أحمد عبد الفتاح
24-10-2015, 10:34 PM
جرائم ومخالفات النشر الإلكتروني
نظرا لاتساع الفضاء الإلكتروني والتقنية الحديثة والتي أصبحت في متناول الجميع ، فكان لا بد أن يخضع هذا الفضاء وهذه التقنية لنوع من التنظيم وألا تُترك هذه الوسائل بدون قواعد منظمة لها ، تمنع أي تعدي على حرية الآخرين أو تداول لإشاعات أو أخبار مغلوطة ، لذا كان الغرض من هذا البحث هو تناول مسألة النشر الإلكتروني وما قد يعتري هذا النشر من مخالفات سواءً كانت هذه المخالفات مهنية أو كانت هذه المخالفات تمثل جريمة يعاقب عليها النظام .
المطلب الأول
ماهية النشر الإلكتروني
أولاً : ماهية وتعريف النشر الإلكتروني وصوره :
المقصود بالنشر الإلكتروني هو إستخدام وسائل التقنية الحديثة في بث ، أو إرسال، أو استقبال، أو نقل المعلومات المكتوبة، والمرئية، والمسموعة؛ سواء كانت نصوصاً، أو مشاهد، أو أصوات، أو صوراً ثابتة أو متحركة؛ لغرض التداول.
والذي يتضح من تعريف النشر الإلكتروني هو ارتباطه الوثيق بوسائل التقنية الحديثة ، وإن كانت مسألة التقنية الحديثة من المسائل التي لا يمكن حصرها إذا أنها تتغير من وقت إلى وقت وهي في ازدياد ملحوظ كل حين ، إلا أن لائحة نشاط النشر الإلكتروني قد عددت بعض صور هذه الوسائل على سبيل المثال ، وتركت الباب موارباً لوزارة الإعلام في إدخال أي صورة قد تجدها من ضمن وسائل التقنية الحديثة .
ومن ضمن وسائل التقنية الحديثة التي ذكرتها لائحة نشاط النشر الإلكتروني :
ـــ المنتدى: موقع الكتروني يسمح لأعضائه بطرح مواضيع متنوعة، والتفاعل فيما بينهم من خلال إجراءات يحددها المسئول عنه.
ـ المدونة: تطبيق من تطبيقات الانترنت، تتألف من مذكرات ومقالات ويوميات وتجارب شخصية ، أو وصف لأحداث وغيرها، من خلال النص، أو الصوت، أو الصورة، مع إمكانية التفاعل مع ما يكتب من خلال التعليق.
ــ موقع عرض المواد المرئية والمسموعة: بث المواد المرئية، والمواد المسموعة على الموقع.
ــ الإعلان الإلكتروني: تقديم خدمات النشر الإعلاني عبر مختلف الوسائل الإلكترونية.
ــ البث عبر الهاتف المحمول (رسائل- أخبار- إعلانات- صور ... إلخ): البث على الهاتف الجوال للرسائل القصيرة عبر خدمتي (SMS) و (MMS) وغيرهما، سواء كانت أخباراً، أو إعلانات، أو صوراً، أو غير ذلك.
ـ الموقع الشخصي: موقع ينشئه شخص لعرض سيرته الذاتية، واهتماماته، ولتمكينه من التواصل مع أصدقائه وذوي الاهتمام المشترك.
ــ المجموعات البريدية: موقع يقدم خدمة تواصل عبر البريد الإلكتروني (الإيميل) بين مجموعة من الأفراد؛ بهدف نشر معلومات، والتفاعل فيما بينهم في ذلك.
ــ الأرشيف الإلكتروني: المواقع التي تقدم المعلومات التوثيقية.
ــ غرف الحوارات: تطبيق من تطبيقات الانترنت يسمح بالتواصل بين شخصين أو أكثر عبر النص، أو الصوت، أو الصورة، أو بها جميعاً.
ــ وكالة الأنباء الالكترونية: موقع الكتروني له عنوان ثابت، يقدم خدمات النشر الصحفي المقروءة والمسموعة والمرئية على الشبكة، ويخصص جميع صفحاته، أو بعضها للمتصفحين المشتركين فيه من المؤسسات والأفراد، برسوم مالية شهرية، أو سنوية محددة، دون أن يتمكن غير المشتركين من مشاهدة نفس الصفحات التي تم تخصيصها للمشتركين.
ــ دار النشر الإلكتروني: هو من يتولى إصدار أي إنتاج علمي أو ثقافي أو فني بصيغة إلكترونية بغرض التداول.
وتعتبر الصور السابقة هي أغلب صور التقنية الحديثة المتاحة في الوقت الحالي والتي يمكن من خلالها لأي شخص نشر محتوى أو بيانات أو معلومات .
المطلب الثاني
تعريف وأركان جريمة النشر الإلكتروني
أولاً : تعريف جريمة النشر الإلكتروني:
من خلال تعريف المقصود بالنشر الإلكتروني ، يمكن تعريف جريمة النشر الإلكتروني بأنها كل عملية نشر لأي محتوى يرتكب بواسطة وسائل التقنية الحديثة بالمخالفة لنظام المطبوعات والنشر ولائحته التنفيذية ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية والشريعة الإسلامية .
وقد يحتاج هذه التعريف لنوع من التوضيح وهو ما سنتناوله من خلال أركان جريمة النشر الالكتروني :
ثانياً :أركان جريمة النشر الإلكتروني :
لا تختلف أركان جريمة النشر الإلكتروني عن غيرها من الجرائم ، كونها تتكون من ركنين :
الركن الأول : هو الركن المادي والذي يتوفر بإتيان الفاعل النشاط المحظور ، يما يعني قيام الفاعل أو الناشر بفعل مخالف لنظام الطباعة والنشر ولائحة نشاط النشر الإلكتروني ، أونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية :
صور الركن المادي في جريمة النشر الإلكتروني :
تتعدد صور النشاط المخالف في عملية النشر الإلكتروني على حسب نوع المخالفات التي وردت في الأنظمة واللوائح ذات الصلة :
الصورة الأولى : جريمة التشهير تعد هذه الصورة هي الأكثر خطورة من ناحية الضرر الذي يوقعه الفاعل أو الناشر على الغير ، باستخدامه وسائل التقنية الحديثة والتي تم الإشارة إليها في مقدمة هذا البحث ، ويتمثل هذا السلوك في إشاعة السوء عن إنسانٍ ، وفضحه بين الناس باستخدامه وسائل التقنية الحديثة ، وقد تناول نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية هذه الجريمة وحدد لها عقوبة ، وسيتم التطرق لها في المطلب الخاص بالعقوبات .
ــ الصورة الثانية : نشر أخبار غير صحيحة .
تتمثل هذه الصورة بقيام الناشر بنشر محتوى غير صحيح أو كاذب على صحفته ، وإن كان نظام المطبوعات النشر ولائحته لم تحدد طبيعة هذه الخبر الغير صحيح ، لكنه بالتأكيد أن لا يصل إلى حد كونه جريمة أو يحتوى على سب أو قذف وإلا كان يندرج تحت جريمة التشهير .
الصورة الثانية : مخالفة المحتوى الإلكتروني للشريعة الإسلامية :
تتضمن هذه الصورة حالة قيام الناشر الإلكتروني ، بإطلاق محتوى مخالف للشريعة الإسلامية ، وقد عددت لائحة النشاط الإلكتروني الشروط الواجب توافرها في أي محتوى يتم نشره :
ــ ألا يفضي إلى ما يخل بأمن البلاد ، أو نظامها العام ، أو ما يخدم مصالح أجنبیة تتعارض مع المصلحة الوطنیة .
ــ ألا يؤدي إلى إثارة النعرات وبث الفرقة بین المواطنین.
ــ ألايؤدي إلى المساس بكرامة الأشخاص وحرياتهم ، أو إلى ابتزازھم ، أو إلى الإضرار بسمعتهم ، أو بأسمائهم التجارية .
ــ ألا يؤدي إلى تحبیذ الإجرام أو الحث علیه .
ــ ألا يضر بالوضع الاقتصادي ، أو الصحي في البلاد.
ــــ ألا يفشي وقائع التحقیقات أو المحاكمات ، إلا بعد الحصول على إذن من الجهة المختصة .
ــ أن يلتزم بالنقد الموضوعي البناء الهادف إلى المصلحة العامة ، والمستند إلى وقائع وشواھد صحیحة.
الركن الثاني : القصد الجنائي لجريمة النشر الإلكتروني :
والقصد الجنائي هو اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها ونتيجتها، ويتكون القصد الجنائي أو الركن المعنوي للجريمة من عنصري العلم والإرادة، فالجاني أو المخالف يجب أن يكون عالما علما يقينا غير مقترن بأي جهالة بأن فعله المتمثل في نشر محتوى إلكتروني ، غير موافق للنظام ، سوف يمثل عملاً إجرامي يعاقب عليه النظام ، أما بالنسبة للإرادة فيجب أن تتمتع إرادة الجاني بالحرية التامة فلا يكتمل القصد الجنائي إذا كانت إرادة الجاني معيبة كإرادة السفيه وذي الغفلة أوالمجنون أو من وقع تحت تدليس أو المكره على شيء، فمن قام بنشر محتوى إلكتروني مخالف للنظام وهو مكره أو في غير وعيه فلا يعد مرتكباً لجريمة أو مخالفة النشر الإلكتروني .
الطلب الثالث
العقوبات المترتبة على جرائم النشر الإلكتروني
تختلف العقوبة المترتبة على جريمة النشر الإلكتروني على حسب طبيعة الفعل والذي بيناه عند التعرض لصور الركن المادي لهذه الجريمة ، وفي هذا الصدد يجدر بنا أن نفرق بين حالتين :
الحالة الأولى : إذا كان المحتوى الإلكتروني المنشور يعد تشهيراً بالغير على حسب ما أوردناه في الصورة الأولى للركن المادي لجريمة النشر الإلكتروني ، ففي هذه الحالة يعاقب الفاعل بالحبس مدة لا تزيد عن سنة ، وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين .
الحالة الثانية : إذا كان المحتوى الإلكتروني يحتوى على مخالفات مهنية أو أخبار مكذوبة وغيرها من الصور التي تم التعرض لها عند تناول صور الركن المادي لجريمة النشر الإلكتروني ، ففي هذه الحالة تختلف العقوبات على حسب الفعل :
1ــ تصحيح الخبر الكاذب وتعويض المتضرر:
تطبق هذه العقوبة في حالة قيام الناشر الإلكتروني بنشر محتوى غير صحيح ومبني على أخبار كاذبة ، فينبغي على الناشر طبقاً لهذه الحالة القيام بتصحيح الخبر ونشره مجاناً في أول عدد أو محتوى جديد يتم نشره ، وفي نفس المكان الذي تم نشر الخبر السابق فيه ، أو في مكان بارز داخل وسيلة النشر الإلكتروني ، كما يحق لمن أصابه ضرر من المحتوى الإلكتروني المنشور ، المطالبة بالتعويض .
2ــ سحب المحتوى المنشور .
في حالة نشر محتوى إلكتروني مخالف للشريعة الإسلامية ، فيحق للجنة الإعلامية التقرير بسحب هذه المحتوى وحذفه .
3ــ غرامة مالية قدرها خمسين ألف ريال أو إغلاق وسيلة النشر الإلكتروني لمدة شهرين أو الإغلاق النهائي .
جاء النص في لائحة النشاط الإلكتروني على هذه العقوبة ، والتي وردت في الأصل في نظام المطبوعات والنشر ، حيث وردت هذه العقوبة في المادة (38) من نظام المطبوعات والنشر ، إلا أن اللائحة لم تحدد صراحة على أي من المخالفات يمكن تطبيق هذه العقوبة ولكن يمكن إستنباط الأمر من خلال ما جاء في المادة الحادة عشر من لائحة النشاط الإلكتروني والتي جعلت كل من لم يبادر في خلال ستة أشهر من تاريخ هذه اللائحة بتصحيح وضعة وتسجيل نشاطه الإلكتروني لدى وزارة الإعلام ، يعتبر مخالفاً لنظام المطبوعات والنشر ولائحته مما يستنتج معه توقيع العقوبة السابقة وهي الغرامة المالية أو الغلق المؤقت أو الدائم للنشاط الإلكتروني ، في حالة عدم استجابة أصحاب النشاط الإلكتروني بتقنين أوضاعهم في خلال ستة شهور من نشر هذه اللائحة..
وحقيقة الأمر كان من الواجب أن تكون اللائحة واضحة في تحديد الفعل المستوجب للعقوبة بدلاً من ترك الأمر من للاستنتاجات وهو أمر غير محبذ خاصة إذا كان يترتب على الأمر عقوبة .
المطلب الرابع
الجهة المختصة بتوقيع العقوبة المترتبة على جرائم أو مخالفات النشر الإلكتروني
تختلف الجهة المختصة بتوقيع العقوبات في جرائم النشر الإلكتروني على حسب نوع الجريمة ، وينبغي لنا أن نفرق بين حالتين :
الحالة الأولي : إذا كانت عملية النشر الإلكتروني تمثل جريمة طبقاً لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية :
ففي هذه الحالة تكون المحكمة المختصة هي المنوط بها توقيع العقوبة ، وغالباً تكون المحكمة الجزائية التي يوجد بها محل إقامة المدعى عليه ، وترفع الدعوى أو الشكوى إما مباشرة عن طريق قيد الدعوى بالمحكمة أو عن طريق تقديم شكوى إلى الشرطة والتي تقوم بالتحقيق في الواقعة ومن ثم إحالتها إلى الإدعاء العام ويقوم الإدعاء العام بإحالة الموضوع إلى المحكمة الجزائية أو حفظ التحقيق في حالة إذا رأت الهيئة بعدم وجود مبرر لإقامة الدعوى ، وينطبق الأمر بأكمله في هذه الحالة على جرائم التشهير عبر الإنترنت والتي ذكرها المنظم في نظام مكافحة جرائم المعلوماتية .
الحالة الثانية : إذا كان المحتوى الإلكتروني يمثل مخالفة لنظام المطبوعات والنشر ولائحته النشاط الإلكتروني (الأخطاء المهنية) :
ففي هذه الحالة تقوم لجنة النظر في مخالفات نظام المطبوعات والنشر ، بتوقيع العقوبة المناسبة على المخالفة التي تنظرها ، وترفع الشكوى إلى الإدارة المعنية بالإعلام الداخلي والتي تقوم باستقبال شكاوى النشر الالكتروني واستكمال كافة التحقيقات، والمحاضر، والأوراق والمستندات المطلوبة، ومن ثم رفعها للجنة للنظر فيها وإصدار القرار المناسب بشأنها.
كما أنه في حالة إذا كان المحتوى الإلكتروني الذي تم نشره يمثل انتهاكاً للحقوق الملكية الفكرية ، فيتم تطبيق الأنظمة المعنية الملكية الفكرية .
المطلب الخامس
المسئول عن المحتوى في النشر الإلكتروني
حددت لائحة النشاط الإلكتروني ، صاحب المسئولية عن المحتوى المنشور وذلك على النحو التالي:
1- رئيس تحرير الصحيفة الإلكترونية، أو من يقوم مقامه في حال غيابه، يعتبر مسئولاً عن المحتوى المنشور.
2- المدير المسئول لوكالة الأنباء، أو دار النشر الإلكترونية يعتبر مسئولاً عن المحتوى المنشور.
3- مع عدم الإخلال بمسئولية رئيس تحرير الصحيفة الإلكترونية، أو المدير المسئول عن وكالة الأنباء الإلكترونية، أو من يقوم مقامهما في حال غيابهما، يعتبر كاتب النص مسئولاً عما يرد فيه.
4- المشرف على أي من أشكال النشر الإلكتروني للجهات الحكومية، والمؤسسات التعليمية، والبحثية، والجمعيات العلمية، والأندية الأدبية، والثقافية، والرياضية، ومدير الجهة التي تصدر عنها مسئولان عما ينشر فيها بموجب أحكام النظام وهذه اللائحة.
5- يعتبر المتنازل عن الترخيص، أو التسجيل، مسئولاً عن المحتوى المنشور عن الفترة السابقة للتنازل.
الخاتمة
بعد تناول موضوع جرائم ومخالفات النشر الإلكتروني والذي تم استعراضه من خلال خمسة مطالب رئيسية ، يجدر بنا أن نتناول الناحية التنظيمية لجرائم ومخالفات النشر الإلكتروني ، حيث أن هذه الجرائم والمخالفات تحتاج إلى تنظيم خاص يتسق مع طبيعة المحتوى الإلكتروني المنشور والذي يتميز بدون شك عن وسائل النشر التقليدية من صحف ومجلات ، كما أن لائحة النشاط الإلكتروني مازال يعتريها الغموض وتحتاج إلى إعادة صياغة ، كون أنه في الأساس أن من وظائف اللوائح التنفيذية إزالة ما يعتري النظام من غموض ، لكن هذا لم يحدث ، بل أن اللائحة نفسها تحتاج في بعض المواد لتفسير ، كما أن كثرة الإحالة داخل هذه اللائحة إلى نظام المطبوعات والنشر يفقد هذه اللائحة فائدتها ، وخاصة في العقوبات وعدم تحديد المخالفات بشكل واضح ، مما يجعل مسألة إعادة صياغة هذه اللائحة أمر مهم .
إعداد
أحمد عبد الفتاح
مستشار قانوني
نظرا لاتساع الفضاء الإلكتروني والتقنية الحديثة والتي أصبحت في متناول الجميع ، فكان لا بد أن يخضع هذا الفضاء وهذه التقنية لنوع من التنظيم وألا تُترك هذه الوسائل بدون قواعد منظمة لها ، تمنع أي تعدي على حرية الآخرين أو تداول لإشاعات أو أخبار مغلوطة ، لذا كان الغرض من هذا البحث هو تناول مسألة النشر الإلكتروني وما قد يعتري هذا النشر من مخالفات سواءً كانت هذه المخالفات مهنية أو كانت هذه المخالفات تمثل جريمة يعاقب عليها النظام .
المطلب الأول
ماهية النشر الإلكتروني
أولاً : ماهية وتعريف النشر الإلكتروني وصوره :
المقصود بالنشر الإلكتروني هو إستخدام وسائل التقنية الحديثة في بث ، أو إرسال، أو استقبال، أو نقل المعلومات المكتوبة، والمرئية، والمسموعة؛ سواء كانت نصوصاً، أو مشاهد، أو أصوات، أو صوراً ثابتة أو متحركة؛ لغرض التداول.
والذي يتضح من تعريف النشر الإلكتروني هو ارتباطه الوثيق بوسائل التقنية الحديثة ، وإن كانت مسألة التقنية الحديثة من المسائل التي لا يمكن حصرها إذا أنها تتغير من وقت إلى وقت وهي في ازدياد ملحوظ كل حين ، إلا أن لائحة نشاط النشر الإلكتروني قد عددت بعض صور هذه الوسائل على سبيل المثال ، وتركت الباب موارباً لوزارة الإعلام في إدخال أي صورة قد تجدها من ضمن وسائل التقنية الحديثة .
ومن ضمن وسائل التقنية الحديثة التي ذكرتها لائحة نشاط النشر الإلكتروني :
ـــ المنتدى: موقع الكتروني يسمح لأعضائه بطرح مواضيع متنوعة، والتفاعل فيما بينهم من خلال إجراءات يحددها المسئول عنه.
ـ المدونة: تطبيق من تطبيقات الانترنت، تتألف من مذكرات ومقالات ويوميات وتجارب شخصية ، أو وصف لأحداث وغيرها، من خلال النص، أو الصوت، أو الصورة، مع إمكانية التفاعل مع ما يكتب من خلال التعليق.
ــ موقع عرض المواد المرئية والمسموعة: بث المواد المرئية، والمواد المسموعة على الموقع.
ــ الإعلان الإلكتروني: تقديم خدمات النشر الإعلاني عبر مختلف الوسائل الإلكترونية.
ــ البث عبر الهاتف المحمول (رسائل- أخبار- إعلانات- صور ... إلخ): البث على الهاتف الجوال للرسائل القصيرة عبر خدمتي (SMS) و (MMS) وغيرهما، سواء كانت أخباراً، أو إعلانات، أو صوراً، أو غير ذلك.
ـ الموقع الشخصي: موقع ينشئه شخص لعرض سيرته الذاتية، واهتماماته، ولتمكينه من التواصل مع أصدقائه وذوي الاهتمام المشترك.
ــ المجموعات البريدية: موقع يقدم خدمة تواصل عبر البريد الإلكتروني (الإيميل) بين مجموعة من الأفراد؛ بهدف نشر معلومات، والتفاعل فيما بينهم في ذلك.
ــ الأرشيف الإلكتروني: المواقع التي تقدم المعلومات التوثيقية.
ــ غرف الحوارات: تطبيق من تطبيقات الانترنت يسمح بالتواصل بين شخصين أو أكثر عبر النص، أو الصوت، أو الصورة، أو بها جميعاً.
ــ وكالة الأنباء الالكترونية: موقع الكتروني له عنوان ثابت، يقدم خدمات النشر الصحفي المقروءة والمسموعة والمرئية على الشبكة، ويخصص جميع صفحاته، أو بعضها للمتصفحين المشتركين فيه من المؤسسات والأفراد، برسوم مالية شهرية، أو سنوية محددة، دون أن يتمكن غير المشتركين من مشاهدة نفس الصفحات التي تم تخصيصها للمشتركين.
ــ دار النشر الإلكتروني: هو من يتولى إصدار أي إنتاج علمي أو ثقافي أو فني بصيغة إلكترونية بغرض التداول.
وتعتبر الصور السابقة هي أغلب صور التقنية الحديثة المتاحة في الوقت الحالي والتي يمكن من خلالها لأي شخص نشر محتوى أو بيانات أو معلومات .
المطلب الثاني
تعريف وأركان جريمة النشر الإلكتروني
أولاً : تعريف جريمة النشر الإلكتروني:
من خلال تعريف المقصود بالنشر الإلكتروني ، يمكن تعريف جريمة النشر الإلكتروني بأنها كل عملية نشر لأي محتوى يرتكب بواسطة وسائل التقنية الحديثة بالمخالفة لنظام المطبوعات والنشر ولائحته التنفيذية ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية والشريعة الإسلامية .
وقد يحتاج هذه التعريف لنوع من التوضيح وهو ما سنتناوله من خلال أركان جريمة النشر الالكتروني :
ثانياً :أركان جريمة النشر الإلكتروني :
لا تختلف أركان جريمة النشر الإلكتروني عن غيرها من الجرائم ، كونها تتكون من ركنين :
الركن الأول : هو الركن المادي والذي يتوفر بإتيان الفاعل النشاط المحظور ، يما يعني قيام الفاعل أو الناشر بفعل مخالف لنظام الطباعة والنشر ولائحة نشاط النشر الإلكتروني ، أونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية :
صور الركن المادي في جريمة النشر الإلكتروني :
تتعدد صور النشاط المخالف في عملية النشر الإلكتروني على حسب نوع المخالفات التي وردت في الأنظمة واللوائح ذات الصلة :
الصورة الأولى : جريمة التشهير تعد هذه الصورة هي الأكثر خطورة من ناحية الضرر الذي يوقعه الفاعل أو الناشر على الغير ، باستخدامه وسائل التقنية الحديثة والتي تم الإشارة إليها في مقدمة هذا البحث ، ويتمثل هذا السلوك في إشاعة السوء عن إنسانٍ ، وفضحه بين الناس باستخدامه وسائل التقنية الحديثة ، وقد تناول نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية هذه الجريمة وحدد لها عقوبة ، وسيتم التطرق لها في المطلب الخاص بالعقوبات .
ــ الصورة الثانية : نشر أخبار غير صحيحة .
تتمثل هذه الصورة بقيام الناشر بنشر محتوى غير صحيح أو كاذب على صحفته ، وإن كان نظام المطبوعات النشر ولائحته لم تحدد طبيعة هذه الخبر الغير صحيح ، لكنه بالتأكيد أن لا يصل إلى حد كونه جريمة أو يحتوى على سب أو قذف وإلا كان يندرج تحت جريمة التشهير .
الصورة الثانية : مخالفة المحتوى الإلكتروني للشريعة الإسلامية :
تتضمن هذه الصورة حالة قيام الناشر الإلكتروني ، بإطلاق محتوى مخالف للشريعة الإسلامية ، وقد عددت لائحة النشاط الإلكتروني الشروط الواجب توافرها في أي محتوى يتم نشره :
ــ ألا يفضي إلى ما يخل بأمن البلاد ، أو نظامها العام ، أو ما يخدم مصالح أجنبیة تتعارض مع المصلحة الوطنیة .
ــ ألا يؤدي إلى إثارة النعرات وبث الفرقة بین المواطنین.
ــ ألايؤدي إلى المساس بكرامة الأشخاص وحرياتهم ، أو إلى ابتزازھم ، أو إلى الإضرار بسمعتهم ، أو بأسمائهم التجارية .
ــ ألا يؤدي إلى تحبیذ الإجرام أو الحث علیه .
ــ ألا يضر بالوضع الاقتصادي ، أو الصحي في البلاد.
ــــ ألا يفشي وقائع التحقیقات أو المحاكمات ، إلا بعد الحصول على إذن من الجهة المختصة .
ــ أن يلتزم بالنقد الموضوعي البناء الهادف إلى المصلحة العامة ، والمستند إلى وقائع وشواھد صحیحة.
الركن الثاني : القصد الجنائي لجريمة النشر الإلكتروني :
والقصد الجنائي هو اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها ونتيجتها، ويتكون القصد الجنائي أو الركن المعنوي للجريمة من عنصري العلم والإرادة، فالجاني أو المخالف يجب أن يكون عالما علما يقينا غير مقترن بأي جهالة بأن فعله المتمثل في نشر محتوى إلكتروني ، غير موافق للنظام ، سوف يمثل عملاً إجرامي يعاقب عليه النظام ، أما بالنسبة للإرادة فيجب أن تتمتع إرادة الجاني بالحرية التامة فلا يكتمل القصد الجنائي إذا كانت إرادة الجاني معيبة كإرادة السفيه وذي الغفلة أوالمجنون أو من وقع تحت تدليس أو المكره على شيء، فمن قام بنشر محتوى إلكتروني مخالف للنظام وهو مكره أو في غير وعيه فلا يعد مرتكباً لجريمة أو مخالفة النشر الإلكتروني .
الطلب الثالث
العقوبات المترتبة على جرائم النشر الإلكتروني
تختلف العقوبة المترتبة على جريمة النشر الإلكتروني على حسب طبيعة الفعل والذي بيناه عند التعرض لصور الركن المادي لهذه الجريمة ، وفي هذا الصدد يجدر بنا أن نفرق بين حالتين :
الحالة الأولى : إذا كان المحتوى الإلكتروني المنشور يعد تشهيراً بالغير على حسب ما أوردناه في الصورة الأولى للركن المادي لجريمة النشر الإلكتروني ، ففي هذه الحالة يعاقب الفاعل بالحبس مدة لا تزيد عن سنة ، وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين .
الحالة الثانية : إذا كان المحتوى الإلكتروني يحتوى على مخالفات مهنية أو أخبار مكذوبة وغيرها من الصور التي تم التعرض لها عند تناول صور الركن المادي لجريمة النشر الإلكتروني ، ففي هذه الحالة تختلف العقوبات على حسب الفعل :
1ــ تصحيح الخبر الكاذب وتعويض المتضرر:
تطبق هذه العقوبة في حالة قيام الناشر الإلكتروني بنشر محتوى غير صحيح ومبني على أخبار كاذبة ، فينبغي على الناشر طبقاً لهذه الحالة القيام بتصحيح الخبر ونشره مجاناً في أول عدد أو محتوى جديد يتم نشره ، وفي نفس المكان الذي تم نشر الخبر السابق فيه ، أو في مكان بارز داخل وسيلة النشر الإلكتروني ، كما يحق لمن أصابه ضرر من المحتوى الإلكتروني المنشور ، المطالبة بالتعويض .
2ــ سحب المحتوى المنشور .
في حالة نشر محتوى إلكتروني مخالف للشريعة الإسلامية ، فيحق للجنة الإعلامية التقرير بسحب هذه المحتوى وحذفه .
3ــ غرامة مالية قدرها خمسين ألف ريال أو إغلاق وسيلة النشر الإلكتروني لمدة شهرين أو الإغلاق النهائي .
جاء النص في لائحة النشاط الإلكتروني على هذه العقوبة ، والتي وردت في الأصل في نظام المطبوعات والنشر ، حيث وردت هذه العقوبة في المادة (38) من نظام المطبوعات والنشر ، إلا أن اللائحة لم تحدد صراحة على أي من المخالفات يمكن تطبيق هذه العقوبة ولكن يمكن إستنباط الأمر من خلال ما جاء في المادة الحادة عشر من لائحة النشاط الإلكتروني والتي جعلت كل من لم يبادر في خلال ستة أشهر من تاريخ هذه اللائحة بتصحيح وضعة وتسجيل نشاطه الإلكتروني لدى وزارة الإعلام ، يعتبر مخالفاً لنظام المطبوعات والنشر ولائحته مما يستنتج معه توقيع العقوبة السابقة وهي الغرامة المالية أو الغلق المؤقت أو الدائم للنشاط الإلكتروني ، في حالة عدم استجابة أصحاب النشاط الإلكتروني بتقنين أوضاعهم في خلال ستة شهور من نشر هذه اللائحة..
وحقيقة الأمر كان من الواجب أن تكون اللائحة واضحة في تحديد الفعل المستوجب للعقوبة بدلاً من ترك الأمر من للاستنتاجات وهو أمر غير محبذ خاصة إذا كان يترتب على الأمر عقوبة .
المطلب الرابع
الجهة المختصة بتوقيع العقوبة المترتبة على جرائم أو مخالفات النشر الإلكتروني
تختلف الجهة المختصة بتوقيع العقوبات في جرائم النشر الإلكتروني على حسب نوع الجريمة ، وينبغي لنا أن نفرق بين حالتين :
الحالة الأولي : إذا كانت عملية النشر الإلكتروني تمثل جريمة طبقاً لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية :
ففي هذه الحالة تكون المحكمة المختصة هي المنوط بها توقيع العقوبة ، وغالباً تكون المحكمة الجزائية التي يوجد بها محل إقامة المدعى عليه ، وترفع الدعوى أو الشكوى إما مباشرة عن طريق قيد الدعوى بالمحكمة أو عن طريق تقديم شكوى إلى الشرطة والتي تقوم بالتحقيق في الواقعة ومن ثم إحالتها إلى الإدعاء العام ويقوم الإدعاء العام بإحالة الموضوع إلى المحكمة الجزائية أو حفظ التحقيق في حالة إذا رأت الهيئة بعدم وجود مبرر لإقامة الدعوى ، وينطبق الأمر بأكمله في هذه الحالة على جرائم التشهير عبر الإنترنت والتي ذكرها المنظم في نظام مكافحة جرائم المعلوماتية .
الحالة الثانية : إذا كان المحتوى الإلكتروني يمثل مخالفة لنظام المطبوعات والنشر ولائحته النشاط الإلكتروني (الأخطاء المهنية) :
ففي هذه الحالة تقوم لجنة النظر في مخالفات نظام المطبوعات والنشر ، بتوقيع العقوبة المناسبة على المخالفة التي تنظرها ، وترفع الشكوى إلى الإدارة المعنية بالإعلام الداخلي والتي تقوم باستقبال شكاوى النشر الالكتروني واستكمال كافة التحقيقات، والمحاضر، والأوراق والمستندات المطلوبة، ومن ثم رفعها للجنة للنظر فيها وإصدار القرار المناسب بشأنها.
كما أنه في حالة إذا كان المحتوى الإلكتروني الذي تم نشره يمثل انتهاكاً للحقوق الملكية الفكرية ، فيتم تطبيق الأنظمة المعنية الملكية الفكرية .
المطلب الخامس
المسئول عن المحتوى في النشر الإلكتروني
حددت لائحة النشاط الإلكتروني ، صاحب المسئولية عن المحتوى المنشور وذلك على النحو التالي:
1- رئيس تحرير الصحيفة الإلكترونية، أو من يقوم مقامه في حال غيابه، يعتبر مسئولاً عن المحتوى المنشور.
2- المدير المسئول لوكالة الأنباء، أو دار النشر الإلكترونية يعتبر مسئولاً عن المحتوى المنشور.
3- مع عدم الإخلال بمسئولية رئيس تحرير الصحيفة الإلكترونية، أو المدير المسئول عن وكالة الأنباء الإلكترونية، أو من يقوم مقامهما في حال غيابهما، يعتبر كاتب النص مسئولاً عما يرد فيه.
4- المشرف على أي من أشكال النشر الإلكتروني للجهات الحكومية، والمؤسسات التعليمية، والبحثية، والجمعيات العلمية، والأندية الأدبية، والثقافية، والرياضية، ومدير الجهة التي تصدر عنها مسئولان عما ينشر فيها بموجب أحكام النظام وهذه اللائحة.
5- يعتبر المتنازل عن الترخيص، أو التسجيل، مسئولاً عن المحتوى المنشور عن الفترة السابقة للتنازل.
الخاتمة
بعد تناول موضوع جرائم ومخالفات النشر الإلكتروني والذي تم استعراضه من خلال خمسة مطالب رئيسية ، يجدر بنا أن نتناول الناحية التنظيمية لجرائم ومخالفات النشر الإلكتروني ، حيث أن هذه الجرائم والمخالفات تحتاج إلى تنظيم خاص يتسق مع طبيعة المحتوى الإلكتروني المنشور والذي يتميز بدون شك عن وسائل النشر التقليدية من صحف ومجلات ، كما أن لائحة النشاط الإلكتروني مازال يعتريها الغموض وتحتاج إلى إعادة صياغة ، كون أنه في الأساس أن من وظائف اللوائح التنفيذية إزالة ما يعتري النظام من غموض ، لكن هذا لم يحدث ، بل أن اللائحة نفسها تحتاج في بعض المواد لتفسير ، كما أن كثرة الإحالة داخل هذه اللائحة إلى نظام المطبوعات والنشر يفقد هذه اللائحة فائدتها ، وخاصة في العقوبات وعدم تحديد المخالفات بشكل واضح ، مما يجعل مسألة إعادة صياغة هذه اللائحة أمر مهم .
إعداد
أحمد عبد الفتاح
مستشار قانوني