ابوعبدالعزيز
01-11-2008, 02:31 PM
( بدل الخلو)
1 ـ تعريف بدل الخلو : كلمة خلا لها عدة معان ومنها الفراغ ، والانفراد ، والمضي قال تعالى: ( وإن من أمة إلا خلا فيها من نذير) والخلو كلمة مولدة ولعلها مأخوذة من قول العرب : أخليت المكان ، أي: جعلته خالياً ، ووجدته كذلك ، ويجمع على خلوات. فكأن تسميته بالخلو مأخوذة من تخليه عما تحت يده إلى الغير.
واصطلاحاً عرفه الأجهوري بأنه : اسم لما يملكه دافع الدراهم من المنفعة التي دفع الدراهم في مقابلتها . وعرف الشيخ الزحيلي بدل الخلو فقال: مبلغ من المال يدفعه الشخص نظير تنازل المنتفع بعقار عن حقه في الانتفاع به.
وله تسميات وأنواع قد تختلف بعض الشيء فقد يسمى الجلسة ، وخلو الحوانيت ، والإنزال ، والتقبيل ، والفروغية ، ونقل القدم أو نقل الرجل .
والجلسة هي: كراء حانوت لمن يضع فيه أدواته فيقدم على غيره وإذا بدا له الخروج ، وتخلى عنها لغيره أخذ منه بدلاً عن ذلك. وخلو الحوانيت مثل خلو الجلسة إلا أن صاحب الخلو فيها يكون شريكاً للمالك. وأما الإنزال فيكون في الأرض.
2 ـ الألفاظ ذات الصلة به :
(الحكورات ـ الكدك –مشد المسكة – المُرصد) .
1ـ الحكورات: جمع حِكر والمراد به ما يدفع للوقف نظير البناء أو الغرس أو الزراعة به وذلك كل سنة وهو أجرة تصرف لمستحقي ذلك الوقف.
2- الكدك أو الجدك: وهي أن يضع المستأجر في الحانوت أشياء متصلة أو منفصلة فيكون أحق بها من غيره بأجرة المثل .
3- مشد المسكة والمراد بها: استحقاق الزراعة في أرض الغير .
4- والمرُْصد وهي: أن يقوم مستأجر الوقف بعمارته ويستوفي حقه من مال الوقف أو باقتطاعه من أجرة الوقف. وهذه الأشياء بينها وبين الخلو تقارب وبعض الاختلاف .
3-نشأة الحديث عن بدل الخلو:
في عهد السلطان الغوري بنى دكاكين واشترط على من يكتريها أن يدفع له قيمة جملية تعطيه حق البقاء فيها. وذكر المحقق البناني أن المتأخرين من شيوخ فاس أفتوا في الجلسة وهي شبيهة بالخلو. وقد أفتى العلامة خليل المتوفي سنة 776هـ في الحكر المؤبد فقال بوجوب الشفعة في الأحكار قياساً للمستأجر على مالك الأرض. وأفتى ناصر الدين اللقاني المالكي المتوفي سنة 958هـ بأن الخلو يورث. وللبدر القرافي المتوفي سنة ثمان وألف للهجرة كتاب (الدرة المنيفة في الفراغ عن الوظيفة). كان هذا في الأزمان السابقة ولكن بدل الخلو لم يكن فيها منتشراً ، ثم لما ألزمت القوانين الوضعية في بعض الدول بعدم إخراج المستأجرين مهما طالت المدة فتضرر الملاك بذلك إذ أصبحت الأجرة زهيدةً بمرور الزمن فصار الملاك يطالبون ببدل الخلو دفعاً للضرر المتوقع ، ثم تبعهم المستأجرون في ذلك وارتفعت الأسعار تبعاً للموقع ، ثم راجت الفكرة وانتشرت بسبب الازدهار الاقتصادي وارتفاع الأجور وتعويضاً لما قد يحدثه المستأجر في دكانه فيطالب المستأجر الجديد ببدل الخلو. وأما في الوقف فقد يكون سببه الرغبة في بنائه على أن يحتسب ما ينفقه المستأجر من الخلو.
4-صور بدل الخلو :
1 ـ أن يأخذه المالك وناظر الوقف من المستأجر عند العقد.
3 ـ أن يأخذ المستأجر بدل الخلو من مستأجر آخر.
2 ـ أن يأخذه المستأجر من المالك قبل نهاية المدة.
4 ـ أن يأخذه مستأجر الوقف من شخص آخر.
5 ـ تكييف بدل الخلو:
ما يأخذه المالك ( أو ناظر الوقف) يكيف على أنه من باب تجزئة الأجرة أي تقسيمها إلى معجلٍ ومؤجل.
وما يأخذه المستأجر من مستأجرٍ آخر سواء كان الملك شخصياً أو وقفاً ( وهو ما يسمى بالحكر) فهذا مبني على ما يملكه المستأجر من العين المؤجرة هل هو المنفعة أو الانتفاع وهل له أن يستوفي المنفعة بغيره وأن يتنازل عن الاختصاص.
وأما ما يأخذه المستأجر من مالك العقار إذا طالبه المالك بالإخلاء قبل نهاية المدة فهذا مبني على الإقالة وهل هي فسخ أم بيعٌ جديد.
6- الحكم الشرعي:
1-حكم الصورة الأولى: أخذ المالك أو ناظر الوقف بدل الخلو من المستأجر:
اختلفت أنظار العلماء في هذه المسألة:
1- فقيل ما يأخذه المالك جائز لأنه ماله فله أن يؤجره كما يشاء ، فيكون ما يأخذه جزء من الأجرة قسم إلى معجلٍ ومؤجل وهذا جائزٌ بالاتفاق سواء سمي أجرةً أو بدل خلو ، وقياساً على البيع مقسطاً.
2- وقيل أنه لا يجوز لأنه لا وجه له ولا مبرر فهو أكل للمال بالباطل. وهذا مردود لأن المالك له أن يطالب بزيادة الأجرة وهذا مثلها وإن اختلفت التسمية.
2ـ الصورة الثانية: ما يأخذه المستأجر من المالك. وله حالتان:
1 ـ أن يكون بعد نهاية المدة فهذا لا حق له فيه لأنه بعد انتهاء المدة ولا يجبر المالك على أن يؤجر له أو لغيره. وأما إذا بنى المستأجر فيما استأجره أو أضاف شيئاً بإذن المالك فقال بعضهم إن كان مما ينقل فيلزمه نقله ، وإن كان ما لا ينتقل فله الرجوع عليه خاصة إذا كان مما يفقد قيمته بنقله.
2 ـالحالة الثانية: أن يكون قبل انتهاء المدة ، فالحكم فيها مبنيٌ على حكم الإقالة:
1- فقال الجمهور: الإقالة فسخ (1) والفسخ في المعاوضات المالية لا يجوز إلا بنفس العوض الذي تم التعاقد عليه سواء كانت الإقالة قبل القبض أو بعده ، وقال الحنابلة: الزيادة شرط فاسد فلا تجوز الزيادة ولا النقصان عندهم ، وبناءً على ذلك فهو محرم.
2 ـ وقال المالكية وأبو يوسف : يجوز ، لأن الإقالة بيعٌ جديد ، وبناءً عليه يجوز دفع الزيادة عن الأجرة المقبوضة نظير الفسخ .
وهذا في حال اشتراط المستأجر أما إذا وهبه المؤجر من تلقاء نفسه فيجوز لأنه تبرع ومبناه على الرضى.
3 ـ الصورة الثالثة: بدل الخلو الذي يأخذه المستأجر من المستأجر الجديد: وهذا له حالتان:
1 ـ أن يأخذه بعد نهاية المدة: فلا يجوز لأنه يكون تصرفاً في ملك الغير ولا حق له في التصرف إلا بإذنه المالك .
2- قبل نهاية المدة: فأفتى اللقاني بالجواز وأنه يورث وتبعه كثير من علماء المالكية كالشيخ عليش والشيخ الزرقاني والحموي في شرح الأشباه.
واختار هذا القول ابن عابدين من الحنفية . وبعض الحنابلة وقالوا كما في مطالب أولي النهى: ولا تصح إجارة الخلو ولكن يصح بيعه وهبته ووفاء الدين منه. (2).
وقيل بالتحريم ، وهو قول بعض العلماء المعاصرين.
أدلة القائلين بالجواز:
أ-عملاً بالعادة والعرف الذي لا يتعارض مع الشرع والقاعدة تقول (العادة محكمة).
ب ـ أن الخلو المذكور هو من ملك المنفعة لا ملك الانتفاع (1) إذ مالك الانتفاع ينتفع بنفسه ولا يؤجر ولا يهب ولا يعير ، ومالك المنفعة له تلك الثلاثة مع انتفاعه بنفسه ، ولما كان الخلو من ملك المنفعة فله تلك الثلاثة مع انتفاعه بنفسه ، وله أن يستوفي المنفعة بنفسه أو بغيره ، وله أن يتنازل عنها بعوضٍ أو بغير عوض.
ج ـ وجود الحاجة الماسة إلى ذلك ففي القول بالجواز دفعٌ للحرج وقد أفتى الحنفية بجواز النزول عن الوظائف كالإمامة والخطابة والأذان ونحوها استناداً إلى الضرورة وتعارف الناس وهذه مثلها لأن كلاً منها مجرد إسقاط للحق ، وقياساً على إسقاط الضرة حقها لصاحبتها ، وقياساً على جواز عزل المتولي للأوقاف نفسه عند القاضي.
ونوقش بأن المقيس عليها مختلفٌ فيها.
2ـ أدلة القائلين بالتحريم :
أ- أن المستأجر ليس له الحق في أن يؤجر إلا بإذن المالك لأنه يؤدي إلى منع المالك من التصرف في ماله.
ونوقش بأنه لا يترتب على الخلو منع المالك من التصرف لأنه أجر برضاه والمستأجر يتصرف في بدل الخلو في مدة الإجارة .
ب- واستدلوا أيضاً بأنه ليس له أن يؤجر بأكثر مما استأجر .
ونوقش بأن هذه المسألة فيها خلاف والصحيح فيها الجواز وهو قول الشافعي والجمهور وهو الصحيح عند الحنابلة ، لأنه ملك المنفعة والمنافع لها أحكام الأعيان . وقال الحنفية ورواية عند الحنابلة: لا يجوز بأكثر إلا أن يكون أصلح فيها بناء أو زاد فيها شيئاً لأن المنافع لاتدخل في ضمان المستأجر ولو قبض العين المؤجرة بدليل أنها لو انهدمت لم تلزمه الأجرة ، فتكون الزيادة ربحٌ حدث لا مع ضمانه وقد نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن ربح مالم يضمن ، كبيع المكيل والموزون قبل قبضه لأن المنافع ليست من ضمان المستأجر . وأجيب بأنه قياس مع الفارق لأن قبض العين قام مقام قبض المنافع.
الخلاصة والترجيح: الراجح والله أعلم فيما يأخذه المالك الجواز إذا كان عرف الناس على ذلك ويعتبر جزء من الأجرة وإن سمي بغير اسمها.
4 ـ الصورة الرابعة: الخلو في الوقف:
سبب الخلاف في هذه الصورة لأن بدل الخلو يعتبر بيعاً ، ولذلك فقد ضيق القائلون بجوازه في إجرائه في الوقف بحيث يقتصر على أحوال الضرورة في حدودها بشروط ومنها: أن يكون ذلك في صالح الوقف ، وأن تكون المدة التي يستحق فيها المستأجر المنفعة محدودة ، وأن تعرف نسبة كل من الطرفين من المنفعة. وبدل الخلو في الوقف يكون حينما يقوم المستأجر بعمارة الوقف أو إصلاحه بحيث يكون ريع الوقف أو منفعته مشتركة بين المستأجر وبين مصرف الوقف ، وقد اختلفت فيه أقوال العلماء :
1 ـ فقال أكثر المالكية وبعض الحنفية والشافعية والحنابلة بجوز لما يلي :
أ- أنه قد تعارف الناس على جواز التصرف في الخلو وأنه حق ثابت لصاحبه واعتادوا عليه والعادة محكمة.
ونوقش هذا الدليل بأن العبرة بالعرف العام والعرف هنا عرف خاص.
ب ـ أنه لمصلحة الوقف ومن باب الضرورة فيجوز قياساً على بيع الوفاء (وبيع الوفاء هو: أن يبيع شخص عيناً لشخص آخر بمبلغ ما على أنه متى مارد المبلغ رد عليه تلك العين).
ونوقش هذا الدليل بأن بيع الوفاء مختلف فيه فلا يقاس عليه.
ج ـ أنه لا مخالفة فيه لنصٍ شرعي فيبقى على أصل الإباحة.
2ـ القول الثاني: وهو لبعض الحنفية أنه لا يجوز واستدلوا بما يلي:
أ ـ أنه يكون سلفاً جر نفعاً. ونوقش بأنه من باب المعاوضة لا من باب السلف .
ب ـ أنه محتوٍ على جهالةٍ وغرر لأن المال في مقابلة منفعة مجهولة وقد يؤدي إلى أن يكون دافع المال متصرفاً في الوقف إلى الممات ، فمدة المنفعة مجهولة.
ونوقش بأنه للخروج من ذلك فيشترط تحديد المنفعة والمدة.
ج ـ أن المتصرف هنا متصرفٌ لغيره وعمله منوطٌ بمصلحة الوقف فهو لا يملك إتلافه ولا تعطيله.
ونوقش بأن التصرف هنا لمصلحة الوقف لأنه لعمارته أو إصلاحه وإذا لم يكن هناك مصلحة فلا يجوز.
الترجيح: الراجح فيه والله أعلم الجواز لما فيه من المصلحة ولأن الأصل الإباحة ولكن بشروط : 1 ـ أن يصرف المبلغ في مصلحة الوقف وبالوجه الشرعي . 2 ـ ألا يكون للوقف ريعٌ يعمر منه فإن كان فلا حاجة للخلو. 3 ـ ألا تقل أجرة الوقف عن أجرة المثل.
وقد أصدر مجمع الفقه قراراً برقم (6) دع /08/88 جاء فيه:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18 ـ 22 جمادى الآخرة 1408هـ الموافق 1988م بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية الواردة إلى المجمع بخصوص (بدل الخلو) وبناء عليه قرر ما يلي :
أولاً: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع هي:
1 ـ أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد.
2 ـ أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
3 ـ أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد ، في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهاءها.
4 ـ أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كلٍ من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة أو بعد انتهائها.
ثانياً: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغاً مقطوعاً زائد عن الأجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلاد خلواً) فلا مانع شرعاً من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءاً من أجرة المدة المتفق عليها ، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.
ثالثاً: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغاً مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة فإن بدل الخلو هذا جائز شرعاً ، لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.
أما إذا انقضت مدة الإجارة ، ولم يتجدد العقد صراحةً أو ضمناً عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له ، فلا يحل بدل الخلو لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.
رابعاً: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغٍ زائد عن الأجرة الدورية ، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعاً ، مع مراعاة مقتضى عقد الإجازة المبرم بين المالك والمستأجر الأول ، ومراعاة ما تقتضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية.
على أنه في الإجارات الطويلة المدة خلافاً لنص عقد الإجارة طبقاً لما تسوغه بعض القوانين لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجرٍ آخر ، ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك.
أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو ، لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين.
وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
المراجع:
1- مجلة مجمع الفقه الإسلامي. العدد (4) الجزء (3) ص2172.
2- مجلة البحوث الإسلامية عدد 16.
3- الموسوعة الفقهية التابعة لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية ج19 ص 276.
4- بدل الخلو في الفقه الإسلامي ، للدكتور/صالح بن عثمان الهليل.
5- مفيدة الحسنى في دفع الخلو بالسكنى ، للشرنبلاني.
6- المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي د / محمد عثمان شبير.
7- البيوع الشائعة وأثر ضوابط المبيع على شرعيتها د/ محمد توفيق البوطي.
8- دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة د/ محمد الأمين مصطفى الشنقيطي.
1 ـ تعريف بدل الخلو : كلمة خلا لها عدة معان ومنها الفراغ ، والانفراد ، والمضي قال تعالى: ( وإن من أمة إلا خلا فيها من نذير) والخلو كلمة مولدة ولعلها مأخوذة من قول العرب : أخليت المكان ، أي: جعلته خالياً ، ووجدته كذلك ، ويجمع على خلوات. فكأن تسميته بالخلو مأخوذة من تخليه عما تحت يده إلى الغير.
واصطلاحاً عرفه الأجهوري بأنه : اسم لما يملكه دافع الدراهم من المنفعة التي دفع الدراهم في مقابلتها . وعرف الشيخ الزحيلي بدل الخلو فقال: مبلغ من المال يدفعه الشخص نظير تنازل المنتفع بعقار عن حقه في الانتفاع به.
وله تسميات وأنواع قد تختلف بعض الشيء فقد يسمى الجلسة ، وخلو الحوانيت ، والإنزال ، والتقبيل ، والفروغية ، ونقل القدم أو نقل الرجل .
والجلسة هي: كراء حانوت لمن يضع فيه أدواته فيقدم على غيره وإذا بدا له الخروج ، وتخلى عنها لغيره أخذ منه بدلاً عن ذلك. وخلو الحوانيت مثل خلو الجلسة إلا أن صاحب الخلو فيها يكون شريكاً للمالك. وأما الإنزال فيكون في الأرض.
2 ـ الألفاظ ذات الصلة به :
(الحكورات ـ الكدك –مشد المسكة – المُرصد) .
1ـ الحكورات: جمع حِكر والمراد به ما يدفع للوقف نظير البناء أو الغرس أو الزراعة به وذلك كل سنة وهو أجرة تصرف لمستحقي ذلك الوقف.
2- الكدك أو الجدك: وهي أن يضع المستأجر في الحانوت أشياء متصلة أو منفصلة فيكون أحق بها من غيره بأجرة المثل .
3- مشد المسكة والمراد بها: استحقاق الزراعة في أرض الغير .
4- والمرُْصد وهي: أن يقوم مستأجر الوقف بعمارته ويستوفي حقه من مال الوقف أو باقتطاعه من أجرة الوقف. وهذه الأشياء بينها وبين الخلو تقارب وبعض الاختلاف .
3-نشأة الحديث عن بدل الخلو:
في عهد السلطان الغوري بنى دكاكين واشترط على من يكتريها أن يدفع له قيمة جملية تعطيه حق البقاء فيها. وذكر المحقق البناني أن المتأخرين من شيوخ فاس أفتوا في الجلسة وهي شبيهة بالخلو. وقد أفتى العلامة خليل المتوفي سنة 776هـ في الحكر المؤبد فقال بوجوب الشفعة في الأحكار قياساً للمستأجر على مالك الأرض. وأفتى ناصر الدين اللقاني المالكي المتوفي سنة 958هـ بأن الخلو يورث. وللبدر القرافي المتوفي سنة ثمان وألف للهجرة كتاب (الدرة المنيفة في الفراغ عن الوظيفة). كان هذا في الأزمان السابقة ولكن بدل الخلو لم يكن فيها منتشراً ، ثم لما ألزمت القوانين الوضعية في بعض الدول بعدم إخراج المستأجرين مهما طالت المدة فتضرر الملاك بذلك إذ أصبحت الأجرة زهيدةً بمرور الزمن فصار الملاك يطالبون ببدل الخلو دفعاً للضرر المتوقع ، ثم تبعهم المستأجرون في ذلك وارتفعت الأسعار تبعاً للموقع ، ثم راجت الفكرة وانتشرت بسبب الازدهار الاقتصادي وارتفاع الأجور وتعويضاً لما قد يحدثه المستأجر في دكانه فيطالب المستأجر الجديد ببدل الخلو. وأما في الوقف فقد يكون سببه الرغبة في بنائه على أن يحتسب ما ينفقه المستأجر من الخلو.
4-صور بدل الخلو :
1 ـ أن يأخذه المالك وناظر الوقف من المستأجر عند العقد.
3 ـ أن يأخذ المستأجر بدل الخلو من مستأجر آخر.
2 ـ أن يأخذه المستأجر من المالك قبل نهاية المدة.
4 ـ أن يأخذه مستأجر الوقف من شخص آخر.
5 ـ تكييف بدل الخلو:
ما يأخذه المالك ( أو ناظر الوقف) يكيف على أنه من باب تجزئة الأجرة أي تقسيمها إلى معجلٍ ومؤجل.
وما يأخذه المستأجر من مستأجرٍ آخر سواء كان الملك شخصياً أو وقفاً ( وهو ما يسمى بالحكر) فهذا مبني على ما يملكه المستأجر من العين المؤجرة هل هو المنفعة أو الانتفاع وهل له أن يستوفي المنفعة بغيره وأن يتنازل عن الاختصاص.
وأما ما يأخذه المستأجر من مالك العقار إذا طالبه المالك بالإخلاء قبل نهاية المدة فهذا مبني على الإقالة وهل هي فسخ أم بيعٌ جديد.
6- الحكم الشرعي:
1-حكم الصورة الأولى: أخذ المالك أو ناظر الوقف بدل الخلو من المستأجر:
اختلفت أنظار العلماء في هذه المسألة:
1- فقيل ما يأخذه المالك جائز لأنه ماله فله أن يؤجره كما يشاء ، فيكون ما يأخذه جزء من الأجرة قسم إلى معجلٍ ومؤجل وهذا جائزٌ بالاتفاق سواء سمي أجرةً أو بدل خلو ، وقياساً على البيع مقسطاً.
2- وقيل أنه لا يجوز لأنه لا وجه له ولا مبرر فهو أكل للمال بالباطل. وهذا مردود لأن المالك له أن يطالب بزيادة الأجرة وهذا مثلها وإن اختلفت التسمية.
2ـ الصورة الثانية: ما يأخذه المستأجر من المالك. وله حالتان:
1 ـ أن يكون بعد نهاية المدة فهذا لا حق له فيه لأنه بعد انتهاء المدة ولا يجبر المالك على أن يؤجر له أو لغيره. وأما إذا بنى المستأجر فيما استأجره أو أضاف شيئاً بإذن المالك فقال بعضهم إن كان مما ينقل فيلزمه نقله ، وإن كان ما لا ينتقل فله الرجوع عليه خاصة إذا كان مما يفقد قيمته بنقله.
2 ـالحالة الثانية: أن يكون قبل انتهاء المدة ، فالحكم فيها مبنيٌ على حكم الإقالة:
1- فقال الجمهور: الإقالة فسخ (1) والفسخ في المعاوضات المالية لا يجوز إلا بنفس العوض الذي تم التعاقد عليه سواء كانت الإقالة قبل القبض أو بعده ، وقال الحنابلة: الزيادة شرط فاسد فلا تجوز الزيادة ولا النقصان عندهم ، وبناءً على ذلك فهو محرم.
2 ـ وقال المالكية وأبو يوسف : يجوز ، لأن الإقالة بيعٌ جديد ، وبناءً عليه يجوز دفع الزيادة عن الأجرة المقبوضة نظير الفسخ .
وهذا في حال اشتراط المستأجر أما إذا وهبه المؤجر من تلقاء نفسه فيجوز لأنه تبرع ومبناه على الرضى.
3 ـ الصورة الثالثة: بدل الخلو الذي يأخذه المستأجر من المستأجر الجديد: وهذا له حالتان:
1 ـ أن يأخذه بعد نهاية المدة: فلا يجوز لأنه يكون تصرفاً في ملك الغير ولا حق له في التصرف إلا بإذنه المالك .
2- قبل نهاية المدة: فأفتى اللقاني بالجواز وأنه يورث وتبعه كثير من علماء المالكية كالشيخ عليش والشيخ الزرقاني والحموي في شرح الأشباه.
واختار هذا القول ابن عابدين من الحنفية . وبعض الحنابلة وقالوا كما في مطالب أولي النهى: ولا تصح إجارة الخلو ولكن يصح بيعه وهبته ووفاء الدين منه. (2).
وقيل بالتحريم ، وهو قول بعض العلماء المعاصرين.
أدلة القائلين بالجواز:
أ-عملاً بالعادة والعرف الذي لا يتعارض مع الشرع والقاعدة تقول (العادة محكمة).
ب ـ أن الخلو المذكور هو من ملك المنفعة لا ملك الانتفاع (1) إذ مالك الانتفاع ينتفع بنفسه ولا يؤجر ولا يهب ولا يعير ، ومالك المنفعة له تلك الثلاثة مع انتفاعه بنفسه ، ولما كان الخلو من ملك المنفعة فله تلك الثلاثة مع انتفاعه بنفسه ، وله أن يستوفي المنفعة بنفسه أو بغيره ، وله أن يتنازل عنها بعوضٍ أو بغير عوض.
ج ـ وجود الحاجة الماسة إلى ذلك ففي القول بالجواز دفعٌ للحرج وقد أفتى الحنفية بجواز النزول عن الوظائف كالإمامة والخطابة والأذان ونحوها استناداً إلى الضرورة وتعارف الناس وهذه مثلها لأن كلاً منها مجرد إسقاط للحق ، وقياساً على إسقاط الضرة حقها لصاحبتها ، وقياساً على جواز عزل المتولي للأوقاف نفسه عند القاضي.
ونوقش بأن المقيس عليها مختلفٌ فيها.
2ـ أدلة القائلين بالتحريم :
أ- أن المستأجر ليس له الحق في أن يؤجر إلا بإذن المالك لأنه يؤدي إلى منع المالك من التصرف في ماله.
ونوقش بأنه لا يترتب على الخلو منع المالك من التصرف لأنه أجر برضاه والمستأجر يتصرف في بدل الخلو في مدة الإجارة .
ب- واستدلوا أيضاً بأنه ليس له أن يؤجر بأكثر مما استأجر .
ونوقش بأن هذه المسألة فيها خلاف والصحيح فيها الجواز وهو قول الشافعي والجمهور وهو الصحيح عند الحنابلة ، لأنه ملك المنفعة والمنافع لها أحكام الأعيان . وقال الحنفية ورواية عند الحنابلة: لا يجوز بأكثر إلا أن يكون أصلح فيها بناء أو زاد فيها شيئاً لأن المنافع لاتدخل في ضمان المستأجر ولو قبض العين المؤجرة بدليل أنها لو انهدمت لم تلزمه الأجرة ، فتكون الزيادة ربحٌ حدث لا مع ضمانه وقد نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن ربح مالم يضمن ، كبيع المكيل والموزون قبل قبضه لأن المنافع ليست من ضمان المستأجر . وأجيب بأنه قياس مع الفارق لأن قبض العين قام مقام قبض المنافع.
الخلاصة والترجيح: الراجح والله أعلم فيما يأخذه المالك الجواز إذا كان عرف الناس على ذلك ويعتبر جزء من الأجرة وإن سمي بغير اسمها.
4 ـ الصورة الرابعة: الخلو في الوقف:
سبب الخلاف في هذه الصورة لأن بدل الخلو يعتبر بيعاً ، ولذلك فقد ضيق القائلون بجوازه في إجرائه في الوقف بحيث يقتصر على أحوال الضرورة في حدودها بشروط ومنها: أن يكون ذلك في صالح الوقف ، وأن تكون المدة التي يستحق فيها المستأجر المنفعة محدودة ، وأن تعرف نسبة كل من الطرفين من المنفعة. وبدل الخلو في الوقف يكون حينما يقوم المستأجر بعمارة الوقف أو إصلاحه بحيث يكون ريع الوقف أو منفعته مشتركة بين المستأجر وبين مصرف الوقف ، وقد اختلفت فيه أقوال العلماء :
1 ـ فقال أكثر المالكية وبعض الحنفية والشافعية والحنابلة بجوز لما يلي :
أ- أنه قد تعارف الناس على جواز التصرف في الخلو وأنه حق ثابت لصاحبه واعتادوا عليه والعادة محكمة.
ونوقش هذا الدليل بأن العبرة بالعرف العام والعرف هنا عرف خاص.
ب ـ أنه لمصلحة الوقف ومن باب الضرورة فيجوز قياساً على بيع الوفاء (وبيع الوفاء هو: أن يبيع شخص عيناً لشخص آخر بمبلغ ما على أنه متى مارد المبلغ رد عليه تلك العين).
ونوقش هذا الدليل بأن بيع الوفاء مختلف فيه فلا يقاس عليه.
ج ـ أنه لا مخالفة فيه لنصٍ شرعي فيبقى على أصل الإباحة.
2ـ القول الثاني: وهو لبعض الحنفية أنه لا يجوز واستدلوا بما يلي:
أ ـ أنه يكون سلفاً جر نفعاً. ونوقش بأنه من باب المعاوضة لا من باب السلف .
ب ـ أنه محتوٍ على جهالةٍ وغرر لأن المال في مقابلة منفعة مجهولة وقد يؤدي إلى أن يكون دافع المال متصرفاً في الوقف إلى الممات ، فمدة المنفعة مجهولة.
ونوقش بأنه للخروج من ذلك فيشترط تحديد المنفعة والمدة.
ج ـ أن المتصرف هنا متصرفٌ لغيره وعمله منوطٌ بمصلحة الوقف فهو لا يملك إتلافه ولا تعطيله.
ونوقش بأن التصرف هنا لمصلحة الوقف لأنه لعمارته أو إصلاحه وإذا لم يكن هناك مصلحة فلا يجوز.
الترجيح: الراجح فيه والله أعلم الجواز لما فيه من المصلحة ولأن الأصل الإباحة ولكن بشروط : 1 ـ أن يصرف المبلغ في مصلحة الوقف وبالوجه الشرعي . 2 ـ ألا يكون للوقف ريعٌ يعمر منه فإن كان فلا حاجة للخلو. 3 ـ ألا تقل أجرة الوقف عن أجرة المثل.
وقد أصدر مجمع الفقه قراراً برقم (6) دع /08/88 جاء فيه:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18 ـ 22 جمادى الآخرة 1408هـ الموافق 1988م بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية الواردة إلى المجمع بخصوص (بدل الخلو) وبناء عليه قرر ما يلي :
أولاً: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع هي:
1 ـ أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد.
2 ـ أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
3 ـ أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد ، في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهاءها.
4 ـ أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كلٍ من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة أو بعد انتهائها.
ثانياً: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغاً مقطوعاً زائد عن الأجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلاد خلواً) فلا مانع شرعاً من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءاً من أجرة المدة المتفق عليها ، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.
ثالثاً: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغاً مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة فإن بدل الخلو هذا جائز شرعاً ، لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.
أما إذا انقضت مدة الإجارة ، ولم يتجدد العقد صراحةً أو ضمناً عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له ، فلا يحل بدل الخلو لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.
رابعاً: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغٍ زائد عن الأجرة الدورية ، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعاً ، مع مراعاة مقتضى عقد الإجازة المبرم بين المالك والمستأجر الأول ، ومراعاة ما تقتضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية.
على أنه في الإجارات الطويلة المدة خلافاً لنص عقد الإجارة طبقاً لما تسوغه بعض القوانين لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجرٍ آخر ، ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك.
أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو ، لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين.
وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
المراجع:
1- مجلة مجمع الفقه الإسلامي. العدد (4) الجزء (3) ص2172.
2- مجلة البحوث الإسلامية عدد 16.
3- الموسوعة الفقهية التابعة لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية ج19 ص 276.
4- بدل الخلو في الفقه الإسلامي ، للدكتور/صالح بن عثمان الهليل.
5- مفيدة الحسنى في دفع الخلو بالسكنى ، للشرنبلاني.
6- المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي د / محمد عثمان شبير.
7- البيوع الشائعة وأثر ضوابط المبيع على شرعيتها د/ محمد توفيق البوطي.
8- دراسة شرعية لأهم العقود المالية المستحدثة د/ محمد الأمين مصطفى الشنقيطي.