سيادة القانون
08-03-2010, 07:12 PM
كان لي أحد الأساتذة ممن دّرسنيّ في مرحلة البكالوريوس ، هذا الأستاذ أحترمه لعلمه ولا أحمل له بعد كل هذه السنين إلا التقدير والاحترام ، ولكنّ أجمع زملاءه وجميع طلاب كلية الحقوق على أمرين أشتهر بهما لا يكاد يمر أسمه إلا ويقولون : إن الدكتور فُلان ، على قدر عالي من التمكن في القانون المدني ولكن يعيبه الغرور ، والحق كنت اسمع بهذه العبارة في حقه وأنا لم أدرس عنده لساعة واحدة حتى شاء الله والتقيت به في السنة الثانية من دراستي وأذكر أنه كان يدرسني وزملائي في ذلك الوقت مادة أحكام الإلتزام وهذه المادة بالرغم من كون مدة دراستها ساعة ونصف الساعة على مدار يومين في الأسبوع إلا أنها تمر مع هذا الأستاذ وكأنها طرفة عين ، لا يأتي إلى المحاضرة إلا ومعه ورقة تحمل أسماء الطلاب فقط لا كتاب ولا ملزمة ولا حتى الكود المدنيّ ،كان شديد الحفظ ، لدرجة أنه يذهل المستمع له إذ يذكر المواد وتعديلاتها بالتواريخ لا بالأرقام فقط ، كان يكثر من ضرب الأمثلة لتقريب المعلومة ، سريع البديهة يخلق من سؤال الطالب له أسئلة شتى بفرضيات متعددة ويُلبس عليها نصوص المواد إلباساً بالمقاس لا يترك للمُعقب من خلفه ثغرة يمكن له النفاذ منها ، إلا أنه ومع ذلك كله يستشيط غضباً أن سألته سؤالاً واحداً أثناء شرحه، وإن كان يخصص للأسئلة وقتاً في الجزء الأخير من المحاضرة ، وكان لا يهتم بإحراج الطلاب لا يفرق في ذلك بين ذكراً ولا أنثى ، وكنت أمقت فيه هذه الصفة ، لذا كثيراً ما أتحاشاه خوفاً من الإحراج وعلى وجه الخصوص ، عندما أتذكر موقفه مع أحد الزملاء عندما صاح في وجهه قائلاً : لماذا تتحدث بصوت منخفض وكأنك "مخنوق" –هكذا قال- ؟! ..أبنيّ من الذي أختار لك دراسة القانون والدك أم والدتك؟! أبني لقد اخترت لنفسك مكاناً غير مناسب ، غداً ستصبح قاضي أو محامي تقف أمام القضاة أو يقفون الخصوم أمامك وأنت لا تحسن الحديث بصوت مسموع لا أبد أن يكون –وأشار إلى لسانه- ثم أشار -إلى قامته- ويعني بذلك لا بد أن تكون طويل اللسان !!
كنت أقول كثيراً ما أتحاشى مواجهته ، خوفاً من إحراجي أمام الزملاء في الصف ولم يكنّ يدور في خلديّ أن أكون في مواجهته في يوم ٍ ما ،حتى شاء الله أن أكون مواجهاً له وبصوت ٍ مسموع وشديد اللهجة أيضاً ولعل حداثة سنيّ وجهليّ في مصطلحات القانون العلمية ولسمو ما أحمله من اعتبارات فطرت عليها ولله الحمد سبباً للمواجهة النارية ...كنا في أحدى المحاضرات وأقسم على صحة هذا الشعور قد حملنا ببراعته وحسن أداءه العلميّ إلى عالم آخر سُكارى وما كنا بسُكارى حتى صفعة الغرور على خده مما حدا به لصفعنا جميعاً وأفقنا من هذه الصفعة ولسان حالنا يقول " ليت أنّا لا نُفيق" لقد أفقنا على كلمة تفوه بها ، وهو في غمرة سكره العلميّ إذ قال" لو كان للقانون المدني رب فأنا رب المدني" ! يا الله يقول رب !، أستغفر الله العظيم ! ، نهضت لا شعورياً والله يشهد وقد أشرت بإصبعي نحوه قائلاً له بلهجتنا المحلية "دكتور أنت تقول رب المدني؟" قال ليّ وهو مستنكراً فعلتيّ : أبنيّ "شو فيك؟ بدك تجلس أو أخرج" –وأشار بيده إلى الباب- ، قلت له : لا بل أخرج ، حملت ملازميّ وخرجت أتحسب عليه وعند اقترابي إلى باب الخروج من القاعة سألني عن أسميّ؟! فأجبته ، وخرجت ولا أعلم إلى أين اذهب ؟ هل أذهب إلى عميد الكلية وأخبره بجريمة هذا الرجل في حق الذات الإلهية؟ أم ماذا ؟ ..لا أعلم من الأمر شيء سوى أنني والله يشهد أخشى أن يسقط سقف الكلية على رؤوس من فيه لدرجة أنني وبدافع الخوف خرجت من مبنى الكلية إلى "كافيه" قريب منها وبداخل الحرم الجامعي يعرف " بالسكوير" وأنا أتحسب على الأستاذ واتلوا قول الله تعالى" ربنا لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا" وبعد أن التقطت الأنفاس عدت إلى الكلية مجبراً لمحاضرة أخرى وأنا لازلت استشعر عظم الموقف وخوف سوء العاقبة بسببه حتى التقيت بأحد الزملاء والذي أخبرني بأنه عند خروجك من القاعة نعتك الدكتور بالمجنون وسأل من الذي يعرف عن حاله ؟ ولم يجبه أحد منا فقد كان غاضباً من تصرفك ولكنه حملنا جميعاً رسالة بأن عليك مراجعته في مكتبه ، شكرت زميليّ على هذا الخبر السيئ وجلست مع نفسي في حوار متبادل ، لن أذهب إلى مكتبه بل سأذهب إلى عميد الكلية وأخبره ، لا بل سوف أذهب إلى مكتبه خوفاً من إحراجي أمام الطلبة في المحاضرة القادمة ، وبين هذي وتلك قررت الذهاب إلى مكتبه بهدف الخلاص من شر إحراجه ، وقبل أن أهم بالدخول إليه لمحت أمامه طالبين يحادثانه وهو على كرسيه ، أردت أن أعود أدراجيّ حتى ينتهيا منه ، فإذا به قد لمحني دون أن أشعر فناداني بصوت مرتفع قائلاً : فلان تعال وقفت أمامه وقد أشار للطالبين و-الحمد لله- بالخروج ، حتى أنه قام ليتبعهما وأغلق الباب ، قلت في نفسيّ : اللهم اكفني شره بما شئت ، ويشهد الله دار في خلديّ أننا سندخل في عراك بالأيدي ، عاد إلى كرسيه وجلس ، وطلب مني الجلوس ، قال لي : هل أنت تشرب ؟ قلت له أشرب ماذا ؟ قال خمرة ؟ قلت له مستغرباً : خمرة ؟! أنا أشرب خمرة ؟ّ! لا ولله الحمد ولماذا تسأل ؟ قال لي : هل تتعاطى حبوب نفسية ؟ قلت له ولا أتعاطى الحبوب النفسية ؟ قال ليّ إذاً ما لذي حملك على أن تتصرف كالمجانين ؟ قلت له أنت ؟ قال أنا : كيف ؟ قلت أنت تدعي أنك إله وتصف نفسك بالرب ؟ ولا أعلم أحد من البشرية سبقك إلى هذا سوى فرعون ، أجابني وقد قدم أجابته بضحكة مدوية يعزف الغرور بكل أنواعه على مقاماتها !! ، أبنيّ ..هل سبق ودرست قانون العمل ؟ قلت له لا ، قال ليّ وهل سبق لك وأن أخذت قانون الأحوال الشخصية ؟ قلت له لا ، قال أبنيّ عندما قلت رب المدنيّ فأنا أعني بكلمة رب أي السيد أو المتصرف أو الصاحب ، عليك أن تعود إلى شراح قانون العمل ستجد عبارة رب العمل وعليك العودة إلى شراح قانون الأحوال الشخصية وستجد رب الأسرة ، وأستطرد قائلاً تمنيت أبني أن تكون في مركز المجنون ولا أن تكون في مركز الجاهل ..لا تكرر ما فعلته مرة أخرى ولا تتصرف كالمجانين ..لم أجد من الكلمات ما استطيع النطق بها ، لقد شلّ لسانيّ وعجزت عن الرد حتى بالأسف ،لا أملك سوى النظرات الحائرة في وجهه حتى طلب مني الانصراف ويشهد الله اجتزت المادة عنده ولم أخاطبه ولم يخاطبنيّ طوال عمر الفصل الدراسي حتى أخذت عنده مادة عقود مسماة فيما بعد وهو يحفظ لي هذا الموقف كما أنني احفظه له ولم نتطرق إليه بأي حال من الأحوال.
كنت أقول كثيراً ما أتحاشى مواجهته ، خوفاً من إحراجي أمام الزملاء في الصف ولم يكنّ يدور في خلديّ أن أكون في مواجهته في يوم ٍ ما ،حتى شاء الله أن أكون مواجهاً له وبصوت ٍ مسموع وشديد اللهجة أيضاً ولعل حداثة سنيّ وجهليّ في مصطلحات القانون العلمية ولسمو ما أحمله من اعتبارات فطرت عليها ولله الحمد سبباً للمواجهة النارية ...كنا في أحدى المحاضرات وأقسم على صحة هذا الشعور قد حملنا ببراعته وحسن أداءه العلميّ إلى عالم آخر سُكارى وما كنا بسُكارى حتى صفعة الغرور على خده مما حدا به لصفعنا جميعاً وأفقنا من هذه الصفعة ولسان حالنا يقول " ليت أنّا لا نُفيق" لقد أفقنا على كلمة تفوه بها ، وهو في غمرة سكره العلميّ إذ قال" لو كان للقانون المدني رب فأنا رب المدني" ! يا الله يقول رب !، أستغفر الله العظيم ! ، نهضت لا شعورياً والله يشهد وقد أشرت بإصبعي نحوه قائلاً له بلهجتنا المحلية "دكتور أنت تقول رب المدني؟" قال ليّ وهو مستنكراً فعلتيّ : أبنيّ "شو فيك؟ بدك تجلس أو أخرج" –وأشار بيده إلى الباب- ، قلت له : لا بل أخرج ، حملت ملازميّ وخرجت أتحسب عليه وعند اقترابي إلى باب الخروج من القاعة سألني عن أسميّ؟! فأجبته ، وخرجت ولا أعلم إلى أين اذهب ؟ هل أذهب إلى عميد الكلية وأخبره بجريمة هذا الرجل في حق الذات الإلهية؟ أم ماذا ؟ ..لا أعلم من الأمر شيء سوى أنني والله يشهد أخشى أن يسقط سقف الكلية على رؤوس من فيه لدرجة أنني وبدافع الخوف خرجت من مبنى الكلية إلى "كافيه" قريب منها وبداخل الحرم الجامعي يعرف " بالسكوير" وأنا أتحسب على الأستاذ واتلوا قول الله تعالى" ربنا لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا" وبعد أن التقطت الأنفاس عدت إلى الكلية مجبراً لمحاضرة أخرى وأنا لازلت استشعر عظم الموقف وخوف سوء العاقبة بسببه حتى التقيت بأحد الزملاء والذي أخبرني بأنه عند خروجك من القاعة نعتك الدكتور بالمجنون وسأل من الذي يعرف عن حاله ؟ ولم يجبه أحد منا فقد كان غاضباً من تصرفك ولكنه حملنا جميعاً رسالة بأن عليك مراجعته في مكتبه ، شكرت زميليّ على هذا الخبر السيئ وجلست مع نفسي في حوار متبادل ، لن أذهب إلى مكتبه بل سأذهب إلى عميد الكلية وأخبره ، لا بل سوف أذهب إلى مكتبه خوفاً من إحراجي أمام الطلبة في المحاضرة القادمة ، وبين هذي وتلك قررت الذهاب إلى مكتبه بهدف الخلاص من شر إحراجه ، وقبل أن أهم بالدخول إليه لمحت أمامه طالبين يحادثانه وهو على كرسيه ، أردت أن أعود أدراجيّ حتى ينتهيا منه ، فإذا به قد لمحني دون أن أشعر فناداني بصوت مرتفع قائلاً : فلان تعال وقفت أمامه وقد أشار للطالبين و-الحمد لله- بالخروج ، حتى أنه قام ليتبعهما وأغلق الباب ، قلت في نفسيّ : اللهم اكفني شره بما شئت ، ويشهد الله دار في خلديّ أننا سندخل في عراك بالأيدي ، عاد إلى كرسيه وجلس ، وطلب مني الجلوس ، قال لي : هل أنت تشرب ؟ قلت له أشرب ماذا ؟ قال خمرة ؟ قلت له مستغرباً : خمرة ؟! أنا أشرب خمرة ؟ّ! لا ولله الحمد ولماذا تسأل ؟ قال لي : هل تتعاطى حبوب نفسية ؟ قلت له ولا أتعاطى الحبوب النفسية ؟ قال ليّ إذاً ما لذي حملك على أن تتصرف كالمجانين ؟ قلت له أنت ؟ قال أنا : كيف ؟ قلت أنت تدعي أنك إله وتصف نفسك بالرب ؟ ولا أعلم أحد من البشرية سبقك إلى هذا سوى فرعون ، أجابني وقد قدم أجابته بضحكة مدوية يعزف الغرور بكل أنواعه على مقاماتها !! ، أبنيّ ..هل سبق ودرست قانون العمل ؟ قلت له لا ، قال ليّ وهل سبق لك وأن أخذت قانون الأحوال الشخصية ؟ قلت له لا ، قال أبنيّ عندما قلت رب المدنيّ فأنا أعني بكلمة رب أي السيد أو المتصرف أو الصاحب ، عليك أن تعود إلى شراح قانون العمل ستجد عبارة رب العمل وعليك العودة إلى شراح قانون الأحوال الشخصية وستجد رب الأسرة ، وأستطرد قائلاً تمنيت أبني أن تكون في مركز المجنون ولا أن تكون في مركز الجاهل ..لا تكرر ما فعلته مرة أخرى ولا تتصرف كالمجانين ..لم أجد من الكلمات ما استطيع النطق بها ، لقد شلّ لسانيّ وعجزت عن الرد حتى بالأسف ،لا أملك سوى النظرات الحائرة في وجهه حتى طلب مني الانصراف ويشهد الله اجتزت المادة عنده ولم أخاطبه ولم يخاطبنيّ طوال عمر الفصل الدراسي حتى أخذت عنده مادة عقود مسماة فيما بعد وهو يحفظ لي هذا الموقف كما أنني احفظه له ولم نتطرق إليه بأي حال من الأحوال.