المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأحكام الغيابية



طارق محمد اسماعيل
22-01-2019, 11:13 AM
أولاً : تعريف الحكم الغيابي

تنقسم الأحكام الجزائية بحسب صدورها إلى أحكام حضورية، وأحكام حضورية اعتبارية وأحكام غيابية.

فالحكم هو " قرار يصدر من المحكمة تنتهي به خصومة معينة " ، والعبرة في هذا التقسيم هو صدور الحكم في مواجهة المتهم من عدمه، فقد نصـت المادة (165) من قانون الإجراءات الجزائية أنه " يجب حضور المتهم بنفسه في جميع إجراءات المحاكمة في الجنايات والجنح المعاقب عليها بالسجن، ويجوز له في غير ذلك أن يعين وكيلا عنه، ولغير المتهم من الخصوم أن ينيبوا عنهم وكلاءهم في الحضور،.........ومع ذلك يجوز في جميع الأحوال أن يحضر وكيل عن المتهم ويبدي عذره في عدم الحضور، فإذا رأت المحكمة أن العذر مقبول تعين ميعادا لحضور المتهم أمامها ويخطر بذلك ".

وتنص المادة( 166) من ذات القانون انه " إذا تخلف المتهم أو غيره من

الخصوم عن الحضور فعلى المحكمة أن تتأكد من أنه أعلن إعلانا صحيحا ولها أن تؤجل نظر الدعوى إلى جلسة أخرى يعاد إعلانه بها، فإذا لم يحضر المتهم دون عذر مقبول بعد إعلانه شخصيا، فلها أن تنظر الدعوى في غيبته ويعتبر الحكم الذي يصدر بمثابة الحكم الحضوري".



من خلال ما سبق يمكن تعريف الحكم الغيابي بأنه : " الذي يصدر في الدعوى بدون أن يحضر المتهم جميع جلسات المرافعة ولو حضر جلسة النطق بالحكم طالما أنه لم تجرى مرافعة في هذه الجلسة " ، فإذا حضر المتهم جلسات المرافعة ولم يحضر جلسة النطق بالحكم فإن الحكم يكون حضورياً، فالعبرة هنا في تمكن المتهم من إبداء دفاعه حول التهمة المنسوبة إليه، أما إذا حضر المتهم بعض جلسات المرافعة ولم يحضر في بعض الجلسات الأخرى التي سمعت المحكمة فيها شاهدا أو ناقشت خبير، اعتبر الحكم غيابيا لعدم تمكنه من إبداء دفاعه في الجلسات التي لم يحضرها.

فمن المقرر في قضاء المحكمة العليا " انه يكون الحكم حضورياً إذا حضر المحكوم عليه في الجلسات التي تمت فيها المرافعة ولو تغيب يوم النطق بالحكم ما دامت لم تجري مرافعة في هذا اليوم، والمقصود بحضور المحكوم عليه جلسات المرافعة أن يكون قد تمكن من الدفاع عن نفسه، فتغيبه عن بعض الجلسات لا يجعل الحكم غيابيا متى كان قد مكن من الاطلاع والرد على ما جاء بها، فالحكم يكون حضورياً كلما ثبت أن المتهم قد حضر جميع الجلسات التي اتخذت فيها إجراءات المحاكمة، فإذا تغيب عن جلسة سمعت فيها المحكمة إفادة شاهد أو ناقشت تقرير خبير أو قدم فيها الادعاء طلبات جديدة كان الحكم غيابيا ولو حضر المتهم الجلسات الأخرى التي اتخذت فيها سائر إجراءات المحاكمة، وحضر أيضا جلسة النطق بالحكم ولكن أعادت المحكمة هذه الإجراءات في جلسة تالية حضرها المتهم فإن الحكم يكون حضورا ، ولا يحول دون كون الحكم حضورياً أن يتغيب المتهم عن جلسة لم يتخذ فيها إجراء من إجراءات المحاكمة...." .



ويفهم مما سبق أن أي جلسة تمت فيها أحد إجراءات المحاكمة ولم يكن المتهم حاضرا فيها لإبداء دفاعه ولم تقم المحكمة بإعادة هذه الإجراءات في حضوره بجلسة تالية فإن الحكم على المتهم يكون غيابيا حتى وان حضر جلسة النطق بالحكم

وهــذا المفهوم يأتي متوافقا مع ما قرره النظام الأساسي للدولة في المادة(22) " المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع وفقا للقانون.......... ".

أما الحكم الحضوري فهو الذي يصدر في حضور المتهم جلسات المحاكمة سواء بنفسه أو بواسطة وكيل عنه في الأحوال المبينة في المادة( 165) من قانون الإجراءات الجزائية، وحضور المتهم جميع جلسات المرافعة وتغيبه عن جلسة النطق بالحكم لا يحول دون اعتبار الحكم حضورياً بحقه كما ذكرنا سلفا.

بيد أنه تختلف قواعد الحضور في مواد الجنايات عنها في مواد الجنح والمخالفات، ذلك أن المادة(165) من قانون الإجراءات الجزائية اشترطت حضور المتهم جميع إجراءات المحاكمة في الجنايات والجنح المعاقب عليها بالسجن ولا يجوز التنازل عن ذلك، بينما في الجنح والمخالفات المعاقب عليها بالغرامة فيجوز أن يحضر عن المتهم وكيلا عنه.

كما أنه يجوز في جميع الأحوال حضور وكيل المتهم لإبداء عذره في عدم حضوره لجلسة المحاكمة، فإن رأت المحكمة أن العذر مقبول تعين لها تأجيل الجلسة لحضور المتهم أمامها وعليها أن تتأكد من اخطاره بذلك، فمهمة وكيل المتهم في الأحوال السابقة تقديم عذر مقبول للمحكمة عن سبب عدم حضور المتهم ، فإذا قام الوكيل بالمرافعة في الدعوى خطأ ، فإن المرافعة تقع باطلة ولا يغير من اعتبار الحكم غيابيا .

الحكم الحضوري الاعتباري كما بينته المواد(167،166) من قانون الإجراءات الجزائية هو الذي يصدر في غيبة المتهم الذي تم إعلانه إعلانا صحيحا بموعد الجلسة، فعلى المحكمة أن تتأكد من إعلان المتهم إعلاناً صحيحاً ولها بعد ذلك إما إعادة الإعلان أو نظر الدعوى في غيبته وحكمها في هذه الحالة يكون بمثابة الحضوري.

ويكون الحكم الحضوري اعتبارياً أيضاً بالنسبة لكل من لم يحضر من الخصوم عند النداء على الدعوى ولو غادر الجلسة بعد ذلك أو تخلف عن الحضور في الجلسات التي تؤجل فيها الدعوى بدون أن يقدم عذرا مقبولا.

ويشترط حتى يكون الحكم حضوري اعتباري إن يكون التغيب بدون عذر مقبول كما بينته المادة (166) من قانون الإجراءات الجزائية.

وقد ميز القانون بين الحكم الحضوري الاعتباري وبمثابة الحضوري ، فالأول حضور المتهم عند النداء على الدعوى ولو غادر الجلسة بعد ذلك أو تخلف عن الحضور في الجلسات التي تؤجل إليها الدعوى بدون تقديم عذر مقبول، والثاني عدم حضور المتهم الجلسة المحددة لنظر الدعوى بدون عذر مقبول بعد تأكد المحكمة من إعلانه شخصيا بموعدها ، وهذه التفرقة اللفظية ليس لها الأثر في تغيير طريقة الطعن على الحكم، ففي كلتا الحالتين يتم الطعن بالاستنئاف عليها حسب ما قررته المادة ( 238) من قانون الإجراءات الجزائية.

ويسقط الحكم الحضوري الاعتباري والغيابي إذا حضر المتهم قبل انتهاء الجلسة التي صدر الحكم في غيبته ، وعلى المحكمة إعادة نظر الدعوى من جديد وإجراء جميع إجراءات المحاكمة في حضوره .

ثانيا ً: أهمية التفرقة بين الأحكام الغيابية والحضورية والحضورية الاعتبارية

تتمثل أهمية التفرقة بين أنواع الأحكام الثلاثة من حيث طرق الطعن بالمعارضة، فالأحكام الحضورية والمعتبرة حضورياً لا تقبل الطعن بالمعارضة،أما الأحكام الغيابية فهي التي تقبل الطعن بالمعارضة، فالمادة(230) من قانون الإجراءات الجزائية بينت أن الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح والمخالفات هي التي يجوز الطعن فيها بالمعارضة ، فلا يجوز الطعن بالمعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنايات ، إنما تعاد نظر الدعوى أمام المحكمة.

وتبدو أهمية التفرقة أيضاً في أن الأحكام الحضورية والمعتبرة حضورياً يجب أن تكون صادرة بناءاً على إجراء تحقيق نهائي في الجلسة ، بخلاف الأحكام الغيابية التي يجوز إصدارها بناءاً على اطلاع المحكمة على الأوراق وبدون تحقيق .

كما أن الحكم الحضوري اقرب للعدالة والحقيقة من الحكم الغيابي كونه صدر بعد تحقيق نهائي ومحاكمة متكاملة مُكن فيها المتهم من إبداء دفاعه حول الدعوى .

ومن حيث الحجية، يعتبر الحكم الحضوري قطعي بمجرد النطق به، أما الأحكام الغيابية والمعتبرة حضورياً في الجنح والمخالفات فتسقط بقوة القانون بمجرد حضور المتهم الجلسة قبل انتهاءها ويتعين هنا إعادة نظر الدعوى في

حضوره كما بينا سلفاً.

أما في مواد الجنايات فإن حضور المتهم بنفسه أو بسبب إلقاء القبض عليه يسقط الحكم الغيابي وذلك قبل سقوط العقوبة بمضي المدة فهنا يعاد نظر الدعوى في حضوره أيضا استنادا لنصوص المواد (170 ، 328) من قانون الإجراءات الجزائية .

ثالثا ً: أسباب غياب المتهم عن حضور جلسات المحاكمة

1- غياب المتهم لعدم علمه بموعد الجلسة: وذلك إما لأن التكليف بالحضور لم يوجه إليه إطلاقاً أو وجه إليه باطلاً ، فقد بينت المادة(164) من قانون الإجراءات الجزائية كيفية إعلان المتهم بموعد الجلسة والمنصوص عليها بالمواد(71،70) من ذات القانون.

والمادة(163) من قانون الإجراءات الجزائية بينت شروط صحة ورقة التكليف بالحضور، وهي أن تكون قد سُلمت له قبل انعقاد الجلسة بثلاثة أيام في المخالفات، وسبعة أيام في الجنح، وعشرة أيام في الجنايات، وأن تذكر في ورقة التكليف بالحضور التهمة ومواد القانون التي تنص على العقوبة.

فإذا أعلن المتهم بميعاد أقل من الميعاد المبين في المادة السابقة وحضر المتهم كان له أن يطلب من المحكمة تأجيل نظر الدعوى، فإن رفضت المحكمة ذلك وترافع مرغماً كان ذلك إخلالاً بحق الدفاع يترتب عليه بطلان الحكم


وقد قضت المحكمة العليا بأنه " إذا لم يعط المتهم وقتا كافيا للحضور للحكم أو تم إعلانه قبل يوم واحد في الجلسة المحددة ولم يتمكن من الحضور وحجزت المحكمة القضية للحكم في غيابه فإن إجراءات المحاكمة باطلة " .

2- غياب المتهم لتوافر عذر قهري منعه من الحضور: فبعد إعلان المتهم إعلاناً صحيحا في الميعاد القانوني عن موعد الجلسة تعذر حضوره بسبب عذر قاهر كالمرض أو انقطاع المواصلات، فللمحكمة السلطة التقديرية لهذا العذر وقوته ،فإن رأت أن العذر مقبول توجب عليها تأجيل الدعوى لجلسة تالية وإعلان المتهم بها استنادا لنـص المادة(165) من قانون الإجراءات الجزائية.

3- غياب المتهم عن حضور جلسة المحاكمة بإرادته: ويرجع سبب عدم حضوره إما لإهماله أو خوفه من مواجهة القضاء ، فللمحكمة نظر الدعوى في غيبته بعد التأكد من صحة إعلانه ويعتبـــر الحكـــــم هنا بمثابــــة الحضوري وفقا لمفهوم المادة (166) إجراءات جزائية.

وأجاز القانون حضور وكيل عن المتهم إجراءات المحاكمة في الجنح والمخالفات المعاقب عليها بالغرامة (165) إجراءات جزائية .

رابعاً: سقوط العقوبة في الأحكام الغيابية

أ- في مواد الجنح والمخالفات


تنص المادة (328) من قانون الإجراءات الجزائية " تسقط العقوبة المحكوم بها في جناية بمضي عشرين سنة إلا عقوبة الإعدام فإنها تسقط بمضي ثلاثين سنة وتسقط العقوبة المحكوم بها في جنحة بمضي خمس سنوات وفي مخالفة بمضي سنتين،وتبدأ المدة من وقت صيرورة الحكم نهائيا ، إلا إذا كانت العقوبة محكوما بها غيابيا في جناية فتبدأ المدة من يوم صدور الحكم ".

تسري مدة سقوط العقوبة من تاريخ صيرورة الحكم نهائيا، والحكم النهائي هو الذي يصدر من محكمة الاستئناف سواء كانت الواقعة جناية أو جنحة أو مخالفة حسب الأحوال، كما يكون الحكم نهائي بصدوره من محكمة الجنح أو محكمة الاستئناف إلا أن المحكوم عليه لم يطعن فيه حسب الطرق والمواعيد المقررة قانونا.

أما بالنسبة للأحكام الغيابية في الجنح والمخالفات فيجب أولاً إعلان المحكوم عليه بالحكم ، ثم تبدأ مدة السقوط بعد انتهاء ميعادي المعارضة والاستئناف المبينة في القانون أو صدور حكم نهائي في الدعوى ،فإذا لم يعلن المحكوم عليه غيابياً بالحكم فلا مجال لبحث سقوط العقوبة لأن الحكم لم يصبح نهائيا، فتحسب مدة انقضاء الدعوى العمومية ، فالمادة(15) من قانون الإجراءات الجزائية بينت حالات انقضاء الدعوى العمومية ومنها صدور حكم نهائي في الدعوى، وهنا لم يصبح الحكم نهائيا وبالتالي تحسب المدة المنصوص عليها في المادة (16) من قانون الإجراءات الجزائية وهي مضي ثلاث سنوات في الجنح و سنة في المخالفات من يوم وقوع الجريمة.

إلا أن إجراءات المحاكمة المتخذة قطعت هذه المدة التي بدأت من يوم وقوع الجريمة، فيعتبر أخر إجراء قاطع للمدة هو الحكم استنادا لنص المادة(18) من قانون الإجراءات الجزائ


فالحكم الغيابي يعتبر مجرد إجراء من إجراءات الدعوى ، والتقادم الذي يسري اعتبارا من تاريخ صدوره هو تقادم الدعوى العمومية دون تقادم العقوبة أما إذا أعلن المحكوم عليه بالحكم الغيابي ولم يعارض الحكم وفوت ميعاد الاستئناف فتبدأ مدة سقوط العقوبة كون الحكم أصبح نهائياً .

ويرى الباحث أن هذا الرأي يجانب الصواب ، إذ لو طبقت المادة (328) من قانون الإجراءات الجزائية باعتبار أنه إذا لم يصبح الحكم نهائياً فلا يمكن احتساب مدة سقوط العقوبة ، فسنرى أن الأحكام الصادرة غيابياً في الجنايات المقضي فيها بالإعدام والسجن المطلق تسقط بمضي المدة ، أما في الجنح فلن تسقط كون الحكم لم يصبح نهائياً وستظل الأحكام تلاحق المحكوم عليه حتى إعلانه بها وهو ما لا يتوافق مع مبادئ العدالة والمنطق ، كما أنه جرى العمل على ذلك في المحاكم المصرية وفقاً للأحكام الصادرة من محكمة النقض.
ب- في مواد الجنايات
استثنى المشرع الأحكام الغيابية الصادرة في مواد الجنايات في حساب المدة فهي تبدأ من يوم صدور الحكم ، فالعقوبة المحكوم بها في الجنايات تسقط بمضي عشرين سنة إلا عقوبة الإعدام فبمضي ثلاثين سنة من تاريخ صدور الحكم.
وعلة المشرع في ذلك انه أراد المساواة في سريان مدة سقوط العقوبة بين المتهم الحاضر والمتهم الغائب، إذ لو طبقا القاعدة المبينة في مواد الجنح والمخالفات ،فإن المحكوم عليه سيستفيد من مدة تقادم الدعوى العمومية المبينة في المادة (16) من قانون الإجراءات الجزائية وهي عشر سنوات في الجنايات عموما وعشرين سنة في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المطلق،ومن أجل ذلك قضى القانون بأن المحكوم عليه غيابيا في جناية لا يمكنه الاستفادة من نظام سقوط الدعوى العمومية بل من نظام سقوط العقوبة شأنه شأن الحاضر ، فتبدأ مدة السقوط من تاريخ صدور الحكم الغيابي. منقول

ابو محمد 2
22-01-2019, 05:20 PM
جزاك الله خير