طارق محمد اسماعيل
04-10-2016, 12:01 PM
باب حد المسكر .
المسكر اسم فاعل من : أسكر الشراب فهو مسكر ، إذا جعل صاحبه سكران ، أو كان فيه قوة يفعل ذلك ، قال الجوهري : السكران خلاف الصاحي ، والجمع : سكرى ، وسكارى ، بضم السين وفتحها ، والمرأة : سكرى ، ولغة بني أسد : سكرانة .
وهو محرم بالإجماع ، وما نقل عن قدامة بن مظعون وعمرو بن معدي كرب ، وأبي جندل بن سهيل أنها حلال فمرجوع عنه ، نقله المؤلف ، وسنده قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب الآيات [ المائدة : 90 و 91 ] .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر : كل مسكر خمر . وفي لفظ : كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام . رواهما مسلم .
( كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام ) لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما أسكر كثيره فقليله حرام . رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي وحسنه ( من أي شيء كان ) لما روى ابن عمر أن عمر قال على منبر النبي صلى الله عليه وسلم : أما بعد أيها الناس إن الله نزل تحريم الخمر ، وهي من خمسة ، من العنب ، والتمر ، [ ص: 101 ] والعسل ، والحنطة ، والشعير ، والخمر ما خامر العقل . متفق عليه . وأباح إبراهيم الحربي من نقيع التمر إذا طبخ ما دون السكر ، قال الخلال : فتياه على قول أبي حنيفة ، قال الإمام أحمد : ليس في الرخصة حديث صحيح ، وقال ابن المنذر : جاء أهل الكوفة بأحاديث معلولة ، وقيل : إن خبر ابن عباس ، أنه عليه السلام : قال حرمت الخمر لعينها ، والسكر من كل شراب . موقوف عليه . مع أنه يحتمل أنه أراد بالسكر المسكر من كل شراب ( ويسمى خمرا ) لقوله عليه السلام : كل مسكر خمر ، لأن الخمر ما خامر العقل ، أي : غطاه وستره ، وهذا موجود في كل مسكر ، وحكم العنب كحكمه ، روي عن : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وسعد ، وأبي ، وأنس ، وعائشة ، وهو قول الأكثر ، وقال أبو حنيفة : عصير العنب إذا طبخ وذهب ثلثاه ، ونقيع التمر والزبيب إذا طبخ ولم يذهب ثلثاه ، ونبيذ الحنطة والشعير ، نقيعا كان أو غيره - حلال ، إلا ما بلغ السكر ، وجوابه : ما روت عائشة مرفوعا : ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام . رواه أحمد ، وسعيد ، وأبو بكر ، والترمذي وحسنه ، وإسناده ثقات ، وظاهره : يقتضي أن الحشيشة لا تسكر ، لكن قوله : كل مسكر خمر يقتضي أنها تسكر ، قال في الفتاوى المصرية : الحشيشة المسكرة حرام ، وإنما توقف بعض الفقهاء في الحد ، لأنه ظن أنها تغطي العقل كالبنج ، والصحيح أنها تسكر ، وإنما كانت نجسة بخلاف البنج ، وجوزه الطبيب : لأنها تسكر بالاستحالة ، كالخمر يسكر بالاستحالة ، والبنج يغيب العقل ويسكر بغير الاستحالة ، كجوزة الطبيب ( ولا يحل شربه للذة ) لعموم " ما أسكر كثيره فقليله حرام " ( ولا للتداوي ) لما روى وائل بن حجر : أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر [ ص: 102 ] فنهاه ، أو كره له أن يصنعها ، فقال : إنما أصنعها للدواء ، فقال : إنه ليس بدواء ، ولكنه داء . رواه مسلم . وقال ابن مسعود : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم . رواه البخاري . ورواه أحمد من حديث حسان بن مخارق ، عن أم سلمة مرفوعا ، وصححه ابن حبان ، ولأنه يحرم لعينه فلم يحل شربه للتداوي ، كلحم الخنزير ( ولا لعطش ) لأنه لا يذهبه ولا يزيله ولا يدفع محذوره ، فوجب بقاؤه عملا بالأدلة المقتضية لذلك مع سلامته من المعارض ( ولا لغيره إلا لدفع لقمة غص بها ) فيجوز تناوله إذا لم يجد غيره وخاف التلف ، لقوله تعالى : فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه [ البقرة : 173 ] ولأن حفظ النفس مطلوب ، بدليل أنه تباح الميتة عند الاضطرار إليها ، وهو موجود هنا ، فوجب جوازه تحصيلا لحفظ النفس المطلوب حفظها ، ويقدم عليه بولا ، ويقدم عليهما ماء نجسا ( ومن شربه ) وهو مكلف ( مختارا عالما أن كثيره يسكر ) وظاهره : أنه إذا لم يعلم فلا حد عليه ، وهو قول عامتهم ، وكذا إذا ادعى الجهالة بإسكار غير الخمر ، أو بوجود الحد به ، ومثله يجهله ، صدق ولم يحد ، وكذا إذا شربها مكرها لحله له ، وعنه : لا تحل له ، اختارها أبو بكر ، وفي حده روايتان ، والظاهر أنهما مبنيان على حله له وعدمه ، والصبر أفضل ، نص عليه ، وكذا كل ما جاز فعله للمكره ، ذكره القاضي وغيره ، قال الشيخ تقي الدين : يرخص أكثر العلماء فيما يكره عليه من المحرمات لحق الله تعالى ، كأكل الميتة ، وشرب الخمر ، وهو ظاهر مذهب أحمد ( قليلا كان ) ما شربه ( أو كثيرا فعليه الحد ) لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من شرب الخمر فاجلدوه . رواه [ ص: 103 ] أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وقد ثبت أن أبا بكر وعمر وعليا جلدوا شاربها ، ولأن القليل خمر ، فيدخل في العموم ، ولأنه شراب فيه شدة مطربة ، فوجب الحد به كالكثير ، ويلحق بذلك ما لو احتقن بها في المنصوص ، كما لو استعط أو عجن به دقيقا فأكله ، ونقل حنبل : أو تمضمض حد ، وذكره في الرعاية قولا ، وهو غريب ، وفي المستوعب : إن وصل جوفه حد ، وفي عيون المسائل : يثبت بعدلين يشهدان أنه شرب مسكرا ، ولا يستفسرهما الحاكم عما شرب ، لأن كل مسكر يوجب الحد ، فدل أنه إن لم يره الحاكم موجبا استفسرهما ( فعليه الحد ثمانون جلدة ) قدمه في الرعاية والفروع ، وجزم به في الوجيز ، لإجماع الصحابة ، لما روي أن عمر استشار الناس في حد الخمر ، فقال عبد الرحمن : اجعله كأخف الحدود ثمانين ، فضربه عمر ثمانين ، وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة بالشام ، وروي أن عليا قال في المشورة : إذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري ثمانون . رواه الجوزجاني ، والدارقطني . وجوزهما الشيخ تقي الدين للمصلحة ، وأنه الرواية الثانية ( وعنه : أربعون إن كان حرا ) اختاره أبو بكر والمؤلف وغيرهما ، لما روي أن علي بن أبي طالب جلد الوليد بن عقبة أربعين ، ثم قال : جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ، وأبو بكر أربعين ، وعمر ثمانين ، وكل سنة ، وهذا أحب إلي . رواه مسلم . لا يقال : فعل عمر كان بمحضر من الصحابة فيكون إجماعا ، ولأن فعله عليه السلام حجة ، لا يجوز تركه لفعل غيره ، ولا ينعقد الإجماع مع مخالفة أبي بكر وعلي ، بل يحتمل أن عمر فعل الزيادة على أنها تعزير ، يجوز فعلها إذا رآها الإمام ، وضرب علي النجاشي بشربه في رمضان ثمانين ، ثم حبسه ، ثم عشرين من الغد ، نقل صالح : أذهب [ ص: 104 ] إليه ، ونقل حنبل : يغلظ عليه كمن قتل في الحرم ، واختار أبو بكر : يعزر بعشرة فأقل ، وفي المغني : عزره بعشرين لفطره ( والرقيق ) عبدا كان أو أمة ( على النصف من ذلك ) كالزنا والقذف ، فكذا من شرب الخمر من باب أولى ، فعلى الأولى : يحد أربعين ، وعلى الثانية : عشرين ، صرح به في المغني والشرح ( إلا الذمي فإنه لا يحد بشربه في الصحيح من المذهب ) لأنه يعتقد حله ، فلم يحد بفعله ، كنكاح المجوس ذوات محارمهم ، والثانية : بلى ، لأنه شرب مسكرا عالما به مختارا ، أشبه شارب النبيذ إذا اعتقد حله ، قال في المحرر : وعندي يحد إن سكر ، وإلا فلا ، والمذهب خلافه ، قال في البلغة : ولو رضي بحكمنا ، لأنه لم يلتزم الانقياد في مخالفة دينه ( وهل يجب الحد بوجود الرائحة ؛ على روايتين ) .
أظهرهما : لا يجب ، وقدمه في الكافي والرعاية والفروع ، وهو قول أكثر العلماء ، فعلى هذا يعزر ، نص عليه ، واختاره الخلال ، كحاضر مع من يشربها ، نقله أبو طالب .
والثانية : أنه يحد ، قال ابن أبي موسى في الإرشاد : وهي الأظهر عنه ، روي عن عمر وابن مسعود ، لأن الرائحة تدل على شربه لها ، فجرى مجرى الإقرار ، قال في الشرح : والأول أولى ، لأن الرائحة تحتمل أنه تمضمض بها ، أو ظنها ماء ، أو أكل نبقا بالغا ، أو شرب شراب تفاح ، فإنه يكون منه كرائحة الخمر ، والحد يدرأ بالشبهة .
فائدة : يستعمل لقطع رائحة الخمر : الكسفرة ، وعرق البنفسج ، والثوم ، وما أشبه ذلك مما له رائحة قوية .
[ ص: 105 ] فرع : إذا وجد سكران أو تقيأ الخمر ، فعنه : لا حد ، قال بعضهم : وهي الأظهر ، وعنه : بلى ، على الثانية التي يحد بالرائحة ، لفعل عثمان وهو بمحضر من الصحابة . رواه مسلم .
تنبيه : لا يثبت الحد إلا بأحد شيئين : إما البينة العادلة ، أو الإقرار ، ويكفي مرة كحد القذف ، وعنه : مرتين ، نصره القاضي وأصحابه ، وجعلأبو الخطاب بقية الحدود بمرتين ، وفي عيون المسائل في حد الخمر : بمرتين ، وإن سلمنا فلأنه لا يتضمن إتلافا ، بخلاف حد السرقة ، ولم يفرقوا بين حد القذف وغيره إلا بأنه حق آدمي كالقود ، فدل على رواية فيه ، وهذا متجه ، قاله في الفروع .منقول للإفاده
المسكر اسم فاعل من : أسكر الشراب فهو مسكر ، إذا جعل صاحبه سكران ، أو كان فيه قوة يفعل ذلك ، قال الجوهري : السكران خلاف الصاحي ، والجمع : سكرى ، وسكارى ، بضم السين وفتحها ، والمرأة : سكرى ، ولغة بني أسد : سكرانة .
وهو محرم بالإجماع ، وما نقل عن قدامة بن مظعون وعمرو بن معدي كرب ، وأبي جندل بن سهيل أنها حلال فمرجوع عنه ، نقله المؤلف ، وسنده قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب الآيات [ المائدة : 90 و 91 ] .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر : كل مسكر خمر . وفي لفظ : كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام . رواهما مسلم .
( كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام ) لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما أسكر كثيره فقليله حرام . رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي وحسنه ( من أي شيء كان ) لما روى ابن عمر أن عمر قال على منبر النبي صلى الله عليه وسلم : أما بعد أيها الناس إن الله نزل تحريم الخمر ، وهي من خمسة ، من العنب ، والتمر ، [ ص: 101 ] والعسل ، والحنطة ، والشعير ، والخمر ما خامر العقل . متفق عليه . وأباح إبراهيم الحربي من نقيع التمر إذا طبخ ما دون السكر ، قال الخلال : فتياه على قول أبي حنيفة ، قال الإمام أحمد : ليس في الرخصة حديث صحيح ، وقال ابن المنذر : جاء أهل الكوفة بأحاديث معلولة ، وقيل : إن خبر ابن عباس ، أنه عليه السلام : قال حرمت الخمر لعينها ، والسكر من كل شراب . موقوف عليه . مع أنه يحتمل أنه أراد بالسكر المسكر من كل شراب ( ويسمى خمرا ) لقوله عليه السلام : كل مسكر خمر ، لأن الخمر ما خامر العقل ، أي : غطاه وستره ، وهذا موجود في كل مسكر ، وحكم العنب كحكمه ، روي عن : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وسعد ، وأبي ، وأنس ، وعائشة ، وهو قول الأكثر ، وقال أبو حنيفة : عصير العنب إذا طبخ وذهب ثلثاه ، ونقيع التمر والزبيب إذا طبخ ولم يذهب ثلثاه ، ونبيذ الحنطة والشعير ، نقيعا كان أو غيره - حلال ، إلا ما بلغ السكر ، وجوابه : ما روت عائشة مرفوعا : ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام . رواه أحمد ، وسعيد ، وأبو بكر ، والترمذي وحسنه ، وإسناده ثقات ، وظاهره : يقتضي أن الحشيشة لا تسكر ، لكن قوله : كل مسكر خمر يقتضي أنها تسكر ، قال في الفتاوى المصرية : الحشيشة المسكرة حرام ، وإنما توقف بعض الفقهاء في الحد ، لأنه ظن أنها تغطي العقل كالبنج ، والصحيح أنها تسكر ، وإنما كانت نجسة بخلاف البنج ، وجوزه الطبيب : لأنها تسكر بالاستحالة ، كالخمر يسكر بالاستحالة ، والبنج يغيب العقل ويسكر بغير الاستحالة ، كجوزة الطبيب ( ولا يحل شربه للذة ) لعموم " ما أسكر كثيره فقليله حرام " ( ولا للتداوي ) لما روى وائل بن حجر : أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر [ ص: 102 ] فنهاه ، أو كره له أن يصنعها ، فقال : إنما أصنعها للدواء ، فقال : إنه ليس بدواء ، ولكنه داء . رواه مسلم . وقال ابن مسعود : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم . رواه البخاري . ورواه أحمد من حديث حسان بن مخارق ، عن أم سلمة مرفوعا ، وصححه ابن حبان ، ولأنه يحرم لعينه فلم يحل شربه للتداوي ، كلحم الخنزير ( ولا لعطش ) لأنه لا يذهبه ولا يزيله ولا يدفع محذوره ، فوجب بقاؤه عملا بالأدلة المقتضية لذلك مع سلامته من المعارض ( ولا لغيره إلا لدفع لقمة غص بها ) فيجوز تناوله إذا لم يجد غيره وخاف التلف ، لقوله تعالى : فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه [ البقرة : 173 ] ولأن حفظ النفس مطلوب ، بدليل أنه تباح الميتة عند الاضطرار إليها ، وهو موجود هنا ، فوجب جوازه تحصيلا لحفظ النفس المطلوب حفظها ، ويقدم عليه بولا ، ويقدم عليهما ماء نجسا ( ومن شربه ) وهو مكلف ( مختارا عالما أن كثيره يسكر ) وظاهره : أنه إذا لم يعلم فلا حد عليه ، وهو قول عامتهم ، وكذا إذا ادعى الجهالة بإسكار غير الخمر ، أو بوجود الحد به ، ومثله يجهله ، صدق ولم يحد ، وكذا إذا شربها مكرها لحله له ، وعنه : لا تحل له ، اختارها أبو بكر ، وفي حده روايتان ، والظاهر أنهما مبنيان على حله له وعدمه ، والصبر أفضل ، نص عليه ، وكذا كل ما جاز فعله للمكره ، ذكره القاضي وغيره ، قال الشيخ تقي الدين : يرخص أكثر العلماء فيما يكره عليه من المحرمات لحق الله تعالى ، كأكل الميتة ، وشرب الخمر ، وهو ظاهر مذهب أحمد ( قليلا كان ) ما شربه ( أو كثيرا فعليه الحد ) لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من شرب الخمر فاجلدوه . رواه [ ص: 103 ] أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وقد ثبت أن أبا بكر وعمر وعليا جلدوا شاربها ، ولأن القليل خمر ، فيدخل في العموم ، ولأنه شراب فيه شدة مطربة ، فوجب الحد به كالكثير ، ويلحق بذلك ما لو احتقن بها في المنصوص ، كما لو استعط أو عجن به دقيقا فأكله ، ونقل حنبل : أو تمضمض حد ، وذكره في الرعاية قولا ، وهو غريب ، وفي المستوعب : إن وصل جوفه حد ، وفي عيون المسائل : يثبت بعدلين يشهدان أنه شرب مسكرا ، ولا يستفسرهما الحاكم عما شرب ، لأن كل مسكر يوجب الحد ، فدل أنه إن لم يره الحاكم موجبا استفسرهما ( فعليه الحد ثمانون جلدة ) قدمه في الرعاية والفروع ، وجزم به في الوجيز ، لإجماع الصحابة ، لما روي أن عمر استشار الناس في حد الخمر ، فقال عبد الرحمن : اجعله كأخف الحدود ثمانين ، فضربه عمر ثمانين ، وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة بالشام ، وروي أن عليا قال في المشورة : إذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري ثمانون . رواه الجوزجاني ، والدارقطني . وجوزهما الشيخ تقي الدين للمصلحة ، وأنه الرواية الثانية ( وعنه : أربعون إن كان حرا ) اختاره أبو بكر والمؤلف وغيرهما ، لما روي أن علي بن أبي طالب جلد الوليد بن عقبة أربعين ، ثم قال : جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ، وأبو بكر أربعين ، وعمر ثمانين ، وكل سنة ، وهذا أحب إلي . رواه مسلم . لا يقال : فعل عمر كان بمحضر من الصحابة فيكون إجماعا ، ولأن فعله عليه السلام حجة ، لا يجوز تركه لفعل غيره ، ولا ينعقد الإجماع مع مخالفة أبي بكر وعلي ، بل يحتمل أن عمر فعل الزيادة على أنها تعزير ، يجوز فعلها إذا رآها الإمام ، وضرب علي النجاشي بشربه في رمضان ثمانين ، ثم حبسه ، ثم عشرين من الغد ، نقل صالح : أذهب [ ص: 104 ] إليه ، ونقل حنبل : يغلظ عليه كمن قتل في الحرم ، واختار أبو بكر : يعزر بعشرة فأقل ، وفي المغني : عزره بعشرين لفطره ( والرقيق ) عبدا كان أو أمة ( على النصف من ذلك ) كالزنا والقذف ، فكذا من شرب الخمر من باب أولى ، فعلى الأولى : يحد أربعين ، وعلى الثانية : عشرين ، صرح به في المغني والشرح ( إلا الذمي فإنه لا يحد بشربه في الصحيح من المذهب ) لأنه يعتقد حله ، فلم يحد بفعله ، كنكاح المجوس ذوات محارمهم ، والثانية : بلى ، لأنه شرب مسكرا عالما به مختارا ، أشبه شارب النبيذ إذا اعتقد حله ، قال في المحرر : وعندي يحد إن سكر ، وإلا فلا ، والمذهب خلافه ، قال في البلغة : ولو رضي بحكمنا ، لأنه لم يلتزم الانقياد في مخالفة دينه ( وهل يجب الحد بوجود الرائحة ؛ على روايتين ) .
أظهرهما : لا يجب ، وقدمه في الكافي والرعاية والفروع ، وهو قول أكثر العلماء ، فعلى هذا يعزر ، نص عليه ، واختاره الخلال ، كحاضر مع من يشربها ، نقله أبو طالب .
والثانية : أنه يحد ، قال ابن أبي موسى في الإرشاد : وهي الأظهر عنه ، روي عن عمر وابن مسعود ، لأن الرائحة تدل على شربه لها ، فجرى مجرى الإقرار ، قال في الشرح : والأول أولى ، لأن الرائحة تحتمل أنه تمضمض بها ، أو ظنها ماء ، أو أكل نبقا بالغا ، أو شرب شراب تفاح ، فإنه يكون منه كرائحة الخمر ، والحد يدرأ بالشبهة .
فائدة : يستعمل لقطع رائحة الخمر : الكسفرة ، وعرق البنفسج ، والثوم ، وما أشبه ذلك مما له رائحة قوية .
[ ص: 105 ] فرع : إذا وجد سكران أو تقيأ الخمر ، فعنه : لا حد ، قال بعضهم : وهي الأظهر ، وعنه : بلى ، على الثانية التي يحد بالرائحة ، لفعل عثمان وهو بمحضر من الصحابة . رواه مسلم .
تنبيه : لا يثبت الحد إلا بأحد شيئين : إما البينة العادلة ، أو الإقرار ، ويكفي مرة كحد القذف ، وعنه : مرتين ، نصره القاضي وأصحابه ، وجعلأبو الخطاب بقية الحدود بمرتين ، وفي عيون المسائل في حد الخمر : بمرتين ، وإن سلمنا فلأنه لا يتضمن إتلافا ، بخلاف حد السرقة ، ولم يفرقوا بين حد القذف وغيره إلا بأنه حق آدمي كالقود ، فدل على رواية فيه ، وهذا متجه ، قاله في الفروع .منقول للإفاده