المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرقص على أجساد الجرحى



د. ناصر بن زيد بن داود
14-05-2010, 02:15 AM
التحق شاب بـ ( كتيبة الحسم ) ، وهي أقوى كتائب الجيش ، ولم يكن الشاب تواقاً للالتحاق بهذه الكتيبة ، ولا راغباً فيها ؛ غير أن الله شاء له ذلك لحكمة ظهرت له ولغيره لاحق أمره .

أظهر الشاب تميزاً عن أقرانه لدى ثلاثة من قادة الكتيبة ، وترقى فيها ليكون آمراً لإحدى سراياها .

اختلفت الحال مع قائد الكتيبة الرابع ، وبدأت أحوال صاحبنا تسوء ، وما هي إلا أيام حتى بدأ القائد ومستشاروه بتصفية الكتيبة من كثير من أفرادها ، وكان أغلب الذين تعرض لهم القائد الجديد ممن يخشى منازعتهم له ، أو تمردهم عليه .

اتخذ القائد طريقته الدموية لفرض هيبته على جميع أفراد الكتيبة ، فأذعن له الكثير خوفاً من بطشه ، وتحاشاه عامتهم ، إما خوفاً منه ، وإما طمعاً فيما عنده .

مرت عشر سنوات على بدء استهداف القائد لصاحبنا ، لم ينفك القائد - طيلة هذه المدة - من اقتناص ما يمكنه للحط من شأن ذلك الشاب ؛ غير أنه عجز عن إقناع مستشاريه بالتضحية به كأسلافه .

أدرك صاحبنا ما ينويه قائد الكتيبة به ، وعرف سبب ذلك ، فانبرى لمنازلته ، وكان الشاب فتياً متقناً فن المناورة ، قادراً على سياسة حصانه سياسة أعيا على القائد معها توجيه ضربته القاتلة ، في الوقت الذي ينال الشاب منه في كل كرَّة ومع كل فرَّة .

عندما أثخنت القائد جراحه انتفض مغضباً ، وانقض على الشاب ، فضربه ضربة أصابت حصانه ، فقدته نصفين ، سقط الشاب على الأرض ، غير أنه عدا على قدميه نحو أحد الأحصنة ، فامتطى صهوته ، وكر على القائد فأصابه ، ثم عاود الكرة عليه لا ينفك عنه يزيد في جراحه قدر طاقته ، ويجرده من عتاده .

اشتد الألم على القائد ، فاستغاث بمن حوله ، فلم يسعفه أحد ، فشد على الشاب مرة ثانية ، وأومأ عليه برمحه ، فراغ صاحبنا عنه ، ليستقر الرمح في عنق الحصان ، ويقع فارسنا على الأرض مرة أخرى ، إلا أنه قام على الفور ، واشتد في عدوه نحو فرس في جانب ميدان المنازلة ، فقفز على ظهرها ، وكر على القائد مرة ثالثة ؛ ليوسعه ضرباً ويزيد في جراحه أكثر من ذي قبل .

لما رأى المستشارون ما حل بقائدهم رفعوا قسيهم ووجهوها نحو الشاب ، ورموه بنبالهم التي لم تفارق جسده ، فسقط على الأرض ؛ ليقف عليه القائد المجهد ، فيجهز عليه بضربة خائرة ، لم يلبث القائد بعدها حتى وقع صريعاً لا يجد من يحمله إلى مثواه .

بعد أن صرع القائد تراقص أفراد الكتيبة ؛ طرباً لما حلَّ به ، وفرحاً بما أصابه ، وانقض بعض الأفراد على مركز القيادة ، كل منهم يطمع في الحصول على ما يقيم به عوجه ، ويعلي به شأنه .

كان الأفراد في تراقصهم وانقضاضهم وتدافعهم يمرون على جسد ذلك الشاب الذي خلَّصهم من جور قائدهم ، وهم لا يشعرون بأنه لا يزال حياً ، يرمقهم بنظره ؛ جذلاً لسرورهم ، وفرحاً بزوال همهم ، واغتباطاً بانقشاع الظلم عنهم ، غير آبهٍ بآلامه ، ولا طامعٍ بإكرامه ، وهو في حاله تلك يغالب جراحه ؛ خشية أن تنزف ما بقي من دمه .

=

سيادة القانون
14-05-2010, 08:44 AM
المتراقصون على أجساد الجرحى جبناء ولكنهم أذكياء ..هناك حروب من الأفضل أن لا يخوض غمارها الفتى ..وإن كان لا بد فليجعل له محاربين بالوكالة..وليرقص مع الراقصين خير له من أنين الجراح .

الوثاب
14-05-2010, 05:29 PM
سلم يراعك.. خاطرة جميلة بنفس أدبي رائع..

لكن يا فضيلة الدكتور حبذا لو وضحتم الرمزية المقصودة في هذه الخاطرة؟

الوثاب
19-05-2010, 12:29 AM
يا فضيلة الدكتور حبذا لو وضحتم الرمزية المقصودة في هذه الخاطرة؟




إن شاء فضيلتكم أن يحتفظ بمعنى تلك الرمزية
في بطن الشاعر كما يقال..

فلا أقل من اتباع هذه الخاطرة
بشيء من الدروس والعبر المستلهمة منها

د. ناصر بن زيد بن داود
19-05-2010, 01:32 AM
أخي الكريم : الوثاب .
لعلك قرأت ، أو فاقرأ الموضوع التالي ، ففيه ما طلبت من الدروس والعبر المستلهمة من كلا الموضوعين :
http://www.cojss.com/article.php?a=206 (http://www.cojss.com/article.php?a=206)

المحامي علي السعدون
22-05-2010, 08:41 AM
هذه من أحوال الدنيا . وغرائزها عندما تستقر في قلوبنا .. فكلما توغلت أكثر الى القلب كلما أضلتنا عن الهدف لوجودنا فيها . حتى نكون في مركب صغيرعلى بحر تتطلام امواجه اينما تذهب به ذهب .لاحول ولاقوة . هذا أن لم تغرقنا ونلقى الله ونحن غرقى فيها ( ولاتكونوا كالذين نسوا الله ......)