبرها أو غيرهما فلا بأس أن تضع عنه بعض حقها تسترضيه بذلك , لقوله تعالى ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا
المعنى الاصطلاحي للنشوز في كتب الفقه:
أولاً: الحنفية:
عرفه صاحب الدر المختار بأنه: "خروج الزوجة من بيت زوجها بغير حق
وهذا التعريف لا يجمع أسباب النشوز؛ لأنه اقتصر على ذكر سبب واحد من أسباب نشوز الزوجة، وهو خروجها من بيت زوجها بغير حق.
وعرفه الزيلعي فقال: "الناشز: هي الخارجة من بيت زوجها بغير إذنه، المانعة نفسها منه"
وهذا التعريف أكثر شمولا لأسباب نشوز الزوجة؛ لأنه أضاف إليه منعها نفسها لاستمتاعه بها، ولكنه لم يتعرض لجميع أسبابه، وهو تعريف غير جامع.
ومن خلال دراسة أقوال فقهاء الحنفية في معنى نشوز الزوجة، نخلص إلى أن نشوز الزوجة هو: "خروج المرأة من منزل زوجها بغير إذنه، أو عدم تمكينه من دخول بيتها، أو منعها نفسها منه بغير حق.
ثانيًا: المالكية:
عرفه الشيخ الدردير بقوله: "هو الخروج عن الطاعة الواجبة، كأن منعته الاستمتاع بها، أو خرجت بلا إذن لمحل تعلم أنه لا يأذن فيه، أو تركت حقوق الله تعالى؛ كالطهارة والصلاة، أو أغلقت الباب دونه، أو خانته في نفسها أو ماله
وهذا التعريف جامع لأسباب النشوز؛ لأن أي خروج منها عن طاعة زوجها فيما لا معصية فيه –لله عز وجل- يُعد نشوزا منها، وبهذا المعنى جاء في سراج السالك: "النشوز: هو خروج الزوجة عن طاعة زوجها لغير موجب شرعي.
وخلاصة أقوال المالكية في تعريف النشوز: "بأنه الخروج عن طاعة الزوج بمنعه الوطء، أو الخروج بغير إذنه، أو الامتناع من الدخول بغير عذر أو نحو ذلك".
ثالثًا: الشافعية:
عرفه الشافعية بقولهم:
الناشزة: "هي الخارجة عن طاعة زوجها"
ومن أمثلة ذلك: أن تخرج من منزلها بغير إذنه، أو تمنعه من التمتع بها، أو تغلق الباب في وجهه... إلى غير ذلك.
والنشوز عندهم: "يستوي فيه أن يكون من غير المكلفة أو من المكلفة، لاستواء الفعلين في التويت على الزوج، وسواء أقدر الزوج على ردها إلى الطاعة قهرا أم لا".
وهكذا نرى تقارب التعاريف عند الشافعية مع ما قاله المالكية.
رابعًا: الحنابلة:
عرف ابن قدامة النشوز فقال: " معنى النشوز: معصية الزوج فيما فرض الله عليها من طاعته"
وعرفه الشيخ منصور البهوتي بقوله: " هو معصيتها إياه فيما يجب عليها.
وهذه التعريفات كلها متقاربة، تدور حول معصية الزوجة لزوجها، فيما يجب عليها من الطاعة؛ كأن تمتع عنه إذا دعاها إلى فراشه، أو تجيبه متبرمة كارهة، أو تخرج من بيته بغير إذنه، أو تمتنع عن الانتقال معه إلى سكن مثلها، أو من السفر معه.
حكم النشوز
الأصل في النشوز التحريم , لمخالفته نصوص الكتاب والسنة والتي جاءت بوجوب طاعة الزوجة زوجها ووجوب إحسان الزوج لزوجته , إلا أن درجات التحريم تختلف من صورة لأخرى .
فمن تأبى أن تمكن زوجها من الاستمتاع بها ووطئها ليست كمن تظهر التثاقل والتضجر ومن التسخط والملل ليس كمن يمنع زوجته النفقة
.
ويتقرر على هذا التفاوت في الدرجات , التفاوت في التبعات والأحكام المترتبة على هذا الوصف – أعني وصف النشوز.
أسباب نشوز المرأة:
سوء خلق المرأة وعدم تلقيها قدرا كافيا من التربية الصحيحة .
قلة وعي المرأة بمكانة الزوج وجهلها لحقوقها وأهمية طاعته.
وجود من يحرضها على الخروج عن طاعة الزوج أو عيشها في بيئة تشجع المرأة على ذلك.
التباين الإجتماعي والفكري بين الزوجين ووجود فارق كبير بينهما.
تفوق المرأة على الزوج في شيء من الصفات في المال أو الجمال أو الحسب أو النسب مما يحملها ذلك على الغرور والتكبر على الزوج.
تأثر المرأة بالأصوات والأطروحات المتغربة التي تحررها فكريا من أحكام وآداب الأسرة الإسلامية وتقنعها بمساواة الرجل وعدم إلتزام الطاعة له.
وجود مشاكل بين المرأة وزوجها وعدم تفهمها لنفسية الزوج واحتياجاته الخاصة.
ظلم الزوج وتقصيره بحقوق المرأة وجفائه لها وعدم مراعاة حدود الله في علاقته بها
أحكام المرأة الناشز:
إذا نشزت المرأة سقط عنها حقوق لا تثبت لها إلا إذا تركت النشوز:
1- النفقة.
2- السكنى والقسم لها.
قال ابن قدامة " فمتى امتنعت من فراشه أو خرجت من منزله بغير إذنه أو امتنعت من الإنتقال معه إلى مسكن مثلها أو من السفر معه فلا نفقة لها ولا سكنى في قول عامة أهل العلم " .
والأصل في ذلك عند الفقهاء أن هذه الحقوق تثبت للمرأة في مقابل إستمتاع الرجل بها وتمكينه له فإذا زال زالت الحقوق .
وما سوى ذلك فهي زوجة يثبت لها سائر الأحكام من المحرمية والإرث وغير ذلك
وحكم الناشز عند الشيخ عبدالعزيز ابن باز يقول لا شك أن الناشز لا تستحق على زوجها شيئا من النفقة، حتى ترجع إلىالطاعه إذا كان نشوزها بغير حق، وتقدير المدة يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم، أما ما يفعله بعض القضاة من الحكم على الناشز بإسقاط نفقتها وحبسها في ذمة زوجها سنين طويلة فلا أعلم له أصلا في الشرع، وفيه ظلم لها فقد يكون لنشوزها أسباب أوجبت ذلك؛ منها كراهيتها للزوج وعدم رغبتها في معاشرته، ومنها سوء معاملته لها إلى غير ذلك من الأسباب.
والواجب في مثل هذا الأمر هو التثبت والنظر في أسباب النشوز والتوسط في الصلح، فإن لم يتيسر ذلك وجب التحكيم أي بعث الحكمين؛ عملا بقول الله سبحانه: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَاالآية.
والصحيح أنهما حكمان يعملان ما يريانه أصلح من جمع أو تفريق بدون إذن الزوجين، وليسا وكيلين لهما؛ لأن الله سماهما حكمين ولم يسمهما وكيلين، ولأن المقصود حل النزاع بينهما ولا يحصل ذلك إلا بكونهما حكمين، كما لا يخفى عند التأمل، فإن توقف الحكمان اجتهد الحاكم بتأجيل الموضوع بعض الوقت أو المبادرة بالتفريق بينهما بما يرى من العوض أو عدمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس: ((أتردين عليه حديقته)). قالت: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم لثابت: ((اقبل الحديقة وطلقها تطليقة)) رواه البخاري في صحيحه، ولم يخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين الطلاق وعدمه، بل أمره بالطلاق أمرا مطلقا، والأصل في الأمر الوجوب، ومن قال بخلافه فعليه الدليل وليس هناك دليل يصرفه عن ظاهره فيما نعلم. أما أن تحبس المرأة سنين طويلة بدون نفقة وتحرم من الاستمتاع بمباهج الحياة، لكونها سئمت من عشرة زوجها فهذا فيه مفاسد كثيرة وضرر عليها وعلى الزوج، والزوج له حق محدود، وهي كذلك لها حق مثله، فلو كرهها زوجها وألزم بمعاشرتها، فهل يرضى ذلك؟ لا أظنه يرضى، والعدل في الحقوق واجب على الحاكم، كما أن عليه النظر في القضايا المقدمة إليه، والاجتهاد في إنهاء الخصومة فيها حتى تحفظ الحقوق وتصان الدماء والأموال والأعراض ويقف كل أحد عند حده.
اراء الفقهاء والمذاهب في ذلك
المذهب الأول: فالزوجة الناشز لا نفقة لها ولا سكنى، وهذا قول عامّة أهل العلم من الحنفية والمالكيـة والشافعية والحنابلة، وشريح والشعبي، والحسن، والزهري، والأوزاعي، وأبي ثور وأبو محمد علي بن حزم المذهب الثاني: الزوجة الناشز لها النفقة، وهذا ما ذهب إليه الحكم بن عتيبة من المالكية الظاهري وابن القاسم أدلة المذهب الأول: استدل أنصاره بدليلين:
أولاً: الإجماع: حكاه الرملي في "النهاية" ثانياً: من المعقول قالوا: إن النفقة عوض عن التمكين والاستمتاع، أو الاحتباس المؤدي إلى المقصـود من الجماع، أو دواعيه، بدليل أن النفقة لا تجب للزوجة قبل تسليمها إليه، وإذا منعها النفقة كـان لهـا . منعه من التمكين، فإن منعته التمكين كان له منعها من النفقة، كما قبل الدخول . أما إن كان له منها ولد فعليه نفقة ولده؛ لأنها واجبة له، فلا يسقط حقه بمعصيتها ويناقش: الدليل الأول: بأن الإجماع لا يصح إلا أن يريدوا به إجماع الأكثر، وهو لا يكون حجة علـى ما رجّحه بعض الأصوليين وجاء ، وكذلك الماوردي في كتابه الحاوي فقد خالف في ذلك الحكم بن عتيبة، حكاه ابن المنذر عنه . وابن القاسم من في المغني لابن قدامة: "ولا أعلم أحداً خالف هؤلاء؛ يعني عامة أهل العلم إلا الحكم" . وحكاه أيضاً ابن حزم في "المحلى" قال ابن حزم –وهو ممن خالف الجمهور-: "ولا يُحفـظ المالكية منع الناشز من النفقة عن أحد من الصحابة، وإنما هو شيء روي عن النخعي، والشعبي، وحمّاد بن أبي . سليمان، والحسن والزهري" أما الدليل الثاني: فقد ردّ عليه ابن حزم فقال: "وما نعلم لهم حجة إلا أنهم قالوا: النفقة بإزاء الجمـاع، فإذا مَنَعت الجماع مُنِعت النفقة. ال: وهذه حجة أفقر إلى ما يصححها مما راموا تصحيحها به، وقد كذبوا في ذلك إلا بإزاء الزوجية، فإذا وجدت الزوجية فالنفقة والكسوة واجبتان" ويناقش قول ابن حزم: إن الزوجية لا تصلح معوضاً للنفقة، إذ المهر عوض عنها، وأيضاً: لو كانـت معوضاً لوجبت للصغيرة، ولو كانت في بيت أهلها، مع أنها لا تجب، وإلا لأنفق النبي صلى االله عليـه وسلم على عائشة قبل الزفاف. أدلة أصحاب المذهب الثاني: القائلين بعدم سقوط نفقة الزوجة عند نشوزها. استدل الظاهرية ومن وافقهم بالقرآن والسنّة والآثار: أولاً: من القرآن الكريم استدلوا بقوله تعالى: "وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ" وجه الدلالة: أن االله –عزوجل- قد أخبر أنه ليس على الناشز إلاّ الموعظة الحسنة، والهجر في المضجع، والضرب غير المبرّح، ولم يسقط عزوجل نفقتها ولا كسوتها، وبالتالي فإن القول بمعاقبتها بمنعها حقها في النفقة والكسوة شرع في الدين لم يأذن به االله –عزوجل- فهو باطل، والنشوز وإن كان فيه ظلم للزوج إلا أنه لا يحل له منعها من ماله الذي هو حق لها، إلا أن يأتي بذلك نص، ولو أراد االله استثناء الناشـز لمـا أغفل ذلك حتى يبينه له غيره، حاش الله من ذلك وينـاقش: بأن ما ذكرهُ االله –عزوجل- من الأحكام الخاصة بالنشوز في قوله تعالى:" واللاتي تخـافون نشوزهنّ......" الآية، لا يمنع من عدم إيجاب النفقة لها؛ لأن الأدلة الموجبة للنفقة ظاهرها العمـوم، إلا أن هذا العموم معارض بالمفهوم والمعنى الذي من أجله شرعت النفقة، وهو احتباس الزوجـة لصـالحالزوج، احتباساً ينتفع به الزوج انتفاعاً مقصوداً بالنكاح، وهو الجماع أو الدواعي إليه، وهـذا المعنـى غير متحقق في الناشز، لعدم احتباسها، وبالتالي لا تستحقّ النفقة ثانياً: من السنة المطهرّة قوله عليه الصلاة والسلام في خطبته يوم عرفة في الحديث الذي رواه جابر بن عبد االله رضي الله عنهما: "... ولهنّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" وجه الدلالة: أن رسول االله صلى االله عليه وسلم قد عم كل النساء في وجوب النفقة على الزوج، ولم يخص ناشزاً من غيرها، ولا صغيرة ولا كبيرة، دخل بها أم لم يدخل، حرة كانت أمْ أمة، وبالتالي فمـا وجـه حرمـان الناشز من النفقة يناقش: من ناحيتين: الأولـى: بأنه لا يُسلّم أن هذه الأدلة لم تفْصِل في وجوب النفقة بين الناشز وغيرها؛ لأنه سبحانه وتعالى ، وذلك فيه إشارة إلى تسليم النفس؛ لأن الـولادة (4) قال: "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" بدونه لا تتصوّر الثانية: علاوة على عموم هذه النصوص، فقد خصصت بدلالة النص؛ لأن االله قد منعهـا حظهـا مـن الصحبة بقوله: "واهجروهن في المضاجع"، فهذا دليل على منعها من النفقة من باب أولـى؛ لأن حـظ الصحبة لهما، والنفقة لها خاصة
ثالثاً: الآثار، منها: ا رواه نافع -رضي االله عنه- عن ابن عمر رضي االله عنهما قال: "كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد، أن انظروا من طالت غيبته أن يبعثوا نفقة أو يرجعوا، أو يفارقوا، فإن عليه نفقة ما فارق مـن . يوم غاب" وجه الدلالة: قال ابن حزم: "ولم يخص عمر ناشزاً من غيرها، وما نعلم لعمر في هذا مخالفاً من الصحابة –رضـي ، فدل ذلك على عموم وجـوب الله عنهم- ولا يحفظ منع الناشز من النفقة عن أحد من الصحابة...." النفقة لكل الزوجات. ويناقش بما يلي: أولاً: بأن هذا العموم في قول عمر رضي االله عنه يعارض المفهوم من إيجاب النفقة، كما ذكرنا عنـد ردنا على وجه الدلالة في قوله تعالى: "واللاتي تخافون نشوزهن" الآية. ثانياً: إن قول عمر رضي االله عنه يحمل على الزوجة غير الناشزة؛ لأن الذي يغلب علـى الظـن أن مسألة عدم استحقاق الناشز للنفقة من المسائل المجمع عليها في عصر الصحابة، وهذا الإجماع وإن لـم يصرح به فهو من الإجماع السكوتي؛ لأن سكوتهم عن المخالفة في معـرض الحاجـة يعتبـر اتفاقـاً، . ووفاقهم حجة قاطعة، ولهذا لم يخرج عمر بن الخطاب رضي االله عنه الناشز من عموم خبره هذا رابعاً: من المعقول رد ابن حزم على الجمهور –بالإضافة إلى ما سبق- من ناحيتين الأولى: أنهم استحلوا الظلم في مقابل الظلم، أي استحلوا ظلم الناشز في منعها حقها من أجـل ظلمهـا للزوج في منع حقه، وهذا الظلم بعينه، والباطل صُراحاً. ثانية: تناقض القائلين بسقوط النفقة بالنشوز، حيث أوجبوا النفقة للمريضة التـي لا يمكـن وطؤهـا، فتركوا قولهم: "إن النفقة بإزاء الجماع...". ويمكن مناقشة الناحيتين كما يلي: 1) بالنسبة للناحية الأولى: إن منع الزوجة النفقة ليس ظلماً، بل إنه منع بحق، مقابل لمنـع مـا هـو عوض عنه، كمن يمنع تسليم السلعة لعدم تسلُّم الثمن. 2) أما الناحية الثانية: فقد علمت أنهم إنما قالوا: "إن النفقة بإزاء التمكين، أو الاحتباس المؤدي إلى المقصود من الجمـاع، أو دواعيه" والمريضة وإن امتنع جماعها- لم يمتنع دواعيه" بخلاف الناشزة، بالإضافة إلـى أن النشـوز بإرادتها، بينما المرض ليس كذلك. الترجيح: بعد عرض أدلة الفريقين ومناقشتها فإنني أميل إلى الأخذ برأي الجمهور، القائلين بسقوط نفقة الناشـز، وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها عن المعارضة في مجملها. ولأن أدلة المخالفين يغلب عليها العموم، وقد رددت عليها في مواضعها، وأيضاً فإنه من الظلم بمكـان أن نلزم الزوج بالنفقة على زوجته العاصية له المانعة نفسها عنه، ولعل في حرمانها من النفقة وسـيلةً لردها إلى جادّة الصواب، ورجوعها عن النشوز.
عودة النفقة بترك النشوز:
ذهب الفقهاء القائلون بسقوط النفقة بالنشوز إلى أن الناشز إذا رجعت عن نشوزها وعادت إلى زوجها، عادت نفقتها لزوال المسقط لها. ولهم في ذلك تفصيل.
فقال الحنفية: الناشز تسقط نفقتها حتى تعود إلى بيت الزوج ولو بعد سفر الزوج، فلو عادت إلى بيته بعدما سافر خرجت عن كونها ناشزة، فتستحق النفقة، فتكتب إليه لينفق عليها، أو ترفع أمرها للقاضي ليفرض لها عليه نفقة، أما لو أنفقت على نفسها بدون ذلك فلا رجوع لها، لأن النفقة لا تصير ديناً إلا بالقضاء أو الرضا، فتسقط بالمضي بدون قضاء ولا تراض.
وقال الشافعية : لا سكنى للمعتدة الناشزة، سواء أكان ذلك قبل طلاقها – كما صرح به القاضي وغيره – أم كان في أثناء العدة – كما صرح به المتولى – فإن عادت إلى الطاعة عاد حق السكنى – كما صرح به المتولى – وقيل : إن نشزت على الزوج وهي في بيته فلها السكنى في العدة، وإن خرجت واستعصت عليه من كل وجه فلا سكنى لها، ويرجع بأجرة المسكن في مدة النشوز وإن كان لزوجها، وله إخراجها إذا نشزت ، ويجب عودها إذا عادت.
ولو نشزت فخرجت من بيته بغير إذنه فغاب، ثم عادت بعد غيبته فأطاعته لم تجب نفقتها زمن الطاعة في الأصح لانتفاء التسليم والتسلم، ومقابل الأصح : تجب لعودها إلى الطاعة، فإن رفعت الأمر إلى الحاكم كتب إلى حاكم بلده يعلمه بالحال، فإن عاد الزوج أو وكيله واستأنف تسلم الزوجة عادت النفقة، وإن مضى زمن إمكان العود ولم يوجد عادت أيضاً .
والحكم كذلك لو حصلت غيبة الزوجة قبل النشوز.
ولو نشزت في البيت من غير خروج فغاب ، ثم أطاعت، وجبت النفقة بمجرد إطاعتها – كمرتدة أسلمت – لأنه لم تخرج من يده
وقال الحنابلة : إذا سقطت نفقة المرأة لنشوزها فعادت عن النشوز والزوج حاضر عادت نفقتها ، لزوال المسقط لها ووجود التمكين المقتضي لها، وإن كان غائباً لم تعد نفقتها حتى يعود التسليم بحضوره ، أو حضور وكيله ، أو حكم الحاكم بالوجوب إذا مضى زمن الإمكان.
وقالوا: إن النفقة سقطت في النشوز بخروجها عن يده ، أو منعها له من التمكين المستحق عليها، ولا يزول ذلك إلا بعودها إلى بيته وتمكينه منها، ولا يحصل ذلك في غيبته، ولذلك لو بذلت تسليم نفسها قبل دخوله بها في حال غيبته لم تستحق النفقة بمجرد البذل منقول للأفاده