الزغيبي
20-02-2010, 02:17 PM
مسائل قضائية
(21)
الترجمان
الحمد لله رب العالمين ,والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ,أما بعد :
فقد بلغ عدد المقيمين في المملكة العربية السعودية نسبة 27.1٪ سبعة وعشرين وواحد من عشرة في المائة ، وذلك بتأريخ 1/8/1425هـ(136) ، يتكلم عدد غير قليل منهم بغير اللغة العربية ؛ ممّا أدى إلى زيادة أعداد القضايا التي يكون طرفاها أو أحدهما ممّن لايجيد اللغة العربية ، ودعت الحاجة إلى الاستعانة بالمترجمين من تلك اللغات إلى اللغة العربية .
(( والترجمة بفتح التاء : تأدية الكلام بلغة أخرى ))(137) ، واسم الفاعل منها ترجمان ، وهو أفصح من مترجم ، وفتح التاء وضم الجيم أجود لغاته (138) .
وقد اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في عدد من يقبل في الترجمة على قولين ، وإنما منشأ الخلاف عندهم : هل الترجمة من باب الإخبار ، أم الشهادة ؟(139) .
وهذان القولان هما :
القول الأول : أنه يكتفى بالترجمة بترجمان واحد ، وإليه ذهب الإمام أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف (140) ، وهو قول الإمام مالك (141) ، ورواية عن الإمام أحمد (142) .
واثنين أحوط في قول أبي حنيفة وأبي يوسف (143) ، وأحب إلى الإمام مالك (144) ، وذكر بعض المالكية أن المترجم إذا رتبه القاضي فيكفى في الترجمة واحد ، أما غير المرتب كالذي يأتي به أحد الخصوم أو يستدعيه القاضي فلا بد من تعدده (145) .
القول الثاني : ذهب الإمام الشافعي (146) ، ومحمد بن الحسن من الحنفية (147) ، وهو المذهب عن الحنابلة ، وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به الخرقي ، وقدمه في المغني والشرح (148) إلى أنه لابد في الترجمة من اثنين فيما يثبت بشهادة اثنين ، واختلف فيما لا يثبت بشهادة اثنين كالزنا ، فقيل لابد فيه من أربعة كالشهادة عليه ، وقيل يكفي فيه اثنان (149) .
واستدل أصحاب القول الأول بأدلة منها :
1 ـ ما رواه البخاري في صحيحه (150) تعليقاً عن زيد بن ثابت (( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه )) .
فدل الحديث على جواز ترجمة الواحد(151) .
2 ـ أن المترجم مخبر ، وقوله غير ملزم ، وخبر الواحد مقبول إذا كان مسلماً عدلاً(152) .
3 ـ أنه لا يشترط في الترجمة أن تكون بلفظ الشهادة كالخبر بخلاف الشهادة(153) .
واستدل أصحاب القول الثاني بأدلة منها :
1 ـ أن المترجم ينقل للحاكم ما خفي عليه فيما يتعلق بالمتخاصمين ؛ فيشترط فيه العدد كالشهادة.
2 ـ أن ما لا يفهمه الحاكم وجوده كعدمه ، فإذا ترجم له كان كنقل الإقرار إليه من غير مجلسه ، ولا يقبل ذلك إلا من شاهدين(154) .
3 ـ أنه يشترط في المترجم ما يشترط في الشاهد من الإسلام والعدالة ؛ فاشترط فيه العدد كالشهادة(155) .
واختار الإمام البخاري(156) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية(157) القول الأول ، وهو ما عليه العمل في المحاكم ؛ فقـد نصت المادة السادسة والثلاثون من نظام القضاء القديم(158) على أنه (( يجوز للمحكمة أن تسمع أقوال الخصوم أو الشهود الذين يجهلون اللغة العربية عن طريق مترجم )) . كما نصت المادة الثالثة عشرة من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم(159) على أن (( تسمع أقوال غير الناطقين... ( باللغة العربية ) عن طريق مترجم )) .
وقد جاء ذكر المترجم بصيغة المفرد ، ممّا يدل على أنه أخذ بالقول الأول ، وأنه يكفي في الترجمة واحد ، وأن الترجمة من باب الإخبار، وقد صرح نظام المرافعات الشرعية ، على أن المترجـم من الخبراء ، فقد نصت المادة السادسة والثلاثون بعد المائة منه على أن (( تؤلف بقرار من وزير العدل لجنة للخبراء وتحدد اللائحة اختصاص هذه اللجنة )) ونصت الفقرة136/3 من اللوائح التنفيذية له(160) على أن (( يشكل في المحاكم قسم يسمّى قسم الخبراء يضم .... المترجمين ونحوهم )) .
وقد صدر قرار معالي وزير العدل ذو الرقم 9292 ، في 28/10/1425هـ (161) بانشاء إدارة في جهاز الوزارة باسم ( إدارة شؤون الخبرة والتحكيم ) ، كما صدر قرار معاليه ذو الرقم 7385 ، في 26/1/1423هـ (162) المتضمن أن (( تنشأ في المحاكم العامة التي فيها ثلاثة قضاة فأكثر الأقسام التالية .... 5 ـ قسم الخبراء ، ويشمل .... المترجين ونحوهم )) ونصت المادة السابعة والثلاثون بعد المائة من نظام المرافعات على أنه (( يجوز لوزير العدل أن يعين موظفين يتفرغون لبعض أعمال الخبرة لدى المحاكم )) . وقد تم تعيين عدد غير قليل منهم ، ومن ضمنهم مترجمون ، وتستعين المحاكم عند عدم توفر مترجم لديها بمترجمين من إحدى الجهات الحكومية الأخرى ، أو غيرها(163) . وقد صدر قرار مجلس الخدمة المدنية ذو الرقم 1/220 ، والتأريخ 10/5/1411هـ على أنه يجوز تكليف من يقوم بالترجمة أثناء نظر القضايا التي يكون أحد أفرادها من غير الناطقين باللغة العربية ، وذلك لقاء مكافأة(164) .
وهنا وقفتان :
الوقفة الأولى :
نص الفقهاء على أنه يشترط في المترجم وغيره من أهل الخبرة شروط منها الإسلام والعدالة(165) .
قال السرخسي : (( ثم لا خلاف أنه يشترط في المترجم أن يكون عدلاً مسلماً ))(166) .
ونصت الفقرة136/6 من اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات على أنه يشترط فيمن يدرج اسمه في قائمة الخبراء (( أن يكون حسن السيرة والسلوك ... ( و ) أن يكون حاصلاً على ترخيص بمزاولة مهنته ساري المفعول من الجهة المختصة )) .
وأرى الأخذ بعبارة الفقهاء ( العدالة ) ، وأن يتم إثباتها عن طريق المحكمة للخبراء ، ومنهم المترجمون المعينون على وظائف رسمية ، أو المدرجون في قائمة الخبراء ، أو ممن تستعين بهم المحاكم من خبراء الجهات الحكومية ، أو غيرهم(167) ؛ قبل الاستعانة بهم ، وتجديد البحث عنها مع طول المدة .
وقد نصت إحدى توصيات الندوة الثالثة لرؤساء المحاكم في المملكة(168) على:على (( إنشاء مكتب للترجمة في كل محكمة من المحاكم الرئاسية تتولى التنسيق مع المترجمين على نظام الأجر بالساعة بعد التحقق من أهلية المترجم وعدالته )) . فنصت على التحقق من العدالة.
أما تجديد البحث عن العدالة فقد قال البهوتي(169) : (( ومن ثبتت عدالته مرة وجب تجديد البحث عنها مرة أخرى مع طول المدة لأن الأحوال تتغير )) .
الوقفة الثانية :
يلحظ أن معظم المحاكم تكتفي عند تصديق إقرار من يجهل اللغة العربية بالتصديق على إقرارهم باللغة العربية ؛ بينما نص تعميم وكيل وزارة العدل للشؤون القضائية ذو الرقم12/208/ت ، والتأريخ 20/12/1404هـ(170) على أن (( تؤخذ اعترافات غير مجيدي اللغة العربية بخط أيديهم وبلغتهم ثم تترجم بدقة إبراء للذمة ومنعاً للالتباس)) ، ونصت المادة الثالثة عشرة من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم على أن: (( تسمع أقوال غير الناطقين ... ( باللغة العربية ) عن طريق مترجم مع إثبات ما يوجه إليه وإجاباته عليه بلغته ويوقع منه وتثبت ترجمة ذلك باللغة العربية ويوقع منه ومن المترجم )) .
وأرى أن يدون في محضر التحقيق إقرار المقر بلغته وبخط يده إن كان يكتب ، ويدون أسفله ترجمته باللغة العربية ، ويوقع عليها من المقر والمترجم ، وأن يكتفى بتصديق المحكمة على المحضر مباشرة ، وتحتفظ المحكمة بصورة منه ؛ بعد التصديق ، ويتم اتلافها بعـد مـرور مـدة مـن الزمن ؛ بدل ضبط الإقرار في دفتر الضبط الذي يأخذ وقتاً ، ويتطلب جهداً (171) .
كما أرى أن تدون أقوال وإجابات الخصم الذي يجهل اللغة العربية بلغته ، وبخط يده إن كان يكتب ، ويدون أسفلها ترجمتها باللغة العربية ، ويوقع عليها من الخصم والمترجم ، وترفق بالمعاملة عند نظر دعوى يكون أحد طرفيها أو كلاهما ممّن يجهلون اللغة العربية .
وكتبه :
إبراهيم بن صالح الزغيبي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(136) وعددهم6.144.236ستة ملايين ومائة وأربعة وأربعون الفاً ومائتان وستاً وثلاثون نسمة . انظر : النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن 1/8/1425هـ موقع مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات على الشبكة العالمية . www.cdsi.gov.sa .
(137) كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص352 .
(138) انظر : لسان العرب ، جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي ، دار صادر ، بيروت ، ط1 ، ج6 ، ص117 ، مادة : رجم ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص352 .
(139) انظر : نيل الأوطار ، محمد بن علي الشوكاني ، دار الحديث ، ج8 ، ص324 .
(140) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج16 ، ص89 .
(141) انظر : تبصرة الحكام ،لابن فرحون ، ج1 ، ص36 ؛ التاج والإكليل لمختصر خليل ، المواق ، ج8 ، ص106 .
(142) انظر : المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج10 ، 132 .
(143) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج16 ، ص89 .
(144) انظر : هامش (141) .
(145) انظر : حاشية الدسوقي علي الشرح الكبير ، ج4 ، ص139.
(146) انظر : الأم ، محمد بن ادريس الشافعي ، دار المعرفة ، ج6 ، ص220 ؛ تحفة المحتاج في شرح المنهاج ، الهيتمي ، ج10 ، ص134 .
(147) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج16 ، ص89 .
(148) انظر : المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج10 ، ص132 ؛ الإنصاف ، المرداوي ، ج11 ، ص293 .
(149) انظر : تحفة المحتاج ، للهيتمي ، ج10 ، ص134 ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص352ـ353 .
(150) كتاب الأحكام ، باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد ، ج9 ، ص94 .
(151) انظر : نيل الأوطار ، للشوكاني ، ج8 ، ص323 .
(152) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج16 ، ص90 .
(153) انظر : المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج10 ، ص132 .
(154) انظر : فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، دار المعرفة ، بيروت ،ج13 ، ص186 ؛ المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج10 ، ص133 .
(155) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج16 ، ص89 ؛ الإنصاف ، للمرداوي ، ج11 ، ص293 .
(156) انظر : فتح الباري ، لابن حجر ، ج13 ، ص186 .
(157) انظر : الإختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، البعلي ، ص343 .
(158) الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/64 ، والتأريخ 14/7/1395هـ .
(159) الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 190 ، والتأريخ 16/11/1409هـ .
(160) الصادرة بقرار معالي وزير العدل رقم 4569 ، والتأريخ3/6/1423هـ .
(161) المبلغ بتعميم (ك) رقم 13/ت/2632 ، في 1/4/1426هـ .
(162) المبلغ بتعميم (ك) رقم 13/ت/2118 ، في 15/11/1423هـ .
(163) انظر : اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات ، ف136/1 ،2 .
(164) المبلغ بتعميم(و) رقم8/ت/20 ، في 25/11/1411هـ . انظر: التصنيف الموضوعي ، م1 ، ص696ـ697 .
(165) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج16 ، ص89 ؛ المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج10 ، ص132ـ133 ؛ تبصرة الحكام ، لابن فرحون ، ج1 ، ص36 ؛ تحفة المحتاج ، للهيتمي ، ج10 ، ص134 .
(166) المبسوط ، ج16 ، ص89 .
(167) وفقاً للمادة137 من نظام المرافعات ، والفقرات1 ، 2 ، 6 من المادة136 من اللوائح التنفيذية له .
(168) الموافق عليها والمبلغة بتعميم معالي وزير العدل رقم13/ت/1586 ، في 6/7/1427هـ .
(169) كشاف القناع ، ج6 ، ص353 .
(170) انظر : التصنيف الموضوعي ، م1 ، ص696 .
(171) نص تعميم (و) رقم 8/ت/34 ، في 11/3/1411هـ ، المؤكد بالتعميم رقم 8/ت/106 ، في 28/8/1412هـ على إعداد دفتر تضبط فيه اعترافات المتهمين ، ثم يصدق على اعترافاتهم المدونة في محاضر التحقيق .
(21)
الترجمان
الحمد لله رب العالمين ,والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ,أما بعد :
فقد بلغ عدد المقيمين في المملكة العربية السعودية نسبة 27.1٪ سبعة وعشرين وواحد من عشرة في المائة ، وذلك بتأريخ 1/8/1425هـ(136) ، يتكلم عدد غير قليل منهم بغير اللغة العربية ؛ ممّا أدى إلى زيادة أعداد القضايا التي يكون طرفاها أو أحدهما ممّن لايجيد اللغة العربية ، ودعت الحاجة إلى الاستعانة بالمترجمين من تلك اللغات إلى اللغة العربية .
(( والترجمة بفتح التاء : تأدية الكلام بلغة أخرى ))(137) ، واسم الفاعل منها ترجمان ، وهو أفصح من مترجم ، وفتح التاء وضم الجيم أجود لغاته (138) .
وقد اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في عدد من يقبل في الترجمة على قولين ، وإنما منشأ الخلاف عندهم : هل الترجمة من باب الإخبار ، أم الشهادة ؟(139) .
وهذان القولان هما :
القول الأول : أنه يكتفى بالترجمة بترجمان واحد ، وإليه ذهب الإمام أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف (140) ، وهو قول الإمام مالك (141) ، ورواية عن الإمام أحمد (142) .
واثنين أحوط في قول أبي حنيفة وأبي يوسف (143) ، وأحب إلى الإمام مالك (144) ، وذكر بعض المالكية أن المترجم إذا رتبه القاضي فيكفى في الترجمة واحد ، أما غير المرتب كالذي يأتي به أحد الخصوم أو يستدعيه القاضي فلا بد من تعدده (145) .
القول الثاني : ذهب الإمام الشافعي (146) ، ومحمد بن الحسن من الحنفية (147) ، وهو المذهب عن الحنابلة ، وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به الخرقي ، وقدمه في المغني والشرح (148) إلى أنه لابد في الترجمة من اثنين فيما يثبت بشهادة اثنين ، واختلف فيما لا يثبت بشهادة اثنين كالزنا ، فقيل لابد فيه من أربعة كالشهادة عليه ، وقيل يكفي فيه اثنان (149) .
واستدل أصحاب القول الأول بأدلة منها :
1 ـ ما رواه البخاري في صحيحه (150) تعليقاً عن زيد بن ثابت (( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه )) .
فدل الحديث على جواز ترجمة الواحد(151) .
2 ـ أن المترجم مخبر ، وقوله غير ملزم ، وخبر الواحد مقبول إذا كان مسلماً عدلاً(152) .
3 ـ أنه لا يشترط في الترجمة أن تكون بلفظ الشهادة كالخبر بخلاف الشهادة(153) .
واستدل أصحاب القول الثاني بأدلة منها :
1 ـ أن المترجم ينقل للحاكم ما خفي عليه فيما يتعلق بالمتخاصمين ؛ فيشترط فيه العدد كالشهادة.
2 ـ أن ما لا يفهمه الحاكم وجوده كعدمه ، فإذا ترجم له كان كنقل الإقرار إليه من غير مجلسه ، ولا يقبل ذلك إلا من شاهدين(154) .
3 ـ أنه يشترط في المترجم ما يشترط في الشاهد من الإسلام والعدالة ؛ فاشترط فيه العدد كالشهادة(155) .
واختار الإمام البخاري(156) ، وشيخ الإسلام ابن تيمية(157) القول الأول ، وهو ما عليه العمل في المحاكم ؛ فقـد نصت المادة السادسة والثلاثون من نظام القضاء القديم(158) على أنه (( يجوز للمحكمة أن تسمع أقوال الخصوم أو الشهود الذين يجهلون اللغة العربية عن طريق مترجم )) . كما نصت المادة الثالثة عشرة من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم(159) على أن (( تسمع أقوال غير الناطقين... ( باللغة العربية ) عن طريق مترجم )) .
وقد جاء ذكر المترجم بصيغة المفرد ، ممّا يدل على أنه أخذ بالقول الأول ، وأنه يكفي في الترجمة واحد ، وأن الترجمة من باب الإخبار، وقد صرح نظام المرافعات الشرعية ، على أن المترجـم من الخبراء ، فقد نصت المادة السادسة والثلاثون بعد المائة منه على أن (( تؤلف بقرار من وزير العدل لجنة للخبراء وتحدد اللائحة اختصاص هذه اللجنة )) ونصت الفقرة136/3 من اللوائح التنفيذية له(160) على أن (( يشكل في المحاكم قسم يسمّى قسم الخبراء يضم .... المترجمين ونحوهم )) .
وقد صدر قرار معالي وزير العدل ذو الرقم 9292 ، في 28/10/1425هـ (161) بانشاء إدارة في جهاز الوزارة باسم ( إدارة شؤون الخبرة والتحكيم ) ، كما صدر قرار معاليه ذو الرقم 7385 ، في 26/1/1423هـ (162) المتضمن أن (( تنشأ في المحاكم العامة التي فيها ثلاثة قضاة فأكثر الأقسام التالية .... 5 ـ قسم الخبراء ، ويشمل .... المترجين ونحوهم )) ونصت المادة السابعة والثلاثون بعد المائة من نظام المرافعات على أنه (( يجوز لوزير العدل أن يعين موظفين يتفرغون لبعض أعمال الخبرة لدى المحاكم )) . وقد تم تعيين عدد غير قليل منهم ، ومن ضمنهم مترجمون ، وتستعين المحاكم عند عدم توفر مترجم لديها بمترجمين من إحدى الجهات الحكومية الأخرى ، أو غيرها(163) . وقد صدر قرار مجلس الخدمة المدنية ذو الرقم 1/220 ، والتأريخ 10/5/1411هـ على أنه يجوز تكليف من يقوم بالترجمة أثناء نظر القضايا التي يكون أحد أفرادها من غير الناطقين باللغة العربية ، وذلك لقاء مكافأة(164) .
وهنا وقفتان :
الوقفة الأولى :
نص الفقهاء على أنه يشترط في المترجم وغيره من أهل الخبرة شروط منها الإسلام والعدالة(165) .
قال السرخسي : (( ثم لا خلاف أنه يشترط في المترجم أن يكون عدلاً مسلماً ))(166) .
ونصت الفقرة136/6 من اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات على أنه يشترط فيمن يدرج اسمه في قائمة الخبراء (( أن يكون حسن السيرة والسلوك ... ( و ) أن يكون حاصلاً على ترخيص بمزاولة مهنته ساري المفعول من الجهة المختصة )) .
وأرى الأخذ بعبارة الفقهاء ( العدالة ) ، وأن يتم إثباتها عن طريق المحكمة للخبراء ، ومنهم المترجمون المعينون على وظائف رسمية ، أو المدرجون في قائمة الخبراء ، أو ممن تستعين بهم المحاكم من خبراء الجهات الحكومية ، أو غيرهم(167) ؛ قبل الاستعانة بهم ، وتجديد البحث عنها مع طول المدة .
وقد نصت إحدى توصيات الندوة الثالثة لرؤساء المحاكم في المملكة(168) على:على (( إنشاء مكتب للترجمة في كل محكمة من المحاكم الرئاسية تتولى التنسيق مع المترجمين على نظام الأجر بالساعة بعد التحقق من أهلية المترجم وعدالته )) . فنصت على التحقق من العدالة.
أما تجديد البحث عن العدالة فقد قال البهوتي(169) : (( ومن ثبتت عدالته مرة وجب تجديد البحث عنها مرة أخرى مع طول المدة لأن الأحوال تتغير )) .
الوقفة الثانية :
يلحظ أن معظم المحاكم تكتفي عند تصديق إقرار من يجهل اللغة العربية بالتصديق على إقرارهم باللغة العربية ؛ بينما نص تعميم وكيل وزارة العدل للشؤون القضائية ذو الرقم12/208/ت ، والتأريخ 20/12/1404هـ(170) على أن (( تؤخذ اعترافات غير مجيدي اللغة العربية بخط أيديهم وبلغتهم ثم تترجم بدقة إبراء للذمة ومنعاً للالتباس)) ، ونصت المادة الثالثة عشرة من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم على أن: (( تسمع أقوال غير الناطقين ... ( باللغة العربية ) عن طريق مترجم مع إثبات ما يوجه إليه وإجاباته عليه بلغته ويوقع منه وتثبت ترجمة ذلك باللغة العربية ويوقع منه ومن المترجم )) .
وأرى أن يدون في محضر التحقيق إقرار المقر بلغته وبخط يده إن كان يكتب ، ويدون أسفله ترجمته باللغة العربية ، ويوقع عليها من المقر والمترجم ، وأن يكتفى بتصديق المحكمة على المحضر مباشرة ، وتحتفظ المحكمة بصورة منه ؛ بعد التصديق ، ويتم اتلافها بعـد مـرور مـدة مـن الزمن ؛ بدل ضبط الإقرار في دفتر الضبط الذي يأخذ وقتاً ، ويتطلب جهداً (171) .
كما أرى أن تدون أقوال وإجابات الخصم الذي يجهل اللغة العربية بلغته ، وبخط يده إن كان يكتب ، ويدون أسفلها ترجمتها باللغة العربية ، ويوقع عليها من الخصم والمترجم ، وترفق بالمعاملة عند نظر دعوى يكون أحد طرفيها أو كلاهما ممّن يجهلون اللغة العربية .
وكتبه :
إبراهيم بن صالح الزغيبي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(136) وعددهم6.144.236ستة ملايين ومائة وأربعة وأربعون الفاً ومائتان وستاً وثلاثون نسمة . انظر : النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والمساكن 1/8/1425هـ موقع مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات على الشبكة العالمية . www.cdsi.gov.sa .
(137) كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص352 .
(138) انظر : لسان العرب ، جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي ، دار صادر ، بيروت ، ط1 ، ج6 ، ص117 ، مادة : رجم ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص352 .
(139) انظر : نيل الأوطار ، محمد بن علي الشوكاني ، دار الحديث ، ج8 ، ص324 .
(140) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج16 ، ص89 .
(141) انظر : تبصرة الحكام ،لابن فرحون ، ج1 ، ص36 ؛ التاج والإكليل لمختصر خليل ، المواق ، ج8 ، ص106 .
(142) انظر : المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج10 ، 132 .
(143) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج16 ، ص89 .
(144) انظر : هامش (141) .
(145) انظر : حاشية الدسوقي علي الشرح الكبير ، ج4 ، ص139.
(146) انظر : الأم ، محمد بن ادريس الشافعي ، دار المعرفة ، ج6 ، ص220 ؛ تحفة المحتاج في شرح المنهاج ، الهيتمي ، ج10 ، ص134 .
(147) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج16 ، ص89 .
(148) انظر : المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج10 ، ص132 ؛ الإنصاف ، المرداوي ، ج11 ، ص293 .
(149) انظر : تحفة المحتاج ، للهيتمي ، ج10 ، ص134 ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص352ـ353 .
(150) كتاب الأحكام ، باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد ، ج9 ، ص94 .
(151) انظر : نيل الأوطار ، للشوكاني ، ج8 ، ص323 .
(152) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج16 ، ص90 .
(153) انظر : المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج10 ، ص132 .
(154) انظر : فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، دار المعرفة ، بيروت ،ج13 ، ص186 ؛ المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج10 ، ص133 .
(155) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج16 ، ص89 ؛ الإنصاف ، للمرداوي ، ج11 ، ص293 .
(156) انظر : فتح الباري ، لابن حجر ، ج13 ، ص186 .
(157) انظر : الإختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، البعلي ، ص343 .
(158) الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/64 ، والتأريخ 14/7/1395هـ .
(159) الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 190 ، والتأريخ 16/11/1409هـ .
(160) الصادرة بقرار معالي وزير العدل رقم 4569 ، والتأريخ3/6/1423هـ .
(161) المبلغ بتعميم (ك) رقم 13/ت/2632 ، في 1/4/1426هـ .
(162) المبلغ بتعميم (ك) رقم 13/ت/2118 ، في 15/11/1423هـ .
(163) انظر : اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات ، ف136/1 ،2 .
(164) المبلغ بتعميم(و) رقم8/ت/20 ، في 25/11/1411هـ . انظر: التصنيف الموضوعي ، م1 ، ص696ـ697 .
(165) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج16 ، ص89 ؛ المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج10 ، ص132ـ133 ؛ تبصرة الحكام ، لابن فرحون ، ج1 ، ص36 ؛ تحفة المحتاج ، للهيتمي ، ج10 ، ص134 .
(166) المبسوط ، ج16 ، ص89 .
(167) وفقاً للمادة137 من نظام المرافعات ، والفقرات1 ، 2 ، 6 من المادة136 من اللوائح التنفيذية له .
(168) الموافق عليها والمبلغة بتعميم معالي وزير العدل رقم13/ت/1586 ، في 6/7/1427هـ .
(169) كشاف القناع ، ج6 ، ص353 .
(170) انظر : التصنيف الموضوعي ، م1 ، ص696 .
(171) نص تعميم (و) رقم 8/ت/34 ، في 11/3/1411هـ ، المؤكد بالتعميم رقم 8/ت/106 ، في 28/8/1412هـ على إعداد دفتر تضبط فيه اعترافات المتهمين ، ثم يصدق على اعترافاتهم المدونة في محاضر التحقيق .