طارق محمد اسماعيل
24-10-2017, 09:59 AM
يشترط للتنفيذ على المال بطريق الحجز ونزع الملكية توفر الشروط الآتيـة ( ) :
أولاً – أن يكـون محل التنفيـذ حقاً مالياً . سواءً أكانت الحقوق المالية عينيةً أم شخصية ( )، فلا يجوز التنفيذ على ما عداها كالحقوق الأدبية مثل حق المؤلف ، فلا يُلزم المؤلف بنشر مؤلَّفه أو إعادة نشره ، ولكن إذا تم نشر المؤلَّف فإنه يجوز التنفيذ على النُّسخ التي تم نشرها ، وكذلك لا يجوز التنفيذ على الشهادات والأوسمة والتذكارات العائلية وأوراق المدين وكذلك رسائله .
ثانياً – أن يكون محل التنفيذ حقاً للمدين . أي أن يكون الحق المراد التنفيذ عليه مالاً مملوكاً للمسؤول عن الدين أي المدين أو الكفيل الشخصي عند بدء التنفيذ ؛ إذ أن التنفيذ على مال الغير يمثل اعتداءً على حق الغير فيكون الحجز باطلاً . وبناءً على ذلك لا يجوز التنفيذ على مالٍ تصرَّف فيه المدين تصرفاً نافذاً قبل الحجز عليه ، كما لا يجوز التنفيذ على مال الشركة استيفاءً لِدينٍ على الشريك ولو كـان شريكاً متضامناً ؛ إذ أن مـن قـواعد الفقه الرومانـي أن ( كيان الشركة شيء وكيان كلّ شريك شيء آخر)( )، ولكن يجوز التنفيذ على مال الشريك المتضامن استيفاءً لدينٍ على الشركة( ).
ثالثاً – أن يكون الحق المالي مما يمكن التصرف فيه . يهدف التنفيذ بالحجز إلى بيع الأموال المحجوزة بالمزاد استيفاءً لحق الدائن من حصيلة هذا البيع ، وإذا كانت القاعدة أن ملكية المال تشمل سلطة التصرف فيه فإن النظم الوضعية قد تمنع مالكه من التصرف فيه لأسباب مختلفة يرجع بعضها لطبيعة المال كحق السُّكْنَى وكالعقار الموقوف ، أو حمايةً لمصلحةٍ عامةٍ أو خاصةٍ ، أو بناءً على شرط إرادي كشرط الموصي عدم التصرف في الموصى به ، وفي هذه الأحوال لا يجوز التنفيذ على هذا المال عن طريق الحجز ونزع الملكية ؛ لأنه إذا امتنع على المدين أن يبيع المال الذي يملكه ، فمن باب أولى امتناع ذلك على القضاء الذي يقوم مقام المدين في مباشرة سلطة التصرف عن طريق البيع القضائي .
رابعاً – أن تكون الأموال مما يجوز الحجز عليها : هناك بعض الأموال التي لا تجيز النظم الوضعية الحجز عليها رغم إمكان التصرف فيها ؛ وذلك مراعاةً لاعتباراتٍ معينة ، ويقع باطلاً أي حجز يوقع عليها سواءً أكان تنفيذياً أم تحفظياً، والأصل – كما أشرت سابقاً – هو قابلية جميع الأموال المملوكــة للمــدين للتـنـفـيـذ عـلـيـهـا ؛ لأنـهـا كـلَّهـا ضـامـنـة لديونه ، ومن قواعد الفقه الرومانـي أن ( الديون مضمونة بعموم المال لا ببعض أعيانه )( ). فعدم جواز الحجز يَردُ استثناءً من القاعدة العامة؛ ولهذا يقع عبء الإثبات على من يدَّعي عدم جواز الحجز،ولا يكلَّف الدائن بإثبات صلاحية الأموال لحجزها والتنفيذ عليها.
هذا ويمكن تقسيم الأموال التي لا يجوز الحجز عليها في النظم الوضعية إلى عدة أقسام تبعاً لثلاثة اعتباراتٍ هي :
1 – الإطلاق : وتنقسـم حالات عدم جواز الحجز على الأموال بهذا الاعتبار إلى قسمين :
أ – عدمُ جوازٍ مطلقٍ إذا كان لا يمكن الحجز على المال اقتضاءً لأيِّ حقٍ كان.
ب – عدم جوازٍ نسبيٍ . إذا كان يمكن الحجز على المال اقتضاءً لحقوق مُعيَّنة ، فبالنسبة لهذه الحقوق يعتبر المال مما يجوز الحجز عليه.
2 – الكُلِّيةُ وتنقسم حالات عدم جواز الحجز على الأموال بهذا الاعتبار إلى قسمين أيضـاً :
أ – عدم جواز كُلِّي . إذا كان لا يمكن الحجز على أي جزء من المال.
ب – عدم جواز جزئي. إذا كان عدم جواز الحجز لا يلحق كل المال. والمعتاد أن يكون عدم جواز الحجز الجزئي نسبياً ، أي يمكن الحجز على جزء من المال اقتضاءً لبعض الحقوق دون غيرها.
3 – العِلَّة : وتنقسم حالات عدم جواز الحجز على الأموال باعتبار سبب تقريرها إلى أربعة أقسام هي :
أ – حالات ترجع إلى طبيعة المال أو الغرض منه .
كالاختراع قبل صدور براءة به ، وكالمال المخصص لغرض النفقة .
ب – حالات ترجع إلى الرغبة في احترام إرادة المتبرع بمال معيَّن .
كالمال الموهوب الذي اشترط واهبه عدم التصرف فيه ضماناً لبقاء غلَّته.
جـ – حالات ترجع إلى الرغبة في رعاية المدين وأسرته .
كالغذاء والثياب التي تلزم المدين وأسرته ، وكذلك ما يلزم لمهنة المدين.
د – حالات ترجع إلى اعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة .
كالأموال اللازمة لسير المرفق العام ( ) .
وهذه الحالات توجد في نظام المرافعات وفي نظم أخرى متفرقة ، وحصرها لا يدخل في نطاق هذا البحث .
وقد أشارت ( المادة 570 تجارية سعودي ) و ( المادة 427 إجراءات إماراتـي ) و ( المواد 249 – 251 مرافعات بحريني ) و ( المواد 387 – 392 مرافعات قطري ) و ( المادة 216 مرافعات كويتي ) و ( المواد 305-309 مرافعات مصري ) إلى أهم هذه الحالات .
وإذا كان تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية السعودي لم يتعرض لهذه المسألة فإن نظام المرافعات السعودي ولوائحه قد أشارت في ( المادة 217 ) من النظام و( المادتين 217/4 و 217/7 ) من اللوائح إلى أنه قبل بيع أموال المحكوم عليه يقوم القاضي بتحديد ما تدعو الحاجة إلى تركه للمحجوز عليه من المنقول والعقار مثل مسكنه ومركبه المعتاد , كما يجوز الحجز على مال المدين من راتب أو مخصصات بعد تقدير الكفاية له من نفقة ونحوها .
موقف الشريعة الإسلامية من شروط التنفيذ على المال بطريق الحجز ونزع الملكية :
إن التنفيذ بهذا الطريق أقرب موضوع له عند الفقهاء هو الحجر والتفليس . ومن المُسلَّم به أنه لابُد أن يكون هذا المال حقاً للمدين ويمكن التصرف فيه وأن يكون مما يجوز الحجر فيه ، وهذا ما تُعبِّر عنه النظم الوضعية بأن يكون مما يجوز الحجز عليه. وقد يكون عدم جواز الحجر مطلقاً أو نسبياً كما قد يكون كلياً أو جزئياً ، ولابد من التنبيه هنا إلى أنه إذا أحاط الدين بمال المدين ، وطلب الغرماء الحجر عليه ، وجب على الحاكم تفليسه عند المالكية والشافعية والحنابلة وصاحبي أبي حنيفة وهو المفتى به عند الحنفية ، ولم يخالف في ذلك سوى الإمام أبي حنيفة فقال : إنه لا يُفَلَّس ؛ لأنه كامل الأهلية وفي الحجر عليه إهدار لآدميته ، إلا أن الحاكم يجبره على البيع إذا لم يمكن الإيفاء بدون إجبـار ( ).
وقد ذكرت قريباً حالات عدم جواز الحجز على الأموال في النظم الوضعية ، وأنها تنقسم باعتبار سبب تقريرها إلى أربعة أقسام وضربت عليها بعض الأمثلة.
وفيما يلي بيان موقف الشريعة من كل قسم بإيجاز من خلال تلك الأمثلة .
موقف الشريعة الإسلامية من حالات عدم جواز الحجز على الأموال باعتبار سبب تقريرها :
أ – حالات ترجع إلى طبيعة المال أو الغرض منه.
ومن أمثلة ذلك : الاختراع قبل صدور براءته ، وقد علَّل شُرَّاح النظم الوضعية عدم جواز الحجز عليه بأن المخترع قد يرى عدم الإعلان عن اختراعه فينتج عن الحجز على هذا الاختراع وبيعه إساءةٌ لسمعة المخترع ( ) .
وأرى تكليف اثنين من أهل الخبرة لمعاينة الاختراع وفحصه ، فإن كان صالحاً للانتفاع منه فإنه يتم تسجيل براءته ومن ثم حجزه وبيعه . وليس في ذلك إساءةٌ لسمعة المخترع وإنما فيه إشهار له وحفظ لحقه وحقوق غرمائه .
وإنما قلت ذلك تخريجاً على ما ذكره الحنابلة من أن المفلس المحترف يُجبَر على الكسب وإيجار نفسه فيما يليق به من الصنائع ؛ محتجين بأن المنافع تجري مجرى الأعيان في صحة العقد عليها ، فأجبر على العقد عليها ، كما يباع ما له رغماً عنـه ( ) .
ومن الأمثلة أيضاً : المال المخصص لغرض النفقة على أقارب المدين ممن هم خارج أسرته .
والنظم الوضعية قد خالفت في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور الفقهاء الذين يرون عدم وجوب النفقة على المدين في هذه الحالة ما دام معسراً ، وبالتالي يجوز الحجز على هذا المال ( ) .
ب – حالات ترجع إلى الرغبة في احترام إرادة المتبرع بمال معين .
ومن أمثلة ذلك : المال الموهوب الذي اشترط واهبه عدم التصرف فيه؛ ضماناً لبقاء غلَّته .
الأصل في الشريعة الإسلامية أن الهبة تمليك للعين الموهوبة ( )، وبناءً على ذلك لا يكون من حق الواهب اشتراط عدم التصرف فيها ؛ ومن هذا المنطلق يمكن حجزها وبيعها. إلا أنه قد توجد قرينة تجعل المقصود من الهبة مجرد تمليك المنافع دون العين ، كالعُمرى والرُقبى ( ) عند بعض الفقهاء ( ). وفي هذه الحالة تعتبر من باب العارية ، فلا يمكن حجزها وبيعها حتى ولو لم يشترط الواهب عدم التصرف فيها .
جـ – حالات ترجع إلى الرغبة في رعاية المدين وأسرته ، وهي ما يلي ( ):
1 – القوت الضروري : يرى المالكية والحنابلة أنه يُترك للمفلس من ماله قدرُ ما يكفيه وعيالَه من القوت الضروري الذي تقوم به البنية . وقال المالكية : تترك له ولزوجاته وأولاده ووالديه النفقة الواجبة عليه بالقدر الذي تقوم به البنية. وهذا إن كان ممن لا يمكنه الكسب ، أما إن كان ذا صنعةٍ يكتسب منها أو يمكنه أن يؤجر نفسه فلا يترك له شيء . وأضاف المالكية : أنه يترك ذلك له ولمن ذكر قدر ما يكفيهم إلى وقت يُظن بحسب الاجتهاد أنه يحصل له فيه ما تمكن معه المعيشة نحو الشهر ( ).
أما عند الشافعية فلا يُترك له من القوت شيء ما عدا قوت يوم القسمة، ولا نفقة عليه أيضاً لقريب ؛ لأنه معسر ، بخلاف حاله قبل القسمة .
وتسقط نفقة القريب لما بعد القسمة أيضاً عند الحنابلة ( ) .
2 – الثياب : اتفق الفقهاء على أنه يُترك للمفلس دست ( ) من ثيابه ، وقال الحنفية : أو دستان ، ويباع ما عداهما من الثياب .
وقال الحنفية : يُباع مالا يحتاج إليه في الحال كثياب الشتاء في الصيف .
وقال المالكية : يُباع ثوبا جمعته إن كثرت قيمتهما ، ويُشترى له دونهما. وهذا القول يقارب ما صَرَّح به الشافعية والحنابلة من أن الثياب إن كانت رفيعة لا يلبس مثله مثلها تُباع ، ويُترك له أقل ما يكفيه من الثياب .
وقال المالكية والشافعية : يترك لعياله مثل ما يترك له من الملابس ( ) .
3 – دار السكنى : قال مالك والشافعي -في الأصح عنه – وشريح : تباع دار المفلس ويُكترى له بدلها . واختار هذا ابن المنذر .
وقال أحمد وإسحاق ، وهو قول عند الحنفية والشافعية : لا تباع داره التي لا غنى له عن سكناها .
فإن كانت الدار نفيسة بيعت واشتُري له ببعض ثمنها مسكنٌ يبيت فيه ، ويُصرفُ الباقي إلى الغرماء ( ).
4 – الكتب : يرى الشافعية وبعض المالكية أنه تترك للمفلس الكتب التي يحتاج إليها في العلوم الشرعية إن كان عالماً لا يستغـني عنها. ولكـن المقدم عند المالكية أنها تباع أيضاً ( ) .
5 – آلات الصانع : قال الحنابلة وبعض المالكية : تترك للمفلس آلة صنعته . ثم قال المالكية من هؤلاء : إنما تترك إن كانت قليلة القيمة كمطرقة الحداد. وقال بعضهم : تباع أيضاً. ونص الشافعية على أنها تباع ( ).
6 – رأس مال التجارة : يرى الحنابلة وابن سريج من الشافعية أنه يُترك للمفلس رأس مال يتَّجر فيه إذا لم يحسن الكسب إلا به . قال الرملي : وأظنه يريد الشيء اليسير أما الكثير فلا .( )
ولا بدّ من التنبيه هنا إلى أن دار السكنى أو غيرها مما ذكر إذا كانت مرهونةً أو كانت عين مال الغريم فإنها تباع عند جمهور الفقهاء ( ).
د – حالات ترجع إلى اعتباراتٍ تتعلق بالمصلحة العامة .
ومن أمثلة ذلك : الأموال اللازمة لسير المرفق العام .
وأرى أن النظم الوضعية تتفق في هذه المسألة مع الشريعة الإسلامية ؛ لأن من القواعد الفقهية المقررة شرعاً أن ( المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ) فإذا كان أحد مرافق الدولة مديناً فإنه لا يجوز الحجرُ عليه وبيع أملاكه ؛ لأن المرفق الحكومي موضوع لرعاية مصالح عموم المسلمين في الدولة، ومصلحتهم مقدمة على مصلحة الدائن الخاصة سواءً أكان واحداً أم أكثر . منقول
أولاً – أن يكـون محل التنفيـذ حقاً مالياً . سواءً أكانت الحقوق المالية عينيةً أم شخصية ( )، فلا يجوز التنفيذ على ما عداها كالحقوق الأدبية مثل حق المؤلف ، فلا يُلزم المؤلف بنشر مؤلَّفه أو إعادة نشره ، ولكن إذا تم نشر المؤلَّف فإنه يجوز التنفيذ على النُّسخ التي تم نشرها ، وكذلك لا يجوز التنفيذ على الشهادات والأوسمة والتذكارات العائلية وأوراق المدين وكذلك رسائله .
ثانياً – أن يكون محل التنفيذ حقاً للمدين . أي أن يكون الحق المراد التنفيذ عليه مالاً مملوكاً للمسؤول عن الدين أي المدين أو الكفيل الشخصي عند بدء التنفيذ ؛ إذ أن التنفيذ على مال الغير يمثل اعتداءً على حق الغير فيكون الحجز باطلاً . وبناءً على ذلك لا يجوز التنفيذ على مالٍ تصرَّف فيه المدين تصرفاً نافذاً قبل الحجز عليه ، كما لا يجوز التنفيذ على مال الشركة استيفاءً لِدينٍ على الشريك ولو كـان شريكاً متضامناً ؛ إذ أن مـن قـواعد الفقه الرومانـي أن ( كيان الشركة شيء وكيان كلّ شريك شيء آخر)( )، ولكن يجوز التنفيذ على مال الشريك المتضامن استيفاءً لدينٍ على الشركة( ).
ثالثاً – أن يكون الحق المالي مما يمكن التصرف فيه . يهدف التنفيذ بالحجز إلى بيع الأموال المحجوزة بالمزاد استيفاءً لحق الدائن من حصيلة هذا البيع ، وإذا كانت القاعدة أن ملكية المال تشمل سلطة التصرف فيه فإن النظم الوضعية قد تمنع مالكه من التصرف فيه لأسباب مختلفة يرجع بعضها لطبيعة المال كحق السُّكْنَى وكالعقار الموقوف ، أو حمايةً لمصلحةٍ عامةٍ أو خاصةٍ ، أو بناءً على شرط إرادي كشرط الموصي عدم التصرف في الموصى به ، وفي هذه الأحوال لا يجوز التنفيذ على هذا المال عن طريق الحجز ونزع الملكية ؛ لأنه إذا امتنع على المدين أن يبيع المال الذي يملكه ، فمن باب أولى امتناع ذلك على القضاء الذي يقوم مقام المدين في مباشرة سلطة التصرف عن طريق البيع القضائي .
رابعاً – أن تكون الأموال مما يجوز الحجز عليها : هناك بعض الأموال التي لا تجيز النظم الوضعية الحجز عليها رغم إمكان التصرف فيها ؛ وذلك مراعاةً لاعتباراتٍ معينة ، ويقع باطلاً أي حجز يوقع عليها سواءً أكان تنفيذياً أم تحفظياً، والأصل – كما أشرت سابقاً – هو قابلية جميع الأموال المملوكــة للمــدين للتـنـفـيـذ عـلـيـهـا ؛ لأنـهـا كـلَّهـا ضـامـنـة لديونه ، ومن قواعد الفقه الرومانـي أن ( الديون مضمونة بعموم المال لا ببعض أعيانه )( ). فعدم جواز الحجز يَردُ استثناءً من القاعدة العامة؛ ولهذا يقع عبء الإثبات على من يدَّعي عدم جواز الحجز،ولا يكلَّف الدائن بإثبات صلاحية الأموال لحجزها والتنفيذ عليها.
هذا ويمكن تقسيم الأموال التي لا يجوز الحجز عليها في النظم الوضعية إلى عدة أقسام تبعاً لثلاثة اعتباراتٍ هي :
1 – الإطلاق : وتنقسـم حالات عدم جواز الحجز على الأموال بهذا الاعتبار إلى قسمين :
أ – عدمُ جوازٍ مطلقٍ إذا كان لا يمكن الحجز على المال اقتضاءً لأيِّ حقٍ كان.
ب – عدم جوازٍ نسبيٍ . إذا كان يمكن الحجز على المال اقتضاءً لحقوق مُعيَّنة ، فبالنسبة لهذه الحقوق يعتبر المال مما يجوز الحجز عليه.
2 – الكُلِّيةُ وتنقسم حالات عدم جواز الحجز على الأموال بهذا الاعتبار إلى قسمين أيضـاً :
أ – عدم جواز كُلِّي . إذا كان لا يمكن الحجز على أي جزء من المال.
ب – عدم جواز جزئي. إذا كان عدم جواز الحجز لا يلحق كل المال. والمعتاد أن يكون عدم جواز الحجز الجزئي نسبياً ، أي يمكن الحجز على جزء من المال اقتضاءً لبعض الحقوق دون غيرها.
3 – العِلَّة : وتنقسم حالات عدم جواز الحجز على الأموال باعتبار سبب تقريرها إلى أربعة أقسام هي :
أ – حالات ترجع إلى طبيعة المال أو الغرض منه .
كالاختراع قبل صدور براءة به ، وكالمال المخصص لغرض النفقة .
ب – حالات ترجع إلى الرغبة في احترام إرادة المتبرع بمال معيَّن .
كالمال الموهوب الذي اشترط واهبه عدم التصرف فيه ضماناً لبقاء غلَّته.
جـ – حالات ترجع إلى الرغبة في رعاية المدين وأسرته .
كالغذاء والثياب التي تلزم المدين وأسرته ، وكذلك ما يلزم لمهنة المدين.
د – حالات ترجع إلى اعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة .
كالأموال اللازمة لسير المرفق العام ( ) .
وهذه الحالات توجد في نظام المرافعات وفي نظم أخرى متفرقة ، وحصرها لا يدخل في نطاق هذا البحث .
وقد أشارت ( المادة 570 تجارية سعودي ) و ( المادة 427 إجراءات إماراتـي ) و ( المواد 249 – 251 مرافعات بحريني ) و ( المواد 387 – 392 مرافعات قطري ) و ( المادة 216 مرافعات كويتي ) و ( المواد 305-309 مرافعات مصري ) إلى أهم هذه الحالات .
وإذا كان تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية السعودي لم يتعرض لهذه المسألة فإن نظام المرافعات السعودي ولوائحه قد أشارت في ( المادة 217 ) من النظام و( المادتين 217/4 و 217/7 ) من اللوائح إلى أنه قبل بيع أموال المحكوم عليه يقوم القاضي بتحديد ما تدعو الحاجة إلى تركه للمحجوز عليه من المنقول والعقار مثل مسكنه ومركبه المعتاد , كما يجوز الحجز على مال المدين من راتب أو مخصصات بعد تقدير الكفاية له من نفقة ونحوها .
موقف الشريعة الإسلامية من شروط التنفيذ على المال بطريق الحجز ونزع الملكية :
إن التنفيذ بهذا الطريق أقرب موضوع له عند الفقهاء هو الحجر والتفليس . ومن المُسلَّم به أنه لابُد أن يكون هذا المال حقاً للمدين ويمكن التصرف فيه وأن يكون مما يجوز الحجر فيه ، وهذا ما تُعبِّر عنه النظم الوضعية بأن يكون مما يجوز الحجز عليه. وقد يكون عدم جواز الحجر مطلقاً أو نسبياً كما قد يكون كلياً أو جزئياً ، ولابد من التنبيه هنا إلى أنه إذا أحاط الدين بمال المدين ، وطلب الغرماء الحجر عليه ، وجب على الحاكم تفليسه عند المالكية والشافعية والحنابلة وصاحبي أبي حنيفة وهو المفتى به عند الحنفية ، ولم يخالف في ذلك سوى الإمام أبي حنيفة فقال : إنه لا يُفَلَّس ؛ لأنه كامل الأهلية وفي الحجر عليه إهدار لآدميته ، إلا أن الحاكم يجبره على البيع إذا لم يمكن الإيفاء بدون إجبـار ( ).
وقد ذكرت قريباً حالات عدم جواز الحجز على الأموال في النظم الوضعية ، وأنها تنقسم باعتبار سبب تقريرها إلى أربعة أقسام وضربت عليها بعض الأمثلة.
وفيما يلي بيان موقف الشريعة من كل قسم بإيجاز من خلال تلك الأمثلة .
موقف الشريعة الإسلامية من حالات عدم جواز الحجز على الأموال باعتبار سبب تقريرها :
أ – حالات ترجع إلى طبيعة المال أو الغرض منه.
ومن أمثلة ذلك : الاختراع قبل صدور براءته ، وقد علَّل شُرَّاح النظم الوضعية عدم جواز الحجز عليه بأن المخترع قد يرى عدم الإعلان عن اختراعه فينتج عن الحجز على هذا الاختراع وبيعه إساءةٌ لسمعة المخترع ( ) .
وأرى تكليف اثنين من أهل الخبرة لمعاينة الاختراع وفحصه ، فإن كان صالحاً للانتفاع منه فإنه يتم تسجيل براءته ومن ثم حجزه وبيعه . وليس في ذلك إساءةٌ لسمعة المخترع وإنما فيه إشهار له وحفظ لحقه وحقوق غرمائه .
وإنما قلت ذلك تخريجاً على ما ذكره الحنابلة من أن المفلس المحترف يُجبَر على الكسب وإيجار نفسه فيما يليق به من الصنائع ؛ محتجين بأن المنافع تجري مجرى الأعيان في صحة العقد عليها ، فأجبر على العقد عليها ، كما يباع ما له رغماً عنـه ( ) .
ومن الأمثلة أيضاً : المال المخصص لغرض النفقة على أقارب المدين ممن هم خارج أسرته .
والنظم الوضعية قد خالفت في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور الفقهاء الذين يرون عدم وجوب النفقة على المدين في هذه الحالة ما دام معسراً ، وبالتالي يجوز الحجز على هذا المال ( ) .
ب – حالات ترجع إلى الرغبة في احترام إرادة المتبرع بمال معين .
ومن أمثلة ذلك : المال الموهوب الذي اشترط واهبه عدم التصرف فيه؛ ضماناً لبقاء غلَّته .
الأصل في الشريعة الإسلامية أن الهبة تمليك للعين الموهوبة ( )، وبناءً على ذلك لا يكون من حق الواهب اشتراط عدم التصرف فيها ؛ ومن هذا المنطلق يمكن حجزها وبيعها. إلا أنه قد توجد قرينة تجعل المقصود من الهبة مجرد تمليك المنافع دون العين ، كالعُمرى والرُقبى ( ) عند بعض الفقهاء ( ). وفي هذه الحالة تعتبر من باب العارية ، فلا يمكن حجزها وبيعها حتى ولو لم يشترط الواهب عدم التصرف فيها .
جـ – حالات ترجع إلى الرغبة في رعاية المدين وأسرته ، وهي ما يلي ( ):
1 – القوت الضروري : يرى المالكية والحنابلة أنه يُترك للمفلس من ماله قدرُ ما يكفيه وعيالَه من القوت الضروري الذي تقوم به البنية . وقال المالكية : تترك له ولزوجاته وأولاده ووالديه النفقة الواجبة عليه بالقدر الذي تقوم به البنية. وهذا إن كان ممن لا يمكنه الكسب ، أما إن كان ذا صنعةٍ يكتسب منها أو يمكنه أن يؤجر نفسه فلا يترك له شيء . وأضاف المالكية : أنه يترك ذلك له ولمن ذكر قدر ما يكفيهم إلى وقت يُظن بحسب الاجتهاد أنه يحصل له فيه ما تمكن معه المعيشة نحو الشهر ( ).
أما عند الشافعية فلا يُترك له من القوت شيء ما عدا قوت يوم القسمة، ولا نفقة عليه أيضاً لقريب ؛ لأنه معسر ، بخلاف حاله قبل القسمة .
وتسقط نفقة القريب لما بعد القسمة أيضاً عند الحنابلة ( ) .
2 – الثياب : اتفق الفقهاء على أنه يُترك للمفلس دست ( ) من ثيابه ، وقال الحنفية : أو دستان ، ويباع ما عداهما من الثياب .
وقال الحنفية : يُباع مالا يحتاج إليه في الحال كثياب الشتاء في الصيف .
وقال المالكية : يُباع ثوبا جمعته إن كثرت قيمتهما ، ويُشترى له دونهما. وهذا القول يقارب ما صَرَّح به الشافعية والحنابلة من أن الثياب إن كانت رفيعة لا يلبس مثله مثلها تُباع ، ويُترك له أقل ما يكفيه من الثياب .
وقال المالكية والشافعية : يترك لعياله مثل ما يترك له من الملابس ( ) .
3 – دار السكنى : قال مالك والشافعي -في الأصح عنه – وشريح : تباع دار المفلس ويُكترى له بدلها . واختار هذا ابن المنذر .
وقال أحمد وإسحاق ، وهو قول عند الحنفية والشافعية : لا تباع داره التي لا غنى له عن سكناها .
فإن كانت الدار نفيسة بيعت واشتُري له ببعض ثمنها مسكنٌ يبيت فيه ، ويُصرفُ الباقي إلى الغرماء ( ).
4 – الكتب : يرى الشافعية وبعض المالكية أنه تترك للمفلس الكتب التي يحتاج إليها في العلوم الشرعية إن كان عالماً لا يستغـني عنها. ولكـن المقدم عند المالكية أنها تباع أيضاً ( ) .
5 – آلات الصانع : قال الحنابلة وبعض المالكية : تترك للمفلس آلة صنعته . ثم قال المالكية من هؤلاء : إنما تترك إن كانت قليلة القيمة كمطرقة الحداد. وقال بعضهم : تباع أيضاً. ونص الشافعية على أنها تباع ( ).
6 – رأس مال التجارة : يرى الحنابلة وابن سريج من الشافعية أنه يُترك للمفلس رأس مال يتَّجر فيه إذا لم يحسن الكسب إلا به . قال الرملي : وأظنه يريد الشيء اليسير أما الكثير فلا .( )
ولا بدّ من التنبيه هنا إلى أن دار السكنى أو غيرها مما ذكر إذا كانت مرهونةً أو كانت عين مال الغريم فإنها تباع عند جمهور الفقهاء ( ).
د – حالات ترجع إلى اعتباراتٍ تتعلق بالمصلحة العامة .
ومن أمثلة ذلك : الأموال اللازمة لسير المرفق العام .
وأرى أن النظم الوضعية تتفق في هذه المسألة مع الشريعة الإسلامية ؛ لأن من القواعد الفقهية المقررة شرعاً أن ( المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ) فإذا كان أحد مرافق الدولة مديناً فإنه لا يجوز الحجرُ عليه وبيع أملاكه ؛ لأن المرفق الحكومي موضوع لرعاية مصالح عموم المسلمين في الدولة، ومصلحتهم مقدمة على مصلحة الدائن الخاصة سواءً أكان واحداً أم أكثر . منقول