سيادة القانون
27-03-2010, 03:24 AM
شمس-الوفاق- اروى العتيبي-
وافقت المحكمة العليا بالرياض على الحكم الذي أصدرته المحكمة العامة هناك بخصوص قضية مقتل المواطن سليمان الحريصي على يد فردين من أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث أقرت رد المطالبة بالقصاص التي رفعها ورثة القتيل ضد عضوي الهيئة (م .م وع .ي) لعدم ثبوتها، وأقرت كذلك إخلاء سبيل المتهمين مع بقاء حق (اليمين) عليهما إن طالب به ورثة المتوفى (أي أن يقسم المتهمان بالله أنهما لم يقتلا الرجل) فيردا بذلك التهمة عنهما من الناحية الشرعية. وفقا لقاعدة (البينة على المدعي واليمين على من أنكر).وأوضحت المحكمة العليا في مذكرة بعثت بها للملك عبدالله، بناء على أمره السابق الصادر بتاريخ 26 جمادى الآخرة 1430 الذي وجه المحكمة العليا بدراسة القضية، أن القضية الأخرى المرتبطة بقضية مقتل الحريصي وهي قضية اتهمت فيها الهيئة شقيق القتيل بأنه “يروج المخدرات والخمور”، حيث حكم عليه وعلى مجموعة معه بالسجن والجلد من قبل المحكمة الجزئية بالرياض، تحتاج إلى مزيد من الدراسة لذلك قررت تأجيل النظر فيها حتى وصول المعاملة الرسمية المتعلقة بها.
تم إضافته يوم الأربعاء 24/03/2010 م - الموافق 9-4-1431 هـ الساعة 5:20 مساءً.
-------------------- أنتهى الخبر -----------------
التعليق : هذه القضية والتي تحولت فيما بعد الى قضية رأي عام ، كان لي الشرف العظيم أن أتطوع "للعدالة" وأتولى مهمة كتابة صيحفة الدعوى واللائحة الاعتراضية لها ، وإن كنت في ذلك الوقت خلف الكواليس لأنشغالي بإعداد رسالة الماجستير ولو كنت متواجد في الوطن لتوليت الدفاع مباشرة ،وكل ذلك جنباً الى جنب ، مع الوكيل الشرعي الاخ يحيى مفرح حريصيّ، ومع أن هذا الواجب الذي وجدت نفسيّ مجبراً بالقيام به لمقتضيات العدالة ، قد تمت سرقته ، ونسبت إلى طُفيليّ دعاة حقوق الإنسان "الأعلاميين"، حتى تمت تكذيب هذا الادعاء في صحيفة الوطن وصحيفة المدينة ، وبعد صدور الحكم واجابت محكمة التمييز لنا على بعض الطعون وعدم تقيّد المحكمة بما جاءت به الملاحظات ، أثرت في نفسي ومع الوكيل الشرعي الإنسحابّ من القضية برمتها ، والإحتفاظ في نفوسنا بما كنا ولازلنا نعتقد به وهي من ترسبات هذا الحكم الغــريب.!!
ومع أحتراميّ وتقديريّ لما ذهبت إليه المحكمة العليا والتي أسست بحكم البراءة هذا مبدأ جديد في أول باكورة أنتاجها مفادة " القدم لا تعد آلة قتل والرأس ليس من المقاتل" ، أترككم مع اللائحة الاعتراضية والتي وصل عدد صفحاتها 33 صفحة ، وهي بهذا الرقم تعتبر لائحة اعتراضية غير مألوفة في القضاء السعودي، والكثير من الزملاء قد اعترض على عدد الصفحات وذكر أن ذلك من عيوب اللائحة ومع تقديري واحترامي لرأيه المهنيّ فهو رأي يحتاج الى عادة نظر فهناك فرق بين صحيفة الدعوى "طلبات" وبين اللائحة الاعتراضية " وهي الدفوع مضافة الى طلبات" ، وفي الدول الأخرى نجد أن لوائح الاعتراض تقدم الى محكمة النقض "مجلدات" بل الابعد من ذلك يحق للمعترض على الحكم أن يؤكل عدة محاميين يقدم كل محامي منه "طعونه" في لائحة مستقلة ، وذلك لأن الطعن بالحكم ومطالبة نقضه هو مخاصمة لحكم قضائيّ ويتطلب هذا الجهد والعمل الشاق وهذا ما لمسته في هذه القضية كما يلاحظ على هذه اللائحة في كتابتها اعتماديّ على اسلوب البحث العلميّ والذي أحب أن اكتب به جميع لوائحي الاعتراضية، وعمو القول أسال الله تعالى أن يكتب الاجرّ ، ويرحم المتوفى سلمان وجميع اموات المسلمين اللهم آمين.
------------ اللائحة الاعتراضية ----------------
[CENTER]بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الفضيلة أعضاء دائرة القضايا الجنائية بمحكمة التمييز بمنطقة الرياض ، وفقهم الله لقول الحق :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد
نتقدم إلى فضيلتكم بلائحة اعتراض بصفتيّ الوكيل الشرعي لورثة القتيل المجني عليه سلمان محمد شامي حريصي بموجب الوكالة رقم 60722وتاريخ13/9/1428هـ ، على الحكم الصادر من المحكمة العامة في الصك رقم5/300/6 وتاريخ 18/11/1428هـ.
وتتلخص في مخالفة الصك لما جاء في وقائع الجلسات (أولاً) ، وإغفال مصدريّ الحكم الدفوع الموضوعية المنتجة أثارها في الدعوى(ثانياً) ، الطعن في تسبيب الحكم شكلاً وموضوعاً (ثالثاً) ، الطلبات بموجب لائحة الاعتراض (رابعًاً).
أولاً : مخالفة الصك لما جاء في وقائع الجلسات :
جاء في السطر الثالث من الصفحة الأولى من الصك ما نصه ( ففي اليوم الثلاثاء الموافق 25/10/ 1428 هــ ، افتتحت الجلسة 12:42 وفيها حضر ....) فيخال لمن يقرأ هذا الصك ، أن هذه الجلسة هي أولى جلسات المحاكمة ، والحق أنها بهذا التاريخ تُعد الثانية وليست الأولى ، فالأولى قد سبقتها بأسبوع كامل حيث كانت في يوم الثلاثاء الموافق 18/10/ 1428 هــ إذ تم فيها تقديمي لصحيفة الدعوى حيث أنني تلوتها وسلمتها بحضور القضاة جميعهم وحضور المتهمين ووكيلهم ، وبالإمكان التأكد من ذلك بالرجوع إلى إدارة الجلسات في المحكمة حيث توجد الصحيفة بذلك التاريخ ووقائع تلك الجلسة المبتورة ، وإن لم تكن موجودة ، ونحن على يقين بوجودها في المحكمة ، سنتقدم لكم في حينها بالإثبات التام على وقوع الجلسة الأولى بذلك التاريخ المعلن.
إننا أمام هذا الإسقاط لتلك الجلسة ونحن نفترض حسن النية، يتوارد إلى الذهن سؤال فرض نفسه لماذا تم إسقاط جلسة 18/10/ ، من ديباجة الصك ؟ إن الجواب الذي نبحث عنه قد جاء به الصك نفسه ، ففي الصفحة الثانية منه ، في السطر الثامن ( وفي يوم الثلاثاء 10/11/ 1428 هــ فتحت الجلسة وقد جرى تأمل أوراق المعاملة ............ورفعت الجلسة للدراسة وفي نفس اليوم فتحت الجلسة وفيها حضر....الخ) والحق أن الجلسة بهذه الصياغة لم ترفع للدراسة ولم تفتح في نفس يوم الثلاثاء 10/11/ 1428 هــ ، ولم يتم إشعارنا برفع الجلسة ولا باستئنافها ،ولنا أن نتأمل في عبارة (ورفعت الجلسة للدراسة وفي نفس اليوم فتحت الجلسة وفيها حضر...الخ) حتى نطرح سؤالاًً موضوعي ، في أي ساعة ٍ رُفعت وفي أي ساعة فُتحت؟ لم يكن هناك إشارة إلى الوقت كما كان عليه جلسة 25/10/ 1428 هــ إذ أعلن أنها فُتحت بتمام الساعة 12:42 ! ، إن عبارة (ورفعت الجلسة للدراسة وفي نفس اليوم فتحت الجلسة وفيها حضر...الخ) قد اختصرت من عمر المحاكمة أربعة عشر يوماً ، فعبارة (رفعت الجلسة للدراسة) هي لجلسة يوم 25/10/ 1428 هــ ، أي الجلسة الثانية من جلسات القضية ، أما عبارة(فتحت الجلسة) فهي إذاناً بافتتاح جلسة يوم الثلاثاء 10/11/ 1428 هــ ، إذ أنه يتخلل تلك الجلستين جلسة أخرى بتاريخ 3/11/ 1428 هــ ، حالها كحال الجلسة الأولى فقد تم إسقاطها من ديباجة الصك.
إن دمج جلستين في يوماً واحد ، هو من أسقط الجلسة الأولى والتي كانت بتاريخ الثلاثاء 18/10/ 1428 هــ ، والذي بدورها أسقطت صحيفة الدعوى برمتها وغيبتها ، حتى أن المطلع لصك الحكم لا يجد إشارة لصحيفة الدعوى بل كل ما هناك عبارات قوليه ( أدعى الوكيل الشرعي على الحاضرين معه قائلاً ، وأطلب ، ونحوهما ) وكأن الطلبات و الدفوع بالمخاصمة لم تقدم مكتوبة ، وهي أحق بأن تدرس ويتأمل فيها وأن يُشار إليها بل الأبعد من ذلك هي أحق أن يرد عليها بتفاصيلها من قبل الخصوم ومن قبل القضاة ، وهذا الذي لم يحدث ، وسنأتي إلى ذكر ذلك مفصلاً في هذه اللائحة إن شاء الله تعالى.
وعوداً على ذي بدء ، وبخصوص وقائع الجلسات وتواريخها ، نجد أن تواريخ الجلسات كما جاء في الصك هي على النحو التالي :
الجلسة الأولى : بتاريخ 25/10/ 1428 هـ ، والجلسة الثانية : بتاريخ 10/11/1428 هـ ، والجلسة الثالثة : بتاريخ 17/11/1428 هـ ، والجلسة الرابعة : 18/11/1428 هـ وهي جلسة النطق بالحكم ، وبما أن الصك قد وردت فيه أسماء أصحاب الفضيلة مصدري الحكم وانتهى بذكر أسمائهم ، فهذا يعني ضمنياً حضورهم لجميع جلسات المحاكم ، وهذا الذي لم يحدث البتة، وسيأتي ذكره عند استعراضنا لتواريخ جلسات المحاكمة الفعلية وهي على النحو التالي :
الجلسة الأولى كانت بتاريخ 18/10/ 1428 هـ ، وقد حضر فيها جميع أصحاب الفضيلة القضاة ، أما الجلسة الثاني فقد كانت بتاريخ 25/10/ 1428 هـ ، والذي حضر فيها هو فضيلة الشيخ رئيس الجلسة سعد بن محمد الهزاني فقط ،مع أن هذا مخالفاً لنص المادة السابعة من نظام الإجراءات الجزائية والتي جاء فيها ( يجب أن يحضر جلسات النظر في القضية ، وجلسة إصدار الحكم ،العدد اللازم نظاماً من القضاة ) والعدد اللازم بحسب نص المادة 129 من نظام الإجراءات الجزائية هو ثلاثة قضاة .
أما الجلسة الثالثة فكانت بتاريخ 3/11/ 1428 هـ ، وتم فيها تأجيل جلسة المحاكمة ، الى الجلسة الرابعة وهي التي كانت بتاريخ 10/11/ 1428 هـ ، وفيها تم تأمل أوراق القضية ، حتى رفعت إلى الجلسة الخامسة والتي كانت بتاريخ 17/11/ 1428 هـ ، وهي الجلسة التي سبقت جلسة النطق بالحكم ، وهي الجلسة السادسة والتي كانت بتاريخ 18/11/ 1428 هـ .
إذاً نخلص مما تقدم ، إن عدد الجلسات التي تم ذكرها في الصك هي أربع جلسات ، بينما الجلسات الفعلية هي بواقع ست جلسات ، تم فيها إسقاط جلستين ، فأما الجلسة الأولى فقد عللنا سبب إسقاطها ، وأما الجلسة الثالثة فنترك لفضيلتكم التأمل فيها لعل أن تجدوا لنا سبباً مقنعاً نعول عليه هذا الإسقاط ، والذي كنا ولا نزال نحمله على حسن النية .
ثانياً: إغفال مصدريّ الحكم الدفوع الموضوعية المنتجة أثارها في الدعوى:
كنتُ فيما قد سلف ، ذكرت إن أولى جلسات المحاكمة كانت بتاريخ 18/10/ 1428 هــ ، وفيها تقدمت بصحيفة دعوى ، تتضمن طلبات ، و دفوع موضوعية ، إلا أن هذه الصحيفة قد تم إغفال ما جاء فيها من قبل أصحاب الفضيلة ، وعلى وجه الخصوص الدفوع إذ أنها محور هام ترتكز عليها شرعية المداهمة والتي نتج عنها مقتل مورث موكليّ ، فهذه الدفوع تدور الشرعية معها وجوداً وعدماً ، ودونما إغفالاً لأهمية دور الطلبات فهي المؤكد على وجود هذه الشرعية وأحقية استمرارها ، ولما لا ؟ ومعينها قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقول الراسخون في العلم ، ونصوص الأنظمة ذات العلاقة ، وسوف أضع أمامكم أهم النقاط التي تضمنتها صحيفة الدعوى مع التعليق، على أن يتضمن التعليق تساؤلات وإجابات،و قبل أن نعرج إلى دفوع هذه القضية ، يجب علينا أن نتحدث عن حيثياتها ، حتى نكون أمام تصوراتها وأحداثها وما نتج عنها ، على أن نضعها في ميزان العدالة والحق ، وهو ميزان الشريعة الإسلامية التي لا تفرق في الحقوق بين شريف القوم ،و وضيعها ، ولا غنيها و فقيُرها ، وحاكمها ومحكومها ، فبعدالتها قامت الأرض والسموات.
أصحاب الفضيلة الأجلاء ، إن موت المجني عليه سلمان ، لم يكن نتيجة حادث سير ولا مرض ٍ عُضال ، وإنما كان مقتله ظلماً وعدواناً ، بفعل جناة ، هؤلاء الجناة ليسوا من الجن ، قتلوه فاختفوا، حيثُ يصعب علينا بنيّ الأنس اتهامهم أو تقفيّ أثارهم لنقبض عليهم ، ونكونُ حينها معذورون لهذه الاستحالة ، فالأمر إذا ضاق اتسع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، وإنما قتلت سلمان ، هم من البشر، يعيشون في محيطنا ومؤتمنون على أعراضنا ودمائنا.
إن المجني عليه سلمان ، كان إلى ما قبل يوم 6/5/ 1428 هــ ، ينعم بنعمة الإسلام والأمن في بلاد المسلمين الآمنين ، محتفظاً بعصمة ماله وعرضه ودمه ، ولكنه بعد هذا اليوم انتقل إلى رحمة ربه مقتولاً مظلوما، تاركاً خلفه أبويه وطفله اليتم ، على ضعفهما وحاجتهم إليه ، لماذا قتل سلمان؟ هل الشريعة الإسلامية هي من قتلت سلمان ؟ كلا وحاشا ، فالشريعة الإسلامية لا تقتلُ ظلماً وعدوانا،إذاً من الذي قتله ؟ هل هي الأنظمة التي سنها وليّ الأمر لموظفيّ الدولة لتسيير أمورها ولحفظ مصالح المجتمع ؟ لا والله فهذه الأنظمة مستقاة من الشريعة الإسلامية ولن تكون المتورطة بقتل سلمان؟ إذاً من قتله ؟ إن الذي قتل سلمان هم أفراد موظفون في جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مقيدين كسائر موظفيّ الدولة بأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية ، ولكنهم جاءوا بما يخالفهما ،ووقع ما لا يحمد عقباه.
إذا لماذا قتلوه؟ وبأي حق ٍ قتلوه؟
أصحاب الفضيلة الأجلاء :
أما لماذا قتلوه ؟ فهذا السؤال الذي نبحث وإياكم عن إجابته من معين المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك ، يقول الله عز وجل (ولا تقتلوا النفس التي حرمّ الله إلا بالحق) –الإسراء آية 33- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود المشهور (لا يحل قتل أمريء مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ).
فأيّ حق ٍ دفع هؤلاء الجناة ؟ ، ليقتلوا نفس ٍ قدم حرم الله قتلها ؟ هل كفر سلمان لتسقط عصمة دمه ويستباح ؟ نعوذ بالله من ذلك ، فقد مات على الإسلام ونحسبه كذلك والله حسيبنا وحسيبه، أم هل زناً بعد إحصانه أم هل قتل نفس بغير نفس ؟ حتى يقتل ! لا والله ما شهدنا جميعاً ذلك.
أتعلمون لماذا قتل سلمان؟ إن الإجابة على هذه السؤال قد وردت في أقوال المتهمين في ملفات التحقيق ، إن سبب القتل شبهة تعاطي الخمور وبيعها؟ فقط مجرد شبهة! ومع أنها لو ثبتت ما كان حلال الدم ، فالعقوبة في حال ثبوت تلك الشبهة مختلف.
ونستمر في تساؤلنا هل ثبت حقاً أن سلمان يتعاطى الخمور ويبيعها ؟ الجواب بكل تأكيد لا ، فقد اثبت تقرير السموم خلو دمه من المخدرات والمسكرات وهذا التقرير محفوظُ في أوراق الدعوى وملفات هيئة التحقيق والإدعاء العام ولقد تمت الإشارة إليه وان كانت مقتضبة – ولا أقول مبتورة- ! في الصفحة الثالث من صك الحكم، و نسأل هل ثبت حقاً أنه يبيعها؟ الجواب كسابقه لا لم يثبت ذلك ، بل أن الذي اتهم بحيازتها وتمت محاكمته في المحكمة الجزئية بالرياض ،هو أحد أشقائه ويدعى إسماعيل وقد اعترف بحيازتها ويقضي محكوميته في أحدى السجون.
إذاً لم يثبت ما يوجب قتله شرعاً، وعلى افتراض أنه ثبت ما يوجب قتله ؟ هل أعضاء جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ هم قضاة يصدرون الأحكام ؟ أم هل هم منفذون لها إن صدرت ؟ ، لا توجد في أنظمة المملكة العربية السعودية ما يؤكد ذلك ؟ قد درسنا نظام القضاة ولم نجد لهم إشارة ولا دور يذكر ، ودرسنا أنظمة الأجهزة التنفيذية وطرق تنفيذ الأحكام ؟ ولم نجد لهم إشارة ولا دور ، إذاً وليّ الأمر قد قيّد دورهم ومسؤولياتهم وواجباتهم؟ ولكن أين دورهم في الأنظمة ؟ دورهم أجابت عليه المادة 26 الفقرة 6 من نظام الإجراءات الجزائية ، إذ اعتبرتهم من رجال الضبط الجنائي ، أي أنهم ليسوا بقضاة ولا منفذين أحكام ولا يمثلون سلطة اتهام ولا إدعاء كحال هيئة التحقيق والإدعاء العام ، بل هم رجال ضبط جنائي حالهم كحال بقية رجال الضبط الجنائي المذكورون في المادة 26 .
أصحاب الفضيلة الأجلاء :
لازلنا في دائرة أسئلتنا ، والتي تفرض نفسها في مقامنا هذا ، أين قتلوا الجناة سلمان؟ هل تم قتله في الشارع ؟ لا والله ما تم ذلك ، هل قتلوه في الصحراء بعيداً عن أعين الناس ؟ لا والله ما تم ذلك ، لقد ابتدءوا قتله في بيته وحملوه معهم إلى دائرة حكومية حتى أجهزوا عليه فيها! أمام إخوته وأهله وأصحابه وأمام أعينهم جميعاً،ولكن كيف تم ذلك ؟ لقد تم ذلك بليّ أعناق المشروعية، والقفز على النصوص الشرعية والنظامية، لقد قتلوه بإسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم لا يعلمون بصنيعهم هذا قد قتلوا المعروف وأحيوا المنكر، وإليكم الأدلة على إثبات ذلك:
يقول الله عز وجل (يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) ، وهم يقولون ، لا بل نتسوّر الجدار ونكسر الأبواب الداخلية ونقتحم المنزل بحرمته وحرمة أهله ، ونبطش بمن يعترض طريقنا كل ذلك في سبيل الإنكار وبحجة مقاومة رجال الهيئة ؟ ألآ يعلمون بفعلتهم هذه أنهم قد أتوا فعلا محرماً ً ؟ فالذي حرم الخمر هو الذي حرم تسوّر بيوت المسلمين وهتك حرمتها ، وهو الذي حرمّ قتل من فيها، والذي أمر بالمعروف ، هو الذي أمر بحرمة دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم وحرمة هتك ستار منازلهم ، فشريعتنا الإسلامية لا تكيل بمكيالين وحاشا لله أن تكون كذلك أو أن تفهم وتحمل نصوصها على ذلك.
ولقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسلم بيت أخيه دون أن يستأذنه إذا جاء في الحديث (إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع)-صحيح البخاري الجزء السابع ،صفحة 130 ، كتاب الاستئذان- وهؤلاء الجناة لم يستأذنوا استئذانا واحداً ، بل اقتحموا منزل المجني عليه اقتحاماً لا تبرره شريعة ولا يقره عرفاً ولا نظاماً.
لقد احتمى هؤلاء الجناة ببيت العنكبوت ، وهم يعللون فعلهم المشين وجريمتهم النكراء ، بأن من كان في البيت الذي داهموه واقتحموه ، يحملون السواطير ويرمون بالزجاج وسواتر الحديد عليهم ، وإنهم بهذا قاموا بمقاومة رجال الهيئة وهم رجال سلطة ، وعلى افتراض أن هذا قد حدث ، وعلى الرغم من أنه لم يحدث البتة فلا دليل عليه ، وإنما هي أقوالا يدفعون بها عن أنفسهم ، نقول لهم : على افتراض تلك المقاومة ، دعونا وإياكم نسوق البراهين والأدلة ، قُل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، لقد كفلت الشرعية الإسلامية للآمن في بيته المطمئن في سكنه ، الحق بأن يدفع كل صائل يعتدي على حرمة مسكنه ، إذ جاء في الحديث ( أن رجلاً اطلع من جحر في حجر الرسول –صلى الله عليه وسلم- ومع الرسول صلى الله عليه وسلم مدرى-أي حديده يسوى بها الرأس وقيل هي تشبه المشط- يحكه به رأسه فقال :لو أعلم انك تنظر لطعنت به في عينيك ، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)- صحيح البخاري- ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ومن أطلع في بيت قوم ٍ بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه) –نيل الأوطار للشوكاني ج 7 ص 173 -.، وأقوال الفقهاء في هذه المسألة أشهر من أن تعرف ، ولكننا سنذكرها ، فقد اتفق فقهاء الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة-رحمهم الله- على أن دفع الصائل المعتدي على النفس والأموال والأعراض، إنما شرع ليحمي الإنسان نفسه وماله وعرضه ، ويرون رحمهم الله أن الدفاع الشرعيّ في حكم الواجب ، ولا يترتب عليه إي مسؤولية جنائية أو مدنية ما لم يتجاوز حدود الدفاع ،راجع في ذلك (حاشية ابن عابدين ج 5 ص 481 ، تحفة المحتاج ج4 ص 124، مواهب الجليل ج6 ص 323 ، الزيلعي وحاشية الشلبي ج6 ص110 ، الإقناع ج4 ص 290 ،أسنى المطالب ج4 ص 186).
ومع ذلك كله لم يتورع الجناة عن تهويل الحدث زوراً وبهتانا ، يريدون أن يطفئوا نور الحقيقة والله متمها ولو كرهوا، فهذا الجاني عدنان بن يوسف في أقواله الواردة في الصك ، الصفحة الثانية ،السطر الثالث يقول: ( وكان أهل الحيّ تجمهروا، وقاموا برميّ الحجارة على أهل المنزل بسبب ما يلحقهم من أذى) ، ونقول رداً على ذلك : سبحانك ربيّ هذا بهتان عظيم ، أيعقل أهل حي ٍ بأكمله ، يقومون برميّ الحجارة ، وفيهم المعلم والطبيب والضابط والمسئول وطالب علم والقدوة الحسنة، والله ما عهدنا رميّ الحجارة إلا من الصبية المراهقون الجهلة ، إلا إذا كان أهل الحيّ جميعهم بهذه الصفة ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، أما تعليله للرميّ ، فكان على حد قوله بسبب الأذى ، ونقول : ما هو الأذى الذي طالهم حتى يقومون برميهم بالحجارة ؟ وهل هذا الأذى حالاً في اللحظة الذي تمت بها المداهمة ، أم أنه أذى قديم؟ إن كان هذه الأذى حالاً ؟ كيف عرفت أن الأذى قد طالهم ؟، وأنت في قلب المداهمة؟ هل أخبرك أهل الحي في لحظتها بذلك ؟ وإن كان الأذى قديماً فهل يعقل أن يصمت أهل حي ٍ بأكمله عن الأذى سنوات طوال ؟ هل يخشون سطوة أهل المنزل ؟ أو أنه لا توجد قنوات رسمية تدفع الأذى عنهم بدلاً من الرمي بالحجارة والذي لم يأتي إلا بمجيئكم ! ، أقوال وحجج واهية، لا تغني عن الحق شيئاً، يريدون أن يغيبوا الحقيقة بهذه الرواية الكاذبة، أتعلمون لماذا لفق الجاني عدنان بن يوسف قوله السابق؟ لكي يجعل له ولبقية الجناة مخرجاً يعلل فيه دخولهم للمنزل من غير تسوّر للجدار ودونما خلع وكسر للأبواب الداخلية ، أنظروا لما يقول في الصفحة الثانية ، السطر الرابع من الصك يقول (وأثناء قيام المواطنين برجم الحجارة توقف أهل المنزل ودخلنا وتفرقنا في البيت للتفتيش والقبض) ،أُقحم أهل حي ٍ بكامله مع حجارتهم في قضية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، حتى يسمحون لأنفسهم بالدخول ، إننا أمام هذا القول المزيف الضعيف ، لا نحتاج إلى طاقة وقدرة عقلية خارقة في الذكاء ، حتى نكتشف مدى بطلان هذه الرواية الكاذبة ، نقول رداً على ذلك : عند قيام المواطنين برجم الحجارة على أهل المنزل أين كنتم ؟ خارج المنزل أم بداخله ؟ بمعنى خارج –الحوش- أما قد تجاوزتم حوش المنزل ودخلتموه؟ أن كنتم خارج المنزل كيف وصلكم الزجاج فضلا عن سواتر الحديد وطاولات الحديد من أهل المنزل؟ -إن أعتا الرجال قوة لا يستطيع أن يرمي ساتراً حديدياً أو طاولة حديدية لمسافة طويلة- !، وإن كنتم في اللحظة التي ترمون فيها بسواتر الحديد؟ داخل المنزل ؟ فكيف دخلتموه؟ هل فتح لكم الباب ؟ إن قلت فتح لنا الباب فقد كذبت نفسك، لأنك في الصفحة الثانية، في السطر الثاني قد قلت ( ولكنهم شعروا بحضورنا وقاموا برمينا...الخ) وشعروا بحضورنا تعني دخولكم للمنزل خفية ً، وإن قلت لم يفتح لنا الباب ؟ نقول إذا كيف دخلتم المنزل؟ إذ لم تكونوا قد دخلتموه تسوّراً حين غفلة ، وما يكذب هذه الرواية أيضاً اعترافات الجناة أنفسهم إذ ورد في ملفات التحقيق كما ورد في الصك إفادتهم على أن الجناة محمد بن موسى وعدنان بن يوسف معهما حديدة طويلة يحاولان بها فتح الباب المغلق أصلاً ، -أي خلعه- .
أصحاب الفضيلة الأجلاء :
إن ماهية المخالفات الشرعية تتمثل في مخالفة الأوامر والنواهي التي تحملها النصوص الشرعية في القران والسنة ومن تلك الأوامر والنواهي حرمة دخول المساكن دون أذن من أهلها ، ودون ما يبرر دخولها شرعاً كما ورد معنا قبل قليل في النصوص الشرعية من القرآن والسنة المطهرة.
ومما تقدم فإن أساس بطلان الإجراءات –شرعاً- والتي قاموا بها الجناة المنتسبون إلى جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هي مخالفة الأوامر والنواهي التي تحملها النصوص الشرعية في القران والسنة ، فقد قال تعالى ( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله أن الله شديد العقاب) الآية 7 الحشر، وقوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) 59 النساء .
وإن ما نشير إليه هنا ، ونؤكد عليه ، هو ضرورة التنبه إلى مسألة في غاية الخطورة، وهي أنه لا يمكن الاحتجاج بالقول بإعمال المصالح، وإن ما قام به هؤلاء الجناة بسم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قامت في أساسها على مصلحة دون اعتبار للنصوص السابق سياقها إذ لا مجال هنا للاجتهاد وإعمال المصالح ، لأن الشارع الحكيم لم يكن ليأمر بفعل وبه مضرة ولا ينهى عن فعل به مصلحة ، فمخالفة النصوص الشرعية بسم المصلحة فيه تمرد على حكم الشرع ، فيكون ما يترتب على هذه المخالفة باطل بطلاناً كلياً أو أصليا بل هو منعدم ، علماً بان المصلحة المعتبرة هي المصلحة الحقيقية ، وليست الهوى والشهوات قال تعالى ( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون) الآية 71 المؤمنون.
وأساس البطلان الشرعي هنا مؤسسُ على قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، والرد كما يقرر أهل العلم بمعنى المردود أي الباطل غير المعتد به ، وهذا الحديث قاعدة عظيمة ومن جوامع كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، راجع – صحيح مسلم بشرح النووي ج 12 ص 16-.
وقبل أن اختم الحديث عن أدلة البطلان الشرعي لإجراءات المداهمة أود الإشارة إلى التذكير بدور المحتسب الشرعي كما جاء في كتب أهل العلم وتعارفوا عليه ، إذ أنه بالرجوع إلى كتبهم ،، نجد أن أحكام الشريعة الإسلامية لم تجعل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقة بل قيّدتها بشروط ، أولها-وجود منكر- وهذا يعني أنه لابد لجواز النهي عن المنكر أن يكون هناك منكراً ، والمنكر هو كل معصية حرمتها الشريعة وارتبطت بفاعلها وحيث أنه لم يثبت وجود منكر ارتبط المجني عليه بفعله وخصوصاً أن الطبيب الشرعي اثبت خلو دم المجني عليه من أنواع المخدرات والمسكرات ، ولا يوجد دليل على أتجاره أو ترويجه للمسكرات ، فأن هذا يعني انعدام صحة الشرط الأول من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أما الثاني من هذه الشروط –فهو وجود منكر في الحال- وهذا يعني أن تكون المعصية راهنة وصاحبها مباشراً لها وقت النهي أو تغيير المنكر، فإذا لم تكن المعصية الواجب إنكارها راهنة فليس ثمة مكان للنهي عن المنكر أو تغييره وإنما يكون هناك محلاً للعقاب على المعصية والعقاب من حق السلطات العامة (القضاء) فهي من تقرر العقاب لا (الأفراد أعضاء الهيئة) ، ولم يثبت وجود منكر قام به المجني عليه في الحال ولا ثمة دليلاً على ذلك والإثبات بنفيه كان عن طريق الطبيب الشرعي الذي اثبت خلو دم المجني عليه من التعاطي للمسكرات أو المخدرات....وحتى لو كان هناك إدعاء بأن المعصية متوقعة الحصول فإنه في هذه الحالة لا يكون إنكار المنكر إلا عن طريق الوعظ والنصح كوسيلة من وسائل دفع المنكر ، وما زاد عنها كالشتم والضرب والقتل هو جريمة يستحق فاعلها العقاب.
وثالث هذه الشروط - أن يكون المنكر ظاهراً دون تجسس ولا تفتيش- حيث يشترط للنهي عن المنكر أو تغييره أن يكون ظاهراً للعيان بغير تجسس أو تفتيش ، فإذا توقف إظهار المنكر على التجسس والتفتيش ، فإن في ذلك مخالفة شرعية يستحق صاحبها العقاب ، لأن الله عز وجل حرم التجسس بقوله ( ولا تجسسوا) الحجرات آية 13 ، ولأن للبيوت حرمة وللأشخاص حرمة لا يجوز انتهاكها قبل أن تظهر المعصية ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية في الحديث (إنك إن أتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم) –أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الآداب (باب النهي عن التجسس).
وقد استقرت الشريعة الإسلامية على هذا الأمر ، ونذكر في هذا السياق ، ما حدث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد تسلق دار رجل فوجده على معصية فأنكر عليه ، فقال : يا أمير المؤمنين إن كنت أنا قد عصيت الله من وجه فقد عصيت الله من وجه واحد ، فأنت قد عصيته من ثلاثة أوجه ، فقال : وما هي ؟ فقال الرجل : قد قال الله تعالى (ولا تجسسوا) وقد تجسست ، وقال تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها) وقد تسورت من السطح ، وقال تعالى( لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) وما سلمت، فتركه عمر وشرط عليه التوبة ، وإذا كان عمر رضي الله عنه قد ترك الرجل ولم يعاقبه ولم يغير المنكر فذلك لأن دخول المسكن هو الذي أظهر المنكر وهو دخول بغير حق ومن غير وجه حق .
أما الرابع من هذه الشروط- أن يدفع المنكر بأيسر ما يندفع به- ويعني هذا الشرط أنه على احتمال وجود –منكر اقترفه أو ارتبط به المجني عليه رغم نفي الأدلة لذلك- فلا يجوز أن يدفع المنكر بأكثر مما يدفعه ، لأن ما زاد عن الحاجة يعتبر جريمة ، بل أن وسائل تغيير المنكر متدرجة فلا يجوز أن يحتاج المنكر إلى الوعظ والنصح ، فيقوم الشخص المنكر بإستعمال وسائل أكثر عنفاً كالشتم والضرب أو القتل لأن في ذلك تعدي وعدوان يستوجب صاحبه العقوبة لما نتج عن فعله،والأبعد من ذلك أن تغيير المنكر في أصله لا يقصد به إلا دفع المنكر ولا يقصد منه عقوبة فاعل المنكر ولا زجر غيره لأن عقوبة فاعل المنكر أو زجر غيره هي من اختصاص السلطات العامة (القضاء) وليس للأفراد ، فالقاضي هو من يملك حق تقرير العقوبة من عدمها وهذا الأصل معروف ويعمل به شرعاً وعقلاً وواقعاً .
كما أن لأهل العلم أقول مشهورة حول دور المحتسب ، فهذا الإمام الغزالي يقول (( بأن التدخل لا يكون إلا إذا كان هناك منكر موجود في الحال الظاهر بغير تجسس ، معلوم كونه منكراً بغير اجتهاد ، فكل من ستر معصية في داره وأغلق بابه لا يجوز أن يتجسس عليه ، ولا يجوز الدخول عليه بغير إذنه للوقوف على المعصية)) –إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي ج 2 ص 285 .
ويقول الماوردي –رحمه الله- وأما ما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يتجسس عنها ولا أن يهتك الأستار) –الأحكام السلطانية للماوردي ص 252.
وأما عن موقف الشريعة الإسلامية من مشروعية الدليل المستمد من إجراء غير مشروع ، فقد منعت الشريعة الإسلامية قبول الدليل المستخدم من انتهاك حرمة المسكن ، فالشريعة الإسلامية حرصت على كرامة الإنسان فقد كرم الله الإنسان بنعم لا تحصى وفضله على كثير من المخلوقات التي خلقها ، قال تعالى( ولقد كرمنا بنيّ آدم) الإسراء آية 70 ، ومن مظاهر تكريم الإنسان أن أكد الإسلام على حصانة بيته وحماية حريته وعدم انتهاك حرمة مسكنه فقد قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خيرُ لكم لعلكم تذكرون).
فهذه الآيات تدل على :
1-- تحريم دخول البيت بغير أذن لكي لا يطلع الداخل على عورات أهل البيت ، وعليه إذا كان هناك إنسان يحاول أن يكشف عورات الناس في بيوتهم حتى وأن كان ذلك للحصول على دليل معينّ في قضية ما فإن محاولته حرام ومنعه فيها واجب ،الأمر الذي يترتب عليه أن الدليل الذي تم الحصول عليه عن طريق انتهاك حرمة المسكن دليل غير شرعي نشئ بطريق غير مشروع حتى ولو كان يهدف إلى غاية مشروعة لأنه ما بني على باطل فهو باطل.
2- عدم قبول الدليل المستمد من التجسس :
من شروط الدليل الشرعي الذي يعتد به أن يكون ظاهراً من دون تجسس ، وإذا توقف معرفة الدليل والحصول عليه على التجسس لم يجز الاعتداء بهذا الدليل ، لأن الله تعالى حرم التجسس بقوله ( يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا) الحجرات آية 12 ، وفي تفسير هذه الآية يقول الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ، ( ولا تجسسوا) أي لا تفتشوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوها واتركوا المسلم على حاله ، واستعملوا التغافل عن أحواله ، التي إذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي –راجع تيسير الكريم الرحمن من تفسير كلام المنان ، طبعة مؤسسة الرسالة 1421 هـ ، ص 801 .
وفي ذلك يقول ابن حزم الظاهري-رحمه الله- (فكل ما لا يتوصل إليه إلا بعمل حرام فهو حرام أبداً ، وكل عمل لا يصح إلا بصحة ما لا يصح ، فإن ذلك العمل لا يصح أبداً ، والمعصية لا تنوب عن الطاعة) وعلى ذلك فالوصول إلى إثبات الجريمة بطريق غير مشروع هو مما لا يتوصل إلية إلا بعمل حرام فهو حرام ، وبالتالي فهو باطل والنهي عن التجسس ورد في القران الكريم ( ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا) الحجرات آية 12 .
كما أن في قصة عمر بن الخطاب مع الرجل الذي تسور عليه مسكنه، ووجده يشرب الخمر والتي سبق ذكرها ، نجد أن وجه الاستدلال فيها : أن المتهم قد دفع بأن الدليل على الجريمة لا يجوز أن يأتي من طريق غير مشروع ، ولو أنه ضبط متلبساً بشرب الخمر ، ولكن هذا الضبط كان وليد إجراءات غير مشروعة هي – التجسس والتسوّر وعدم الاستئناس والاستئذان والسلام- ولذلك نجد أن الفاروق عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أقتنع بأسباب هذا الدفع وأسقط الدليل المستمد من حالة التلبس لما تبين له أنه أتى من طريق غير مشروع وأعتبره كأن لم يكن.
أصحاب الفضيلة الأجلاء :
إن خصم المجني عليه سلمان وورثته ، ليست شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تلك الشعيرة العظيمة التي أمرنا بها ، وإنما الخصم ، مجموعة أفراد لا يعدو كونهم ينتمون لهذه الشعيرة العظيمة وظيفياً ، لذا فشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي حقُ ، والحقُ لا يعرف بالرجال ، وإنما بالحق يعرفون ، سنستمر حفظكم الله ووفقكم لقول الحق ،في هذا الموضع إلى سوق الأدلة على بطلان تلك المداهمة المشئومة والتي نتج عنها وفاة مورث موكليّ ، وهذه المرة من الأنظمة المرعية والتي سنها وليّ الأمر وأمرنا بإطاعتها امتثالا للأمر الإلهيّ بطاعة ولي الأمر إذا يقول الله عز وجل ( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) الآية .
إن من هذه المخالفات النظامية ما يلي :
أ- بطلان قواعد التفتيش ويتمثل في :
1-لابد أن يتم التفتيش بطريقة تحفظ كرامة الإنسان ولا تلحق به أذى بدنياً أو معنوياً ، نص المادة 41/1 من مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية ( يجب عند إجراء التفتيش أن يكون بطريقة تحفظ كرامة الإنسان ، ولا تلحق به أذى بدنياً أو معنوياً) وكذلك نص المادة 34/2 من مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية (يجب عند إجراء التفتيش أن يكون بأسلوب يحفظ كرامة الإنسان وعدم إلحاق الأذى به بدنياً أو معنوياً )، والملاحظ على ما قاموا به الجناة عدم مراعاتهم لهذه القاعدة النظامية ، هذا إذا سلمنا جدلاً بصحة الإجراء ، على الرغم من تأكيدنا على بطلانه ، فقتل المجني عليه عمداً وعدوانا من الجناة الأصليين ، والمشتركين بالتسبب في قتله ،ً يتنافى مع وجوب أن لا تلحق كرامته الإنسانية في بدنه ومعنوياته أذى أثناء التفتيش.
2- يجب أن يراعي التفتيش الآداب الشرعية دون تجاوز للحدود أو مخالفة الأنظمة وأن يكون دخول المنازل من أبوابها ، نص المادة 41/10 من مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية ( أن يكون دخوله من بابه ، ما أمكن ذلك)....وهذا ما تم خرقه من قبل الجناة ، إذا تم تسور المنزل وخلع الأبواب الداخلية ، والدخول في الصالة العلوية للمنزل ، والابتداء في قتل
المجني عليه بدون أدنى شفقة ولا رحمة ودونما وجه حق، كما أن هذه القاعدة تتفق مع ما نصت عليه المادة 37 من النظام الأساسي للحكم (للمساكن حرمتها .. ولا يجوز دخولها بغير أذن صاحبها ، ولا تفتيشها إلا في الحالات التي بينها النظام) ، وفي هذه المادة تأكيد على حرمة المنزل وعدم دخوله إلا بإذن ساكنيه ، وعلى أن التفتيش لا يتم إلا في حالات يحددها النظام ، ولا يمكن أن يكون التفتيش اعتباطاً دونما مراعاة للأنظمة والآداب الشرعية ، وهذه المادة جاء سياقها متفقاً مع الحكم الشرعي الذي ورد فيه التأكيد على حرمة المساكن ، إذ يقول الله عز وجل (يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) الآية .
3- يجب اصطحاب امرأة عند تفتيش منزل به نساء ، نص المادة 53 من نظام الإجراءات الجزائية ( إذا كان في المسكن نساء ولم يكن الغرض من الدخول ضبطهن ولا تفتيشهن ، وجب أن يكون مع القائمين بالتفتيش امرأة ، وأن يُمكّنّ من الاحتجاب ، أو مغادرة المسكن ، وأن يمنحن التسهيلات اللازمة لذلك)....وهذه القاعدة كسابقتها ، تم خرقها من قبل الجناة ، إذا أن منزل المجني عليه ، كان به نساء من محارم المجني عليه وقت التفتيش، الأمر الذي سبب الرعب في نفوس النساء والأطفال وهتك الحرمة ، فلم يكن مع الجناة وهم رجال ضبط جنائي بحسب منطوق المادة 26 من نظام الإجراءات الجزائية امرأة ، بل لم يمكّنّ النساء محارم المجني عليه من مغادرة المنزل ولم يمنحن التسهيلات اللازمة لذلك .
4- يجب أن يكون تفتيش المساكن من بعد شروق الشمس وقبل غروبها، نص المادة 51 من نظام الإجراءات الجزائية (يجب أن يكون التفتيش نهاراً بعد شروق الشمس وقبل غروبها، وفي حدود السلطة التي يخولها النظام، ولا يجوز دخول المساكن ليلاً إلا في حالة التلبس بالجريمة)، وهذه القاعدة أيضا كان نصيبها الخرق كسابقاتها ، فقد تم مداهمة منزل المجني عليه في تمام الساعة الثامنة من مساء يوم الأربعاء تاريخ 6/5/ 1428 هـ ،دون مراعاة للحرمة ولحق المجني عليه وساكنيّ المنزل في السُكنى والراحة .
5-نصت المادة 80 إجراءات جزائية على أن (( للمحقق أن يفتش أي مكان ويضبط كل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها ، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة بما في ذلك الأوراق والأسلحة)) ، وهذه المادة تؤكد على أن الغاية من التفتيش هو ضبط ما يحوزه المتهم من أشياء تفيد في كشف الحقيقة ، هذا أذا سلمنا جدلاً بصحة المداهمة رغم بطلانها شرعاً ونظاماً أو أن المجني عليه كان متهماً – رغم عدم ثبوت تهمة في حقه- ، إذاً الغاية ليست إزهاق روح المجني عليه ، والتي تمت بالفعل نتيجة لهذا التفتيش والمداهمة برمتها.
إن عدم احترام ومراعاة أحكام التفتيش يترتب عليه بطلانه ،وجاز لصاحب المنزل التمسك ببطلان التفتيش لتوفر المصلحة بإنتهاك قواعد التفتيش ، ويترتب على ذلك حتماً البطلان أي بطلان العمل الإجرائي الذي هو التفتيش المخالف لقواعده النظامية والتي به تتحقق المصلحة.
ب- بطلان إجراء التفتيش لعدم الاختصاص ويتمثل في الأتي :
1- أن يصدر أمر التفتيش من قبل هيئة الادعاء والتحقيق العام على اعتبارها صاحبة الاختصاص الأصيل وهذا ما جاءت به المادة 41من نظام الإجراءات الجزائية ( لا يجوز لرجل الضبط الجنائي الدخول في أي محل مسكون أو تفتيشه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً ، بأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام) وكذلك نص المادة 41/1 من مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية( يصدر أمر تفتيش المساكن بأمر مسبب من رئيس فرع الهيئة بالمدينة التي بها فرع الهيئة ، ومن رئيس الدائرة في المحافظات وذلك بناء على توصية من المحقق المختص مكاناً ونوعاً ) و كذلك نص المادة 80 إجراءات جزائية (مع مراعاة أنه لا يجوز دخول المساكن أو تفتيشها إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً وبأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام) ، وهذا القيد النظامي قد تمت مخالفته من قبل الجناة، فهم لا يحملون إذناً صادراً من هيئة التحقيق والادعاء العام ، ولا يملكون حجة شرعية ونظامية في مداهمتهم لمنزل المجني عليه تسوغ لهم تلك المداهمة ، وإنما يحتجون بإذن صادر من أمارة منطقة الرياض ، وهذا الإذن لم نراه في جلسات المحاكمة ، ولم يرونه أصحاب البيت المداهم ، وإن صح وجوده فهو يخالف نظام الإجراءات الجزائية ، وبالتالي في حكم الباطل نظاماً ، فأمارة منطقة الرياض لا تملك المسوغ نظاماً بإصدار أوامر تفتيش وإنما صاحبة الاختصاص الأصيل هي هيئة التحقيق والإدعاء العام بحسب النصوص النظامية السابق ذكرها.
2-أن مفهوم البطلان التي جاء به نص المادة 188 من نظام الإجراءات الجزائية ( كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة المستمدة منها يكون باطلاً ) يؤكد لنا أن الهدف من القواعد النظامية التي يقررها نظام الإجراءات الجزائية هو حماية مصالح معتبرة ، فالغاية من نظام الإجراءات الجزائية هي حماية المصالح للفرد والجماعة ، وبتالي هذه الغاية لا يمكن تحقيقها إلا إذا كانت هناك قاعدة نظامية تضمن ذلك ، وهذه القاعدة النظامية هي ( البطلان) والتي قررها نظام الإجراءات الجزائية بموجب نص المادة سالفة الذكر ،إذا يُعد البطلان هو جزاء مخالفة نظام الإجراءات الجزائية مع عدم الإخلال بما يترتب على هذه المخالفة من جزاءات تلحق الشخص المنفذ كالجزاء الجنائي أو المدني أو التأديبي ، فرجل الضبط الجنائي يُسأل عن الخطأ حتى لو كان يسيراً، فالجزاء الإجرائي هو القوة المعبرة عن الطبيعة الإلزامية لمخالفة إرادة المنظم- ولي الأمر-، فالتفتيش مثلاً إجراء يُمثل قاعدة جوهرية الإخلال بها يؤدي إلى إهدار المصلحة التي جاء النظام بالمحافظة عليها.
ثالثاً : الطعن في تسبيب الحكم شكلاً وموضوعاً :
حفل حكم المحكمة بالعديد من المخالفات النظامية والتي تتمثل في الشكل الواجب إتباعه بحسب ما ورد في الأنظمة ذات العلاقة من نصوص، بالإضافات إلى مخالفات تمس أصل الحق المطالبة به ويمكن لنا إجمال هذه المخالفات في الآتي :
أ- بطلان الحكم شكلاً :
1- الدفع ببطلان الحكم بعدم الاختصاص في الادعاء على بقية المتهمين المذكورين في صحيفة الدعوى ، وذلك لمخالفته لصريح المادة 133 من نظام الإجراءات الجزائية ( تختص المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم بالدعوى الجزائية المرفوعة أمامها) ، والحق أن اشتراكهم في جريمة القتل تسبباً هو من المسائل التي يقف عليها الحكم بالدعوى ، ومع هذا كله ما لم يتم استدعاء بقية الجناة ولم يخضعوا للمحاكمة بل لازالوا حتى هذه الساعة هاربين عن وجه العدالة، ولأن وحدة الجريمة هي الرابط المشترك بينهما، فأنه يثبت اختصاص المحكمة العامة الموضوعي في حقهم ، كون موضوع الدعوى هو القتل العمد بموجب أحكام المادة 129 من نظام الإجراءات الجزائية.
2- بطلان الحكم لمخالفته ، ما جاء في تنظيم جلسات المحاكمة ، سنداً لأحكام المادة 156 من نظام الإجراءات الجزائية ، إذا تم إسقاط جلسات فعلية للمحاكمة ، وسبق أن تناولناها بالتفصيل في بداية اللائحة الاعتراضية.
3- بطلان الحكم لمخالفته، ما جاء في نص المادة السابعة من نظام الإجراءات الجزائية والتي أكدت على حضور القضاة لجميع جلسات المحاكم ، وهذا لم يحدث في بعض جلسات المحاكم وسبق وأن تناولناه بالتفصيل في بداية اللائحة الاعتراضية.
4- بطلان الحكم لمخالفته ، ما جاء في نص المادة 157 من نظام الإجراءات الجزائية والتي تنص على وجوب حضور المدعي العام في جلسات المحكمة في الجرائم الكبيرة وهو قيد وجوبي ، وبتالي انعدام هذه القيد يترتب عليه بطلان المحاكمة سنداً لأحكام المادة سالفة الذكر ، إذا أنه طوال مدة المحاكمة وبجلساتها المتعاقبة لم نجد للمدعي العام أي حضور بل لم نشاهده إطلاقاً ونسأل لماذا غاب المدعي العام؟ مع أن النظام يؤكد على حضوره ويترب على عدم حضوره البطلان.
5- بطلان الحكم لمخالفته ، ما جاء في نص المادة 182 من نظام الإجراءات الجزائية ، إذ أنه صدر الحكم دونما إشارة إلى صدوره بأغلبية القضاة أم بإجماعهم ؟ ، علاوة على أن النطق بالحكم لم يكن في جلسة علنية كما نصت على ذلك المادة سالفة الذكر.
ب- بطلان الحكم موضوعاً :
جاء في الأسباب التي بني عليها الحكم، وتم بموجبها صرف النظر عن الدعوى المقامة على المتهمين ، جملة من الأسباب الباطلة بطلاناً مطلقاً لمخالفتها صريح القران والسنة وإجماع العلماء فضلاً عن المخالفات النظامية، وسوف نذكرها ونرد عليها في نفس الموضع التي ترد فيها على النحو التالي:
التسبيب الأول : يرى أصحاب الفضيلة مصدريّ الحكم أن شهادة أعضاء الهيئة على بعضهم غير موصولة لأسباب خمس هي :
1- هؤلاء الأعضاء متهمون في القضية فهم بشهادتهم يدفعون عن أنفسهم :
نقول رداً على ذلك، واضح من عبارة (يدفعون عن أنفسهم) والتي علل بها القضاء لحكمهم وجعلوها قادحاً في شهادة بقية الأعضاء على المتهمين ، أنها مؤسسة على قاعدة ( دفع الضر وجلب النفع) في الشهادة ، وهذه القاعدة أصلا لو رجع مصدريّ الحكم لكتب الفقه لو جدوا أن الفقهاء في الغالب الأعم منهم ، يضرب لهذه القاعدة مثلاً واحد هو مثال الشركاء في المعاملات ، وسنوضح لهم فكرة هذه القاعدة حتى نثبت أنها لا تصلح قادحاً في شهادة المتهمين على بعضهم البعض فذكرها الشيخ الشنقيطي في شرحه لزاد المستقنع في الجزء السادس عشر في الصفحة السابعة والثلاثون ((قال رحمه الله: [ولا من يجر إلى نفسه نفعا أو يدفع عنها ضررا]. أي: لا تقبل شهادة من يجر لنفسه نفعا؛ كالشريك لشريكه، ويدفع عنها ضررا أيضا، فلو أنه شهد بأن شريكه أعطى العامل أجرته، وهم شركاء في مزرعة، فحينئذ إذا لم تثبت هذه الشهادة سيغرم هو وشريكه أجرة العامل، كأن بنى لهما رجل بيتا أو عمارة، فقال شريكه: أديته حقه، فقال: ما أديتني، فاختصما إلى القاضي، فقال: عندي شهود، فجاء بشريكيه، والعمارة بين ثلاثة، فجاء بالشريكين، فالشريكان إذا قبلت شهادتهما دفعا الضرر عن نفسيهما؛ لأنه يجب على الثلاثة أن يتقاسموا قيمة البناء والعمارة وأجرة العامل. والعكس: فلو ادعى مالا، فقيل للشريك: أحضر شهودك، فجاء بشركائه، فإنه إذا ثبت له شيء ثبت للشركاء استحقاقهم على قدر حصتهم من أصل الشركة، فحينئذ لا تقبل لمن يجر لنفسه نفعا ولا لمن يدفع عنها ضررا.))
واستكمالاً للمثال الذي ذكره الشيخ الشنقيطي ،لو أن احد الشركاء قال للقاضي: اشهد بأن شريكي لم يدفع الأجرة للعامل الذي بمزرعتنا، ماذا نكيّف هذه الشهادة ؟ أليست إقراراً ؟ بلى ، ولماذا كيّفت على أنها إقراراً ، لوحدة الشراكة ، وكذلك الحال في شهادة المتهمين على بعضهم البعض ، وبالتالي لم يوفق اجتهاد القضاة فيها ، والضابط في ذلك هو وحدة الجريمة ، فجميعهم شركاء فيها ، وينطبق على حالهما هنا حال الشركاء والذين تمنع شهادتهم لبعض ، فيما يجر نفعاً ويدفع ضراً ، لأنهم إن قالوا : لم نشاهد المتهمين يضربون المجني عليه ، كان من صالحنا كمدعين وفقا ً لهذه القاعدة: أن نقدح في شهادة نفيهم للجريمة ونؤسسها على أنهم بهذه الشهادة إنما يدفعون عن أنفسهم جميعا لأننا نملك أدلة قطعية تعضد الشهادة وتسندها ، وإن قالوا شهدنا على المتهمين بأنهم ضربوا المجني عليه حتى مات ،قلنا ذلك اعترافاً منهم على بعضهم البعض، والقول بخلاف ذلك ينافيّ ما هو مقرر لدى فقهاء الشريعة ، وينافي المنطق والعقل ، فالشهادة التي ترد منهم ويقدح فيها هي ما تجلب لهم النفع وترد عنهم الضر ، فهم جميعاً شركاء في فرقة المداهمة ، فشهادة أحدهم للآخر فكأنما يشهد لنفسه ويدفع عنها ، ولكن شهادة بعضهم على البعض بارتكاب الجريمة هي بمثابة الإقرار، ولو قلنا بما يقوله مصدري الحكم بأن الشركاء في الجريمة إذا شهد بعضهم على بعض فأنهم يدفعون عن أنفسهم ، لما أقيم لله حقاً ولا لعباده ، فمثلاً لو أن هناك جريمة وقعت من خمسة أشخاص ، شهد فيها ثلاثة على اثنين بأنهم من باشر الركن المادي للجريمة ، هل نقول هذه الشهادة باطلة لأن الثلاثة إنما بهذه الشهادة يدفعون عن أنفسهم ضرر إيقاع العقوبة عليهم ، أم نتفق مع المنطق ونعمل شروط قوادح الشهادة في الشريعة الإسلامية على وجهها الصحيح ، ونقول لهم لا بل هذا هو إقرارا واعترافاً في حقكم ولا تعد قادحاً من قوادح الشهادة نؤسسها على قاعدة (جلب النفع ودفع الضرر).
2-أنهم تناقضوا في شهادتهم، ففي بداية التحقيق ذكروا أن المدعى عليهم لم يحضروا ثم بعد إعادة التحقيق أكثر من مرة أقروا بحضورهم:
نقول رداً على ذلك ، إن المتأمل في صك الحكم ليجد أن مصدريه قد استخدموا عبارة (إعادة التحقيق) أكثر من مرة ،بل أننا بعد عدها وجدناها ست مرات ، وهم يعيدونها في أكثر من موضع ، ولنا أن نتأمل فيها حتى نطرح سؤال : هل في ذلك إشارة لنا كمدعين أو لمحكمة التمييز ، بأن هؤلاء المتهمين قد وقعوا في إكراه ، مما غير أقوالهم فأصبحت متناقضة، وما الضير أن يعاد التحقيق معهم لأكثر من مره؟ هل يوجد في النظام ما يمنع ذلك ؟، بل على العكس أكدت المادة 101/6-من مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية- على أن للمحقق تكرار استجواب المتهم إذا اقتضى التحقيق ذلك إذا جاء فيها( وإذا اقتضى التحقيق تكرار استجواب المتهم فله ذلك) ، كما أنه لا يتفق عقلاً أن يعترف المتهم في أول استجواب له ؟! وهذا أمر طبيعياً جداً لا يحتاج أن يفرد كسبب ذات أهمية ، فالجناة في بداية التحقيق أنكروا وبعد ما تمت مواجهتهم بالأدلة الجوهرية-التي تجاهلتها المحكمة- أقروا واعترف بعضهم على بعض،ونرى أن هذا السبب كغيره من الأسباب ، مؤسسٌ على قاعدة هشة ، وضعها مصدريّ الحكم ، وحق لها أن تنهار، ولما لا وقد حشروا الشهادة وأحكامها في غير موضعها.
3- أن المدعي اعتبرهم خصوماً له حسب ما جاء في دعواه وطلبه تعزيرهم :
نقول رداً على ذلك ، وما الضير في هذا ، نعم هم خصوم ، وطالبنا ولا زلنا نطالبً بتطبيق العقوبة المقررة عليهم شرعاً ، وهل لأنهم خصوم لنا ترد شهادتهم ؟ من قال بهذا القول غير أصحاب الفضيلة مصدري الحكم؟ هل شهدوا علينا أم شهدنا عليهم ؟ حتى ترد شهادتهم أو شهادتنا لوجود الخصومة؟ سبحان الله العظيم ، أذكروا لنا دليلاً واحداً في كتب الفقه الإسلامي في جميع مذاهبه ، يقول بأن شهادة الخصم أو العدو لصالح خصمه أو عدوه على شخص آخر ترد بها الشهادة؟ لا يوجد ، عموماً سنضطر أيضا لتوضيح الخصومة التي ترد بها الشهادة ، أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية بأن الخصومة التي ترد بها الشهادة هي العداوة، بل أن صاحب زاد المستقنع قد وضع ضابطاً لهذه العداوة حتى ترد بها الشهادة يقول رحمه الله ( ومن سره مأساة شخص أو غمه فرحه فهو عدوه) وفي ذلك يقول الشيخ الشنقيطي في -المرجع السابق- عند شرحه لهذا الضابط –أي ضابط العدو- ((وهو الذي يسر بالمساءة تصيب الرجل، ويثبت عليه بالشهود أنه سر حينما وقع حادث على فلان، أو اغتم حينما صار الخير له، فحينئذ يثبت أنه عدو؛ لأن هذه يسمونها: دلالة الظاهر على الباطن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس )، فإذا وجد رجل أصابه مكروه، فوجدنا شخصا فرح وسر بهذا؛ دل على أنه عدو له)).
وضرب صاحب زاد المستقنع-رحمه الله- مثالاً لذلك بقوله (كمن شهد على من قذفه، أو قطع الطريق عليه) ، بمعنى لو أن شخص قذف آخر ، ثم قام هذا الشخص بالشهادة عليه لدى القضاء في قضية مختلفة، هنا في هذا المثال ، يحق للقاذف ، أن يقدح في شهادته لوجود العداوة بينهم والتي قامت في أساسها على القذف ، ولنا أن نقيسها على سبب الخصومة التي أقحمها القضاة في قضيتنا وهم لا يعلمون ماهيتها وثبت جهلهم فيها ، ونقول هل ثبت أنه قامت عداوة بيننا وبين المتهمين الذين شهدوا-اعترفوا- على زملائهم بالجريمة، ثم شهدنا عليهم –أي على المتهمين أصحاب الشهادة- بأنهم قد وقعوا في محظور لا تقره الشريعة في قضية أخرى، إن حدث ذلك أمام القضاة العارفين في أحكام الشريعة ، سيحتج هؤلاء القضاة بوجود الخصومة ، وبالتالي ترد شهادتنا والعكس، وهذا لم يحدث البتة ، وعلى افتراض أنه بيننا وبين هؤلاء خصومة أو عداوة ، فشهادة العدو لعدوه ، شهادة تقبل ولا ترد ويعمل بها كما هو مقرر لدى فقهاء الشريعة الإسلامية وهي مسألة أشهر من أن تعرف، راجع في هذا –شرح زاد المستقنع للشنقيطي المرجع السابق-.
4- أن ذوي القتيل شهدوا على هؤلاء الأعضاء أنهم شاهدوهم وهم يضربون المتوفى:
نقول رداً على ذلك ، ولأن ذوي القتيل الحاضرين شهدوا الجريمة والجناة متلبسين بها، أصبحت شهادتهم على أولئك الأعضاء مانعاً يقدح به في صحة أقوال الجناة واعتراف بعضهم على بعض، بدلاً من أن تكون شهادة على واقعة ؟ يعضد بها شهادة الجناة أنفسهم على بعضهم البعض، أصبحت مخرجاً لبراءة الجناة؟ وهذه المرة بماذا سيكيّف مصدريّ الحكم، السبب القادح في شهادة ذوي القتيل على الجناة؟ هل لوجود الخصومة ، فهذا القادح قد تجاوزناه وأثبتنا بطلانه وجهل القضاة مصدري الحكم في أبسط قواعد الشهادة في الفقه الإسلامي؟ أم هل سيؤسس ذلك على قاعدة (جلب نفع أو دفع مضره) أما ماذا ؟ أسباب مبهمة غامضة متناقضة، تنم عن جهل وقصور في فهم أحكام الشريعة ، أتعلمون لماذا وقع مصدريّ الحكم في هذه التناقضات وهذا الجهل؟ لسبب واحد ، أنهم تركوا واغفلوا وتجاهلوا البينة الموصولة والقرائن القطعية التي تدل على ارتكاب الجناة لجريمتهم ، وتفرغوا في البحث عن قوادح الشهادة ، بهدف أن يعضدوا حكمهم ، وفي المحصلة جاءونا بالمتناقضات وبالجهل الذي أحزننا وأبكانا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
5- أنه لم يرد في شهادتهم تحديد موقع الضرب الذي أدى إلى الوفاة :
الرد على هذا السبب، إنما يكون بسؤال: كيف عرف أصحاب الفضيلة مصدريّ الحكم، بأن المتهمين في اعترافاتهم لم يحددوا موقع الضرب؟ هل شهدوا أمامهم في مجلس الحكم وفي مواجهتنا كخصوم، إن كانوا قد شهدوا أمامهم ، فأين شهادتهم في الصك وفي أي جلسة كانت تلك الشهادة التي سمعوها ودونوها ؟ وإن لم يكن حضروا فكيف عرفوا بتلك الشهادة؟ بكل تأكيد سوف يكون عن طريق ملف التحقيق، إذاً إن كان عن طريق ملف التحقيق؟ لماذا يُغض الطرف عن أقوال المتهمين : عبدالرحمن العيسى و فهد السحيم و/ عبد الحميد الشثري و بندر العثيمين وخالد الشهري وتميم الكليفيخ و فلاج الفلاج ،الواردة في ملفات التحقيق والتي توافقت بجملتها على أن الجناة محمد بن موسى وعدنان بن يوسف قد تناوبا المجني عليه بالضرب في مناطق متفرقة من جسمه ورأسه بقدميهما وأيديهما ،بضربات متوالية وعنيفة تنم عن قصد جنائي ، وأين هم عن التقرير الطبي الشرعي؟ والذي اثبت سبب الوفاة بأدلة علمية منطقية تتفق مع تلك الأقوال والمشاهدات، أم أن الأقوال في ملفات التحقيق والتي انشغل القضاة مصدريّ الحكم بخلق قوادح لها قد تمت بانتقائية مريبة قد أضافت في نفوسنا كمدعين بحقنا التي تقره الشريعة لنا بأدلتها وأحكامها أن نقول :- بكل ألم وحسرة-، لقد أضاف هذا الحكم بديباجته وأسبابه ومنطوقه إلى الاتهام اتهاما آخر وإلى المتهمين متهمين آخرين.
وتعرض مصدري الحكم بخصوص الشهادة أيضا ما نصه في الصفحة السادسة من الصك (وأما ما جاء في شهادة الشاهد خالد الكعبي فهي غير موصلة لأن المذكور ممن ادعى تعرضه للضرب، لأنه سبق أن نفى وجود المدعي عليه محمد بن موسى حسب محضر التعرف المشار إليه سابقاً كما أنه لم يحدد موقع الضرب الذي أدى إلى الوفاة مع أن المذكور متهم في القضية وقد أقيمت عليه دعوى بالتستر على التصنيع وتعاطي الخمر وهذا مسقط لشهادته) ،وأمام هذا الجزئية من الحكم نسوق لكم الأدلة على بطلانها كحال الحكم برمته في النحو التالي:
1- لا يعد الضرب من الموانع الشرعية والقوادح في الشهادة ، وبالتالي هي شهادة موصولة ولا ترد ، وإن كان الادعاء بالضرب من القوادح ، فليأتوا لنا بسند واحد على صحة ما ذكروه، فلا دليل شرعي على ذلك ولا نظاميّ ، ولسنا بحاجة أن نعيد الحديث عن القوادح أو موانع الشهادة المعتبرة في الشريعة الإسلامية في هذا الموضع بل نكتفي بما ذكرنا.
2- محضر التعرف على المتهمين ، ليس من الأدلة ، وإنما هو من الدلائل فلا يصلح دليلاً أساسيا على نفي التهمة وإنما يمكن به تعزيز أدلة الثبوت وهذا من المسلمات في الأدلة الجنائية ، فهناك بون شاسع بين الدليل والدلائل ، فالدلائل لا ترتقي إلى مرتبة الدليل ، والسبب أن الاستنتاج في الدلائل يكون على سبيل الاحتمال فتقبل الواقعة أكثر من تفسير، وخصوصاً أن المتهم محمد بن موسى كان ملثماً كما ذكر ذلك زملائه في شهادتهم عليه وهذا مثبت لدى المحكمة ولدى هيئة التحقيق ، بينما الدليل يستنتج على سبيل اليقين والجزم وعلة عدم جواز الاستناد إلى الدلائل وحدها في نفي التهمة ، أن الأحكام يجب أن تبنى على الجزم واليقين-وهذا الذي لم يعمل به القضاة مصدري الحكم- ، وكل حكم بنفي التهمة على الدلائل وحدها هو حكم باطل لأن اقتناع القاضي في هذه الحالة بنيّ على الاحتمال لا على اليقين ، ولنا وقفة هنا لنسأل ، لماذا يغفل القضاة مصدري الحكم الأدلة ويلتفتون للدلائل ؟ تغييب مطلق لأدلة قاطعة لعل من أهمها علاوة على شهادة الشهود لأرتكاب الجناة جريمتهم ، هو تقرير الأدلة الجنائية رقم 783-11 لعام 1428 والذي تضمن تطابق الأنماط الوراثية لعينة الدم لمحمد بن موسى مع الأنماط الوراثية للعينة المأخوذة من مغسلة في الدور العلوي من منزل المجني عليه ، والذي فيه إثبات تام وقرينة قاطعة على تواجد الجاني " م.م " في وقت المداهمة ومباشرته لقتل المجني عليه ظلماً وعدواناً بمشاركة زميله الجاني "ع.ي"؟ والذي يعضد ويؤكد صحة شهادة بقية الأعضاء المشاركين على قيامهم بمباشرة الركن المادي للجريمة؟ ومع ذلك كله لا نجد لهذه الأدلة الواضحة أي اعتبار وإنما نجد مصدريّ الحكم يستندون على الاحتمالات والظن دونما اليقين والجزم ، ولا شك أن في هذا كله مساساً لمبدأ الحياد ، والذي يُعد مبدأ أصيلا في التقاضيّ، ومع الأسف لم نجده ، والأمثلة عليه في هذه القضية كثيرة سنذكرها في موضعها من اللائحة إن شاء الله تعالى.
3- أما بخصوص القول بأن الشاهد خالد الكعبي ، متهماً في القضية ، وقد أقيمت عليه دعوى بالتستر على التصنيع وتعاطيّ الخمر وهذا مسقط لشهادته ، فنقول رداً على ذلك ، أن هذا التسبيب باطل بطلاناً مطلقاً ، كحال الحكم برمته، من عدة وجوه :
أولها : الشاهد خالد الكعبي ، القول باتهامه ، كالقول باتهام المجني عليه من قبله والذي راح ضحية هذا الاتهام، ولكنها أقوال ،هكذا متهم ، تطلق جزافاً ، ويصدق عليها ما استشهد به القضاة مصدري الحكم أنفسهم في قضيتنا ،من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجالا وأموالهم ولكن البينة على المدعي) ، ونقول لأصحاب الفضيلة القضاة مصدري الحكم ، هذه بضاعتكم رُدت إليكم ، إلينا بالبينة على أن الشاهد خالد الكعبي متهماً ؟ أين سند الاتهام ؟ لا يوجد.
ثانيها : أين الدعوى التي أقيمت على الشاهد خالد الكعبي ؟ في أي محكمة ؟ أقيمت ؟ هل صدر بها حكم أم لا؟ إن صدر بها حكم ؟ هل الحكم كان ببراءته من دعوى التستر على التصنيع وتعاطي الخمر ؟ أم بإدانته ؟ إن كانت الدعوى بالإدانة بكل تأكيد سوف يخضع للعقوبة ؟ وهذا يعني أنه وقت إدلائه بالشهادة كان مسجوناً ، وهذا يعني أيضاً أنكم سوف تستعينون بالشرطة لجلبه من السجن كي يدليّ بشهادته ؟ هل أحضروه الشرطة لكم ؟ بكل تأكيد لا ، وإنما قد أتى الشاهد خالد الكعبي من سكنه في منطقة جيزان برفقتي- الوكيل الشرعي- للمحكمة وأدلى بشهادته وعاد إلى جيزان مره أخرى ، وإن كان قد حكم بالبراءة ، فهل يُعقل أن رجلُ تبرئه المحكمة بحكم له حجيته ، لا تقبل شهادته؟ تناقضات وحجج وأقوالا ، يصعب علينا أن ندخلها في قائمة الأحكام وإنما ندخلها في قائمة الادعاءات ، وكأننا لسنا أمام حكم صادر من قضاة يفترض فيهم أن يأخذوا الموقف السلبي والمحايد بين أطراف القضية ، حتى نُذهل ونكون في حيرة من أمرنا ويُخالُ لنا كمدعين أننا لا نرد على حكم محكمة ، وإنما نرد على لائحة جوابية تقدم بها إلينا محامي المتهمين.
ثالثاً : لا توجد قضية ، أتهم بها الشاهد خالد الكعبي ولا حكم صادر من المحكمة ، وإنما هذا القول قد سمعناه من محامي المتهمين في الجلسة ، إذ قال أن الشاهد خالد الكعبي متهم بقضية وحكم فيها ،رغم نفيه لها ، وهذا ما سمعه القضاة وحكموا على أساسه ودونوه في صك حكمهم ، وهذا يندرج تحت باب (حكم القاضي بعلمه) ولا شك أن الشريعة الإسلامية لعدالتها قد منعت على القاضي أن يحكم بعلمه وهو القول الراجح من أقوال العلماء وذلك منعاً لأتهامه وتحيّزه والطعن في حياده –راجع في ذلك إعلام الموقعين الجزء الثاني ، الصفحة 143- وأكد عليها النظام السعودي ،إذ جاء في المادة 180 من نظام الإجراءات الجزائية ما نصه ( تعتمد المحكمة في حكمها الأدلة المقدمة إليها في أثناء نظر القضية ، ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه وبما لا يخالف علمه).
أصحاب الفضيلة الأجلاء :
قد تلاحظون أننا قد اضطررنا مجبرين في هذه الجزئية المتعلقة بالأسباب التي ذكرها أصحاب الفضيلة مصدريّ الحكم ، لضرب الأمثلة لقوادح الشهادة وشيئاً من الشرح لها ، وما كنا نريد أن تتحمل لائحتنا الاعتراضية أكثر مما لا تحتمل، لولا أننا اصطدمنا بعدم الإلمام والفهم الجيد لأبسط قواعد وأحكام الشهادة في الشريعة الإسلامية من قبل القضاة مصدريّ الحكم، ولم نكن نتوقع ذلك وإنما اقتضى المقال منا هذا.
التسبيب الثاني : يرى أصحاب الفضيلة مصدريّ الحكم ، أن ما جاء في نتيجة التحقيق من إدانة المدعي عليهما بالقتل العمد العدوان فهذا لا دليل عليه لما يلي :
1- أنه الثابت من خلال التقرير الطبي أن وفاة المتوفى سلمان كانت بسبب الضربة التي وقعت على عينه وهي ضربة واحدة فكيف ينسب القتل العمد العدوان لأثنين :
نقول رداً على ذلك ، لم يرد في التقرير الطبي ما نصه أن سبب الوفاة يعود إلى ضربة وقعت على عينه المجني عليه سواء كانت واحدة أو مئة ضربة ، ويجب على أصحاب الفضيلة مصدريّ الحكم أن يعودوا مرة أخرى إلى ما ورد في التقرير الطبيّ حتى يتثبتوا من سبب الوفاة جيداً قبل أن يصدروا أحكامهم ، فقد ورد في التقرير الطبي الشرعي رقم (140) لعام 1428هـوالمرفق على اللفات 149 و 154 ، في الجزئية المتعلقة بسبب الوفاة ما نصه ((5) - كسر متفتت بعظام سقف حجاج العين اليمنى بارز إلى تجويف الحفرة الجمجمية الأمامية اليمنى لقاع قاعدة المخ ، وسبب الوفاة ما جاء في الفقرة (5) من التقرير الطبي الشرعي)) .
وبناء على ما جاء في التقرير نجد أن سبب الوفاة كسر متفتت وصل إلى تجويف الحفرة الجمجمية لقاع المخ ، ومنقطة الكسر كانت في سقف حجاج العين اليمنى حتى أمدت الضربات إلى قاع المخ ، وهناك فرق بين حجاج العين وبين العين ، لأن الحجاج فوق العين ، وليس هو العين ، فكيف يوعز مصدريّ الحكم الضربة إلى العين ؟ كما أن التقرير الطبي يثبت لنا موالاة الضربات وفحشها حتى أن أيديهم وأرجلهم قد وصلت إلى قاع المخ أي أنها قد تجاوزت مرحلة أن تكون جرحاً بسيطاً خارجياً يكون على حاجب العين ، إلى جرحاً عميقاً أصاب المجني عليه في مقتل ، ولا شك أن في ذلك تأكيداً على العمدية والقصد وهذا ما عليه أجماع أهل العلم على اختلاف مذاهبهم .
أما فيما يخص كيف ينسب القتل العمد العدوان لأثنين ؟ فعلاوة على أن القضاة في أحكامهم يجب أن لا تبنى على التساؤلات بل على الجزم واليقين وهذه من المبادئ والمسلمات في القضاء ، سنترك التقرير الطبي ودور أهل الخبرة يجيبهم على هذا التساؤل : فقدر ورد في التقرير الطبي سالف الذكر ما نصه :
(1)-وجود كدم رضي بالرأس حديث يشمل جفني العين اليمنى
(2)- سحج احتكاكي حيوي تحت اليد اليمنى
(3)- سبع سحجات رضيه احتكاكية غير منتظمة الشكل بالعنق منتشرة بمقدم العنق على الناحيتين
(4)- تسع سحجات خدشيه حيوية كما لوحظ وجود كدمات رضيه حيوية حديثة متداخلة بشكل كيس الصفن بمنطقة العجان
(5) - كسر متفتت بعظام سقف حجاج العين اليمنى بارز إلى تجويف الحفرة الجمجمية الأمامية اليمنى لقاع قاعدة المخ ، وسبب الوفاة ما جاء في الفقرة (5 ) من التقرير الطبي الشرعي.
وبحسب بسيطة لما ورد في التقرير نجد أن عدد السجحات سبعة عشر ، بالإضافة إلى كدمات لم يحصها التقرير وهذا الكدمات كانت متفرقة ومتداخلة وما يؤكد على كثرتها كونها قد شكلت ما يشبه كيس الصفن بمنطقة العجان ، كما أن هذه الكدمات امتدت أيضا إلى ما تحت اليد اليمنى للمجني عليه ، وهذا يعطينا إشارة إلى موالاة الضربات وتعددها ، وتتفق عقلاً ومنطقاً مع أقوال الشهود على أن المباشر لهذه الأفعال لم يكن شخصاً واحداً بل اثنين ، لأن السجحات والكدمات والكسر المتفتت لم تكن واحدة .
كما أن هذا يتوافق مع أتفاق الأئمة رحمهم الله ، (حيث اتفقوا على أنه إذا قام جماعة بقتل شخص واحد في فور واحد بأن توافقت إرادتهم على القتل في وقت الحادث –حتى وإن لم يكن هناك اتفاق سابق بينهما على قتله- فإن كلاً منهم يعتبر قاتلاً عمداً له ، وليس هناك عبرة بالتفاوت بين الجناة في عدد الجراح وفحشها فإذا احدث أحدهم جرحاً والآخر عشرة أو أقل أو أكثر فحشاً فكلاً منهم مسئولا عن القتل العمد مادام قد احدث جرحاً له دخل في إحداث الوفاة) راجع في هذا أقوال العلماء في المراجع التالي:
- المغني الجزء التاسع ، الصفحة 336
-الشرح الكبير الجزء التاسع، الصفحة 335، ومابعدها
-الزيلعي الجزء السادس، الصفحة 114
-البحر الرائق الجزء الثامن، الصفحة، الصفحة 310
-المهذب الجزء الثاني، الصفحة 186 .
2-أنه لم يذكر لا من خلال التحقيق ولا من خلال أقوال أطراف القضية استعمال آلة في ضرب المتوفى بل الذي انتهى إليه التحقيق أن المتوفى تعرض للضرب على رأسه بالقدم فلا آله قاتلة ولا الموضع مقتل ، فالرأس ليس من المقاتل إذا كان الضرب بلا آلة كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية :
ونقول رداً على ذلك ، أين نص شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- على ذلك ، في أي مؤلف له ورد هذا القول ؟ مؤلفات الشيخ بحورٌ متلاطمة؟ هكذا فقط –قولٌ مبهم- نص الشيخ ابن تيمية وكفى ، وهذا لا شك فيه مخالفة لقواعد تسبب الأحكام إذا لا بد أن يكون الإسناد فيها واضح المعالم لا غموض ولا لبس فيه ، وعلى افتراض أن شيخ الإسلام بن تيمية قد نص على هذا فإننا ومع ذلك كله نقول :
من المسلمات عند أهل العلم ، إن أجماع العلماء هو بمثابة الدليل القطعي على الحكم ، أما رأي فقيه واحد،فهو دليل ظنيّ أي غير ملزم ولا يكون ملزماً إلا إذا أمر ولي الأمر بوجوب أتباعه فيصبح في هذا الحالة ملزماً وواجب الإتباع ، والحق أن ولي الأمر نص على وجوب إتباع الإجماع ، وأعتبر أي حكم يخالف ما جاء به الإجماع هو باطل ، بطلاناً مطلقاً ويستحق النقض، وذلك بدلالة نص المادة 201 من نظام الإجراءات الجزائية إذا جاء فيها (ينقض الحكم إذا خالف نصاً من الكتاب ، أو السنة أو الإجماع) ، وقد اجمع الأئمة رحمهم الله على أن الضرب بالقدم من الآلات القاتلة في أي موضع كان من جسم الإنسان طالما نتج عنه موته ، ومفاد هذا الإجماع يتمثل في أن يكون القتل بفعل الجاني أو الجناة في حالة التعدد ، وأن يكون من شأن هذا الفعل إحداث الموت ، ولا يشترط أن يكون الفعل من نوع معين لاعتباره قتلاً ، فيصح أن يكون ضرباً أو جرحاً أو ذبحاً أو حرقاً أو خنقاً أو تسميماً أو غير ذلك ، كما أنه يصح أن يقع الفعل من الجاني مرة واحدة أو يقع على التوالي في مدة ٍ طالت أو قصرت.
وإليكم النقولات من كتبهم رحمهم الله والتي تدرس في جامعاتنا الشرعية ومساجدنا العامرة بالذكر والعلماء وطلبة العلم :
1- في الفقه المالكي :
يرى الإمام مالك رضي الله عنه وجاء ذلك في المدونة الشهيرة والمعروفة –بمدونة الإمام مالك – في الجزء السادس عشر وفي الصفحة 108- الطبعة الأولى بمطبعة السعادة (( إنه لا يشترط في الفعل القاتل أو أداة القتل شروطاً خاصة، فكل ما تعمده الإنسان من ضربة بلطمة أو بلكزة أو بحجر أو بقضيب أو بغير ذلك ، كان القتل عمداً إذا مات فيه المجني عليه ، ما لم يكن الجاني قد تعمد الفعل على وجه اللعب كأن يتصارع الرجل وصاحبه أو يتراميان بالشيء على وجه اللعب)).
ويتفق بعض فقهاء المالكية مع ما ذهب إليه الإمام مالك بأن الفعل يعتبر قتلاً عمداً سواء كانت أداة القتل مما يقتل غالباً كالسيف أو مما لا يقتل غالباً كالعصا والضرب باليد ولكن بشرط أن لا يكون الفعل قد وقع بقصد اللعب أو التأديب –راجع في ذلك الشرح الكبير للدردير الجزء الرابع ، الصفحة 215 ، المطبعة الأميرية-.
2- في الفقه الشافعي وفي الفقه الحنبلي :
أما الإمامين الشافعي وأحمد ، وإن كان يشترطان في القتل العمد أن يكون القتل بأداة تقتل غالباً –كالسيف والرمح والمسدس ونحوهما- إلا أنهم رضي الله عنهما ، قد فصلوا في أدوات القتل الأخرى ولم يتركوها سدى على النحو التالي :
أ- ما يقتل غالباً ، وهو كما أشرنا السيف والرمح والمسدس ونحوهما.
ب- ما يقتل كثيراً بطبيعته ولا يقتل غالباً كالسوط والعصا.
ج-ما يقتل نادراً بطبيعته كالإبرة غير المسمومة واللطمة واللكزة.
وما يهمنا في تفصيل أدوات القتل هو ما يختص في موضوع قضيتنا وهي أداة اللطمة واللكزة ، فمن المعروف أن اللطمة واللكزة يكون مصدرها أطراف الإنسان ، فالجاني يستخدم في اللطمة واللكزة يده أو قبضته أو قدمه أو ينطح المجني عليه برأسه ونحو ذلك ، فالإمامين الشافعي وأحمد قد جعلوا من اللطمة واللكزة وهن من الأدوات التي تقتل نادراً بطبيعتها في مرتبة الأدوات التي تقتل غالباً ، أي جعلوا اللطمة كالسيف ، في بعض الظروف كمرض المجني عليه أو ضعف بنيته أو صغره أو لوقوع الإصابة في مقتل وكذلك تعدد اللطمات أو اللكزات أو الضربات وموالاتها تدخل ضمن ما يقتل غالباً ، ونخلص من ذلك أن قصد الجاني القتل بما لا يقتل غالباً مع موالاة الضربات حتى يموت المجني عليه يعتبر عندهما – رضي الله عنهما- هو من القتل العمد ، لأن موالاة الضرب حتى الموت تجعل أداة القتل قاتلة .
- راجع في الفقه الشافعي (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج الجزء السابع ، الصفحة 238 وما بعدها ،مطبعة الحلبي ، حاشية البجيرمي على منهج الطلاب الجزء الرابع ، الصفحة 130 وما بعدها ، مطبعة الحلبي، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج الجزء الرابع ، الصفحة 3 وما بعدها، والمهذب الجزء الثاني ، الصفحة187 وما بعدها الطبعة الأولى مطبعة الحلبي).
- راجع في الفقه الحنبلي ( المغني على مختصر الخرقي الجزء التاسع ، الصفحة 321 وما بعدها مطبعة المنار ، الشرح الكبير على متن المقنع الجزء التاسع ، الصفحة 320 وما بعدها مطبعة المنار ، الإقناع الجزء الرابع ، الصفحة 163 وما بعدها ، الطبعة الأولى المطبعة المصرية).
والحق أن مولاة الضربات وتعددها قد وقع في مقتل إذا انه أمتد إلى قاع المخ ومات على أثرها المجني عليه ، كما أن بنية المجني عليه لا تتحمل مثل هذه الضربات فهو ليس بالرجل الضخم والقوي وإنما بنيته ضعيفة مقارنة ببنية الجناة فهم يتجاوزونه بالقوة والضخامة.
ونعود إلى ما استشهد به مصدريّ الحكم من قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وعلى افتراض صحة هذا الاستشهاد ، لأننا لا نعلم في أي مؤلفاً للشيخ ورد ، نقول : هل يعقل في زمننا هذا أن لا يكون القدم من الآلات القاتلة أو لا يكون رأس الإنسان موضع مقتل ، وقد انتشرت رياضة الدفاع عن النفس بكافة أنواعها كالجودو والكاراتيه وغيرها، إذ نجد أن ممارسيّ هذه الرياضة يستطيع الواحد منهم بضربة واحدة بقدمه أو قبضته أن يحول ساتراً إسمنتياً إلى فُتات ٍ كفتات الخبز ، وهب أن أحد هؤلاء قام وضرب أحد الأشخاص بقدمه ضربة واحدة فتهشم منها رأسه وقضى نحبه ، ورفعت دعوى القتل العمد إلى احد القضاة ، لا بل إلى أصحاب الفضيلة ناظريّ قضيتنا ومصدريّ حكمها ، هل إذا احتج القاتل برأي شيخ الإسلام ، سيذهب دم المقتول سدى ، بغض النظر عن كون الإجماع هو الحجة، وبغض النظر ، عن كون الحكم على ما يخالف الإجماع باطلاً في الأنظمة السعودية؟ لا شك أن القول بهذا يخالف المنطق ويتنافى مع روح الشريعة الإسلامية ، ويشجع المجرمون المتشفون والمتعطشون إلى الدماء ، إلى ضرب الناس على رؤوسهم بإقدامهم أو أيديهم ، لأنهم من العقاب في مأمن بحجة هذا الرأي أو هذا القول، نسأل الله العفو والسلامة.
3- وعلى فرض ثبوت قيام أحد المدعى عليهم بضرب المتوفى بقدمه على رأسه فلا يعني ذلك أنه عمد إلى قتله ، لأن العمدية يستدل عليها إما بالآلة وإما بموضع القتل وكلاهما منعدم في هذه القضية :
نقول رداً على ذلك : من المسلمات لا بل من الأبجديات التي يعرفها كل من درس القضاء ، قبل أن ينتميّ إلى سلكه ويمتهنه ويحمل أمانته العظيمة ، أن الأحكام لا تبنى على الفرضيات ، وأن أي حكم يبنى على فرضية أو احتمال هو حكمُ باطل بإجماع أهل العلم وهذا ما أكدت عليه أيضا الأنظمة القضائية والعدلية في بلادنا، ومع ذلك كله نصطدم في أكثر من موضع في الحكم المتعلق بقضيتنا ، أنه في الغالب الأعم منه بنيّ على الظن والاحتمال لا على اليقين والجزم ، فهاهم القضاة مصدريّ الحكم قد ابتداؤها، أي هذه الجزئية من أسباب الحكم ، بمصطلح (وعلى فرض ثبوت) ، وهذا المصطلح أي مصطلح الفرضيات والاحتمالات قد يذكرها وكلاء الدفاع أو المدعين بالحق الخاص، أما أن يذكرها قضاة فإنهم بذكرها قد تحولوا من ساحة القضاء إلى ساحة الدفاع ، وهذا بلا شك فيه مساس بأصل ثابت من أصول التقاضي وهو مبدأ الحياد ، ومع ذلك كله ، نستعين بالله ونرد قائلين : لقد أثبتنا في الجزئية السابقة من نقول أهل العلم في كتبهم على إجماعهم –رحمهم الله- على أن الموالاة بالضرب تجعل من الأقدام والأيدي في مصاف الآلات القاتلة ، إذا وقعت في مقتل وهذا ما أكده- تقرير الطبيب الشرعي- فقد أكد على الموالاة بالضرب وتكراره عند عده للسحجات والكدمات كما أكد على وجود كسر مضاعف –متفتت- ، وأكد على أن الضربات قد وصل أثرها إلى قاع المخ وهذا بلا شك يعني أنها قد وقعت في مقتل ، أما وقوف مصدريّ الحكم وحديثهم عن الآلات والعمدية ليس في موضعه الصحيح ، لأنه الحديث عنها يوحي لنا اعتمادهم على جنس الآلة دونما تفصيل لفهم أهل العلم حول جنس الآلة وموضع القتل ، أي نعم أن الآلة هي ما يستدل بها على القصد الجنائي والعمدية ، ولكنها ليست على إطلاقها ولم يكن هذه فهم أهل العلم ، فليس لديهم فقط أن القتل العمد يستدل به بالمحدد أو المثقل ، ودونما النظر إلى الآلات الأخرى كاليد أو القدم –بالرفس أو الركل أو اللطم- ومواضع القتل ، بل فصلوا في ذلك –وهذا ما نقلناه عنهم في ردنا السابق- ولم يتركوها سدى –وحاشا لله- أن يتركوها سداً ، لأنهم يعلمون –رحمهم الله- بأن تركها يتنافى مع روح الشريعة الإسلامية في إقامة القصاص ، وإلا كان بالإمكان أن يفلت كثير من الجناة من عقوبة القتل ، وبالتالي يحتجون أن القتل بغير محدد ٍ ولا مثقل عند الحديث عن القتل بالمباشرة ، لا قصاص فيه ، وإنما دية ، وتذهب دماء الناس هدراً ، وهذا كما قلنا يشجع الجناة على ارتكاب قتل النفس المحرمة ، لأنه بكل تأكيد سنداً للغلو في جنس الآلة بناءً على رأي مصدريّ الحكم ، سيحتج من يثبت خصمه أرضاً ويقوم برفسه وركله كهيئة الاستعداد العسكري كما هو ثابت في قضيتنا بالأدلة ، بأن خصمه المجني عليه مات بآلة غير قاتله لأن الفقهاء يقولون القتل العمد على إطلاقه لا بد أن يكون بمحدد –كالسيف أو الرمح أو المسدس- أو يكون بمثقل- كالحجر والخشب –ونحوهما ، دونما تفصيل ولا تقييد ، وهذا لا شك يتنافى مع ما هو مقرر لدى فقهاء الشريعة الإسلامية على اختلاف مذاهبهم وهذا ما ذكرناه سابقاً و أكدناه نقلاً عنهم-رحمهم الله- ونربط هذه الجزئية من ردنا بما سبق ، ونكتفي فيها بهذا القدر.
ثالثاً: يقول أصحاب الفضيلة مصدريّ الحكم في الجزء الأخير من أسبابهم لرد الدعوى ما نصه ( وأما ما يفيد ما ذكر من أدلة التحقيق فلا أثر لها لأنها ليس بأدلة على مثل هذه الدعوى ..الخ)
نقول رداً على ذلك : من الملاحظ عند قراءة صك الحكم بتمعن وبعين ثاقبة وفاحصة ، سيصطدم القارئ المتمعن بجملة من المتناقضات والغموض وخصوصاً في الأسباب التي بنى عليها مصدريّ الحكم حكمهم ، وفي هذه الجزئية بالذات يتجلى لنا الغموض والتناقض على النحو التالي:
1- أما ما يختص بالغموض، فهو قولهم ( ما ذكر من أدلة التحقيق فلا أثر لها) ، ما هي هذه الأدلة التي ليس له أثر في دعوى القتل العمد ؟ هل يقصد بها شهادة الشهود أم التقرير الشرعي الطبي أم تقرير الأدلة الجنائية أم ماذا ؟ وما هي الأدلة التي تصلح لمثل هذه الدعوى ،لا نعلم ، غموض في غموض ، ومع ذلك كله سنتطرق إلى هذه الأدلة وهل هيّ تصلح في موضوع قضيتنا أم لا بعد قليل.
2- أما ما يختص بالتناقض، فيتمثل في أنهم تارة يأخذون بما جاء في ملف التحقيق من أدلة ويفندونها وتارة لا يلتفتون لها ، بل أنهم يرون أنها لا تصلح كدليل إدانة وفي ذات الوقت يجعلون منها دليل براءة ، وكان ينبغي لهم أن يحددون لنا مساراً واحداً استندوا عليه في اعتقادهم وقناعتهم حتى أصدروا الحكم ، لا شيء ، بالفعل كان حافلاً هذا الحكم بجملة من التناقضات والغموض ، مما سيجعلها بلا أدنى شك عرضه للنقض والبطلان لأنها لا تتفق مع ابسط قواعد تسبيب الأحكام وهذا متفق عليه شرعاً ونظاماً، إذ يجب أن يكون التسبيب واضحاً لا لبس فيه ولا غموض ، وأن لا يكون متناقضاً بين الفينة والأخرى.
ومع ذلك كله، سنسوق الأدلة والبراهين القاطعة والجازمة من الواقع والمعقول ومن أقوال أهل العلم ومن الأنظمة ذات العلاقة، ومحور هذه البراهين يدور حول قول مصدريّ الحكم بأنه لا أثر لها، لأنها ليست بأدلة على مثل هذه الدعوى:
أن قول مصدريّ الحكم بأن الأدلة التي تضمنتها ملفات التحقيق ، كالتقرير الطبي الشرعي ، وتقرير الأدلة الجنائية واعتراف الجناة، لا تصلح أن تكون دليلاً في مثل هذه الدعوى ، يفهم منه أن مصدري الحكم وبغموض منهم يرمون بقصدهم إلى الشهادة ، أي أن الشهادة هي الدليل الوحيد الذي يصلح في دعوى القتل العمد ،وذلك لأنهم اكتفوا بتفنيد الشهادة والطعن فيها بقوادح ولأن مدار حكمهم في صرف الدعوى كان يدور حول هذه الشهادة التي خلقوا لها موانع وقوادح لا تنسب إليها فقهاً ونظاماً ، وعليه يكون ما يخص تقرير الطبيب الشرعي وتقرير الأدلة الجنائية ليست دليلاً يعتد به في إثبات جريمة القتل العمد بزعمهم ، ونقول رداً على ذلك : مع أن القضاة مصدريّ الحكم قد تجاهلوا أدلة الإثبات والتي تقدمنا بها إليهم والمتمثلة في تقرير الطبيب الشرعي وتقرير الأدلة الجنائي واعتراف الجناة أنفسهم على زملائهم مباشريّ الركن المادي للجريمة أمام هيئة التحقيق ، سنوضح بطلان الاستدلال بأن هذه الأدلة لا تصلح أن تكون دليلاً في هذه الجريمة ، على أن نعرض أدلة إثباتنا وأدلة نفيّ خصومنا على النحو التالي :
ماذا قدمنا وماذا قدموا من أدله ؟، نحن قدمنا من الأدلة اعترافات الجناة أنفسهم على بعضهم ودليل التقرير الطبيّ الشرعي الذي يثبت وفاة المجني عليه نتيجة اعتداء عمديّ ، ودليل الأدلة الجنائية على أن الجاني محمد بن موسى كان موجوداً في وقت المداهمة وذلك أثر وجود عينه من دمه في مسرح الجريمة ، وهذا يعاضد اعتراف زملائه عليه ، وننظر ماذا قدموا الجناة من أدلة تنفيّ قتلهم للمجني عليه ؟ أتدرون ماذا قدم الجناة من أدلة ؟ أقوال فقط ، هذه أدلتهم ، بادرهم القضاة بالسؤال ، ماذا تقولون في الإدعاء المقدم إليكم ؟ قالوا نحن براء مما يقولون ، فهذا الجاني محمد بن موسى في الصفحة الأولى من الصك في السطر الحادي والعشرين يقول ما نصه ( والصحيح أنني بريء من هذه القضية) ، انتهى قال محمد بن موسى أنه بريء فهو بريء وبراءته لا ريب فيها ، هذا هو دليله على براءته مجرد قول ، ولنا أن نسأل هل يعقل أن يبنى دليل براءة على مجرد قول وهل هذه من العدالة والأنصاف بشيء؟ ، أقوال فقط ،وفي النهاية يأتيك الحكم بالبراءة ، هكذا أذهب يا محمد بن موسى وهنيئاً لك البراءة ، فقولك المجرد بمثابة ألف دليل لا بل لا تصمد أمامه كل الأدلة لا اعتراف زملائك عليك ولا عينة دمك التي شهدت على تواجدك ولا تقرير الطب الشرعي الذي اثبت موت المجني عليه بفعلك ، كلها لا تصلح دليلاً وإنما الدليل الذي يصلح هو قولك فقط ، والطريف المحزن في نفس الموضع الذي جاءت فيه أقول الجاني محمد بن موسى يقول ( قد تحاملوا عليّ المحققون) ونسأل لماذا تحاملوا عليك يا محمد بن موسى ، يجيبنا بالقول ( بسبب أنني قبضت على عضو تحقيق في قضية اختلاء وتم فصله ) أبهذا السبب تحاملوا عليك ؟ أيتحامل موظفون في جهاز حكومي على متهم؟ لهذا السبب ؟ وما علاقتهم بزميلهم المفصول لقبضك عليه،أن صحت روايتك ؟ هل بينهم رابط دم أم قرابة أم ماذا ؟ حتى تدفعهم على أن يتحاملوا عليك ، أقوال لا تتفق مع المنطق ؟ ونربأ بأنفسنا ونحن أولي دم المجني عليه أن نقيس على ما تقول،و نتحامل على جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهم تسببوا في مقتل ابننا، وإذ هم تحاملوا عليك ، ماذا عن الطبيب الشرعيّ وموظفيّ الأدلة الجنائية ؟هل تحاملوا عليك أيضا ؟ هل تم فصل أحد منهم بسببك ؟ لن يجيب ، هي أقوالٌ لا تغني عن الحق شيئاً.
وأما أدلة الجاني " ع.ي"، فليست بعيدة عن أدلة شريكه الجاني "م .م" تتشابه في الشكل والمضمون ، مجرد أقوال ، نحيل –أصحاب الفضيلة الأجلاء في الدائرة الجنائية في محكمة التمييز بالنظر فيها- بدل من سردها هنا لأن المقام لا يتسع إذا أننا نحاول بقدر استطاعتنا إلى الإيجاز ولكننا نضطر أحياناً إلى الإسهاب لأن المقال يفرض علينا ذلك.
أما نحن فهذه أدلتنا نسوقها إليكم ، والتي تثبت صحة إدعاءنا من الواقع والمنقول والمنطوق والمقروء من أقوال أهل العلم ومن ساحات المحاكم السعودية ، والتي تصلح دليلاً قاطعاً على نسبة جريمة القتل العمد على الجناة :
الدليل الأول : اعتراف الجناة بعضهم على بعض :
1-ما جاء في أعتراف / "ع.ع" من مشاهدته للجاني /"م .م" وهو يقوم بركل سلمان بقدمه على رأسه بشدة في الموقع والمدونة على الصفحة رقم (9) من ملف التحقيق رقم (55)
2--ما جاء من أعتراف / "ف .س" من مشاهدته لشخص ملثم وهو يقوم بركل المجني عليه بقدمه على رأسه بشدة في الموقع وقد علم انه الجاني /"م .م "والمدونة على الصفحة رقم (1-4) من ملف التحقيق رقم (55).
3- ما جاء في أقوال / "ع.ش" و "ب.ع " و "خ.ش" و"ت.خ" و "ف.ج " من اشتراك الجاني "م.م" في المداهمة والمدونه على الصفحة رقم (6-9) من ملف التحقيق رقم (55).
4- ما خلصت إليه اعترافات الجناة بأن الجاني الأول - "م.م"- قد قام بقتل المجني عليه –سلمان بن محمد شامي حريصي- عمداً وذلك بضرب رأس المجني عليه ، بقدمه بشدة كهيئة الاستعداد العسكري ، وقيام الجاني الثاني - "ع.ي" - بقتل المجني عليه عمداً وعدواناً وذلك بضرب رأس المجني عليه ، بشدة بيده وقدمه بعد السيطرة عليه وتقييده أثناء مشاركتهما في المداهمة والقبض عليه بالرغم من عدم اختصاصهما النظامي والشرعي.
الدليل الثاني : ما جاء بتقرير الأدلة الجنائية رقم 783-11/فحوص وراثية /1428هـ المتضمن تطابق الأنماط الوراثية لعينة الدم التي رفعت من المغسلة التي بالمنزل الذي تمت مداهمته مما يثبت أن المتهم "م .م" هو مصدر تلك العينة بالرغم من نفيه المشاركة في المداهمة أو دخول المنزل المرفقة على اللفة (129).
الدليل الثالث : ما جاء بالتقرير الطبي الشرعي رقم (140) لعام 1428هـ ، والمرفق على اللفات 149 و 154.
(1)-وجود كدم رضي بالرأس حديث يشمل جفني العين اليمنى
(2)- سحج احتكاكي حيوي تحت اليد اليمنى
(3)- سبع سحجات رضيه احتكاكية غير منتظمة الشكل بالعنق منتشرة بمقدم العنق على الناحيتين
(4)- تسع سحجات خدشيه حيوية كما لوحظ وجود كدمات رضيه حيوية حديثة متداخلة بشمل كيس الصفن بمنطقة العجان
(5) - كسر متفتت بعظام سقف حجاج العين اليمنى بارز إلى تجويف الحفرة الجمجمية الأمامية اليمنى لقاع قاعدة المخ ، وسبب الوفاة ما جاء في الفقرة (5 ) من التقرير الطبي الشرعي.
الدليل الرابع : ما جاء بمحضر الانتقال والمعاينة والمدون على الصفحة رقم (1-4)من ملف التحقيق رقم (3).
أليست هذه أدلة كافية على قيام الجناة بارتكاب جريمتهم ، أما أن الاعترافات التي كُيّفت على أنها (شهادة) ، هي فقط الدليل الذي يعتد به من قبل القضاة بعدما خلقوا لها قوادح وأسسوا حكم البراءة عليها ونقول لأصحاب الفضيلة مصدري الحكم ، سنترك أهل العلم من الفقهاء يتحدثون عن دور أهل الخبرة في إثبات الجرائم –نيابة عنا- وأن أقوال أهل الاختصاص تصلح أن تكون دليلاً يقام به حدا أو قصاصاً في حقوق الله وحقوق عباده على النحو التالي :
أجمع فقهاء الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة على وجوب الرجوع إلى أهل المعرفة والبصيرة فيما هو معروض أمام القضاء ، ولا يثبت إلا بقولهم ، راجع في ذلك - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ط1 ص148 ،المهذب في فقه الإمام الشافعي ط1 الجزء الثالث ص 544، معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام ط2 ص130، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام ط1 الجزء الأول ص247- .
ولا يوجد من الفقهاء من لا يأخذ بقول أهل الخبرة فيما لا يعلمه القاضي، وفي ذلك يقول الماوردي –رحمه الله- في مؤلف الحاوي الكبير الجزء 16 ص 201 ما نصه (إن لكل جنس ونوع أهل خبرة هم أعلم به من غيرهم) وصدق رحمه الله ، إذ أنه لا يعقل أن يكون القاضي ملماً بكل العلوم ، ولذلك جاز له أن يستعين بأقوال أهل الخبرة وأن يبني أحكامه على ما جاء فيها ، لا أن يركن إلى معلوماته العامة ، طالما أن كلام أهل الخبرة يتوافق مع المنطق والعقل ، وأنه في قضيتنا يتوافق مع المنطق والعقل ، إذ نحن أمام جثة هامدة ، أثبت الطب الشرعي أنها قد تعرضت إلى اعتداء بالأيدي والأرجل ، والعقل يرشدنا إلى حقيقة لا لبس فيها ، عندما نكون أمام قتيل ، فلا بد أن له قاتلاً ، وهذا الذي لم يفكر فيه مصدري الحكم ، بل أنهم تجاهلوا هذه الحقيقة ، ونحن نقول على فرض- ويحق لنا أن نقول على فرض فنحن لسنا بقضاة مقيدين باليقين والجزم- نقول لو فرضنا أن القضاة يرون بعدم إدانة الجناة "م.م و ع.ي"، أليس من العدل وهذا ما يتوافق مع عمل أهل القضاء في كل أصقاع الدنيا وعلى مر العصور ، أليس من العدل أن يأتوا بكل الجناة المتورطين في المداهمة حتى يتوصلوا إلى حقيقة مقتل هذا الرجل ، أما أنه تسريح مجزأ ، المحقق يسرح بقية المتهمين وكأن شيئاً لم يكن ، ويأتي القضاة ويسرحون البقية ؟ إذا من الذي قتل هذا المسلم وفجع قلوبنا ونحن ذويه ؟ هل يعقل أن يقتل مسلماً في بلاد التوحيد ، في البلاد التي تحكم الشريعة الإسلامية وتقوم الأدلة على إثبات قاتليه ، ونصل في النهاية إلى ما لم نكن نتوقعه ؟ هل نسند فعل القتل إلى مجهولين أم إلى الجن المساكين الذين قلنا عنهم في بداية حديثنا في اللائحة الاعتراضية .!
وحول هذه الجزئية أيضا ، نتابع ونقول ،في تكملتنا لأقوال أهل العلم، فهذا ابن القيم الجوزية في كتابه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص 95 وما بعدها ، يذكر ستاً وعشرين طريقة للإثبات ذكر من ضمنها أهل المعرفة –الخبرة- ، كما ذكر رحمه الله عند حديثه عن البينة وأنها لا تقتصر فقط على الشهادة إذا أن اقتصارها على الشهادة هي تخصيص بغير مخصوص ، فالبينة كما يقول رحمه الله : (( هي أسم لكل ما يبين الحق ويظهره ، ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد لم يوف مسماها حقه ، ولم تأتي البينة فقط في القرآن مراداً بها الشاهدان وإنما أتت مراداً بها الحجة والدليل والبرهان مفردة ومجموعة)، وفي شرحه -رحمه الله – لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث (البينة على المدعي) ، المراد به : أن عليه ما يصحح دعواه ليحكم له ، والشاهدان من البينة ، ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، كدلالة الحال على صدق المدعي ، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد)) انتهى كلامه -رحمه الله- وهذا قد ذكره في كتابه -الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص 10 وما بعدها ، كما أن له كلاماً يتفق مع ما قاله رحمه الله وذلك في كتابه –إعلام الموقعين من رب العالمين في الجزء الأول ، الصفحة 428- ومنعاً للتكرار لن نذكر قوله ونكتفيّ بالإشارة إليه.
ولاشك أن التعميم في صفة البينة يتفق مع ما قصد إليه الشارع الحكيم من توطيد دعائم العدل وحفظ الحقوق على أربابها، وخصوصاً في هذه العصر الذي تقدم به العلم على استحداث وسائل يظهر بها جانب الحق كالتحليل المخبريّ ، وتقرير الطبي الشرعي ، وتقرير الأدلة الجنائية ، مما لا تقل في دلالتها وأهميتها عن شهادة الشهود ويترتب على إهمال العمل بها ضياع كثير من الحقوق ، الأمر الذي يتنافى مع روح الشريعة وسموها ، وصدق أبن القيّم الجوزية-رحمه الله- في مرجعه السابق ، الصفحة الحادية عشرة ،إذا يقول ( فأي طريق استخرج به العدل والقسط فهي من الدين ، وليست مخالفه له) .
وقد سار وليّ الأمر في بلادنا المباركة، عند إصداره للأنظمة ذات العلاقة بما قال به أبن القيم الجوزية ومن يتفق معهم بالرأي كأبن تيمية وبن فرحون –رحمهم الله جميعاً- على الأخذ بدور أهل الخبرة في إقامة العدل والقسط بين الناس ،إذا جاء في نظام المرافعات الشرعية في الفصل السادس منه النص على أن الخبرة وسيلة من وسائل الإثبات ، وكذلك الحال في المواد 76، 77 ، 78 من نظام الإجراءات الجزائية ، بل أن المادة 140 من نظام المرافعات الشرعية اعترفت بدور الخبرة للطبيب الشرعي كحجية قاطعة في الإثبات لا تقبل إثبات عكسها إلا بالتزوير على اعتبار أنها ورقة رسمية تصدر من جهات رسمية إذا جاء فيها( لا يقبل الطعن في الأوراق الرسمية إلا بإدعاء التزوير) ، وكذلك الحال فقد سارت المحاكم السعودية على ذلك، وسوف نقوم بسرد بعض الأحكام من محكمة التمييز والمحاكم العامة والجزائية ، ولولا ضيق المقام لسردنا مئات الأحكام التي تؤكد على ذلك :
أولا: أحكام محكمة التمييز السعودية :
1-صادقت محكمة التمييز على الحكم الشرعي رقم 11/1 وتاريخ 27/2/1419 هــ ، بقرارها رقم 495/ج2/أ بتاريخ 21/2/1419 ( استند الحكم على قرينة البصمة الوراثية بموجب تقرير الأدلة الجنائية) .
2- صادقت محكمة التمييز على الحكم الشرعي رقم 494/10 وتاريخ14 /7/1418 هــ ، بقرارها رقم 514/م2/أ بتاريخ 21/8/1418 ( استند الحكم على التقرير الكيميائي الصادر عن الأدلة الجنائية) .
3- صادقت محكمة التمييز على الحكم الشرعي رقم 2397 وتاريخ 25/7/ 1423هــ ، بقرارها رقم 511/م3/أ بتاريخ 8/7/1423 ( استند الحكم على قرينة الأنماط الوراثية بموجب تقرير الأدلة الجنائية) .
4- صادقت محكمة التمييز على الحكم الشرعي رقم 2/176/5/ ض وتاريخ 15/4/1424 هــ ، بقرارها رقم 370/خ/2/أ بتاريخ 21/5/1424 ( استند الحكم على قرينة البصمة الوراثية بموجب تقرير الأدلة الجنائية) .
5- صادقت محكمة التمييز على الحكم الشرعي رقم 25/4 وتاريخ 16/1/1424 هــ ، بقرارها رقم 146/ج1/أ بتاريخ 28/2/1424 ( استند الحكم على قرينة الأنماط الوراثية بموجب تقرير الأدلة الجنائية) .
ثانياً : أحكام المحاكم العامة والجزئية :
1- الحكم بموجب الصك الشرعي رقم 38/9 بتاريخ 4/2/1423 هـ ( استند الحكم على التقرير الطبي الشرعي ) وهذا الحكم شبيه ومقارب إلى قضيتنا ، وقد جاء فيه ما يعضد أدلتنا ما نصه ( لا يتصور أن يعتدي شخص على آخر بكدمات وسحجات في صدره ورأسه ولا يحصل كسور ولا تهشمات في العظام وخاصة عظم الرأس) .... حقاً صدق قول مصدريّ الحكم في ذلك ، لأنه لا يتصور عقـلاً ولا علماً وفقاً لما تعارف عليه الطب الشرعي ، أن يكون هناك اعتداء بكدمات وسحجات في صدر الإنسان أو رأسه ولا ينشأ عنها كسور وخصوصاً في عظم الرأس ، وفي قضيتنا المعروضة وبحسب تقرير الطبيب الشرعي رقم (140) لعام 1428هـ ، والمرفق على اللفات 149 و 154 ، اثبت أن جسم المجني عليه قد تعرض إلى كدمات وسحجات وكسر مفتت وصل إلى قاع المخ أدى إلى وفاته ، وهذا يعني أنه لولا هذه السحجات والكدمات لما تصورنا حدوث أمرين :
أولهما- المولاة في الضرب وتكراره وهذا يثبت القصد الجنائي وبالتالي يترقيّ بآله الضرب –الأيدي والأرجل- إلى مرتبة الآلات التي تقتل في غالبها كالسيف والمسدس والرمح ونحوهما.
ثانيهما-أن هذه السحجات والكدمات هي الدليل على وجود الكسور التي وصل أثرها على قاع المخ ، لأنه لا يعقل أن لا ينشأ عنها ذلك .
2-الحكم بموجب الصك الشرعي رقم 395/3 بتاريخ 2/12/1424 هـ ، الصادر من المحكمة العامة (استند الحكم على التقرير الطبي الشرعي والمتعلق بتحليل DNA إذ ثبت إجابية العينة للمتهم).
3-القرار الشرعي رقم 107/6/ق في 14/4/1421 هــ ، الصادر من المحكمة الجزائية ( إذا استند الحكم على ما ورد في التقرير الكيمائي الشرعي) .
وأمام هذه النقولات العلمية والنظامية والسوابق القضائية و ما تم التعارف عليه وقام العمل به في محاكمنا ، نتوصل إلى نتيجة مفادها، إن الحكم الصادر في قضيتنا ، هو سابقه قضائية في عدم الأخذ بالأدلة الشرعية والمادية ، وإذ أن عدم الأخذ بها لا يتفق مع عصرنا هذا ، ولم نشهد لها مثيلاً ، وبتالي نخلص إلى بطلان الحكم لاعتماده على أقوال المتهمين دونما بينة أو دليل يدحض أدلتنا ، بل أن كل الأدلة تدل بما لا يدع للشك مجالاً صدق البينة ، وصدق دعوانا وصحتها ، ويؤكد في ذات الوقت على بطلان أقوالهم وضعف بينتهم فهي مجرد أقاويل باطلة ولا تتعدى كونها أباطيل .
ونخلص فيما تقدمه ذكره ، أسباب بطلان الحكم موضوعاً في الآتي :
1- بطلان الحكم لمخالفته ،ما جاء في صريح القرآن والسنة والإجماع والنصوص النظامية ، ويتمثل في بطلان إجراءات المداهمة والتي أصبحت دليلاً يعول عليه الجناة في حق المجني عليه ، رغم عدم ثبوت الأدلة كما ذكرنا ذلك سابقاً ، فضلاً عن الجريمة التي نتجت بسبب هذه المداهمة ، ومع هذا كله أغفل مصدري الحكم الالتفات إلى هذه النصوص الشرعية ولم يجرموا الجناة على جريمتهم لا في حق ورثة المجني عليه بالقصاص من قتلته ، ولا في حق الله تعالى والمتمثل في حرمة مساكن عباده والتي حرم انتهاكها بدليلٍ قاطعاً لا اجتهاد فيه ، ولا يمكن أن يؤسس على مصلحة لا بل أن تأسيسه على المصلحة فيه تمرد على حكم الشرع ، لأن الشارع الحكيم لم يكن ليأمر بفعل وبه مضرة ولا ينهى عن فعل به مصلحة، فضلاً عن أنه يخالف النصوص النظامية وقد بينا ذلك.
2- بطلان الحكم لمخالفته أبسط قواعد الشهادة في الفقه الإسلامي ، إذا أنهم جعلوا من أقوال واعترافات المتهمين شهادة وخلقوا لها قوادح وموانع ، اتضح منها ، جهل القضاة مصدري الحكم في ذلك ، إذا أنه من المقرر لدى الفقهاء أن شهادة العدو أو الخصم لخصمه ، أي لصالحه ، هي شهادة معتبره وصحيحة ولا ترد ، وينطبق على ما سبق ذكره ، استنادهم على قاعدة ( جلب النفع ودفع الضر) والمتعلقة بالشهادة إذا أثبتنا أنها لا تنطبق على قضيتنا ، وبيّنا أقوال أهل العلم في ذلك، فالمجرمون تجمعهم وحدة الجريمة ، فشهادة بعضهم لبعض كشهادة الواحد منهم لنفسه ، وبهذا يكون الرد والقادح ، أما اعتراف بعضهم على بعض لا يمكن أن يؤسس على أنه شهادة ينظر في قوادحها وموانعها، وإنما هو اعترافاً ، يستحق من القضاة الالتفات إليه.
3- بطلان الحكم لمخالفته الأدلة المستساغة عقلاً ، إذ أنهم اغفلوا الأدلة والقرائن التي يعمل بها في مثل هذه القضية ، كالتقرير الشرعي وتقرير الأدلة الجنائية والتي اثبت تواجد الجاني محمد بن موسى في مسرح الجناة ،والتي كان من الواجب أن يقوم الحكم عليها ، ولكنه بكل أسف قام على أقوال المتهمين ، أي أقوال مجردة لا ترتقي لمرتبة الدليل لا في النفيّ ولا في الإثبات.
4- بطلان لمخالفة القضاة القاعدة الشرعية في القضاء ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر) إذا أنهم طلبوا من الوكيل الشرعي قبول يمين الجناة ، على الرغم من توافر الأدلة والبينات ، ومن المقرر أن اليمين لا تطلب إلا بعد مناقشة الأدلة والقرائن ، وهذا الذي لم يحدث فلم يتم مناقشة الأدلة ولا القرائن ولم يبحث فيها رغم وضوحها وصحتها ، بل طلب يمين المدعي على خلاف المتفق عليه، وتم رفض طلب تحليفهم من جانبنا.
5- بطلان الحكم لمخالفة القضاة قاعدة ( لا يقضي القاضي بعلمه) ، ومؤدى هذه القاعدة : أن يشاهد القاضي بنفسه حادثة من الحوادث ويطلع عليها ويحيطها علماً أو يسمع من شخصاً كلاماً ، ويبني عليه حكماً له ، وهذا الذي حدث ، إذا أنهم سمعوا من محامي الجناة أن الشاهد خالد الكعبي محكوم بقضية ، وهذا يخالف الواقع وعندنا ما يثبت هذا متى ما طلب منا ، ولا شك أنهم بهذا يخالفون الراجح من أقوال أهل العلم ، بل أنه ظاهر مذهب الحنابلة كما قال أبن قدامه (( ظاهر المذهب أن الحاكم لا يحكم بعلمه مطلقاً)) –المغني لأبن قدامه ج 14 ص 31 ، علاوة لمخالفته نص المادة 180 من نظام الإجراءات الجزائية إذا جاء فيها ( تعتمد المحكمة في حكمها على الأدلة المقدمة إليها في أثناء نظر القضية ، ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه ولا بما يخالف علمه).
6- بطلان الحكم لمخالفة القضاة مبدأ الحياد ، وهذا المبدأ يشترط أن يقف القضاة الموقف السلبي بين أطراف النزاع ، وهذا الذي لم يحدث وما يؤكد عدم حدوثه ، ما ذكرناه سابقاً ، كقضاء القضاة بعلمهم ، واستنادهم على تبرئة الجناة على أقوالهم المجردة، واستخدام القضاة لمصطلح الفرضيات والتساؤلات إذا يُخال لنا أننا في مواجهة أقوال دفاع لا حكم قضائي ، وما تم في عدد الجلسات وتواريخها إذا أنها تخالف عدد وتواريخ الجلسات الفعلية ، ولدينا ما يثبت هذا في حالة عدم وجود تلك الجلسات في محاضر المحكمة لا في صك الحكم ، وسنتقدم به إن لم يثبت ذلك .
7- بطلان الحكم لمخالفته إجماع الأئمة رحمهم الله على أن الضرب بالأقدام أو الأيدي بموالاة الضربات وتكرارها ووقوعها في مقتل ، هي من الآلات التي يستدل بها على العمدية حالها كحال المحدد أو المثقل وكذلك حالها حال القتل بالسببية ، وهذا ما أثبته التقرير الطبي الشرعي، وقد بيناه بالشرح الوافي المقرون بأقوال الفقهاء كافة على اختلاف مذاهبهم فيما تقدم معنا من عمر اللائحة.
8- بطلان الحكم لمخالفة القضاة لما جاء في نص المادة 120 من نظام المرافعات الشرعية (( تؤدي الشهادة شفوياً ولا يجوز الاستعانة في أدائها بمذكرات مكتوبة)) والحق أن أقوال المتهمين والتي كيّفها القضاة مصدريّ الحكم على أنه شهادة ، والتي كان في مضمونها عدم مشاهدة الجناة لارتكاب جريمتهم أو تلك الأقوال التي قدح القضاة في صحتها ، لم تؤدى أمام القضاة في مجلس الحكم شفوياً ، وإنما استند القضاة عليها من ملفات التحقيق.
9- بطd
وافقت المحكمة العليا بالرياض على الحكم الذي أصدرته المحكمة العامة هناك بخصوص قضية مقتل المواطن سليمان الحريصي على يد فردين من أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث أقرت رد المطالبة بالقصاص التي رفعها ورثة القتيل ضد عضوي الهيئة (م .م وع .ي) لعدم ثبوتها، وأقرت كذلك إخلاء سبيل المتهمين مع بقاء حق (اليمين) عليهما إن طالب به ورثة المتوفى (أي أن يقسم المتهمان بالله أنهما لم يقتلا الرجل) فيردا بذلك التهمة عنهما من الناحية الشرعية. وفقا لقاعدة (البينة على المدعي واليمين على من أنكر).وأوضحت المحكمة العليا في مذكرة بعثت بها للملك عبدالله، بناء على أمره السابق الصادر بتاريخ 26 جمادى الآخرة 1430 الذي وجه المحكمة العليا بدراسة القضية، أن القضية الأخرى المرتبطة بقضية مقتل الحريصي وهي قضية اتهمت فيها الهيئة شقيق القتيل بأنه “يروج المخدرات والخمور”، حيث حكم عليه وعلى مجموعة معه بالسجن والجلد من قبل المحكمة الجزئية بالرياض، تحتاج إلى مزيد من الدراسة لذلك قررت تأجيل النظر فيها حتى وصول المعاملة الرسمية المتعلقة بها.
تم إضافته يوم الأربعاء 24/03/2010 م - الموافق 9-4-1431 هـ الساعة 5:20 مساءً.
-------------------- أنتهى الخبر -----------------
التعليق : هذه القضية والتي تحولت فيما بعد الى قضية رأي عام ، كان لي الشرف العظيم أن أتطوع "للعدالة" وأتولى مهمة كتابة صيحفة الدعوى واللائحة الاعتراضية لها ، وإن كنت في ذلك الوقت خلف الكواليس لأنشغالي بإعداد رسالة الماجستير ولو كنت متواجد في الوطن لتوليت الدفاع مباشرة ،وكل ذلك جنباً الى جنب ، مع الوكيل الشرعي الاخ يحيى مفرح حريصيّ، ومع أن هذا الواجب الذي وجدت نفسيّ مجبراً بالقيام به لمقتضيات العدالة ، قد تمت سرقته ، ونسبت إلى طُفيليّ دعاة حقوق الإنسان "الأعلاميين"، حتى تمت تكذيب هذا الادعاء في صحيفة الوطن وصحيفة المدينة ، وبعد صدور الحكم واجابت محكمة التمييز لنا على بعض الطعون وعدم تقيّد المحكمة بما جاءت به الملاحظات ، أثرت في نفسي ومع الوكيل الشرعي الإنسحابّ من القضية برمتها ، والإحتفاظ في نفوسنا بما كنا ولازلنا نعتقد به وهي من ترسبات هذا الحكم الغــريب.!!
ومع أحتراميّ وتقديريّ لما ذهبت إليه المحكمة العليا والتي أسست بحكم البراءة هذا مبدأ جديد في أول باكورة أنتاجها مفادة " القدم لا تعد آلة قتل والرأس ليس من المقاتل" ، أترككم مع اللائحة الاعتراضية والتي وصل عدد صفحاتها 33 صفحة ، وهي بهذا الرقم تعتبر لائحة اعتراضية غير مألوفة في القضاء السعودي، والكثير من الزملاء قد اعترض على عدد الصفحات وذكر أن ذلك من عيوب اللائحة ومع تقديري واحترامي لرأيه المهنيّ فهو رأي يحتاج الى عادة نظر فهناك فرق بين صحيفة الدعوى "طلبات" وبين اللائحة الاعتراضية " وهي الدفوع مضافة الى طلبات" ، وفي الدول الأخرى نجد أن لوائح الاعتراض تقدم الى محكمة النقض "مجلدات" بل الابعد من ذلك يحق للمعترض على الحكم أن يؤكل عدة محاميين يقدم كل محامي منه "طعونه" في لائحة مستقلة ، وذلك لأن الطعن بالحكم ومطالبة نقضه هو مخاصمة لحكم قضائيّ ويتطلب هذا الجهد والعمل الشاق وهذا ما لمسته في هذه القضية كما يلاحظ على هذه اللائحة في كتابتها اعتماديّ على اسلوب البحث العلميّ والذي أحب أن اكتب به جميع لوائحي الاعتراضية، وعمو القول أسال الله تعالى أن يكتب الاجرّ ، ويرحم المتوفى سلمان وجميع اموات المسلمين اللهم آمين.
------------ اللائحة الاعتراضية ----------------
[CENTER]بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الفضيلة أعضاء دائرة القضايا الجنائية بمحكمة التمييز بمنطقة الرياض ، وفقهم الله لقول الحق :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد
نتقدم إلى فضيلتكم بلائحة اعتراض بصفتيّ الوكيل الشرعي لورثة القتيل المجني عليه سلمان محمد شامي حريصي بموجب الوكالة رقم 60722وتاريخ13/9/1428هـ ، على الحكم الصادر من المحكمة العامة في الصك رقم5/300/6 وتاريخ 18/11/1428هـ.
وتتلخص في مخالفة الصك لما جاء في وقائع الجلسات (أولاً) ، وإغفال مصدريّ الحكم الدفوع الموضوعية المنتجة أثارها في الدعوى(ثانياً) ، الطعن في تسبيب الحكم شكلاً وموضوعاً (ثالثاً) ، الطلبات بموجب لائحة الاعتراض (رابعًاً).
أولاً : مخالفة الصك لما جاء في وقائع الجلسات :
جاء في السطر الثالث من الصفحة الأولى من الصك ما نصه ( ففي اليوم الثلاثاء الموافق 25/10/ 1428 هــ ، افتتحت الجلسة 12:42 وفيها حضر ....) فيخال لمن يقرأ هذا الصك ، أن هذه الجلسة هي أولى جلسات المحاكمة ، والحق أنها بهذا التاريخ تُعد الثانية وليست الأولى ، فالأولى قد سبقتها بأسبوع كامل حيث كانت في يوم الثلاثاء الموافق 18/10/ 1428 هــ إذ تم فيها تقديمي لصحيفة الدعوى حيث أنني تلوتها وسلمتها بحضور القضاة جميعهم وحضور المتهمين ووكيلهم ، وبالإمكان التأكد من ذلك بالرجوع إلى إدارة الجلسات في المحكمة حيث توجد الصحيفة بذلك التاريخ ووقائع تلك الجلسة المبتورة ، وإن لم تكن موجودة ، ونحن على يقين بوجودها في المحكمة ، سنتقدم لكم في حينها بالإثبات التام على وقوع الجلسة الأولى بذلك التاريخ المعلن.
إننا أمام هذا الإسقاط لتلك الجلسة ونحن نفترض حسن النية، يتوارد إلى الذهن سؤال فرض نفسه لماذا تم إسقاط جلسة 18/10/ ، من ديباجة الصك ؟ إن الجواب الذي نبحث عنه قد جاء به الصك نفسه ، ففي الصفحة الثانية منه ، في السطر الثامن ( وفي يوم الثلاثاء 10/11/ 1428 هــ فتحت الجلسة وقد جرى تأمل أوراق المعاملة ............ورفعت الجلسة للدراسة وفي نفس اليوم فتحت الجلسة وفيها حضر....الخ) والحق أن الجلسة بهذه الصياغة لم ترفع للدراسة ولم تفتح في نفس يوم الثلاثاء 10/11/ 1428 هــ ، ولم يتم إشعارنا برفع الجلسة ولا باستئنافها ،ولنا أن نتأمل في عبارة (ورفعت الجلسة للدراسة وفي نفس اليوم فتحت الجلسة وفيها حضر...الخ) حتى نطرح سؤالاًً موضوعي ، في أي ساعة ٍ رُفعت وفي أي ساعة فُتحت؟ لم يكن هناك إشارة إلى الوقت كما كان عليه جلسة 25/10/ 1428 هــ إذ أعلن أنها فُتحت بتمام الساعة 12:42 ! ، إن عبارة (ورفعت الجلسة للدراسة وفي نفس اليوم فتحت الجلسة وفيها حضر...الخ) قد اختصرت من عمر المحاكمة أربعة عشر يوماً ، فعبارة (رفعت الجلسة للدراسة) هي لجلسة يوم 25/10/ 1428 هــ ، أي الجلسة الثانية من جلسات القضية ، أما عبارة(فتحت الجلسة) فهي إذاناً بافتتاح جلسة يوم الثلاثاء 10/11/ 1428 هــ ، إذ أنه يتخلل تلك الجلستين جلسة أخرى بتاريخ 3/11/ 1428 هــ ، حالها كحال الجلسة الأولى فقد تم إسقاطها من ديباجة الصك.
إن دمج جلستين في يوماً واحد ، هو من أسقط الجلسة الأولى والتي كانت بتاريخ الثلاثاء 18/10/ 1428 هــ ، والذي بدورها أسقطت صحيفة الدعوى برمتها وغيبتها ، حتى أن المطلع لصك الحكم لا يجد إشارة لصحيفة الدعوى بل كل ما هناك عبارات قوليه ( أدعى الوكيل الشرعي على الحاضرين معه قائلاً ، وأطلب ، ونحوهما ) وكأن الطلبات و الدفوع بالمخاصمة لم تقدم مكتوبة ، وهي أحق بأن تدرس ويتأمل فيها وأن يُشار إليها بل الأبعد من ذلك هي أحق أن يرد عليها بتفاصيلها من قبل الخصوم ومن قبل القضاة ، وهذا الذي لم يحدث ، وسنأتي إلى ذكر ذلك مفصلاً في هذه اللائحة إن شاء الله تعالى.
وعوداً على ذي بدء ، وبخصوص وقائع الجلسات وتواريخها ، نجد أن تواريخ الجلسات كما جاء في الصك هي على النحو التالي :
الجلسة الأولى : بتاريخ 25/10/ 1428 هـ ، والجلسة الثانية : بتاريخ 10/11/1428 هـ ، والجلسة الثالثة : بتاريخ 17/11/1428 هـ ، والجلسة الرابعة : 18/11/1428 هـ وهي جلسة النطق بالحكم ، وبما أن الصك قد وردت فيه أسماء أصحاب الفضيلة مصدري الحكم وانتهى بذكر أسمائهم ، فهذا يعني ضمنياً حضورهم لجميع جلسات المحاكم ، وهذا الذي لم يحدث البتة، وسيأتي ذكره عند استعراضنا لتواريخ جلسات المحاكمة الفعلية وهي على النحو التالي :
الجلسة الأولى كانت بتاريخ 18/10/ 1428 هـ ، وقد حضر فيها جميع أصحاب الفضيلة القضاة ، أما الجلسة الثاني فقد كانت بتاريخ 25/10/ 1428 هـ ، والذي حضر فيها هو فضيلة الشيخ رئيس الجلسة سعد بن محمد الهزاني فقط ،مع أن هذا مخالفاً لنص المادة السابعة من نظام الإجراءات الجزائية والتي جاء فيها ( يجب أن يحضر جلسات النظر في القضية ، وجلسة إصدار الحكم ،العدد اللازم نظاماً من القضاة ) والعدد اللازم بحسب نص المادة 129 من نظام الإجراءات الجزائية هو ثلاثة قضاة .
أما الجلسة الثالثة فكانت بتاريخ 3/11/ 1428 هـ ، وتم فيها تأجيل جلسة المحاكمة ، الى الجلسة الرابعة وهي التي كانت بتاريخ 10/11/ 1428 هـ ، وفيها تم تأمل أوراق القضية ، حتى رفعت إلى الجلسة الخامسة والتي كانت بتاريخ 17/11/ 1428 هـ ، وهي الجلسة التي سبقت جلسة النطق بالحكم ، وهي الجلسة السادسة والتي كانت بتاريخ 18/11/ 1428 هـ .
إذاً نخلص مما تقدم ، إن عدد الجلسات التي تم ذكرها في الصك هي أربع جلسات ، بينما الجلسات الفعلية هي بواقع ست جلسات ، تم فيها إسقاط جلستين ، فأما الجلسة الأولى فقد عللنا سبب إسقاطها ، وأما الجلسة الثالثة فنترك لفضيلتكم التأمل فيها لعل أن تجدوا لنا سبباً مقنعاً نعول عليه هذا الإسقاط ، والذي كنا ولا نزال نحمله على حسن النية .
ثانياً: إغفال مصدريّ الحكم الدفوع الموضوعية المنتجة أثارها في الدعوى:
كنتُ فيما قد سلف ، ذكرت إن أولى جلسات المحاكمة كانت بتاريخ 18/10/ 1428 هــ ، وفيها تقدمت بصحيفة دعوى ، تتضمن طلبات ، و دفوع موضوعية ، إلا أن هذه الصحيفة قد تم إغفال ما جاء فيها من قبل أصحاب الفضيلة ، وعلى وجه الخصوص الدفوع إذ أنها محور هام ترتكز عليها شرعية المداهمة والتي نتج عنها مقتل مورث موكليّ ، فهذه الدفوع تدور الشرعية معها وجوداً وعدماً ، ودونما إغفالاً لأهمية دور الطلبات فهي المؤكد على وجود هذه الشرعية وأحقية استمرارها ، ولما لا ؟ ومعينها قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقول الراسخون في العلم ، ونصوص الأنظمة ذات العلاقة ، وسوف أضع أمامكم أهم النقاط التي تضمنتها صحيفة الدعوى مع التعليق، على أن يتضمن التعليق تساؤلات وإجابات،و قبل أن نعرج إلى دفوع هذه القضية ، يجب علينا أن نتحدث عن حيثياتها ، حتى نكون أمام تصوراتها وأحداثها وما نتج عنها ، على أن نضعها في ميزان العدالة والحق ، وهو ميزان الشريعة الإسلامية التي لا تفرق في الحقوق بين شريف القوم ،و وضيعها ، ولا غنيها و فقيُرها ، وحاكمها ومحكومها ، فبعدالتها قامت الأرض والسموات.
أصحاب الفضيلة الأجلاء ، إن موت المجني عليه سلمان ، لم يكن نتيجة حادث سير ولا مرض ٍ عُضال ، وإنما كان مقتله ظلماً وعدواناً ، بفعل جناة ، هؤلاء الجناة ليسوا من الجن ، قتلوه فاختفوا، حيثُ يصعب علينا بنيّ الأنس اتهامهم أو تقفيّ أثارهم لنقبض عليهم ، ونكونُ حينها معذورون لهذه الاستحالة ، فالأمر إذا ضاق اتسع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، وإنما قتلت سلمان ، هم من البشر، يعيشون في محيطنا ومؤتمنون على أعراضنا ودمائنا.
إن المجني عليه سلمان ، كان إلى ما قبل يوم 6/5/ 1428 هــ ، ينعم بنعمة الإسلام والأمن في بلاد المسلمين الآمنين ، محتفظاً بعصمة ماله وعرضه ودمه ، ولكنه بعد هذا اليوم انتقل إلى رحمة ربه مقتولاً مظلوما، تاركاً خلفه أبويه وطفله اليتم ، على ضعفهما وحاجتهم إليه ، لماذا قتل سلمان؟ هل الشريعة الإسلامية هي من قتلت سلمان ؟ كلا وحاشا ، فالشريعة الإسلامية لا تقتلُ ظلماً وعدوانا،إذاً من الذي قتله ؟ هل هي الأنظمة التي سنها وليّ الأمر لموظفيّ الدولة لتسيير أمورها ولحفظ مصالح المجتمع ؟ لا والله فهذه الأنظمة مستقاة من الشريعة الإسلامية ولن تكون المتورطة بقتل سلمان؟ إذاً من قتله ؟ إن الذي قتل سلمان هم أفراد موظفون في جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مقيدين كسائر موظفيّ الدولة بأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية ، ولكنهم جاءوا بما يخالفهما ،ووقع ما لا يحمد عقباه.
إذا لماذا قتلوه؟ وبأي حق ٍ قتلوه؟
أصحاب الفضيلة الأجلاء :
أما لماذا قتلوه ؟ فهذا السؤال الذي نبحث وإياكم عن إجابته من معين المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك ، يقول الله عز وجل (ولا تقتلوا النفس التي حرمّ الله إلا بالحق) –الإسراء آية 33- ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود المشهور (لا يحل قتل أمريء مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ).
فأيّ حق ٍ دفع هؤلاء الجناة ؟ ، ليقتلوا نفس ٍ قدم حرم الله قتلها ؟ هل كفر سلمان لتسقط عصمة دمه ويستباح ؟ نعوذ بالله من ذلك ، فقد مات على الإسلام ونحسبه كذلك والله حسيبنا وحسيبه، أم هل زناً بعد إحصانه أم هل قتل نفس بغير نفس ؟ حتى يقتل ! لا والله ما شهدنا جميعاً ذلك.
أتعلمون لماذا قتل سلمان؟ إن الإجابة على هذه السؤال قد وردت في أقوال المتهمين في ملفات التحقيق ، إن سبب القتل شبهة تعاطي الخمور وبيعها؟ فقط مجرد شبهة! ومع أنها لو ثبتت ما كان حلال الدم ، فالعقوبة في حال ثبوت تلك الشبهة مختلف.
ونستمر في تساؤلنا هل ثبت حقاً أن سلمان يتعاطى الخمور ويبيعها ؟ الجواب بكل تأكيد لا ، فقد اثبت تقرير السموم خلو دمه من المخدرات والمسكرات وهذا التقرير محفوظُ في أوراق الدعوى وملفات هيئة التحقيق والإدعاء العام ولقد تمت الإشارة إليه وان كانت مقتضبة – ولا أقول مبتورة- ! في الصفحة الثالث من صك الحكم، و نسأل هل ثبت حقاً أنه يبيعها؟ الجواب كسابقه لا لم يثبت ذلك ، بل أن الذي اتهم بحيازتها وتمت محاكمته في المحكمة الجزئية بالرياض ،هو أحد أشقائه ويدعى إسماعيل وقد اعترف بحيازتها ويقضي محكوميته في أحدى السجون.
إذاً لم يثبت ما يوجب قتله شرعاً، وعلى افتراض أنه ثبت ما يوجب قتله ؟ هل أعضاء جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ هم قضاة يصدرون الأحكام ؟ أم هل هم منفذون لها إن صدرت ؟ ، لا توجد في أنظمة المملكة العربية السعودية ما يؤكد ذلك ؟ قد درسنا نظام القضاة ولم نجد لهم إشارة ولا دور يذكر ، ودرسنا أنظمة الأجهزة التنفيذية وطرق تنفيذ الأحكام ؟ ولم نجد لهم إشارة ولا دور ، إذاً وليّ الأمر قد قيّد دورهم ومسؤولياتهم وواجباتهم؟ ولكن أين دورهم في الأنظمة ؟ دورهم أجابت عليه المادة 26 الفقرة 6 من نظام الإجراءات الجزائية ، إذ اعتبرتهم من رجال الضبط الجنائي ، أي أنهم ليسوا بقضاة ولا منفذين أحكام ولا يمثلون سلطة اتهام ولا إدعاء كحال هيئة التحقيق والإدعاء العام ، بل هم رجال ضبط جنائي حالهم كحال بقية رجال الضبط الجنائي المذكورون في المادة 26 .
أصحاب الفضيلة الأجلاء :
لازلنا في دائرة أسئلتنا ، والتي تفرض نفسها في مقامنا هذا ، أين قتلوا الجناة سلمان؟ هل تم قتله في الشارع ؟ لا والله ما تم ذلك ، هل قتلوه في الصحراء بعيداً عن أعين الناس ؟ لا والله ما تم ذلك ، لقد ابتدءوا قتله في بيته وحملوه معهم إلى دائرة حكومية حتى أجهزوا عليه فيها! أمام إخوته وأهله وأصحابه وأمام أعينهم جميعاً،ولكن كيف تم ذلك ؟ لقد تم ذلك بليّ أعناق المشروعية، والقفز على النصوص الشرعية والنظامية، لقد قتلوه بإسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم لا يعلمون بصنيعهم هذا قد قتلوا المعروف وأحيوا المنكر، وإليكم الأدلة على إثبات ذلك:
يقول الله عز وجل (يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) ، وهم يقولون ، لا بل نتسوّر الجدار ونكسر الأبواب الداخلية ونقتحم المنزل بحرمته وحرمة أهله ، ونبطش بمن يعترض طريقنا كل ذلك في سبيل الإنكار وبحجة مقاومة رجال الهيئة ؟ ألآ يعلمون بفعلتهم هذه أنهم قد أتوا فعلا محرماً ً ؟ فالذي حرم الخمر هو الذي حرم تسوّر بيوت المسلمين وهتك حرمتها ، وهو الذي حرمّ قتل من فيها، والذي أمر بالمعروف ، هو الذي أمر بحرمة دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم وحرمة هتك ستار منازلهم ، فشريعتنا الإسلامية لا تكيل بمكيالين وحاشا لله أن تكون كذلك أو أن تفهم وتحمل نصوصها على ذلك.
ولقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسلم بيت أخيه دون أن يستأذنه إذا جاء في الحديث (إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع)-صحيح البخاري الجزء السابع ،صفحة 130 ، كتاب الاستئذان- وهؤلاء الجناة لم يستأذنوا استئذانا واحداً ، بل اقتحموا منزل المجني عليه اقتحاماً لا تبرره شريعة ولا يقره عرفاً ولا نظاماً.
لقد احتمى هؤلاء الجناة ببيت العنكبوت ، وهم يعللون فعلهم المشين وجريمتهم النكراء ، بأن من كان في البيت الذي داهموه واقتحموه ، يحملون السواطير ويرمون بالزجاج وسواتر الحديد عليهم ، وإنهم بهذا قاموا بمقاومة رجال الهيئة وهم رجال سلطة ، وعلى افتراض أن هذا قد حدث ، وعلى الرغم من أنه لم يحدث البتة فلا دليل عليه ، وإنما هي أقوالا يدفعون بها عن أنفسهم ، نقول لهم : على افتراض تلك المقاومة ، دعونا وإياكم نسوق البراهين والأدلة ، قُل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، لقد كفلت الشرعية الإسلامية للآمن في بيته المطمئن في سكنه ، الحق بأن يدفع كل صائل يعتدي على حرمة مسكنه ، إذ جاء في الحديث ( أن رجلاً اطلع من جحر في حجر الرسول –صلى الله عليه وسلم- ومع الرسول صلى الله عليه وسلم مدرى-أي حديده يسوى بها الرأس وقيل هي تشبه المشط- يحكه به رأسه فقال :لو أعلم انك تنظر لطعنت به في عينيك ، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)- صحيح البخاري- ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ومن أطلع في بيت قوم ٍ بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه) –نيل الأوطار للشوكاني ج 7 ص 173 -.، وأقوال الفقهاء في هذه المسألة أشهر من أن تعرف ، ولكننا سنذكرها ، فقد اتفق فقهاء الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة-رحمهم الله- على أن دفع الصائل المعتدي على النفس والأموال والأعراض، إنما شرع ليحمي الإنسان نفسه وماله وعرضه ، ويرون رحمهم الله أن الدفاع الشرعيّ في حكم الواجب ، ولا يترتب عليه إي مسؤولية جنائية أو مدنية ما لم يتجاوز حدود الدفاع ،راجع في ذلك (حاشية ابن عابدين ج 5 ص 481 ، تحفة المحتاج ج4 ص 124، مواهب الجليل ج6 ص 323 ، الزيلعي وحاشية الشلبي ج6 ص110 ، الإقناع ج4 ص 290 ،أسنى المطالب ج4 ص 186).
ومع ذلك كله لم يتورع الجناة عن تهويل الحدث زوراً وبهتانا ، يريدون أن يطفئوا نور الحقيقة والله متمها ولو كرهوا، فهذا الجاني عدنان بن يوسف في أقواله الواردة في الصك ، الصفحة الثانية ،السطر الثالث يقول: ( وكان أهل الحيّ تجمهروا، وقاموا برميّ الحجارة على أهل المنزل بسبب ما يلحقهم من أذى) ، ونقول رداً على ذلك : سبحانك ربيّ هذا بهتان عظيم ، أيعقل أهل حي ٍ بأكمله ، يقومون برميّ الحجارة ، وفيهم المعلم والطبيب والضابط والمسئول وطالب علم والقدوة الحسنة، والله ما عهدنا رميّ الحجارة إلا من الصبية المراهقون الجهلة ، إلا إذا كان أهل الحيّ جميعهم بهذه الصفة ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، أما تعليله للرميّ ، فكان على حد قوله بسبب الأذى ، ونقول : ما هو الأذى الذي طالهم حتى يقومون برميهم بالحجارة ؟ وهل هذا الأذى حالاً في اللحظة الذي تمت بها المداهمة ، أم أنه أذى قديم؟ إن كان هذه الأذى حالاً ؟ كيف عرفت أن الأذى قد طالهم ؟، وأنت في قلب المداهمة؟ هل أخبرك أهل الحي في لحظتها بذلك ؟ وإن كان الأذى قديماً فهل يعقل أن يصمت أهل حي ٍ بأكمله عن الأذى سنوات طوال ؟ هل يخشون سطوة أهل المنزل ؟ أو أنه لا توجد قنوات رسمية تدفع الأذى عنهم بدلاً من الرمي بالحجارة والذي لم يأتي إلا بمجيئكم ! ، أقوال وحجج واهية، لا تغني عن الحق شيئاً، يريدون أن يغيبوا الحقيقة بهذه الرواية الكاذبة، أتعلمون لماذا لفق الجاني عدنان بن يوسف قوله السابق؟ لكي يجعل له ولبقية الجناة مخرجاً يعلل فيه دخولهم للمنزل من غير تسوّر للجدار ودونما خلع وكسر للأبواب الداخلية ، أنظروا لما يقول في الصفحة الثانية ، السطر الرابع من الصك يقول (وأثناء قيام المواطنين برجم الحجارة توقف أهل المنزل ودخلنا وتفرقنا في البيت للتفتيش والقبض) ،أُقحم أهل حي ٍ بكامله مع حجارتهم في قضية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، حتى يسمحون لأنفسهم بالدخول ، إننا أمام هذا القول المزيف الضعيف ، لا نحتاج إلى طاقة وقدرة عقلية خارقة في الذكاء ، حتى نكتشف مدى بطلان هذه الرواية الكاذبة ، نقول رداً على ذلك : عند قيام المواطنين برجم الحجارة على أهل المنزل أين كنتم ؟ خارج المنزل أم بداخله ؟ بمعنى خارج –الحوش- أما قد تجاوزتم حوش المنزل ودخلتموه؟ أن كنتم خارج المنزل كيف وصلكم الزجاج فضلا عن سواتر الحديد وطاولات الحديد من أهل المنزل؟ -إن أعتا الرجال قوة لا يستطيع أن يرمي ساتراً حديدياً أو طاولة حديدية لمسافة طويلة- !، وإن كنتم في اللحظة التي ترمون فيها بسواتر الحديد؟ داخل المنزل ؟ فكيف دخلتموه؟ هل فتح لكم الباب ؟ إن قلت فتح لنا الباب فقد كذبت نفسك، لأنك في الصفحة الثانية، في السطر الثاني قد قلت ( ولكنهم شعروا بحضورنا وقاموا برمينا...الخ) وشعروا بحضورنا تعني دخولكم للمنزل خفية ً، وإن قلت لم يفتح لنا الباب ؟ نقول إذا كيف دخلتم المنزل؟ إذ لم تكونوا قد دخلتموه تسوّراً حين غفلة ، وما يكذب هذه الرواية أيضاً اعترافات الجناة أنفسهم إذ ورد في ملفات التحقيق كما ورد في الصك إفادتهم على أن الجناة محمد بن موسى وعدنان بن يوسف معهما حديدة طويلة يحاولان بها فتح الباب المغلق أصلاً ، -أي خلعه- .
أصحاب الفضيلة الأجلاء :
إن ماهية المخالفات الشرعية تتمثل في مخالفة الأوامر والنواهي التي تحملها النصوص الشرعية في القران والسنة ومن تلك الأوامر والنواهي حرمة دخول المساكن دون أذن من أهلها ، ودون ما يبرر دخولها شرعاً كما ورد معنا قبل قليل في النصوص الشرعية من القرآن والسنة المطهرة.
ومما تقدم فإن أساس بطلان الإجراءات –شرعاً- والتي قاموا بها الجناة المنتسبون إلى جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هي مخالفة الأوامر والنواهي التي تحملها النصوص الشرعية في القران والسنة ، فقد قال تعالى ( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله أن الله شديد العقاب) الآية 7 الحشر، وقوله تعالى ( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) 59 النساء .
وإن ما نشير إليه هنا ، ونؤكد عليه ، هو ضرورة التنبه إلى مسألة في غاية الخطورة، وهي أنه لا يمكن الاحتجاج بالقول بإعمال المصالح، وإن ما قام به هؤلاء الجناة بسم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قامت في أساسها على مصلحة دون اعتبار للنصوص السابق سياقها إذ لا مجال هنا للاجتهاد وإعمال المصالح ، لأن الشارع الحكيم لم يكن ليأمر بفعل وبه مضرة ولا ينهى عن فعل به مصلحة ، فمخالفة النصوص الشرعية بسم المصلحة فيه تمرد على حكم الشرع ، فيكون ما يترتب على هذه المخالفة باطل بطلاناً كلياً أو أصليا بل هو منعدم ، علماً بان المصلحة المعتبرة هي المصلحة الحقيقية ، وليست الهوى والشهوات قال تعالى ( ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون) الآية 71 المؤمنون.
وأساس البطلان الشرعي هنا مؤسسُ على قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، والرد كما يقرر أهل العلم بمعنى المردود أي الباطل غير المعتد به ، وهذا الحديث قاعدة عظيمة ومن جوامع كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، راجع – صحيح مسلم بشرح النووي ج 12 ص 16-.
وقبل أن اختم الحديث عن أدلة البطلان الشرعي لإجراءات المداهمة أود الإشارة إلى التذكير بدور المحتسب الشرعي كما جاء في كتب أهل العلم وتعارفوا عليه ، إذ أنه بالرجوع إلى كتبهم ،، نجد أن أحكام الشريعة الإسلامية لم تجعل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقة بل قيّدتها بشروط ، أولها-وجود منكر- وهذا يعني أنه لابد لجواز النهي عن المنكر أن يكون هناك منكراً ، والمنكر هو كل معصية حرمتها الشريعة وارتبطت بفاعلها وحيث أنه لم يثبت وجود منكر ارتبط المجني عليه بفعله وخصوصاً أن الطبيب الشرعي اثبت خلو دم المجني عليه من أنواع المخدرات والمسكرات ، ولا يوجد دليل على أتجاره أو ترويجه للمسكرات ، فأن هذا يعني انعدام صحة الشرط الأول من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أما الثاني من هذه الشروط –فهو وجود منكر في الحال- وهذا يعني أن تكون المعصية راهنة وصاحبها مباشراً لها وقت النهي أو تغيير المنكر، فإذا لم تكن المعصية الواجب إنكارها راهنة فليس ثمة مكان للنهي عن المنكر أو تغييره وإنما يكون هناك محلاً للعقاب على المعصية والعقاب من حق السلطات العامة (القضاء) فهي من تقرر العقاب لا (الأفراد أعضاء الهيئة) ، ولم يثبت وجود منكر قام به المجني عليه في الحال ولا ثمة دليلاً على ذلك والإثبات بنفيه كان عن طريق الطبيب الشرعي الذي اثبت خلو دم المجني عليه من التعاطي للمسكرات أو المخدرات....وحتى لو كان هناك إدعاء بأن المعصية متوقعة الحصول فإنه في هذه الحالة لا يكون إنكار المنكر إلا عن طريق الوعظ والنصح كوسيلة من وسائل دفع المنكر ، وما زاد عنها كالشتم والضرب والقتل هو جريمة يستحق فاعلها العقاب.
وثالث هذه الشروط - أن يكون المنكر ظاهراً دون تجسس ولا تفتيش- حيث يشترط للنهي عن المنكر أو تغييره أن يكون ظاهراً للعيان بغير تجسس أو تفتيش ، فإذا توقف إظهار المنكر على التجسس والتفتيش ، فإن في ذلك مخالفة شرعية يستحق صاحبها العقاب ، لأن الله عز وجل حرم التجسس بقوله ( ولا تجسسوا) الحجرات آية 13 ، ولأن للبيوت حرمة وللأشخاص حرمة لا يجوز انتهاكها قبل أن تظهر المعصية ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية في الحديث (إنك إن أتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم) –أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الآداب (باب النهي عن التجسس).
وقد استقرت الشريعة الإسلامية على هذا الأمر ، ونذكر في هذا السياق ، ما حدث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد تسلق دار رجل فوجده على معصية فأنكر عليه ، فقال : يا أمير المؤمنين إن كنت أنا قد عصيت الله من وجه فقد عصيت الله من وجه واحد ، فأنت قد عصيته من ثلاثة أوجه ، فقال : وما هي ؟ فقال الرجل : قد قال الله تعالى (ولا تجسسوا) وقد تجسست ، وقال تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها) وقد تسورت من السطح ، وقال تعالى( لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) وما سلمت، فتركه عمر وشرط عليه التوبة ، وإذا كان عمر رضي الله عنه قد ترك الرجل ولم يعاقبه ولم يغير المنكر فذلك لأن دخول المسكن هو الذي أظهر المنكر وهو دخول بغير حق ومن غير وجه حق .
أما الرابع من هذه الشروط- أن يدفع المنكر بأيسر ما يندفع به- ويعني هذا الشرط أنه على احتمال وجود –منكر اقترفه أو ارتبط به المجني عليه رغم نفي الأدلة لذلك- فلا يجوز أن يدفع المنكر بأكثر مما يدفعه ، لأن ما زاد عن الحاجة يعتبر جريمة ، بل أن وسائل تغيير المنكر متدرجة فلا يجوز أن يحتاج المنكر إلى الوعظ والنصح ، فيقوم الشخص المنكر بإستعمال وسائل أكثر عنفاً كالشتم والضرب أو القتل لأن في ذلك تعدي وعدوان يستوجب صاحبه العقوبة لما نتج عن فعله،والأبعد من ذلك أن تغيير المنكر في أصله لا يقصد به إلا دفع المنكر ولا يقصد منه عقوبة فاعل المنكر ولا زجر غيره لأن عقوبة فاعل المنكر أو زجر غيره هي من اختصاص السلطات العامة (القضاء) وليس للأفراد ، فالقاضي هو من يملك حق تقرير العقوبة من عدمها وهذا الأصل معروف ويعمل به شرعاً وعقلاً وواقعاً .
كما أن لأهل العلم أقول مشهورة حول دور المحتسب ، فهذا الإمام الغزالي يقول (( بأن التدخل لا يكون إلا إذا كان هناك منكر موجود في الحال الظاهر بغير تجسس ، معلوم كونه منكراً بغير اجتهاد ، فكل من ستر معصية في داره وأغلق بابه لا يجوز أن يتجسس عليه ، ولا يجوز الدخول عليه بغير إذنه للوقوف على المعصية)) –إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي ج 2 ص 285 .
ويقول الماوردي –رحمه الله- وأما ما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يتجسس عنها ولا أن يهتك الأستار) –الأحكام السلطانية للماوردي ص 252.
وأما عن موقف الشريعة الإسلامية من مشروعية الدليل المستمد من إجراء غير مشروع ، فقد منعت الشريعة الإسلامية قبول الدليل المستخدم من انتهاك حرمة المسكن ، فالشريعة الإسلامية حرصت على كرامة الإنسان فقد كرم الله الإنسان بنعم لا تحصى وفضله على كثير من المخلوقات التي خلقها ، قال تعالى( ولقد كرمنا بنيّ آدم) الإسراء آية 70 ، ومن مظاهر تكريم الإنسان أن أكد الإسلام على حصانة بيته وحماية حريته وعدم انتهاك حرمة مسكنه فقد قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خيرُ لكم لعلكم تذكرون).
فهذه الآيات تدل على :
1-- تحريم دخول البيت بغير أذن لكي لا يطلع الداخل على عورات أهل البيت ، وعليه إذا كان هناك إنسان يحاول أن يكشف عورات الناس في بيوتهم حتى وأن كان ذلك للحصول على دليل معينّ في قضية ما فإن محاولته حرام ومنعه فيها واجب ،الأمر الذي يترتب عليه أن الدليل الذي تم الحصول عليه عن طريق انتهاك حرمة المسكن دليل غير شرعي نشئ بطريق غير مشروع حتى ولو كان يهدف إلى غاية مشروعة لأنه ما بني على باطل فهو باطل.
2- عدم قبول الدليل المستمد من التجسس :
من شروط الدليل الشرعي الذي يعتد به أن يكون ظاهراً من دون تجسس ، وإذا توقف معرفة الدليل والحصول عليه على التجسس لم يجز الاعتداء بهذا الدليل ، لأن الله تعالى حرم التجسس بقوله ( يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا) الحجرات آية 12 ، وفي تفسير هذه الآية يقول الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ، ( ولا تجسسوا) أي لا تفتشوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوها واتركوا المسلم على حاله ، واستعملوا التغافل عن أحواله ، التي إذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي –راجع تيسير الكريم الرحمن من تفسير كلام المنان ، طبعة مؤسسة الرسالة 1421 هـ ، ص 801 .
وفي ذلك يقول ابن حزم الظاهري-رحمه الله- (فكل ما لا يتوصل إليه إلا بعمل حرام فهو حرام أبداً ، وكل عمل لا يصح إلا بصحة ما لا يصح ، فإن ذلك العمل لا يصح أبداً ، والمعصية لا تنوب عن الطاعة) وعلى ذلك فالوصول إلى إثبات الجريمة بطريق غير مشروع هو مما لا يتوصل إلية إلا بعمل حرام فهو حرام ، وبالتالي فهو باطل والنهي عن التجسس ورد في القران الكريم ( ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا) الحجرات آية 12 .
كما أن في قصة عمر بن الخطاب مع الرجل الذي تسور عليه مسكنه، ووجده يشرب الخمر والتي سبق ذكرها ، نجد أن وجه الاستدلال فيها : أن المتهم قد دفع بأن الدليل على الجريمة لا يجوز أن يأتي من طريق غير مشروع ، ولو أنه ضبط متلبساً بشرب الخمر ، ولكن هذا الضبط كان وليد إجراءات غير مشروعة هي – التجسس والتسوّر وعدم الاستئناس والاستئذان والسلام- ولذلك نجد أن الفاروق عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أقتنع بأسباب هذا الدفع وأسقط الدليل المستمد من حالة التلبس لما تبين له أنه أتى من طريق غير مشروع وأعتبره كأن لم يكن.
أصحاب الفضيلة الأجلاء :
إن خصم المجني عليه سلمان وورثته ، ليست شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تلك الشعيرة العظيمة التي أمرنا بها ، وإنما الخصم ، مجموعة أفراد لا يعدو كونهم ينتمون لهذه الشعيرة العظيمة وظيفياً ، لذا فشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي حقُ ، والحقُ لا يعرف بالرجال ، وإنما بالحق يعرفون ، سنستمر حفظكم الله ووفقكم لقول الحق ،في هذا الموضع إلى سوق الأدلة على بطلان تلك المداهمة المشئومة والتي نتج عنها وفاة مورث موكليّ ، وهذه المرة من الأنظمة المرعية والتي سنها وليّ الأمر وأمرنا بإطاعتها امتثالا للأمر الإلهيّ بطاعة ولي الأمر إذا يقول الله عز وجل ( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم) الآية .
إن من هذه المخالفات النظامية ما يلي :
أ- بطلان قواعد التفتيش ويتمثل في :
1-لابد أن يتم التفتيش بطريقة تحفظ كرامة الإنسان ولا تلحق به أذى بدنياً أو معنوياً ، نص المادة 41/1 من مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية ( يجب عند إجراء التفتيش أن يكون بطريقة تحفظ كرامة الإنسان ، ولا تلحق به أذى بدنياً أو معنوياً) وكذلك نص المادة 34/2 من مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية (يجب عند إجراء التفتيش أن يكون بأسلوب يحفظ كرامة الإنسان وعدم إلحاق الأذى به بدنياً أو معنوياً )، والملاحظ على ما قاموا به الجناة عدم مراعاتهم لهذه القاعدة النظامية ، هذا إذا سلمنا جدلاً بصحة الإجراء ، على الرغم من تأكيدنا على بطلانه ، فقتل المجني عليه عمداً وعدوانا من الجناة الأصليين ، والمشتركين بالتسبب في قتله ،ً يتنافى مع وجوب أن لا تلحق كرامته الإنسانية في بدنه ومعنوياته أذى أثناء التفتيش.
2- يجب أن يراعي التفتيش الآداب الشرعية دون تجاوز للحدود أو مخالفة الأنظمة وأن يكون دخول المنازل من أبوابها ، نص المادة 41/10 من مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية ( أن يكون دخوله من بابه ، ما أمكن ذلك)....وهذا ما تم خرقه من قبل الجناة ، إذا تم تسور المنزل وخلع الأبواب الداخلية ، والدخول في الصالة العلوية للمنزل ، والابتداء في قتل
المجني عليه بدون أدنى شفقة ولا رحمة ودونما وجه حق، كما أن هذه القاعدة تتفق مع ما نصت عليه المادة 37 من النظام الأساسي للحكم (للمساكن حرمتها .. ولا يجوز دخولها بغير أذن صاحبها ، ولا تفتيشها إلا في الحالات التي بينها النظام) ، وفي هذه المادة تأكيد على حرمة المنزل وعدم دخوله إلا بإذن ساكنيه ، وعلى أن التفتيش لا يتم إلا في حالات يحددها النظام ، ولا يمكن أن يكون التفتيش اعتباطاً دونما مراعاة للأنظمة والآداب الشرعية ، وهذه المادة جاء سياقها متفقاً مع الحكم الشرعي الذي ورد فيه التأكيد على حرمة المساكن ، إذ يقول الله عز وجل (يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) الآية .
3- يجب اصطحاب امرأة عند تفتيش منزل به نساء ، نص المادة 53 من نظام الإجراءات الجزائية ( إذا كان في المسكن نساء ولم يكن الغرض من الدخول ضبطهن ولا تفتيشهن ، وجب أن يكون مع القائمين بالتفتيش امرأة ، وأن يُمكّنّ من الاحتجاب ، أو مغادرة المسكن ، وأن يمنحن التسهيلات اللازمة لذلك)....وهذه القاعدة كسابقتها ، تم خرقها من قبل الجناة ، إذا أن منزل المجني عليه ، كان به نساء من محارم المجني عليه وقت التفتيش، الأمر الذي سبب الرعب في نفوس النساء والأطفال وهتك الحرمة ، فلم يكن مع الجناة وهم رجال ضبط جنائي بحسب منطوق المادة 26 من نظام الإجراءات الجزائية امرأة ، بل لم يمكّنّ النساء محارم المجني عليه من مغادرة المنزل ولم يمنحن التسهيلات اللازمة لذلك .
4- يجب أن يكون تفتيش المساكن من بعد شروق الشمس وقبل غروبها، نص المادة 51 من نظام الإجراءات الجزائية (يجب أن يكون التفتيش نهاراً بعد شروق الشمس وقبل غروبها، وفي حدود السلطة التي يخولها النظام، ولا يجوز دخول المساكن ليلاً إلا في حالة التلبس بالجريمة)، وهذه القاعدة أيضا كان نصيبها الخرق كسابقاتها ، فقد تم مداهمة منزل المجني عليه في تمام الساعة الثامنة من مساء يوم الأربعاء تاريخ 6/5/ 1428 هـ ،دون مراعاة للحرمة ولحق المجني عليه وساكنيّ المنزل في السُكنى والراحة .
5-نصت المادة 80 إجراءات جزائية على أن (( للمحقق أن يفتش أي مكان ويضبط كل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها ، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة بما في ذلك الأوراق والأسلحة)) ، وهذه المادة تؤكد على أن الغاية من التفتيش هو ضبط ما يحوزه المتهم من أشياء تفيد في كشف الحقيقة ، هذا أذا سلمنا جدلاً بصحة المداهمة رغم بطلانها شرعاً ونظاماً أو أن المجني عليه كان متهماً – رغم عدم ثبوت تهمة في حقه- ، إذاً الغاية ليست إزهاق روح المجني عليه ، والتي تمت بالفعل نتيجة لهذا التفتيش والمداهمة برمتها.
إن عدم احترام ومراعاة أحكام التفتيش يترتب عليه بطلانه ،وجاز لصاحب المنزل التمسك ببطلان التفتيش لتوفر المصلحة بإنتهاك قواعد التفتيش ، ويترتب على ذلك حتماً البطلان أي بطلان العمل الإجرائي الذي هو التفتيش المخالف لقواعده النظامية والتي به تتحقق المصلحة.
ب- بطلان إجراء التفتيش لعدم الاختصاص ويتمثل في الأتي :
1- أن يصدر أمر التفتيش من قبل هيئة الادعاء والتحقيق العام على اعتبارها صاحبة الاختصاص الأصيل وهذا ما جاءت به المادة 41من نظام الإجراءات الجزائية ( لا يجوز لرجل الضبط الجنائي الدخول في أي محل مسكون أو تفتيشه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً ، بأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام) وكذلك نص المادة 41/1 من مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية( يصدر أمر تفتيش المساكن بأمر مسبب من رئيس فرع الهيئة بالمدينة التي بها فرع الهيئة ، ومن رئيس الدائرة في المحافظات وذلك بناء على توصية من المحقق المختص مكاناً ونوعاً ) و كذلك نص المادة 80 إجراءات جزائية (مع مراعاة أنه لا يجوز دخول المساكن أو تفتيشها إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً وبأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام) ، وهذا القيد النظامي قد تمت مخالفته من قبل الجناة، فهم لا يحملون إذناً صادراً من هيئة التحقيق والادعاء العام ، ولا يملكون حجة شرعية ونظامية في مداهمتهم لمنزل المجني عليه تسوغ لهم تلك المداهمة ، وإنما يحتجون بإذن صادر من أمارة منطقة الرياض ، وهذا الإذن لم نراه في جلسات المحاكمة ، ولم يرونه أصحاب البيت المداهم ، وإن صح وجوده فهو يخالف نظام الإجراءات الجزائية ، وبالتالي في حكم الباطل نظاماً ، فأمارة منطقة الرياض لا تملك المسوغ نظاماً بإصدار أوامر تفتيش وإنما صاحبة الاختصاص الأصيل هي هيئة التحقيق والإدعاء العام بحسب النصوص النظامية السابق ذكرها.
2-أن مفهوم البطلان التي جاء به نص المادة 188 من نظام الإجراءات الجزائية ( كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة المستمدة منها يكون باطلاً ) يؤكد لنا أن الهدف من القواعد النظامية التي يقررها نظام الإجراءات الجزائية هو حماية مصالح معتبرة ، فالغاية من نظام الإجراءات الجزائية هي حماية المصالح للفرد والجماعة ، وبتالي هذه الغاية لا يمكن تحقيقها إلا إذا كانت هناك قاعدة نظامية تضمن ذلك ، وهذه القاعدة النظامية هي ( البطلان) والتي قررها نظام الإجراءات الجزائية بموجب نص المادة سالفة الذكر ،إذا يُعد البطلان هو جزاء مخالفة نظام الإجراءات الجزائية مع عدم الإخلال بما يترتب على هذه المخالفة من جزاءات تلحق الشخص المنفذ كالجزاء الجنائي أو المدني أو التأديبي ، فرجل الضبط الجنائي يُسأل عن الخطأ حتى لو كان يسيراً، فالجزاء الإجرائي هو القوة المعبرة عن الطبيعة الإلزامية لمخالفة إرادة المنظم- ولي الأمر-، فالتفتيش مثلاً إجراء يُمثل قاعدة جوهرية الإخلال بها يؤدي إلى إهدار المصلحة التي جاء النظام بالمحافظة عليها.
ثالثاً : الطعن في تسبيب الحكم شكلاً وموضوعاً :
حفل حكم المحكمة بالعديد من المخالفات النظامية والتي تتمثل في الشكل الواجب إتباعه بحسب ما ورد في الأنظمة ذات العلاقة من نصوص، بالإضافات إلى مخالفات تمس أصل الحق المطالبة به ويمكن لنا إجمال هذه المخالفات في الآتي :
أ- بطلان الحكم شكلاً :
1- الدفع ببطلان الحكم بعدم الاختصاص في الادعاء على بقية المتهمين المذكورين في صحيفة الدعوى ، وذلك لمخالفته لصريح المادة 133 من نظام الإجراءات الجزائية ( تختص المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم بالدعوى الجزائية المرفوعة أمامها) ، والحق أن اشتراكهم في جريمة القتل تسبباً هو من المسائل التي يقف عليها الحكم بالدعوى ، ومع هذا كله ما لم يتم استدعاء بقية الجناة ولم يخضعوا للمحاكمة بل لازالوا حتى هذه الساعة هاربين عن وجه العدالة، ولأن وحدة الجريمة هي الرابط المشترك بينهما، فأنه يثبت اختصاص المحكمة العامة الموضوعي في حقهم ، كون موضوع الدعوى هو القتل العمد بموجب أحكام المادة 129 من نظام الإجراءات الجزائية.
2- بطلان الحكم لمخالفته ، ما جاء في تنظيم جلسات المحاكمة ، سنداً لأحكام المادة 156 من نظام الإجراءات الجزائية ، إذا تم إسقاط جلسات فعلية للمحاكمة ، وسبق أن تناولناها بالتفصيل في بداية اللائحة الاعتراضية.
3- بطلان الحكم لمخالفته، ما جاء في نص المادة السابعة من نظام الإجراءات الجزائية والتي أكدت على حضور القضاة لجميع جلسات المحاكم ، وهذا لم يحدث في بعض جلسات المحاكم وسبق وأن تناولناه بالتفصيل في بداية اللائحة الاعتراضية.
4- بطلان الحكم لمخالفته ، ما جاء في نص المادة 157 من نظام الإجراءات الجزائية والتي تنص على وجوب حضور المدعي العام في جلسات المحكمة في الجرائم الكبيرة وهو قيد وجوبي ، وبتالي انعدام هذه القيد يترتب عليه بطلان المحاكمة سنداً لأحكام المادة سالفة الذكر ، إذا أنه طوال مدة المحاكمة وبجلساتها المتعاقبة لم نجد للمدعي العام أي حضور بل لم نشاهده إطلاقاً ونسأل لماذا غاب المدعي العام؟ مع أن النظام يؤكد على حضوره ويترب على عدم حضوره البطلان.
5- بطلان الحكم لمخالفته ، ما جاء في نص المادة 182 من نظام الإجراءات الجزائية ، إذ أنه صدر الحكم دونما إشارة إلى صدوره بأغلبية القضاة أم بإجماعهم ؟ ، علاوة على أن النطق بالحكم لم يكن في جلسة علنية كما نصت على ذلك المادة سالفة الذكر.
ب- بطلان الحكم موضوعاً :
جاء في الأسباب التي بني عليها الحكم، وتم بموجبها صرف النظر عن الدعوى المقامة على المتهمين ، جملة من الأسباب الباطلة بطلاناً مطلقاً لمخالفتها صريح القران والسنة وإجماع العلماء فضلاً عن المخالفات النظامية، وسوف نذكرها ونرد عليها في نفس الموضع التي ترد فيها على النحو التالي:
التسبيب الأول : يرى أصحاب الفضيلة مصدريّ الحكم أن شهادة أعضاء الهيئة على بعضهم غير موصولة لأسباب خمس هي :
1- هؤلاء الأعضاء متهمون في القضية فهم بشهادتهم يدفعون عن أنفسهم :
نقول رداً على ذلك، واضح من عبارة (يدفعون عن أنفسهم) والتي علل بها القضاء لحكمهم وجعلوها قادحاً في شهادة بقية الأعضاء على المتهمين ، أنها مؤسسة على قاعدة ( دفع الضر وجلب النفع) في الشهادة ، وهذه القاعدة أصلا لو رجع مصدريّ الحكم لكتب الفقه لو جدوا أن الفقهاء في الغالب الأعم منهم ، يضرب لهذه القاعدة مثلاً واحد هو مثال الشركاء في المعاملات ، وسنوضح لهم فكرة هذه القاعدة حتى نثبت أنها لا تصلح قادحاً في شهادة المتهمين على بعضهم البعض فذكرها الشيخ الشنقيطي في شرحه لزاد المستقنع في الجزء السادس عشر في الصفحة السابعة والثلاثون ((قال رحمه الله: [ولا من يجر إلى نفسه نفعا أو يدفع عنها ضررا]. أي: لا تقبل شهادة من يجر لنفسه نفعا؛ كالشريك لشريكه، ويدفع عنها ضررا أيضا، فلو أنه شهد بأن شريكه أعطى العامل أجرته، وهم شركاء في مزرعة، فحينئذ إذا لم تثبت هذه الشهادة سيغرم هو وشريكه أجرة العامل، كأن بنى لهما رجل بيتا أو عمارة، فقال شريكه: أديته حقه، فقال: ما أديتني، فاختصما إلى القاضي، فقال: عندي شهود، فجاء بشريكيه، والعمارة بين ثلاثة، فجاء بالشريكين، فالشريكان إذا قبلت شهادتهما دفعا الضرر عن نفسيهما؛ لأنه يجب على الثلاثة أن يتقاسموا قيمة البناء والعمارة وأجرة العامل. والعكس: فلو ادعى مالا، فقيل للشريك: أحضر شهودك، فجاء بشركائه، فإنه إذا ثبت له شيء ثبت للشركاء استحقاقهم على قدر حصتهم من أصل الشركة، فحينئذ لا تقبل لمن يجر لنفسه نفعا ولا لمن يدفع عنها ضررا.))
واستكمالاً للمثال الذي ذكره الشيخ الشنقيطي ،لو أن احد الشركاء قال للقاضي: اشهد بأن شريكي لم يدفع الأجرة للعامل الذي بمزرعتنا، ماذا نكيّف هذه الشهادة ؟ أليست إقراراً ؟ بلى ، ولماذا كيّفت على أنها إقراراً ، لوحدة الشراكة ، وكذلك الحال في شهادة المتهمين على بعضهم البعض ، وبالتالي لم يوفق اجتهاد القضاة فيها ، والضابط في ذلك هو وحدة الجريمة ، فجميعهم شركاء فيها ، وينطبق على حالهما هنا حال الشركاء والذين تمنع شهادتهم لبعض ، فيما يجر نفعاً ويدفع ضراً ، لأنهم إن قالوا : لم نشاهد المتهمين يضربون المجني عليه ، كان من صالحنا كمدعين وفقا ً لهذه القاعدة: أن نقدح في شهادة نفيهم للجريمة ونؤسسها على أنهم بهذه الشهادة إنما يدفعون عن أنفسهم جميعا لأننا نملك أدلة قطعية تعضد الشهادة وتسندها ، وإن قالوا شهدنا على المتهمين بأنهم ضربوا المجني عليه حتى مات ،قلنا ذلك اعترافاً منهم على بعضهم البعض، والقول بخلاف ذلك ينافيّ ما هو مقرر لدى فقهاء الشريعة ، وينافي المنطق والعقل ، فالشهادة التي ترد منهم ويقدح فيها هي ما تجلب لهم النفع وترد عنهم الضر ، فهم جميعاً شركاء في فرقة المداهمة ، فشهادة أحدهم للآخر فكأنما يشهد لنفسه ويدفع عنها ، ولكن شهادة بعضهم على البعض بارتكاب الجريمة هي بمثابة الإقرار، ولو قلنا بما يقوله مصدري الحكم بأن الشركاء في الجريمة إذا شهد بعضهم على بعض فأنهم يدفعون عن أنفسهم ، لما أقيم لله حقاً ولا لعباده ، فمثلاً لو أن هناك جريمة وقعت من خمسة أشخاص ، شهد فيها ثلاثة على اثنين بأنهم من باشر الركن المادي للجريمة ، هل نقول هذه الشهادة باطلة لأن الثلاثة إنما بهذه الشهادة يدفعون عن أنفسهم ضرر إيقاع العقوبة عليهم ، أم نتفق مع المنطق ونعمل شروط قوادح الشهادة في الشريعة الإسلامية على وجهها الصحيح ، ونقول لهم لا بل هذا هو إقرارا واعترافاً في حقكم ولا تعد قادحاً من قوادح الشهادة نؤسسها على قاعدة (جلب النفع ودفع الضرر).
2-أنهم تناقضوا في شهادتهم، ففي بداية التحقيق ذكروا أن المدعى عليهم لم يحضروا ثم بعد إعادة التحقيق أكثر من مرة أقروا بحضورهم:
نقول رداً على ذلك ، إن المتأمل في صك الحكم ليجد أن مصدريه قد استخدموا عبارة (إعادة التحقيق) أكثر من مرة ،بل أننا بعد عدها وجدناها ست مرات ، وهم يعيدونها في أكثر من موضع ، ولنا أن نتأمل فيها حتى نطرح سؤال : هل في ذلك إشارة لنا كمدعين أو لمحكمة التمييز ، بأن هؤلاء المتهمين قد وقعوا في إكراه ، مما غير أقوالهم فأصبحت متناقضة، وما الضير أن يعاد التحقيق معهم لأكثر من مره؟ هل يوجد في النظام ما يمنع ذلك ؟، بل على العكس أكدت المادة 101/6-من مشروع اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية- على أن للمحقق تكرار استجواب المتهم إذا اقتضى التحقيق ذلك إذا جاء فيها( وإذا اقتضى التحقيق تكرار استجواب المتهم فله ذلك) ، كما أنه لا يتفق عقلاً أن يعترف المتهم في أول استجواب له ؟! وهذا أمر طبيعياً جداً لا يحتاج أن يفرد كسبب ذات أهمية ، فالجناة في بداية التحقيق أنكروا وبعد ما تمت مواجهتهم بالأدلة الجوهرية-التي تجاهلتها المحكمة- أقروا واعترف بعضهم على بعض،ونرى أن هذا السبب كغيره من الأسباب ، مؤسسٌ على قاعدة هشة ، وضعها مصدريّ الحكم ، وحق لها أن تنهار، ولما لا وقد حشروا الشهادة وأحكامها في غير موضعها.
3- أن المدعي اعتبرهم خصوماً له حسب ما جاء في دعواه وطلبه تعزيرهم :
نقول رداً على ذلك ، وما الضير في هذا ، نعم هم خصوم ، وطالبنا ولا زلنا نطالبً بتطبيق العقوبة المقررة عليهم شرعاً ، وهل لأنهم خصوم لنا ترد شهادتهم ؟ من قال بهذا القول غير أصحاب الفضيلة مصدري الحكم؟ هل شهدوا علينا أم شهدنا عليهم ؟ حتى ترد شهادتهم أو شهادتنا لوجود الخصومة؟ سبحان الله العظيم ، أذكروا لنا دليلاً واحداً في كتب الفقه الإسلامي في جميع مذاهبه ، يقول بأن شهادة الخصم أو العدو لصالح خصمه أو عدوه على شخص آخر ترد بها الشهادة؟ لا يوجد ، عموماً سنضطر أيضا لتوضيح الخصومة التي ترد بها الشهادة ، أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية بأن الخصومة التي ترد بها الشهادة هي العداوة، بل أن صاحب زاد المستقنع قد وضع ضابطاً لهذه العداوة حتى ترد بها الشهادة يقول رحمه الله ( ومن سره مأساة شخص أو غمه فرحه فهو عدوه) وفي ذلك يقول الشيخ الشنقيطي في -المرجع السابق- عند شرحه لهذا الضابط –أي ضابط العدو- ((وهو الذي يسر بالمساءة تصيب الرجل، ويثبت عليه بالشهود أنه سر حينما وقع حادث على فلان، أو اغتم حينما صار الخير له، فحينئذ يثبت أنه عدو؛ لأن هذه يسمونها: دلالة الظاهر على الباطن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس )، فإذا وجد رجل أصابه مكروه، فوجدنا شخصا فرح وسر بهذا؛ دل على أنه عدو له)).
وضرب صاحب زاد المستقنع-رحمه الله- مثالاً لذلك بقوله (كمن شهد على من قذفه، أو قطع الطريق عليه) ، بمعنى لو أن شخص قذف آخر ، ثم قام هذا الشخص بالشهادة عليه لدى القضاء في قضية مختلفة، هنا في هذا المثال ، يحق للقاذف ، أن يقدح في شهادته لوجود العداوة بينهم والتي قامت في أساسها على القذف ، ولنا أن نقيسها على سبب الخصومة التي أقحمها القضاة في قضيتنا وهم لا يعلمون ماهيتها وثبت جهلهم فيها ، ونقول هل ثبت أنه قامت عداوة بيننا وبين المتهمين الذين شهدوا-اعترفوا- على زملائهم بالجريمة، ثم شهدنا عليهم –أي على المتهمين أصحاب الشهادة- بأنهم قد وقعوا في محظور لا تقره الشريعة في قضية أخرى، إن حدث ذلك أمام القضاة العارفين في أحكام الشريعة ، سيحتج هؤلاء القضاة بوجود الخصومة ، وبالتالي ترد شهادتنا والعكس، وهذا لم يحدث البتة ، وعلى افتراض أنه بيننا وبين هؤلاء خصومة أو عداوة ، فشهادة العدو لعدوه ، شهادة تقبل ولا ترد ويعمل بها كما هو مقرر لدى فقهاء الشريعة الإسلامية وهي مسألة أشهر من أن تعرف، راجع في هذا –شرح زاد المستقنع للشنقيطي المرجع السابق-.
4- أن ذوي القتيل شهدوا على هؤلاء الأعضاء أنهم شاهدوهم وهم يضربون المتوفى:
نقول رداً على ذلك ، ولأن ذوي القتيل الحاضرين شهدوا الجريمة والجناة متلبسين بها، أصبحت شهادتهم على أولئك الأعضاء مانعاً يقدح به في صحة أقوال الجناة واعتراف بعضهم على بعض، بدلاً من أن تكون شهادة على واقعة ؟ يعضد بها شهادة الجناة أنفسهم على بعضهم البعض، أصبحت مخرجاً لبراءة الجناة؟ وهذه المرة بماذا سيكيّف مصدريّ الحكم، السبب القادح في شهادة ذوي القتيل على الجناة؟ هل لوجود الخصومة ، فهذا القادح قد تجاوزناه وأثبتنا بطلانه وجهل القضاة مصدري الحكم في أبسط قواعد الشهادة في الفقه الإسلامي؟ أم هل سيؤسس ذلك على قاعدة (جلب نفع أو دفع مضره) أما ماذا ؟ أسباب مبهمة غامضة متناقضة، تنم عن جهل وقصور في فهم أحكام الشريعة ، أتعلمون لماذا وقع مصدريّ الحكم في هذه التناقضات وهذا الجهل؟ لسبب واحد ، أنهم تركوا واغفلوا وتجاهلوا البينة الموصولة والقرائن القطعية التي تدل على ارتكاب الجناة لجريمتهم ، وتفرغوا في البحث عن قوادح الشهادة ، بهدف أن يعضدوا حكمهم ، وفي المحصلة جاءونا بالمتناقضات وبالجهل الذي أحزننا وأبكانا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
5- أنه لم يرد في شهادتهم تحديد موقع الضرب الذي أدى إلى الوفاة :
الرد على هذا السبب، إنما يكون بسؤال: كيف عرف أصحاب الفضيلة مصدريّ الحكم، بأن المتهمين في اعترافاتهم لم يحددوا موقع الضرب؟ هل شهدوا أمامهم في مجلس الحكم وفي مواجهتنا كخصوم، إن كانوا قد شهدوا أمامهم ، فأين شهادتهم في الصك وفي أي جلسة كانت تلك الشهادة التي سمعوها ودونوها ؟ وإن لم يكن حضروا فكيف عرفوا بتلك الشهادة؟ بكل تأكيد سوف يكون عن طريق ملف التحقيق، إذاً إن كان عن طريق ملف التحقيق؟ لماذا يُغض الطرف عن أقوال المتهمين : عبدالرحمن العيسى و فهد السحيم و/ عبد الحميد الشثري و بندر العثيمين وخالد الشهري وتميم الكليفيخ و فلاج الفلاج ،الواردة في ملفات التحقيق والتي توافقت بجملتها على أن الجناة محمد بن موسى وعدنان بن يوسف قد تناوبا المجني عليه بالضرب في مناطق متفرقة من جسمه ورأسه بقدميهما وأيديهما ،بضربات متوالية وعنيفة تنم عن قصد جنائي ، وأين هم عن التقرير الطبي الشرعي؟ والذي اثبت سبب الوفاة بأدلة علمية منطقية تتفق مع تلك الأقوال والمشاهدات، أم أن الأقوال في ملفات التحقيق والتي انشغل القضاة مصدريّ الحكم بخلق قوادح لها قد تمت بانتقائية مريبة قد أضافت في نفوسنا كمدعين بحقنا التي تقره الشريعة لنا بأدلتها وأحكامها أن نقول :- بكل ألم وحسرة-، لقد أضاف هذا الحكم بديباجته وأسبابه ومنطوقه إلى الاتهام اتهاما آخر وإلى المتهمين متهمين آخرين.
وتعرض مصدري الحكم بخصوص الشهادة أيضا ما نصه في الصفحة السادسة من الصك (وأما ما جاء في شهادة الشاهد خالد الكعبي فهي غير موصلة لأن المذكور ممن ادعى تعرضه للضرب، لأنه سبق أن نفى وجود المدعي عليه محمد بن موسى حسب محضر التعرف المشار إليه سابقاً كما أنه لم يحدد موقع الضرب الذي أدى إلى الوفاة مع أن المذكور متهم في القضية وقد أقيمت عليه دعوى بالتستر على التصنيع وتعاطي الخمر وهذا مسقط لشهادته) ،وأمام هذا الجزئية من الحكم نسوق لكم الأدلة على بطلانها كحال الحكم برمته في النحو التالي:
1- لا يعد الضرب من الموانع الشرعية والقوادح في الشهادة ، وبالتالي هي شهادة موصولة ولا ترد ، وإن كان الادعاء بالضرب من القوادح ، فليأتوا لنا بسند واحد على صحة ما ذكروه، فلا دليل شرعي على ذلك ولا نظاميّ ، ولسنا بحاجة أن نعيد الحديث عن القوادح أو موانع الشهادة المعتبرة في الشريعة الإسلامية في هذا الموضع بل نكتفي بما ذكرنا.
2- محضر التعرف على المتهمين ، ليس من الأدلة ، وإنما هو من الدلائل فلا يصلح دليلاً أساسيا على نفي التهمة وإنما يمكن به تعزيز أدلة الثبوت وهذا من المسلمات في الأدلة الجنائية ، فهناك بون شاسع بين الدليل والدلائل ، فالدلائل لا ترتقي إلى مرتبة الدليل ، والسبب أن الاستنتاج في الدلائل يكون على سبيل الاحتمال فتقبل الواقعة أكثر من تفسير، وخصوصاً أن المتهم محمد بن موسى كان ملثماً كما ذكر ذلك زملائه في شهادتهم عليه وهذا مثبت لدى المحكمة ولدى هيئة التحقيق ، بينما الدليل يستنتج على سبيل اليقين والجزم وعلة عدم جواز الاستناد إلى الدلائل وحدها في نفي التهمة ، أن الأحكام يجب أن تبنى على الجزم واليقين-وهذا الذي لم يعمل به القضاة مصدري الحكم- ، وكل حكم بنفي التهمة على الدلائل وحدها هو حكم باطل لأن اقتناع القاضي في هذه الحالة بنيّ على الاحتمال لا على اليقين ، ولنا وقفة هنا لنسأل ، لماذا يغفل القضاة مصدري الحكم الأدلة ويلتفتون للدلائل ؟ تغييب مطلق لأدلة قاطعة لعل من أهمها علاوة على شهادة الشهود لأرتكاب الجناة جريمتهم ، هو تقرير الأدلة الجنائية رقم 783-11 لعام 1428 والذي تضمن تطابق الأنماط الوراثية لعينة الدم لمحمد بن موسى مع الأنماط الوراثية للعينة المأخوذة من مغسلة في الدور العلوي من منزل المجني عليه ، والذي فيه إثبات تام وقرينة قاطعة على تواجد الجاني " م.م " في وقت المداهمة ومباشرته لقتل المجني عليه ظلماً وعدواناً بمشاركة زميله الجاني "ع.ي"؟ والذي يعضد ويؤكد صحة شهادة بقية الأعضاء المشاركين على قيامهم بمباشرة الركن المادي للجريمة؟ ومع ذلك كله لا نجد لهذه الأدلة الواضحة أي اعتبار وإنما نجد مصدريّ الحكم يستندون على الاحتمالات والظن دونما اليقين والجزم ، ولا شك أن في هذا كله مساساً لمبدأ الحياد ، والذي يُعد مبدأ أصيلا في التقاضيّ، ومع الأسف لم نجده ، والأمثلة عليه في هذه القضية كثيرة سنذكرها في موضعها من اللائحة إن شاء الله تعالى.
3- أما بخصوص القول بأن الشاهد خالد الكعبي ، متهماً في القضية ، وقد أقيمت عليه دعوى بالتستر على التصنيع وتعاطيّ الخمر وهذا مسقط لشهادته ، فنقول رداً على ذلك ، أن هذا التسبيب باطل بطلاناً مطلقاً ، كحال الحكم برمته، من عدة وجوه :
أولها : الشاهد خالد الكعبي ، القول باتهامه ، كالقول باتهام المجني عليه من قبله والذي راح ضحية هذا الاتهام، ولكنها أقوال ،هكذا متهم ، تطلق جزافاً ، ويصدق عليها ما استشهد به القضاة مصدري الحكم أنفسهم في قضيتنا ،من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجالا وأموالهم ولكن البينة على المدعي) ، ونقول لأصحاب الفضيلة القضاة مصدري الحكم ، هذه بضاعتكم رُدت إليكم ، إلينا بالبينة على أن الشاهد خالد الكعبي متهماً ؟ أين سند الاتهام ؟ لا يوجد.
ثانيها : أين الدعوى التي أقيمت على الشاهد خالد الكعبي ؟ في أي محكمة ؟ أقيمت ؟ هل صدر بها حكم أم لا؟ إن صدر بها حكم ؟ هل الحكم كان ببراءته من دعوى التستر على التصنيع وتعاطي الخمر ؟ أم بإدانته ؟ إن كانت الدعوى بالإدانة بكل تأكيد سوف يخضع للعقوبة ؟ وهذا يعني أنه وقت إدلائه بالشهادة كان مسجوناً ، وهذا يعني أيضاً أنكم سوف تستعينون بالشرطة لجلبه من السجن كي يدليّ بشهادته ؟ هل أحضروه الشرطة لكم ؟ بكل تأكيد لا ، وإنما قد أتى الشاهد خالد الكعبي من سكنه في منطقة جيزان برفقتي- الوكيل الشرعي- للمحكمة وأدلى بشهادته وعاد إلى جيزان مره أخرى ، وإن كان قد حكم بالبراءة ، فهل يُعقل أن رجلُ تبرئه المحكمة بحكم له حجيته ، لا تقبل شهادته؟ تناقضات وحجج وأقوالا ، يصعب علينا أن ندخلها في قائمة الأحكام وإنما ندخلها في قائمة الادعاءات ، وكأننا لسنا أمام حكم صادر من قضاة يفترض فيهم أن يأخذوا الموقف السلبي والمحايد بين أطراف القضية ، حتى نُذهل ونكون في حيرة من أمرنا ويُخالُ لنا كمدعين أننا لا نرد على حكم محكمة ، وإنما نرد على لائحة جوابية تقدم بها إلينا محامي المتهمين.
ثالثاً : لا توجد قضية ، أتهم بها الشاهد خالد الكعبي ولا حكم صادر من المحكمة ، وإنما هذا القول قد سمعناه من محامي المتهمين في الجلسة ، إذ قال أن الشاهد خالد الكعبي متهم بقضية وحكم فيها ،رغم نفيه لها ، وهذا ما سمعه القضاة وحكموا على أساسه ودونوه في صك حكمهم ، وهذا يندرج تحت باب (حكم القاضي بعلمه) ولا شك أن الشريعة الإسلامية لعدالتها قد منعت على القاضي أن يحكم بعلمه وهو القول الراجح من أقوال العلماء وذلك منعاً لأتهامه وتحيّزه والطعن في حياده –راجع في ذلك إعلام الموقعين الجزء الثاني ، الصفحة 143- وأكد عليها النظام السعودي ،إذ جاء في المادة 180 من نظام الإجراءات الجزائية ما نصه ( تعتمد المحكمة في حكمها الأدلة المقدمة إليها في أثناء نظر القضية ، ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه وبما لا يخالف علمه).
أصحاب الفضيلة الأجلاء :
قد تلاحظون أننا قد اضطررنا مجبرين في هذه الجزئية المتعلقة بالأسباب التي ذكرها أصحاب الفضيلة مصدريّ الحكم ، لضرب الأمثلة لقوادح الشهادة وشيئاً من الشرح لها ، وما كنا نريد أن تتحمل لائحتنا الاعتراضية أكثر مما لا تحتمل، لولا أننا اصطدمنا بعدم الإلمام والفهم الجيد لأبسط قواعد وأحكام الشهادة في الشريعة الإسلامية من قبل القضاة مصدريّ الحكم، ولم نكن نتوقع ذلك وإنما اقتضى المقال منا هذا.
التسبيب الثاني : يرى أصحاب الفضيلة مصدريّ الحكم ، أن ما جاء في نتيجة التحقيق من إدانة المدعي عليهما بالقتل العمد العدوان فهذا لا دليل عليه لما يلي :
1- أنه الثابت من خلال التقرير الطبي أن وفاة المتوفى سلمان كانت بسبب الضربة التي وقعت على عينه وهي ضربة واحدة فكيف ينسب القتل العمد العدوان لأثنين :
نقول رداً على ذلك ، لم يرد في التقرير الطبي ما نصه أن سبب الوفاة يعود إلى ضربة وقعت على عينه المجني عليه سواء كانت واحدة أو مئة ضربة ، ويجب على أصحاب الفضيلة مصدريّ الحكم أن يعودوا مرة أخرى إلى ما ورد في التقرير الطبيّ حتى يتثبتوا من سبب الوفاة جيداً قبل أن يصدروا أحكامهم ، فقد ورد في التقرير الطبي الشرعي رقم (140) لعام 1428هـوالمرفق على اللفات 149 و 154 ، في الجزئية المتعلقة بسبب الوفاة ما نصه ((5) - كسر متفتت بعظام سقف حجاج العين اليمنى بارز إلى تجويف الحفرة الجمجمية الأمامية اليمنى لقاع قاعدة المخ ، وسبب الوفاة ما جاء في الفقرة (5) من التقرير الطبي الشرعي)) .
وبناء على ما جاء في التقرير نجد أن سبب الوفاة كسر متفتت وصل إلى تجويف الحفرة الجمجمية لقاع المخ ، ومنقطة الكسر كانت في سقف حجاج العين اليمنى حتى أمدت الضربات إلى قاع المخ ، وهناك فرق بين حجاج العين وبين العين ، لأن الحجاج فوق العين ، وليس هو العين ، فكيف يوعز مصدريّ الحكم الضربة إلى العين ؟ كما أن التقرير الطبي يثبت لنا موالاة الضربات وفحشها حتى أن أيديهم وأرجلهم قد وصلت إلى قاع المخ أي أنها قد تجاوزت مرحلة أن تكون جرحاً بسيطاً خارجياً يكون على حاجب العين ، إلى جرحاً عميقاً أصاب المجني عليه في مقتل ، ولا شك أن في ذلك تأكيداً على العمدية والقصد وهذا ما عليه أجماع أهل العلم على اختلاف مذاهبهم .
أما فيما يخص كيف ينسب القتل العمد العدوان لأثنين ؟ فعلاوة على أن القضاة في أحكامهم يجب أن لا تبنى على التساؤلات بل على الجزم واليقين وهذه من المبادئ والمسلمات في القضاء ، سنترك التقرير الطبي ودور أهل الخبرة يجيبهم على هذا التساؤل : فقدر ورد في التقرير الطبي سالف الذكر ما نصه :
(1)-وجود كدم رضي بالرأس حديث يشمل جفني العين اليمنى
(2)- سحج احتكاكي حيوي تحت اليد اليمنى
(3)- سبع سحجات رضيه احتكاكية غير منتظمة الشكل بالعنق منتشرة بمقدم العنق على الناحيتين
(4)- تسع سحجات خدشيه حيوية كما لوحظ وجود كدمات رضيه حيوية حديثة متداخلة بشكل كيس الصفن بمنطقة العجان
(5) - كسر متفتت بعظام سقف حجاج العين اليمنى بارز إلى تجويف الحفرة الجمجمية الأمامية اليمنى لقاع قاعدة المخ ، وسبب الوفاة ما جاء في الفقرة (5 ) من التقرير الطبي الشرعي.
وبحسب بسيطة لما ورد في التقرير نجد أن عدد السجحات سبعة عشر ، بالإضافة إلى كدمات لم يحصها التقرير وهذا الكدمات كانت متفرقة ومتداخلة وما يؤكد على كثرتها كونها قد شكلت ما يشبه كيس الصفن بمنطقة العجان ، كما أن هذه الكدمات امتدت أيضا إلى ما تحت اليد اليمنى للمجني عليه ، وهذا يعطينا إشارة إلى موالاة الضربات وتعددها ، وتتفق عقلاً ومنطقاً مع أقوال الشهود على أن المباشر لهذه الأفعال لم يكن شخصاً واحداً بل اثنين ، لأن السجحات والكدمات والكسر المتفتت لم تكن واحدة .
كما أن هذا يتوافق مع أتفاق الأئمة رحمهم الله ، (حيث اتفقوا على أنه إذا قام جماعة بقتل شخص واحد في فور واحد بأن توافقت إرادتهم على القتل في وقت الحادث –حتى وإن لم يكن هناك اتفاق سابق بينهما على قتله- فإن كلاً منهم يعتبر قاتلاً عمداً له ، وليس هناك عبرة بالتفاوت بين الجناة في عدد الجراح وفحشها فإذا احدث أحدهم جرحاً والآخر عشرة أو أقل أو أكثر فحشاً فكلاً منهم مسئولا عن القتل العمد مادام قد احدث جرحاً له دخل في إحداث الوفاة) راجع في هذا أقوال العلماء في المراجع التالي:
- المغني الجزء التاسع ، الصفحة 336
-الشرح الكبير الجزء التاسع، الصفحة 335، ومابعدها
-الزيلعي الجزء السادس، الصفحة 114
-البحر الرائق الجزء الثامن، الصفحة، الصفحة 310
-المهذب الجزء الثاني، الصفحة 186 .
2-أنه لم يذكر لا من خلال التحقيق ولا من خلال أقوال أطراف القضية استعمال آلة في ضرب المتوفى بل الذي انتهى إليه التحقيق أن المتوفى تعرض للضرب على رأسه بالقدم فلا آله قاتلة ولا الموضع مقتل ، فالرأس ليس من المقاتل إذا كان الضرب بلا آلة كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية :
ونقول رداً على ذلك ، أين نص شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- على ذلك ، في أي مؤلف له ورد هذا القول ؟ مؤلفات الشيخ بحورٌ متلاطمة؟ هكذا فقط –قولٌ مبهم- نص الشيخ ابن تيمية وكفى ، وهذا لا شك فيه مخالفة لقواعد تسبب الأحكام إذا لا بد أن يكون الإسناد فيها واضح المعالم لا غموض ولا لبس فيه ، وعلى افتراض أن شيخ الإسلام بن تيمية قد نص على هذا فإننا ومع ذلك كله نقول :
من المسلمات عند أهل العلم ، إن أجماع العلماء هو بمثابة الدليل القطعي على الحكم ، أما رأي فقيه واحد،فهو دليل ظنيّ أي غير ملزم ولا يكون ملزماً إلا إذا أمر ولي الأمر بوجوب أتباعه فيصبح في هذا الحالة ملزماً وواجب الإتباع ، والحق أن ولي الأمر نص على وجوب إتباع الإجماع ، وأعتبر أي حكم يخالف ما جاء به الإجماع هو باطل ، بطلاناً مطلقاً ويستحق النقض، وذلك بدلالة نص المادة 201 من نظام الإجراءات الجزائية إذا جاء فيها (ينقض الحكم إذا خالف نصاً من الكتاب ، أو السنة أو الإجماع) ، وقد اجمع الأئمة رحمهم الله على أن الضرب بالقدم من الآلات القاتلة في أي موضع كان من جسم الإنسان طالما نتج عنه موته ، ومفاد هذا الإجماع يتمثل في أن يكون القتل بفعل الجاني أو الجناة في حالة التعدد ، وأن يكون من شأن هذا الفعل إحداث الموت ، ولا يشترط أن يكون الفعل من نوع معين لاعتباره قتلاً ، فيصح أن يكون ضرباً أو جرحاً أو ذبحاً أو حرقاً أو خنقاً أو تسميماً أو غير ذلك ، كما أنه يصح أن يقع الفعل من الجاني مرة واحدة أو يقع على التوالي في مدة ٍ طالت أو قصرت.
وإليكم النقولات من كتبهم رحمهم الله والتي تدرس في جامعاتنا الشرعية ومساجدنا العامرة بالذكر والعلماء وطلبة العلم :
1- في الفقه المالكي :
يرى الإمام مالك رضي الله عنه وجاء ذلك في المدونة الشهيرة والمعروفة –بمدونة الإمام مالك – في الجزء السادس عشر وفي الصفحة 108- الطبعة الأولى بمطبعة السعادة (( إنه لا يشترط في الفعل القاتل أو أداة القتل شروطاً خاصة، فكل ما تعمده الإنسان من ضربة بلطمة أو بلكزة أو بحجر أو بقضيب أو بغير ذلك ، كان القتل عمداً إذا مات فيه المجني عليه ، ما لم يكن الجاني قد تعمد الفعل على وجه اللعب كأن يتصارع الرجل وصاحبه أو يتراميان بالشيء على وجه اللعب)).
ويتفق بعض فقهاء المالكية مع ما ذهب إليه الإمام مالك بأن الفعل يعتبر قتلاً عمداً سواء كانت أداة القتل مما يقتل غالباً كالسيف أو مما لا يقتل غالباً كالعصا والضرب باليد ولكن بشرط أن لا يكون الفعل قد وقع بقصد اللعب أو التأديب –راجع في ذلك الشرح الكبير للدردير الجزء الرابع ، الصفحة 215 ، المطبعة الأميرية-.
2- في الفقه الشافعي وفي الفقه الحنبلي :
أما الإمامين الشافعي وأحمد ، وإن كان يشترطان في القتل العمد أن يكون القتل بأداة تقتل غالباً –كالسيف والرمح والمسدس ونحوهما- إلا أنهم رضي الله عنهما ، قد فصلوا في أدوات القتل الأخرى ولم يتركوها سدى على النحو التالي :
أ- ما يقتل غالباً ، وهو كما أشرنا السيف والرمح والمسدس ونحوهما.
ب- ما يقتل كثيراً بطبيعته ولا يقتل غالباً كالسوط والعصا.
ج-ما يقتل نادراً بطبيعته كالإبرة غير المسمومة واللطمة واللكزة.
وما يهمنا في تفصيل أدوات القتل هو ما يختص في موضوع قضيتنا وهي أداة اللطمة واللكزة ، فمن المعروف أن اللطمة واللكزة يكون مصدرها أطراف الإنسان ، فالجاني يستخدم في اللطمة واللكزة يده أو قبضته أو قدمه أو ينطح المجني عليه برأسه ونحو ذلك ، فالإمامين الشافعي وأحمد قد جعلوا من اللطمة واللكزة وهن من الأدوات التي تقتل نادراً بطبيعتها في مرتبة الأدوات التي تقتل غالباً ، أي جعلوا اللطمة كالسيف ، في بعض الظروف كمرض المجني عليه أو ضعف بنيته أو صغره أو لوقوع الإصابة في مقتل وكذلك تعدد اللطمات أو اللكزات أو الضربات وموالاتها تدخل ضمن ما يقتل غالباً ، ونخلص من ذلك أن قصد الجاني القتل بما لا يقتل غالباً مع موالاة الضربات حتى يموت المجني عليه يعتبر عندهما – رضي الله عنهما- هو من القتل العمد ، لأن موالاة الضرب حتى الموت تجعل أداة القتل قاتلة .
- راجع في الفقه الشافعي (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج الجزء السابع ، الصفحة 238 وما بعدها ،مطبعة الحلبي ، حاشية البجيرمي على منهج الطلاب الجزء الرابع ، الصفحة 130 وما بعدها ، مطبعة الحلبي، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج الجزء الرابع ، الصفحة 3 وما بعدها، والمهذب الجزء الثاني ، الصفحة187 وما بعدها الطبعة الأولى مطبعة الحلبي).
- راجع في الفقه الحنبلي ( المغني على مختصر الخرقي الجزء التاسع ، الصفحة 321 وما بعدها مطبعة المنار ، الشرح الكبير على متن المقنع الجزء التاسع ، الصفحة 320 وما بعدها مطبعة المنار ، الإقناع الجزء الرابع ، الصفحة 163 وما بعدها ، الطبعة الأولى المطبعة المصرية).
والحق أن مولاة الضربات وتعددها قد وقع في مقتل إذا انه أمتد إلى قاع المخ ومات على أثرها المجني عليه ، كما أن بنية المجني عليه لا تتحمل مثل هذه الضربات فهو ليس بالرجل الضخم والقوي وإنما بنيته ضعيفة مقارنة ببنية الجناة فهم يتجاوزونه بالقوة والضخامة.
ونعود إلى ما استشهد به مصدريّ الحكم من قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وعلى افتراض صحة هذا الاستشهاد ، لأننا لا نعلم في أي مؤلفاً للشيخ ورد ، نقول : هل يعقل في زمننا هذا أن لا يكون القدم من الآلات القاتلة أو لا يكون رأس الإنسان موضع مقتل ، وقد انتشرت رياضة الدفاع عن النفس بكافة أنواعها كالجودو والكاراتيه وغيرها، إذ نجد أن ممارسيّ هذه الرياضة يستطيع الواحد منهم بضربة واحدة بقدمه أو قبضته أن يحول ساتراً إسمنتياً إلى فُتات ٍ كفتات الخبز ، وهب أن أحد هؤلاء قام وضرب أحد الأشخاص بقدمه ضربة واحدة فتهشم منها رأسه وقضى نحبه ، ورفعت دعوى القتل العمد إلى احد القضاة ، لا بل إلى أصحاب الفضيلة ناظريّ قضيتنا ومصدريّ حكمها ، هل إذا احتج القاتل برأي شيخ الإسلام ، سيذهب دم المقتول سدى ، بغض النظر عن كون الإجماع هو الحجة، وبغض النظر ، عن كون الحكم على ما يخالف الإجماع باطلاً في الأنظمة السعودية؟ لا شك أن القول بهذا يخالف المنطق ويتنافى مع روح الشريعة الإسلامية ، ويشجع المجرمون المتشفون والمتعطشون إلى الدماء ، إلى ضرب الناس على رؤوسهم بإقدامهم أو أيديهم ، لأنهم من العقاب في مأمن بحجة هذا الرأي أو هذا القول، نسأل الله العفو والسلامة.
3- وعلى فرض ثبوت قيام أحد المدعى عليهم بضرب المتوفى بقدمه على رأسه فلا يعني ذلك أنه عمد إلى قتله ، لأن العمدية يستدل عليها إما بالآلة وإما بموضع القتل وكلاهما منعدم في هذه القضية :
نقول رداً على ذلك : من المسلمات لا بل من الأبجديات التي يعرفها كل من درس القضاء ، قبل أن ينتميّ إلى سلكه ويمتهنه ويحمل أمانته العظيمة ، أن الأحكام لا تبنى على الفرضيات ، وأن أي حكم يبنى على فرضية أو احتمال هو حكمُ باطل بإجماع أهل العلم وهذا ما أكدت عليه أيضا الأنظمة القضائية والعدلية في بلادنا، ومع ذلك كله نصطدم في أكثر من موضع في الحكم المتعلق بقضيتنا ، أنه في الغالب الأعم منه بنيّ على الظن والاحتمال لا على اليقين والجزم ، فهاهم القضاة مصدريّ الحكم قد ابتداؤها، أي هذه الجزئية من أسباب الحكم ، بمصطلح (وعلى فرض ثبوت) ، وهذا المصطلح أي مصطلح الفرضيات والاحتمالات قد يذكرها وكلاء الدفاع أو المدعين بالحق الخاص، أما أن يذكرها قضاة فإنهم بذكرها قد تحولوا من ساحة القضاء إلى ساحة الدفاع ، وهذا بلا شك فيه مساس بأصل ثابت من أصول التقاضي وهو مبدأ الحياد ، ومع ذلك كله ، نستعين بالله ونرد قائلين : لقد أثبتنا في الجزئية السابقة من نقول أهل العلم في كتبهم على إجماعهم –رحمهم الله- على أن الموالاة بالضرب تجعل من الأقدام والأيدي في مصاف الآلات القاتلة ، إذا وقعت في مقتل وهذا ما أكده- تقرير الطبيب الشرعي- فقد أكد على الموالاة بالضرب وتكراره عند عده للسحجات والكدمات كما أكد على وجود كسر مضاعف –متفتت- ، وأكد على أن الضربات قد وصل أثرها إلى قاع المخ وهذا بلا شك يعني أنها قد وقعت في مقتل ، أما وقوف مصدريّ الحكم وحديثهم عن الآلات والعمدية ليس في موضعه الصحيح ، لأنه الحديث عنها يوحي لنا اعتمادهم على جنس الآلة دونما تفصيل لفهم أهل العلم حول جنس الآلة وموضع القتل ، أي نعم أن الآلة هي ما يستدل بها على القصد الجنائي والعمدية ، ولكنها ليست على إطلاقها ولم يكن هذه فهم أهل العلم ، فليس لديهم فقط أن القتل العمد يستدل به بالمحدد أو المثقل ، ودونما النظر إلى الآلات الأخرى كاليد أو القدم –بالرفس أو الركل أو اللطم- ومواضع القتل ، بل فصلوا في ذلك –وهذا ما نقلناه عنهم في ردنا السابق- ولم يتركوها سدى –وحاشا لله- أن يتركوها سداً ، لأنهم يعلمون –رحمهم الله- بأن تركها يتنافى مع روح الشريعة الإسلامية في إقامة القصاص ، وإلا كان بالإمكان أن يفلت كثير من الجناة من عقوبة القتل ، وبالتالي يحتجون أن القتل بغير محدد ٍ ولا مثقل عند الحديث عن القتل بالمباشرة ، لا قصاص فيه ، وإنما دية ، وتذهب دماء الناس هدراً ، وهذا كما قلنا يشجع الجناة على ارتكاب قتل النفس المحرمة ، لأنه بكل تأكيد سنداً للغلو في جنس الآلة بناءً على رأي مصدريّ الحكم ، سيحتج من يثبت خصمه أرضاً ويقوم برفسه وركله كهيئة الاستعداد العسكري كما هو ثابت في قضيتنا بالأدلة ، بأن خصمه المجني عليه مات بآلة غير قاتله لأن الفقهاء يقولون القتل العمد على إطلاقه لا بد أن يكون بمحدد –كالسيف أو الرمح أو المسدس- أو يكون بمثقل- كالحجر والخشب –ونحوهما ، دونما تفصيل ولا تقييد ، وهذا لا شك يتنافى مع ما هو مقرر لدى فقهاء الشريعة الإسلامية على اختلاف مذاهبهم وهذا ما ذكرناه سابقاً و أكدناه نقلاً عنهم-رحمهم الله- ونربط هذه الجزئية من ردنا بما سبق ، ونكتفي فيها بهذا القدر.
ثالثاً: يقول أصحاب الفضيلة مصدريّ الحكم في الجزء الأخير من أسبابهم لرد الدعوى ما نصه ( وأما ما يفيد ما ذكر من أدلة التحقيق فلا أثر لها لأنها ليس بأدلة على مثل هذه الدعوى ..الخ)
نقول رداً على ذلك : من الملاحظ عند قراءة صك الحكم بتمعن وبعين ثاقبة وفاحصة ، سيصطدم القارئ المتمعن بجملة من المتناقضات والغموض وخصوصاً في الأسباب التي بنى عليها مصدريّ الحكم حكمهم ، وفي هذه الجزئية بالذات يتجلى لنا الغموض والتناقض على النحو التالي:
1- أما ما يختص بالغموض، فهو قولهم ( ما ذكر من أدلة التحقيق فلا أثر لها) ، ما هي هذه الأدلة التي ليس له أثر في دعوى القتل العمد ؟ هل يقصد بها شهادة الشهود أم التقرير الشرعي الطبي أم تقرير الأدلة الجنائية أم ماذا ؟ وما هي الأدلة التي تصلح لمثل هذه الدعوى ،لا نعلم ، غموض في غموض ، ومع ذلك كله سنتطرق إلى هذه الأدلة وهل هيّ تصلح في موضوع قضيتنا أم لا بعد قليل.
2- أما ما يختص بالتناقض، فيتمثل في أنهم تارة يأخذون بما جاء في ملف التحقيق من أدلة ويفندونها وتارة لا يلتفتون لها ، بل أنهم يرون أنها لا تصلح كدليل إدانة وفي ذات الوقت يجعلون منها دليل براءة ، وكان ينبغي لهم أن يحددون لنا مساراً واحداً استندوا عليه في اعتقادهم وقناعتهم حتى أصدروا الحكم ، لا شيء ، بالفعل كان حافلاً هذا الحكم بجملة من التناقضات والغموض ، مما سيجعلها بلا أدنى شك عرضه للنقض والبطلان لأنها لا تتفق مع ابسط قواعد تسبيب الأحكام وهذا متفق عليه شرعاً ونظاماً، إذ يجب أن يكون التسبيب واضحاً لا لبس فيه ولا غموض ، وأن لا يكون متناقضاً بين الفينة والأخرى.
ومع ذلك كله، سنسوق الأدلة والبراهين القاطعة والجازمة من الواقع والمعقول ومن أقوال أهل العلم ومن الأنظمة ذات العلاقة، ومحور هذه البراهين يدور حول قول مصدريّ الحكم بأنه لا أثر لها، لأنها ليست بأدلة على مثل هذه الدعوى:
أن قول مصدريّ الحكم بأن الأدلة التي تضمنتها ملفات التحقيق ، كالتقرير الطبي الشرعي ، وتقرير الأدلة الجنائية واعتراف الجناة، لا تصلح أن تكون دليلاً في مثل هذه الدعوى ، يفهم منه أن مصدري الحكم وبغموض منهم يرمون بقصدهم إلى الشهادة ، أي أن الشهادة هي الدليل الوحيد الذي يصلح في دعوى القتل العمد ،وذلك لأنهم اكتفوا بتفنيد الشهادة والطعن فيها بقوادح ولأن مدار حكمهم في صرف الدعوى كان يدور حول هذه الشهادة التي خلقوا لها موانع وقوادح لا تنسب إليها فقهاً ونظاماً ، وعليه يكون ما يخص تقرير الطبيب الشرعي وتقرير الأدلة الجنائية ليست دليلاً يعتد به في إثبات جريمة القتل العمد بزعمهم ، ونقول رداً على ذلك : مع أن القضاة مصدريّ الحكم قد تجاهلوا أدلة الإثبات والتي تقدمنا بها إليهم والمتمثلة في تقرير الطبيب الشرعي وتقرير الأدلة الجنائي واعتراف الجناة أنفسهم على زملائهم مباشريّ الركن المادي للجريمة أمام هيئة التحقيق ، سنوضح بطلان الاستدلال بأن هذه الأدلة لا تصلح أن تكون دليلاً في هذه الجريمة ، على أن نعرض أدلة إثباتنا وأدلة نفيّ خصومنا على النحو التالي :
ماذا قدمنا وماذا قدموا من أدله ؟، نحن قدمنا من الأدلة اعترافات الجناة أنفسهم على بعضهم ودليل التقرير الطبيّ الشرعي الذي يثبت وفاة المجني عليه نتيجة اعتداء عمديّ ، ودليل الأدلة الجنائية على أن الجاني محمد بن موسى كان موجوداً في وقت المداهمة وذلك أثر وجود عينه من دمه في مسرح الجريمة ، وهذا يعاضد اعتراف زملائه عليه ، وننظر ماذا قدموا الجناة من أدلة تنفيّ قتلهم للمجني عليه ؟ أتدرون ماذا قدم الجناة من أدلة ؟ أقوال فقط ، هذه أدلتهم ، بادرهم القضاة بالسؤال ، ماذا تقولون في الإدعاء المقدم إليكم ؟ قالوا نحن براء مما يقولون ، فهذا الجاني محمد بن موسى في الصفحة الأولى من الصك في السطر الحادي والعشرين يقول ما نصه ( والصحيح أنني بريء من هذه القضية) ، انتهى قال محمد بن موسى أنه بريء فهو بريء وبراءته لا ريب فيها ، هذا هو دليله على براءته مجرد قول ، ولنا أن نسأل هل يعقل أن يبنى دليل براءة على مجرد قول وهل هذه من العدالة والأنصاف بشيء؟ ، أقوال فقط ،وفي النهاية يأتيك الحكم بالبراءة ، هكذا أذهب يا محمد بن موسى وهنيئاً لك البراءة ، فقولك المجرد بمثابة ألف دليل لا بل لا تصمد أمامه كل الأدلة لا اعتراف زملائك عليك ولا عينة دمك التي شهدت على تواجدك ولا تقرير الطب الشرعي الذي اثبت موت المجني عليه بفعلك ، كلها لا تصلح دليلاً وإنما الدليل الذي يصلح هو قولك فقط ، والطريف المحزن في نفس الموضع الذي جاءت فيه أقول الجاني محمد بن موسى يقول ( قد تحاملوا عليّ المحققون) ونسأل لماذا تحاملوا عليك يا محمد بن موسى ، يجيبنا بالقول ( بسبب أنني قبضت على عضو تحقيق في قضية اختلاء وتم فصله ) أبهذا السبب تحاملوا عليك ؟ أيتحامل موظفون في جهاز حكومي على متهم؟ لهذا السبب ؟ وما علاقتهم بزميلهم المفصول لقبضك عليه،أن صحت روايتك ؟ هل بينهم رابط دم أم قرابة أم ماذا ؟ حتى تدفعهم على أن يتحاملوا عليك ، أقوال لا تتفق مع المنطق ؟ ونربأ بأنفسنا ونحن أولي دم المجني عليه أن نقيس على ما تقول،و نتحامل على جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهم تسببوا في مقتل ابننا، وإذ هم تحاملوا عليك ، ماذا عن الطبيب الشرعيّ وموظفيّ الأدلة الجنائية ؟هل تحاملوا عليك أيضا ؟ هل تم فصل أحد منهم بسببك ؟ لن يجيب ، هي أقوالٌ لا تغني عن الحق شيئاً.
وأما أدلة الجاني " ع.ي"، فليست بعيدة عن أدلة شريكه الجاني "م .م" تتشابه في الشكل والمضمون ، مجرد أقوال ، نحيل –أصحاب الفضيلة الأجلاء في الدائرة الجنائية في محكمة التمييز بالنظر فيها- بدل من سردها هنا لأن المقام لا يتسع إذا أننا نحاول بقدر استطاعتنا إلى الإيجاز ولكننا نضطر أحياناً إلى الإسهاب لأن المقال يفرض علينا ذلك.
أما نحن فهذه أدلتنا نسوقها إليكم ، والتي تثبت صحة إدعاءنا من الواقع والمنقول والمنطوق والمقروء من أقوال أهل العلم ومن ساحات المحاكم السعودية ، والتي تصلح دليلاً قاطعاً على نسبة جريمة القتل العمد على الجناة :
الدليل الأول : اعتراف الجناة بعضهم على بعض :
1-ما جاء في أعتراف / "ع.ع" من مشاهدته للجاني /"م .م" وهو يقوم بركل سلمان بقدمه على رأسه بشدة في الموقع والمدونة على الصفحة رقم (9) من ملف التحقيق رقم (55)
2--ما جاء من أعتراف / "ف .س" من مشاهدته لشخص ملثم وهو يقوم بركل المجني عليه بقدمه على رأسه بشدة في الموقع وقد علم انه الجاني /"م .م "والمدونة على الصفحة رقم (1-4) من ملف التحقيق رقم (55).
3- ما جاء في أقوال / "ع.ش" و "ب.ع " و "خ.ش" و"ت.خ" و "ف.ج " من اشتراك الجاني "م.م" في المداهمة والمدونه على الصفحة رقم (6-9) من ملف التحقيق رقم (55).
4- ما خلصت إليه اعترافات الجناة بأن الجاني الأول - "م.م"- قد قام بقتل المجني عليه –سلمان بن محمد شامي حريصي- عمداً وذلك بضرب رأس المجني عليه ، بقدمه بشدة كهيئة الاستعداد العسكري ، وقيام الجاني الثاني - "ع.ي" - بقتل المجني عليه عمداً وعدواناً وذلك بضرب رأس المجني عليه ، بشدة بيده وقدمه بعد السيطرة عليه وتقييده أثناء مشاركتهما في المداهمة والقبض عليه بالرغم من عدم اختصاصهما النظامي والشرعي.
الدليل الثاني : ما جاء بتقرير الأدلة الجنائية رقم 783-11/فحوص وراثية /1428هـ المتضمن تطابق الأنماط الوراثية لعينة الدم التي رفعت من المغسلة التي بالمنزل الذي تمت مداهمته مما يثبت أن المتهم "م .م" هو مصدر تلك العينة بالرغم من نفيه المشاركة في المداهمة أو دخول المنزل المرفقة على اللفة (129).
الدليل الثالث : ما جاء بالتقرير الطبي الشرعي رقم (140) لعام 1428هـ ، والمرفق على اللفات 149 و 154.
(1)-وجود كدم رضي بالرأس حديث يشمل جفني العين اليمنى
(2)- سحج احتكاكي حيوي تحت اليد اليمنى
(3)- سبع سحجات رضيه احتكاكية غير منتظمة الشكل بالعنق منتشرة بمقدم العنق على الناحيتين
(4)- تسع سحجات خدشيه حيوية كما لوحظ وجود كدمات رضيه حيوية حديثة متداخلة بشمل كيس الصفن بمنطقة العجان
(5) - كسر متفتت بعظام سقف حجاج العين اليمنى بارز إلى تجويف الحفرة الجمجمية الأمامية اليمنى لقاع قاعدة المخ ، وسبب الوفاة ما جاء في الفقرة (5 ) من التقرير الطبي الشرعي.
الدليل الرابع : ما جاء بمحضر الانتقال والمعاينة والمدون على الصفحة رقم (1-4)من ملف التحقيق رقم (3).
أليست هذه أدلة كافية على قيام الجناة بارتكاب جريمتهم ، أما أن الاعترافات التي كُيّفت على أنها (شهادة) ، هي فقط الدليل الذي يعتد به من قبل القضاة بعدما خلقوا لها قوادح وأسسوا حكم البراءة عليها ونقول لأصحاب الفضيلة مصدري الحكم ، سنترك أهل العلم من الفقهاء يتحدثون عن دور أهل الخبرة في إثبات الجرائم –نيابة عنا- وأن أقوال أهل الاختصاص تصلح أن تكون دليلاً يقام به حدا أو قصاصاً في حقوق الله وحقوق عباده على النحو التالي :
أجمع فقهاء الأحناف والشافعية والمالكية والحنابلة على وجوب الرجوع إلى أهل المعرفة والبصيرة فيما هو معروض أمام القضاء ، ولا يثبت إلا بقولهم ، راجع في ذلك - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ط1 ص148 ،المهذب في فقه الإمام الشافعي ط1 الجزء الثالث ص 544، معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام ط2 ص130، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام ط1 الجزء الأول ص247- .
ولا يوجد من الفقهاء من لا يأخذ بقول أهل الخبرة فيما لا يعلمه القاضي، وفي ذلك يقول الماوردي –رحمه الله- في مؤلف الحاوي الكبير الجزء 16 ص 201 ما نصه (إن لكل جنس ونوع أهل خبرة هم أعلم به من غيرهم) وصدق رحمه الله ، إذ أنه لا يعقل أن يكون القاضي ملماً بكل العلوم ، ولذلك جاز له أن يستعين بأقوال أهل الخبرة وأن يبني أحكامه على ما جاء فيها ، لا أن يركن إلى معلوماته العامة ، طالما أن كلام أهل الخبرة يتوافق مع المنطق والعقل ، وأنه في قضيتنا يتوافق مع المنطق والعقل ، إذ نحن أمام جثة هامدة ، أثبت الطب الشرعي أنها قد تعرضت إلى اعتداء بالأيدي والأرجل ، والعقل يرشدنا إلى حقيقة لا لبس فيها ، عندما نكون أمام قتيل ، فلا بد أن له قاتلاً ، وهذا الذي لم يفكر فيه مصدري الحكم ، بل أنهم تجاهلوا هذه الحقيقة ، ونحن نقول على فرض- ويحق لنا أن نقول على فرض فنحن لسنا بقضاة مقيدين باليقين والجزم- نقول لو فرضنا أن القضاة يرون بعدم إدانة الجناة "م.م و ع.ي"، أليس من العدل وهذا ما يتوافق مع عمل أهل القضاء في كل أصقاع الدنيا وعلى مر العصور ، أليس من العدل أن يأتوا بكل الجناة المتورطين في المداهمة حتى يتوصلوا إلى حقيقة مقتل هذا الرجل ، أما أنه تسريح مجزأ ، المحقق يسرح بقية المتهمين وكأن شيئاً لم يكن ، ويأتي القضاة ويسرحون البقية ؟ إذا من الذي قتل هذا المسلم وفجع قلوبنا ونحن ذويه ؟ هل يعقل أن يقتل مسلماً في بلاد التوحيد ، في البلاد التي تحكم الشريعة الإسلامية وتقوم الأدلة على إثبات قاتليه ، ونصل في النهاية إلى ما لم نكن نتوقعه ؟ هل نسند فعل القتل إلى مجهولين أم إلى الجن المساكين الذين قلنا عنهم في بداية حديثنا في اللائحة الاعتراضية .!
وحول هذه الجزئية أيضا ، نتابع ونقول ،في تكملتنا لأقوال أهل العلم، فهذا ابن القيم الجوزية في كتابه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص 95 وما بعدها ، يذكر ستاً وعشرين طريقة للإثبات ذكر من ضمنها أهل المعرفة –الخبرة- ، كما ذكر رحمه الله عند حديثه عن البينة وأنها لا تقتصر فقط على الشهادة إذا أن اقتصارها على الشهادة هي تخصيص بغير مخصوص ، فالبينة كما يقول رحمه الله : (( هي أسم لكل ما يبين الحق ويظهره ، ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد لم يوف مسماها حقه ، ولم تأتي البينة فقط في القرآن مراداً بها الشاهدان وإنما أتت مراداً بها الحجة والدليل والبرهان مفردة ومجموعة)، وفي شرحه -رحمه الله – لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث (البينة على المدعي) ، المراد به : أن عليه ما يصحح دعواه ليحكم له ، والشاهدان من البينة ، ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، كدلالة الحال على صدق المدعي ، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد)) انتهى كلامه -رحمه الله- وهذا قد ذكره في كتابه -الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص 10 وما بعدها ، كما أن له كلاماً يتفق مع ما قاله رحمه الله وذلك في كتابه –إعلام الموقعين من رب العالمين في الجزء الأول ، الصفحة 428- ومنعاً للتكرار لن نذكر قوله ونكتفيّ بالإشارة إليه.
ولاشك أن التعميم في صفة البينة يتفق مع ما قصد إليه الشارع الحكيم من توطيد دعائم العدل وحفظ الحقوق على أربابها، وخصوصاً في هذه العصر الذي تقدم به العلم على استحداث وسائل يظهر بها جانب الحق كالتحليل المخبريّ ، وتقرير الطبي الشرعي ، وتقرير الأدلة الجنائية ، مما لا تقل في دلالتها وأهميتها عن شهادة الشهود ويترتب على إهمال العمل بها ضياع كثير من الحقوق ، الأمر الذي يتنافى مع روح الشريعة وسموها ، وصدق أبن القيّم الجوزية-رحمه الله- في مرجعه السابق ، الصفحة الحادية عشرة ،إذا يقول ( فأي طريق استخرج به العدل والقسط فهي من الدين ، وليست مخالفه له) .
وقد سار وليّ الأمر في بلادنا المباركة، عند إصداره للأنظمة ذات العلاقة بما قال به أبن القيم الجوزية ومن يتفق معهم بالرأي كأبن تيمية وبن فرحون –رحمهم الله جميعاً- على الأخذ بدور أهل الخبرة في إقامة العدل والقسط بين الناس ،إذا جاء في نظام المرافعات الشرعية في الفصل السادس منه النص على أن الخبرة وسيلة من وسائل الإثبات ، وكذلك الحال في المواد 76، 77 ، 78 من نظام الإجراءات الجزائية ، بل أن المادة 140 من نظام المرافعات الشرعية اعترفت بدور الخبرة للطبيب الشرعي كحجية قاطعة في الإثبات لا تقبل إثبات عكسها إلا بالتزوير على اعتبار أنها ورقة رسمية تصدر من جهات رسمية إذا جاء فيها( لا يقبل الطعن في الأوراق الرسمية إلا بإدعاء التزوير) ، وكذلك الحال فقد سارت المحاكم السعودية على ذلك، وسوف نقوم بسرد بعض الأحكام من محكمة التمييز والمحاكم العامة والجزائية ، ولولا ضيق المقام لسردنا مئات الأحكام التي تؤكد على ذلك :
أولا: أحكام محكمة التمييز السعودية :
1-صادقت محكمة التمييز على الحكم الشرعي رقم 11/1 وتاريخ 27/2/1419 هــ ، بقرارها رقم 495/ج2/أ بتاريخ 21/2/1419 ( استند الحكم على قرينة البصمة الوراثية بموجب تقرير الأدلة الجنائية) .
2- صادقت محكمة التمييز على الحكم الشرعي رقم 494/10 وتاريخ14 /7/1418 هــ ، بقرارها رقم 514/م2/أ بتاريخ 21/8/1418 ( استند الحكم على التقرير الكيميائي الصادر عن الأدلة الجنائية) .
3- صادقت محكمة التمييز على الحكم الشرعي رقم 2397 وتاريخ 25/7/ 1423هــ ، بقرارها رقم 511/م3/أ بتاريخ 8/7/1423 ( استند الحكم على قرينة الأنماط الوراثية بموجب تقرير الأدلة الجنائية) .
4- صادقت محكمة التمييز على الحكم الشرعي رقم 2/176/5/ ض وتاريخ 15/4/1424 هــ ، بقرارها رقم 370/خ/2/أ بتاريخ 21/5/1424 ( استند الحكم على قرينة البصمة الوراثية بموجب تقرير الأدلة الجنائية) .
5- صادقت محكمة التمييز على الحكم الشرعي رقم 25/4 وتاريخ 16/1/1424 هــ ، بقرارها رقم 146/ج1/أ بتاريخ 28/2/1424 ( استند الحكم على قرينة الأنماط الوراثية بموجب تقرير الأدلة الجنائية) .
ثانياً : أحكام المحاكم العامة والجزئية :
1- الحكم بموجب الصك الشرعي رقم 38/9 بتاريخ 4/2/1423 هـ ( استند الحكم على التقرير الطبي الشرعي ) وهذا الحكم شبيه ومقارب إلى قضيتنا ، وقد جاء فيه ما يعضد أدلتنا ما نصه ( لا يتصور أن يعتدي شخص على آخر بكدمات وسحجات في صدره ورأسه ولا يحصل كسور ولا تهشمات في العظام وخاصة عظم الرأس) .... حقاً صدق قول مصدريّ الحكم في ذلك ، لأنه لا يتصور عقـلاً ولا علماً وفقاً لما تعارف عليه الطب الشرعي ، أن يكون هناك اعتداء بكدمات وسحجات في صدر الإنسان أو رأسه ولا ينشأ عنها كسور وخصوصاً في عظم الرأس ، وفي قضيتنا المعروضة وبحسب تقرير الطبيب الشرعي رقم (140) لعام 1428هـ ، والمرفق على اللفات 149 و 154 ، اثبت أن جسم المجني عليه قد تعرض إلى كدمات وسحجات وكسر مفتت وصل إلى قاع المخ أدى إلى وفاته ، وهذا يعني أنه لولا هذه السحجات والكدمات لما تصورنا حدوث أمرين :
أولهما- المولاة في الضرب وتكراره وهذا يثبت القصد الجنائي وبالتالي يترقيّ بآله الضرب –الأيدي والأرجل- إلى مرتبة الآلات التي تقتل في غالبها كالسيف والمسدس والرمح ونحوهما.
ثانيهما-أن هذه السحجات والكدمات هي الدليل على وجود الكسور التي وصل أثرها على قاع المخ ، لأنه لا يعقل أن لا ينشأ عنها ذلك .
2-الحكم بموجب الصك الشرعي رقم 395/3 بتاريخ 2/12/1424 هـ ، الصادر من المحكمة العامة (استند الحكم على التقرير الطبي الشرعي والمتعلق بتحليل DNA إذ ثبت إجابية العينة للمتهم).
3-القرار الشرعي رقم 107/6/ق في 14/4/1421 هــ ، الصادر من المحكمة الجزائية ( إذا استند الحكم على ما ورد في التقرير الكيمائي الشرعي) .
وأمام هذه النقولات العلمية والنظامية والسوابق القضائية و ما تم التعارف عليه وقام العمل به في محاكمنا ، نتوصل إلى نتيجة مفادها، إن الحكم الصادر في قضيتنا ، هو سابقه قضائية في عدم الأخذ بالأدلة الشرعية والمادية ، وإذ أن عدم الأخذ بها لا يتفق مع عصرنا هذا ، ولم نشهد لها مثيلاً ، وبتالي نخلص إلى بطلان الحكم لاعتماده على أقوال المتهمين دونما بينة أو دليل يدحض أدلتنا ، بل أن كل الأدلة تدل بما لا يدع للشك مجالاً صدق البينة ، وصدق دعوانا وصحتها ، ويؤكد في ذات الوقت على بطلان أقوالهم وضعف بينتهم فهي مجرد أقاويل باطلة ولا تتعدى كونها أباطيل .
ونخلص فيما تقدمه ذكره ، أسباب بطلان الحكم موضوعاً في الآتي :
1- بطلان الحكم لمخالفته ،ما جاء في صريح القرآن والسنة والإجماع والنصوص النظامية ، ويتمثل في بطلان إجراءات المداهمة والتي أصبحت دليلاً يعول عليه الجناة في حق المجني عليه ، رغم عدم ثبوت الأدلة كما ذكرنا ذلك سابقاً ، فضلاً عن الجريمة التي نتجت بسبب هذه المداهمة ، ومع هذا كله أغفل مصدري الحكم الالتفات إلى هذه النصوص الشرعية ولم يجرموا الجناة على جريمتهم لا في حق ورثة المجني عليه بالقصاص من قتلته ، ولا في حق الله تعالى والمتمثل في حرمة مساكن عباده والتي حرم انتهاكها بدليلٍ قاطعاً لا اجتهاد فيه ، ولا يمكن أن يؤسس على مصلحة لا بل أن تأسيسه على المصلحة فيه تمرد على حكم الشرع ، لأن الشارع الحكيم لم يكن ليأمر بفعل وبه مضرة ولا ينهى عن فعل به مصلحة، فضلاً عن أنه يخالف النصوص النظامية وقد بينا ذلك.
2- بطلان الحكم لمخالفته أبسط قواعد الشهادة في الفقه الإسلامي ، إذا أنهم جعلوا من أقوال واعترافات المتهمين شهادة وخلقوا لها قوادح وموانع ، اتضح منها ، جهل القضاة مصدري الحكم في ذلك ، إذا أنه من المقرر لدى الفقهاء أن شهادة العدو أو الخصم لخصمه ، أي لصالحه ، هي شهادة معتبره وصحيحة ولا ترد ، وينطبق على ما سبق ذكره ، استنادهم على قاعدة ( جلب النفع ودفع الضر) والمتعلقة بالشهادة إذا أثبتنا أنها لا تنطبق على قضيتنا ، وبيّنا أقوال أهل العلم في ذلك، فالمجرمون تجمعهم وحدة الجريمة ، فشهادة بعضهم لبعض كشهادة الواحد منهم لنفسه ، وبهذا يكون الرد والقادح ، أما اعتراف بعضهم على بعض لا يمكن أن يؤسس على أنه شهادة ينظر في قوادحها وموانعها، وإنما هو اعترافاً ، يستحق من القضاة الالتفات إليه.
3- بطلان الحكم لمخالفته الأدلة المستساغة عقلاً ، إذ أنهم اغفلوا الأدلة والقرائن التي يعمل بها في مثل هذه القضية ، كالتقرير الشرعي وتقرير الأدلة الجنائية والتي اثبت تواجد الجاني محمد بن موسى في مسرح الجناة ،والتي كان من الواجب أن يقوم الحكم عليها ، ولكنه بكل أسف قام على أقوال المتهمين ، أي أقوال مجردة لا ترتقي لمرتبة الدليل لا في النفيّ ولا في الإثبات.
4- بطلان لمخالفة القضاة القاعدة الشرعية في القضاء ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر) إذا أنهم طلبوا من الوكيل الشرعي قبول يمين الجناة ، على الرغم من توافر الأدلة والبينات ، ومن المقرر أن اليمين لا تطلب إلا بعد مناقشة الأدلة والقرائن ، وهذا الذي لم يحدث فلم يتم مناقشة الأدلة ولا القرائن ولم يبحث فيها رغم وضوحها وصحتها ، بل طلب يمين المدعي على خلاف المتفق عليه، وتم رفض طلب تحليفهم من جانبنا.
5- بطلان الحكم لمخالفة القضاة قاعدة ( لا يقضي القاضي بعلمه) ، ومؤدى هذه القاعدة : أن يشاهد القاضي بنفسه حادثة من الحوادث ويطلع عليها ويحيطها علماً أو يسمع من شخصاً كلاماً ، ويبني عليه حكماً له ، وهذا الذي حدث ، إذا أنهم سمعوا من محامي الجناة أن الشاهد خالد الكعبي محكوم بقضية ، وهذا يخالف الواقع وعندنا ما يثبت هذا متى ما طلب منا ، ولا شك أنهم بهذا يخالفون الراجح من أقوال أهل العلم ، بل أنه ظاهر مذهب الحنابلة كما قال أبن قدامه (( ظاهر المذهب أن الحاكم لا يحكم بعلمه مطلقاً)) –المغني لأبن قدامه ج 14 ص 31 ، علاوة لمخالفته نص المادة 180 من نظام الإجراءات الجزائية إذا جاء فيها ( تعتمد المحكمة في حكمها على الأدلة المقدمة إليها في أثناء نظر القضية ، ولا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه ولا بما يخالف علمه).
6- بطلان الحكم لمخالفة القضاة مبدأ الحياد ، وهذا المبدأ يشترط أن يقف القضاة الموقف السلبي بين أطراف النزاع ، وهذا الذي لم يحدث وما يؤكد عدم حدوثه ، ما ذكرناه سابقاً ، كقضاء القضاة بعلمهم ، واستنادهم على تبرئة الجناة على أقوالهم المجردة، واستخدام القضاة لمصطلح الفرضيات والتساؤلات إذا يُخال لنا أننا في مواجهة أقوال دفاع لا حكم قضائي ، وما تم في عدد الجلسات وتواريخها إذا أنها تخالف عدد وتواريخ الجلسات الفعلية ، ولدينا ما يثبت هذا في حالة عدم وجود تلك الجلسات في محاضر المحكمة لا في صك الحكم ، وسنتقدم به إن لم يثبت ذلك .
7- بطلان الحكم لمخالفته إجماع الأئمة رحمهم الله على أن الضرب بالأقدام أو الأيدي بموالاة الضربات وتكرارها ووقوعها في مقتل ، هي من الآلات التي يستدل بها على العمدية حالها كحال المحدد أو المثقل وكذلك حالها حال القتل بالسببية ، وهذا ما أثبته التقرير الطبي الشرعي، وقد بيناه بالشرح الوافي المقرون بأقوال الفقهاء كافة على اختلاف مذاهبهم فيما تقدم معنا من عمر اللائحة.
8- بطلان الحكم لمخالفة القضاة لما جاء في نص المادة 120 من نظام المرافعات الشرعية (( تؤدي الشهادة شفوياً ولا يجوز الاستعانة في أدائها بمذكرات مكتوبة)) والحق أن أقوال المتهمين والتي كيّفها القضاة مصدريّ الحكم على أنه شهادة ، والتي كان في مضمونها عدم مشاهدة الجناة لارتكاب جريمتهم أو تلك الأقوال التي قدح القضاة في صحتها ، لم تؤدى أمام القضاة في مجلس الحكم شفوياً ، وإنما استند القضاة عليها من ملفات التحقيق.
9- بطd